مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

دبلوماسيون يحذرون من تـراجع الأمـن في جنيف

ساحة تحقيق في سرقة محل مجوهرات في قلب جنيف في شهر فبراير 2012 Keystone

أنشأت شرطة جنيف مؤخرا وحدة لمحاربة الجريمة في الشوارع، ومن المقرر انخراط مزيد من الضباط في محاربة موجة الإجرام بالمدنية. في الأثناء، يشير بعض الدبلوماسيين الأجانب إلى وجود "حاجة لبذل مزيد من الجهود"، ويحذرون من أن "انعدام الأمن قد يهدد سمعة المدينة".

عادة ما تُصنّف جنيف ضمن العشرة الأوائل في ترتيب المدن من حيث مستوى المعيشة، لكن الأضواء سلطت عليها في الآونة الأخيرة بعد أن اتضح أنها المدينة السويسرية التي توجد بها أكبر نسبة إجرام مقارنة مع عدد السكان، حيث بلغت 217 جريمة بالنسبة لكل ألف ساكن في عام 2011.

فقد ارتفعت نسبة انتهاك القانون الجنائي السويسري في العام الماضي بحوالي 18% مقارنة مع مستوى عام 2010، وهو ما يمثل فارقا في معدل الزيادة الذي لم يتجاوز 6% على المستوى الوطني. ويُعزى هذا الإرتفاع بالدرجة الأولى إلى السرقات (التي تتراوح ما بين 25 و 50 حالة يوميا) وكذلك لازدياد حالات النشل التي عادة ما تكون الشوارع مسرحا لها.

وفي تصريحات لـ swissinfo.ch، أكد نبيل محمد الصالح، القنصل العام السعودي وعميد السلك القنصلي في جنيف (الذي يضم حوالي 30 قنصلية لبلدان مثل بلجيكا، وبريطانيا، وتركيا، والجزائر، وجنوب افريقيا) ذلك بقوله: “إن انعدام الأمن أصبح الشاغل رقم واحد بالنسبة للدبلوماسيين في جنيف”، وشرح بأن “نسبة الإجرام عرفت ارتفاعا في جنيف خلال العشرة أعوام الماضية، ولم يسلم منها أحد بشكل أو بآخر”.

فقد  تعرض خلال الثلاثة أشهر الماضية، ثلاثة من موظفي القنصلية لعملية سرقة ونفس الشيء تعرض له سياح أقاموا في قلب المدينة. وأضاف القنصل العام السعودي “لقد تعرض زميلي المكلف بمتابعة أشغال منظمة التجارة العالمية لعملية سرقة في بيته، ونفس الشيء تعرض له نائب القنصل”.

ضحية سهلة

في سياق متصل، يُبدي رسميون يابانيون نفس القلق. إذ يقول القنصل الياباني تاسونوري إيشيدا: “إن ارتفاع نسبة الإجرام بحوالي عشرين بالمائة أمر مثير”، يُضاف إلى ذلك أن معظم “اليابانيين يتصورون أن سويسرا بلد هادئ وآمن، بمناظر خلابة، وأنه وجهة سياحية جيدة. لكن الواقع هو أن في وسائل النقل العمومية، وفي المطار وفي المحطات تقع الكثير من عمليات السرقة”.

ففي عام 2011، حصلت أكثر من 16 حادثة لدبلوماسيين يابانيين شملت ثمانية حالات سطو، وثمانية حالات نشل. وخلال الفترة المنصرمة من العام الحالي، تعرّض شخص إلى حالة سطو، وستة من الدبلوماسيين إلى عمليات سلب.

وفي تصريح لـ swissinfo.ch، قال مسؤول الأمن في بعثة اليابان في جنيف: “إن 16 حالة يعتبر رقما كبيرا بالنسبة لبعثة في جنيف مقارنة مع عدد موظفي بعثات باريس أو نيويورك حيث تصل نسبة التعرض للسرقة هناك الى الصفر”. ويضيف أنه “من هذا المنطلق، تعتبر جنيف في مقدمة الترتيب”.

نفس المسؤول، اعتبر أن السياح اليابانيين يشكلون “ضحية سهلة” لأعمال السرقة في جنيف، نظرا لتعوّدهم على حمل كميات من النقود معهم، ولعدم إتقانهم التحدث باللغات الأجنبية، إضافة إلى أنهم لا يعرفون كيف يردون الفعل عند الضرورة، كما يترددون في إبلاغ الشرطة بالحادث. وما من شك في أن الحوادث التي يتورط فيها يابانيون لا زالت غير مرتفعة، إلا أن القنصل يؤكد أن يابانيا واحدا على الأقل يتعرض لسرقة جوازه في الأسبوع.

