خطوة أولى باتجاه توفير تغطية صحية شاملة وعادلة للجميع
من النقاط الهامة في الدورة 64 للجمعية العامة للصحة العالمية، مصادقتها على قرار يحث دول العالم على إدخال نظام تغطية صحية يسمح للجميع بمن فيها الفئات الفقيرة بالإستفادة من وسائل العلاج الصحي.
وفي هذا السياق، تعتبر منظمة “أطباء العالم” غير الحكومية أن حوالي 100 مليون شخص يلتحقون سنويا بفئة الفقراء في العالم بسبب نفقات طبية طارئة تثقل ميزانيتهم.
ومن أجل لفت الأنظار إلى تأثيرات الأزمة المالية والاقتصادية على حق الأشخاص، وبالأخص الفئات الأكثر فقرا في المجتمع في التمتع بالرعاية الصحية الأساسية، قامت منظمة أطباء العالم بتنظيم حملة تحسيسية أمام مقر اجتماع الدورة الرابعة والستين لمنظمة الصحية العالمية المنعقدة في جنيف (ما بين 16 و 24 مايو 2011)
الحملة التي رفعت شعار”الرعاية الصحية ليست ترفا” يراد بها أن تجلب انتباه الرأي العام وانتباه المسؤولين عن الصحة في العالم للتأثيرات السلبية التي أحدثتها الأزمة المالية والاقتصادية على حق الافراد في الوصول الى الرعاية الصحية. وهذا ما تقول بشأنه مديرة الفرع السويسري لمنظمة “أطباء العالم” باسكال جيرون: “جسدناه بسيارة ليموزين فخمة تمثل سيارة إسعاف متوفرة ولكن ليس في متناول الكثير من الفئات الفقيرة في المجتمع دفع ثمن الرحلة بها للوصول الى مراكز العلاج”.
في الشمال والجنوب
لم تعمل الأزمة المالية والاقتصادية على تدهور الأوضاع المعيشية والصحية لسكان الجنوب فقط بل ايضا لدى فئات من سكان الشمال. وفي هذا الصدد، تقول مديرة الفرع السويسري لمنظمة أطباء العالم باسكال جيرون: “إن العديد في بلدان الشمال من الفئات الأقل دخلا تخلوا عن تلقي بعض أنواع العلاج لأسباب اقتصادية ونظرا لارتفاع التكاليف”. ومن بين الأمثلة التي أوردتها “توصل دراسة قام بها المستشفى الجامعي في جنيف الى أن 15% من سكان جنيف تخلوا عن تغطية تأمين صحي لأسباب اقتصادية”.
في السياق نفسه، أوردت المنظمة إحصائيات تتعلق بتأثيرات الأزمة المالية على القطاع الصحي وإمكانية الوصول الى الرعاية الصحية، حيث سجلت أكثر من 22 ألف حالة وفاة أطفال في العالم بأمراض كان بالإمكان تفاديها لو تم تلقي العلاج. كما أن أكثر من الف امرأة حامل تتعرض للوفاة يوميا بسبب تعقيدات الوضع (570 في افريقيا ما وراء الصحراء، 300 في جنوب آسيا، و 5 فقط في البلدان الغنية).
وتعاني العديد من الدول من نقص في الأطباء وفي موظفي قطاع الصحة حيث أن بلدانا مثل مالي او بوركينافاسو أو البينين أو ليبيريا لا يتوفر فيها إلا طبيب واحد لكل عشرة آلاف ساكن، في حين تتوفر فرنسا مثلا على 30 طبيبا لكل عشرة آلاف ساكن.
وتشدد المسؤولة عن الفرع السويسري لـ “أطباء العالم” على أن الحملة التي تقوم بها منظمتها ترمي إلى “جلب الإنتباه إلى هذه الفوارق القائمة في مجال الرعاية الصحية بين الدول وبين الفئات المختلفة داخل الدولة الواحدة وحتى في أوروبا وفي سويسرا”.
تغطية صحية مستدامة للجميع
المدير العام لمنظمة أطباء العالم بيار سالينيون لا يتردد من ناحيته في القول بأن “الرعاية الصحية أصبحت اليوم من الإمتيازات التي تنعم بها فئات محددة في بلدان العالم الثالث”. وبلغة الأرقام، أوضح أنه في دولة مثل مالي “تُضطر سيدة حامل لدفع مبلغ 60 الف فرنك CFA (حوالي 130 دولار) مقابل إجراء عملية قيصرية وهو أمر يحدث في عائلات تعيش على دخل دولار واحد في اليوم”.
وبهذه المناسبة، ذكـّـر بيار سالينيون بعمل مشترك بين منظمة الصحة العالمية ومنظمة العمل الدولية انطلق منذ شهر يوليو 2010 بغرض التوصل الى حماية قاعدية للجميع ضد المرض. وهو التحرك الذي أسفر عن مشروع قرارتبناه المجلس التنفيذي لمنظمة الصحة العالمية في اجتماعه الأخير وتبنته الجميعة العامة لمنظمة الصحة العالمية في دورتها الحالية في جنيف تحت عنوان: “استدامة هياكل تمويل قطاع الصحة والتغطية الشاملة”.
