حقوق الإنسان في سويسرا ..إنجازات مهمة وتجاوزات مستنكرة
لئن رحّب التقرير السنوي لمنظمة العفو الدولية حول أوضاع حقوق الإنسان في سويسرا لعام 2010 ببعض الإنجازات المهمة التي تحققت كإنشاء أوّل مؤسسة وطنية لحقوق الإنسان، وتكوين لجنة وطنية للوقاية من التعذيب، ومراقبة الأوضاع في المؤسسات العقابية.
فإن هذا التقرير الذي يشتمل على 432 صفحة، ينتقد أيضا بعض الخطوات التي اتخذتها سويسرا والتي تمثل انتكاسة لحقوق الإنسان، ومن ذلك الإستفتاء الشعبي الذي أدخل بموجبه تعديلا على الدستور يسمح بالطرد الفوري للأجانب الذين يرتكبون صنفا من الجرائم، ويشير إلى غياب تعريف واضح في قانون العقوبات السويسرية لما يدخل ضمن جرائم التعذيب ويكون في توافق مع القانون الدولي.
انجازات مشجعة
من الإنجازات المهمة التي شهدتها سويسرا في مجال حقوق الإنسان سنة 2010 كما يذكر تقرير منظمة العفو الدولية الإعلان عن إنشاء مركز الخبرة السويسري لحقوق الإنسان كخطوة تمهيدية تسبق إنشاء مؤسسة وطنية مستقلة لحقوق الإنسان ينادي بها المجتمع المدني في البلاد منذ أزيد من عشر سنوات.
لكن ما يؤاخذ على هذا المركز الذي يرأسه فالتر كالين، والذي هو عبارة عن شبكة مكونة من طرف جامعات برن وفريبورغ، ونوشاتيل، وزيورخ، ومعهد كورت بوش، هو بحسب منظمة العفو الدولية عدم إستقلاليته في تمويله، وفي موارده عن دوائر الحكومة، وكذلك محدودية دوره وسلطته على السلطات الكانتونية.
وفي كل الأحوال يظل هذا المركز مشروعا تجريبيا حددت مدة نشاطه بخمسة أعوام، وترعاه بالاشتراك كل من وزارة الخارجية، ووزارة العدل والشرطة.
كذلك تنوّه هذه الوثيقة بالقرار الشجاع الذي اتخذته الحكومة السويسرية بإستضافة بعض المعتقلين السابقيْن من سجناء غوانتانامو، يتعلّق الأمر بمواطن أوزبكي أستقبل كلاجئ في جنيف. وكذلك إستضاف كانتون الجورا معتقليْن إيغوريين سابقين في غوانتانامو بعد ان برأتهما المحاكم الامريكية من اي تهم تتعلق بالإرهاب.
ويلفت التقرير الأنظار إلى القرار الذي اتخذته المحكمة الإدارية الفدرالية التي ألغت قرارا سابقا من المكتب الفدرالي للهجرة والإندماج الذي رفض النظر في ملف أحد المعتقلين الآخرين، وجاء في مورد تعليل الحكم أن: “تقييم المكتب الفدرالي للهجرة للإنعكاسات الأمنية لقدوم ذلك المعتقل لم يأخذ بعين الإعتبار الوثائق التي قدمتها الإدارة الأمريكية، لم يدرس الوضعية بجدية”.
تجاوزات أجهزة الأمن
مثل هذه الخطوات الإيجابية، لا تنسي منظمة العفو الدولية التذكير بعدد من التجاوزات التي طبعت سنة 2010، ومن ذلك تعبير لجنة مناهضة التعذيب التابعة للأمم المتحدة في شهر مايو من السنة الماضية عن إنشغالها وقلقها من مبالغة الشرطة السويسرية في استعمال القوة خلال التحقيقات، خاصة عندما يتعلق الأمر بجنسيات أجنبية، وعلى وجه الخصوص في حالة رعايا البلدان الأفريقية. وبهذه المناسبة، أعادت لجنة الأمم المتحدة لمكافحة التعذيب التأكيد مرة أخرى على الحاجة إلى إنشاء آلية مستقلة للتحقيق بشأن هذه الاتهامات والشكاوى على مستوى الكانتونات كلها.
ويذكر في هذا السياق مطالبة لجنة الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب من سويسرا فتح تحقيق مستقل ومحايد بشأن وفاة أحد طالبي اللجوء من اصل نيجيري خلال عملية ترحيله القسرية بمطار زيورخ في شهر مارس 2010. وفي هذه النقطة بالذات يشير التقرير إلى أن “شهود عيان ذكروا أن الأشخاص الذين تقرر في حقهم الترحيل القسري يتم تحديد حركتهم، وتقيّد أيديهم وأرجلهم، وتثبت ركبههم وأذرعتهم على كرسي محمول”.
انتهاكات بحق اللاجئين والمهاجرين
رغم صدور قرار قضائي من المحكمة الإدارية الفدرالية في شهر فبراير من السنة الماضية يوقف عملية ترحيل طالبي اللجوء القادمين من التراب اليوناني، ضربت السلطات المعنية بعرض الحائط ذلك القرار، وقام المكتب الفدرالي للهجرة خلال عام 2010 بطرد 50 طالب لجوء إلى اليونان.