وفي حديث إلى يومية “لاتريبون دي جنيف”، قال فيليب فينيون، المدير العام لمكتب السياحة في جنيف إنه “قلق للأوضاع الأمنية في المدينة ولتأثيرات ذلك على القطاع السياحي الذي قد يشهد تراجعا بنسبة 15000 سائح في عام 2012” عن العام السابق.

فعلى سبيل المثال، أشعرت السفارة الصينية في برن المتصلين بشبكتها في 23 أبريل الماضي أن سويسرا لم تعد وجهة آمنة مثلما كانت في الماضي، مشيرة إلى جنيف فحسب. وقد قرر عشرات المكاتب السياحية الصينية عدم إدراج جنيف ضمن برامج الجولات التي يخططون للقيام بها في سويسرا.

وفي حوار صحفي آخر، وصفت إيزابيل روشا، وزيرة الشرطة والأمن في حكومة كانتون جنيف المحلية تصريح السيد فينيون على أنه “مُحبط ومناقض للمهمة التي يتوجب عليه القيام بها”، وأضافت “لقد اندهشت لكونه وضع في المقام الأول بعض المعلومات التي رددها عدد الأشخاص الآسيويين الذين لهم اتصال به”، إلا أنها شددت في نفس التصريح “لكن هذا لا يعني أنه يجب قبول الوضع الأمني الحالي في جنيف”.   

أكثر حساسية

على صعيد آخر، يشير مسؤول الأمن في بعثة اليابان في جنيف إلى أن بعثة الولايات المتحدة تعتبر “أكثر البعثات حساسية ” لانعدام الأمن في جنيف من ضمن 173 بعثة متواجدة في المدنية الواقعة غربي سويسرا. وفي شهر أغسطس 2011، أقحم اسمها في قضية اعتداء على إبن دبلوماسي أمريكي يشتغل لحساب الأمم المتحدة، لكن دافيد كينيدي، المسؤول عن العلاقات العامة بالبعثة الأمريكية رفض التعليق على هذه الأحداث، واكتفى بالقول بأن “سياستنا تقضي بعدم التحدث عن المواضيع الأمنية، وليس هذا موضوعا نرغب في الخوض فيه. ولنا علاقات جيدة مع السلطات السويسرية”. وأضاف أنه – من خلال تجربته الشخصية – لم يتعرض لأي حادث منذ قدومة للإقامة في جنيف قبل خمسة أعوام.

في الأثناء، خفف دبلوماسيون من ألمانيا وبلجيكا وألمانيا اتصلت بهم swissinfo.ch من حـدة ظاهرة انعدام الأمن في جنيف، كما أكد دانتي مارتينيللي، سفير سويسرا لدى منظمة الأمم المتحدة أنه توصل بشكاوى في هذا المجال إلا أنه يعتبر أن الأوضاع في تحسن ويقول: “مما نلاحظه هو أن البعثات الدبلوماسية قلقة بخصوص الوضع الأمني، لذلك نعمل مع سلطات الكانتون لتحسين الأوضاع. ومنذ بداية العام أصبحت الأوضاع أحسن قليلا مما كانت عليه في العام الماضي، لكننا ما زلنا نتوصل بالشكاوى”، على حد قوله.

وكان سكن السفير مارتينيللي من بين حوالي 20 مقر دبلوماسي تعرضت للسرقة خلال صيف عام 2011.

العصى السحرية لإيزابيل روشا

في العادة، تلتجئ البعثات الأجنبية إلى تقديم شكاويها إلى مكتب السفير السويسري لدى المقر الأوروبي للأمم المتحدة في جنيف، لكن السلطات في كانتون جنيف، وكذلك قيادة الأمن تبقى الجهات المسؤولة بالدرجة الأولى عن معالجة الوضع وتتبع الجناة.

وفي هذا السياق، ذكر القنصل السعودي أن السلك القنصلي العامل في مدينة جنيف وجّه قبل شهر دعوة غداء إلى السيدة إيزابيل روشا، الوزيرة المسؤولة عن الأمن والشرطة في الكانتون. وأضاف “إننا نعتقد بأنها تقوم بما في وسعها، لكنها تحتاج الى دعم كبير من الحكومة الفدرالية، ومن السلطات وأعوان الشرطة في جنيف. وما يحدث ليس تقصيرا منها لأنها لا تملك عصا سحرية”، وأضاف القنصل السعودي “نتمنى أن تنجح في مساعيها لأننا نعتقد بأنها تقوم بعمل جيّد في هذا الميدان، لكن المقياس الحقيقي لما يتمّ يبقى في إحصائيات الإجرام”.