ويهدف هذا المشروع إلى إقامة نظام لتمويل قطاع الصحة، من خلال تفادي الدفوعات المباشرة الباهظة التي تقدم في مكان تلقي العلاج وتعويضها بمساهمات مالية مسبقة. وهو ما يعني بعبارة أخرى، إدخال نظام تأمين صحي شامل وعادل بمساهمات مالية ميسرة بالنسبة لجميع المواطنين، تدفع مسبقا بدل اضطرار الشخص المريض إلى فع مبالغ طائلة تفوق ميزانيته أو الاحجام عن تلقي العلاج بسبب عدم توفر المبلغ اللازم.
مع ذلك، لا يعني إصدار منظمة الصحة العالمية لقرار “يحث الدول بصورة طوعية على تغطية صحية للجميع بتمويل مستدام” تحقيق تقدم كبير نحو الإنجاز ما لم يتم تحديد الطريقة التي سيتم بها تمويل هذه الجهود. لذلك، حرص مدير منظمة أطباء العالم على التصريح بأن “تواجدنا هنا أمام الجمعية العامة لمنظمة الصحة العالمية يرمي إلى دفع الوزراء والدول الى التشديد على طرح موضوع تمويل التغطية الصحية الشاملة والمستدامة خارج إطار اجتماع منظمة الصحة، أي أمام اجتماع مجموعة الدول العشرين في شهر سبتمبر المقبل على أن لا يكون موضوعا فرعيا بل رئيسيا”.
تجارب ناجحة
ومن خلال الخبرة التي راكمتها في البلدان النامية أو في بعض بلدان الشمال، تشير منظمة أطباء العالم إلى بعض التجارب الناجحة في مجال الإعفاء من الدفع الآني للنفقات أثناء تلقي العلاج واستبدالها إما بنظام إعفاء تام أي مجانية العلاج (بالنسبة لبعض الفئات مثل النساء الحوامل أو الاطفال ما دون الخامسة من العمر)، أو باقتراح فرض رسوم تقتطع آليا من قطاعات أخرى مثل المبادلات التجارية أو العمليات المالية.
ومن بين التجارب الناجحة في مجال مجانية العلاج، يشير بيار سالينيون إلى أن “حوالي 15 دولة اعتمدت في السنوات الأخيرة نظام مجانية العلاج بالنسبة لبعض الفئات الضعيفة من بينها مالي والنيجر وليبيريا”. ولعل المثير للإنتباه في هذه التجارب هو أنها سمحت بالرفع من نسبة المستفيدين من الخدمات الصحية.
وفي هذا السياق، يقول مدير منظمة أطباء العالم “إن تجربة النيجر أظهرت بأن مجانية العلاج سمحت برفع نسبة الأطفال ما دون الخامسة الذين يترددون على مراكز العلاج من 60% قبل إقرار مجانية العلاج إلى 85% بعده. وبالنسبة لفحوص النساء الحوامل قبل الولادة ارتفعت النسبة من 40% قبل القرار الى 84% فيما بعد. أما رعاية المصابين بالملاريا والسل فقد تضاعف بثلاث مرات ما بين عامي 2006 و 2009.”
ومن خلال تجربتها الطويلة مع فئات المهاجرين غير الشرعيين أو من هم بدون وثائق إقامة أو فئات المهمشين من متعاطي المخدرات أو العاملين في تجارة الجنس في فرنسا، توصلت منظمة أطباء العالم – حسب مديرها بيار سالينيون إلى نتيجة تفيد بأن “عدم توفير نظام رعاية صحية يجنبهم الدفع المباشر، ويسمح لهم بالتردد على مراكز العلاج في بداية الإحتياج، سيجعل العديد منهم يصلون إلى مراكز العلاج فيما بعد في حالة أكثر تدهورا، مما يكلف المجتمع نفقات أكثر”.
بعد نقاش خاص، اعتمدت الجمعية العامة لمنظمة الصحة العالمية في جنيف قرارا يخص الأراضي العربية المحتلة من قبل إسرائيل بما في ذلك القدس الشرقية ومرتفعات الجولان السورية، وقد نص بالخصوص على:
– إنهاء الاغلاق في الأراضي الفلسطينية المحتلة ، وخصوصا إغلاق معابر قطاع غزة المحتل ، والذي يتسبب في النقص الشديد في الأدوية والإمدادات الطبية في داخله.
– العدول عن سياستها وتدابيرها التي أدت الى نشوء الأوضاع الصحية الرهيبة التي تسود في قطاع غزة والى شح الغذاء والوقود الخطير فيها.
– تيسير وصول وتنقل المرضى والموظفين الطبيين الفلسطينيين الى المرافق الصحية الفلسطينية في القدس الشرقية المحتلة وفي الخارج
– ضمان عبور سيارات الإسعاف الفلسطينية بأمان ودون عراقيل واحترام و حماية العاملين الطبيين امتثالا لأحكام القانون الإنساني.
– التوقف على الفور عن جميع ممارساتها وسياساتها وخططها ، بما في ذلك سياسة الإغلاق التي تؤثر تأثيرا خطيرا على الأحوال الصحية للمدنيين في ظل الاحتلال.
وفي العديد من البنود الأخرى، يدعو القرار المجموعة الدولية إلى تقديم الدعم للسلطات الصحية الفلسطينية ولوكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين أونروا.
إضافة إلى ذلك، يدعو القرار المنظمات الحقوقية للضغط على إسرائيل من أجل احترام بنود معاهدة جنيف والقانون الانساني الدولي في الاراضي المحتلة.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.