كذلك أدانت لجنة الأمم المتحدة لمكافحة التعذيب سويسرا خلال العام الماضي، وطالبتها بإجراء تعديلات على القوانين المنظمة لإقامة الأجانب في البلاد، ومن ذلك القانون الذي يسمح للسلطات بالطرد الآلي والفوري للأجانب الذين تشتبه السلطات في كونهم يمثلون تهديدا للأمن العام.
ومما نقرأ في هذه الوثيقة أيضا إدانة المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان والتي يوجد مقرها بستراسبورغ ما اعتبرته انتهاكا من سويسرا لحق الخصوصية والحق في اجتماع أواصر العائلة في حق أثيوبيّتيْن من طالبي اللجوء “اللتيْن أجبرتا على الإقامة في مراكز إيواء في كانتون مختلف عن الكانتون الذي يقيم فيه زوجاهما، وذلك لمدة خمس سنوات، في انتظار ترحيل العائلتيْن إلى بلدهما الأصلي”. ناهيك أن لجنة الامم المتحدة للحقوق الإقتصادية والإجتماعية والثقافية قد عبّرت عن “انشغالها وقلقها لإقدام سويسرا على إيواء طالبي اللجوء في ملاجئ محصّنة ضد الهجمات النووية، وذلك لمدد زمنية غير محدودة”.
وبشأن العنف المنزلي، يطلب التقرير من الحكومة السويسرية إستصدار قانون يجرّم العنف المنزلي، ويضمن للضحايا خاصة من المقيمات الأجنبيات بطريقة غير شرعية، التقدم بشكوى ضد العنف الممارس عليهن من دون الخوف من مواجهة إجراءات انتقامية.
وللخروج من هذه الوضعية الحرجة، طالبت لجنة الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب، ولجنة الأمم المتحدة للحقوق الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، بتعديل قوانين الإقامة التي أجبرت النساء المهاجرات على تحمّل الانتهاكات داخل المنازل خوفا من فقدان تراخيص إقامتهن.
تحت شعار: “أرغب في الحصول على الإثنيْن: الحق في العمل، والحرية في التعبير”. خصص تقرير منظمة العفو الدولية حول أوضاع حقوق الإنسان في البلدان العربية العشرات من الصفحات، نقتصر هنا على بعض المقتطفات منه:
“مثّل إقدام الشاب التونسي محمد البوعزيزي على حرق نفسه في شهر ديسمبر 2010 امام مقر محافظة سيدي بوزيد بوسط الجمهورية التونسية على درجة الإحباط واليأس التي بلغها الكثيرون من جيل الشباب في تونس وفي العديد من البلدان العربية، إحباط هو نتيجة هيمنة فئة قليلة على كل المقدرات الاقتصادية في هذه البلدان، وإمساكها بكل خيوط السلطة والنفوذ فيها وذلك خلال عقود طويلة متتالية”.
“حرية التعبير هي حجر الأساسي لكل مسعى يريد الوصول إلى التمتع بجميع الحقوق الأساسية، لكن هذه الحرية كانت منتهكة، ومضيّق عليها في جميع البلدان العربية. لهذا الإعتبار ظلت المطالبة بحرية التعبير رديفة ومقترنة بالمطالبة بحق تكوين الجمعيات السياسية والمدنية، وحرص السلطات من جهة أخرى على طمس تلك الحقوق والتضييق عليها سعيا منها للحفاظ على امتيازات السلطة”.
“لقد حرصت الأنظمة العربية خلال 2010 على تعزيز هيمنتها وسيطرتها على كل مصادر المعلومات ووسائل نشرها بمختلف وسائل الإعلام، لكن تلك السلطات واجهتها تحديات جديدة لا قبل لها بها خاصة أداة الإنترنت، ووسائل التواصل الإجتماعي، التي مكنت المواطنين من تحرير إرادتهم في الإعلام، ومن تحطيم قيود الرقابة والتسلط عليهم”.
“ظل التعذيب، وسوء معاملة المعتقلين، مشهدا عاما يشمل جميع الانظمة والبلدان. وأغلب الضحايا هم من المعارضين السياسيين، الذين يتم احتجازهم في أماكن مجهولة من الجميع، وخلال الإستنطاق تستعمل معهم الطرق الخشنة، ويتم تجويعهم لأيام وليال. ممارسة العنف من طرف الشرطة يسلّط أيضا على مساجين الحق العام في بلد مثل مصر”.
“شهدت سنة 2010 تحسينات طفيفة في أوضاع المرأة العربية، لكن مواجهة التمييز والعنف لازالا ممارسيْن. ولا يزال الرجل يتمتع بحقوق ليست في متناول المرأة، وذلك بمقتضى قوانين الاحوال الشخصية المعمول بها في العديد من البلدان العربية. كذلك لا زالت الفتيات يجبرن على الزواج باختيار أقربائهن وليس بإرادتهن”.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.