وبعد 20 عاما من الإستقرار الذي ميز عدد الموظفين في سلك الشرطة، تخطط السلطات في جنيف حاليا لانتداب حوالي 250 ضابطا في الفترة الممتدة من عام 2010 وحتى سنة 2013 ينضافون إلى مجموع أعوان الشرطة العاملين في جنيف الدولية البالغ عددهم 1350. وفي الوقت الحاضر، هناك شرطي واحد لحوالي 400 ساكن، إلا أن الإقتراح القاضي بزيادة عدد أعوان الأمن تحول إلى محور جدل يهدف إلى إعادة تنظيم إدارة الأمن بأكملها.

وفي أعقاب الإرتفاع المسجل في نسبة الإجرام في العام الماضي، أقدمت السلطات على تأسيس وحدة خاصة في شهر أبريل 2012 تتكون من 18 عون أمن من أجل تتبع مجموعة تتركب من حوالي 400 شخص من مرتكبي الجرائم المتكررة يقدم معظمهم من بلدان شمال افريقيا، ولا يتوفرون على تراخيص إقامة قانونية، ويُقال إنهم مسؤولون عن حوالي 32% من عمليات النشل وعن حوالي 40 من عمليات الإحتيال التي تسجل في كانتون جنيف.

وفي تصريحات صحفية، قالت مونيكا بونفانتي، رئيسة الشرطة في جنيف إنها “مرتاحة للنتائج التي حققتها الوحدة” الجديدة وقد تمثلت في حوالي 109 عملية توقيف في غضون شهر واحد، والتعرف على هويات 12 شخصا، لكنها أعربت عن عدم رغبتها في أن يتم الحكم على الأوضاع انطلاقا من هذه الإحصائيات فحسب.  

ومن ناحيته، قال آلان بيطار، صاحب مكتبة الزيتونة العربية في جنيف، الذي سبق له أن اهتم بهذا الموضوع عن كثب، “إن الوحدة الجديدة أعطت إشارة واضحة وكان لها تأثير جذري”، وأضاف في حديث أدلى به إلى صحيفة لاتريبون دي جنيف “إن تأسيس هذه الوحدة يُظهر جليا بأن المشكلة في طريق الحل… ويبدو أنها بدأت تعرقل إعادة تشكيل الشبكة التي نشطت منذ سنوات”.

على العكس من ذلك، يعتبر الدبلوماسيون اليابانيون والسعوديون أن الوضع يحتاج إلى مزيد من الجهد لحماية صورة وسمعة جنيف. وفي هذا الصدد، يقول القنصل العام السعودي: “إنهم يحتاجون إلى مزيد من كاميرات المراقبة ومزيد من أعوان الشرطة. كما تكمُن المشكلة أيضا في الإفتقار إلى أماكن الإحتجاز، وهناك حاجة للتوصل إلى اتفاق بخصوص طرد المجرمين إلى بلدانهم الأصلية”.

في نهاية المطاف، أكد القنصل السعودي على أن مدينة جنيف “يجب أن تكون أكثر الأماكن أمانا على وجه الكرة الأرضية، فهي التي تؤوي مقرات المنظمات الدولية، وهي التي يؤمها زوار من الطراز العالي ورؤساء وملوك. ولكونها ذات مساحة صغيرة. فالناس يأتون الى هنا من أجل الأمن. وإذا كان على جنيف أن تستثمر في قطاع هام، فعليها ان تستثمر في القطاع الأمني”.

ارتفعت نسبة الإجرام في جنيف، مقارنة مع إحصائيات عام 2010 بحوالي 18% في العام الماضي لكي تصل الى 72821 حالة انتهاك للقانون الجنائي السويسري. وهو ما يمثل ارتفاعا بنسبة 66% عما كانت عليه الأوضاع قبل عشرة أعوام.

مع ذلك، تراجعت نسبة الإجرام المصحوب بالعنف وكذلك الإجرام الذي له علاقة بالجنس في الكانتون بنسبة 9% و 7% على التوالي. أما عمليات السرقة فارتفعت بما بين 29 و 17% (حوالي 50 حالة سرقة في اليوم الواحد)، وزادت نسبة عمليات النشل بحوالي 43%، وسرقة الأمتعة والحقائب بحوالي 28%. أما سرقة السيارات فقد زادت بحوالي 45%.

واستنادا للشرطة، يُواجه كانتون جنيف في الوقت الحالي ثلاثة ظواهر تشمل عصابات إجرامية منظمة من بلدان منطقة البلقان، وبالأخص من رومانيا، حيث اتضح أنها كانت مسؤولة عن عمليات السرقة التي جرت خلال فصل الخريف الماضي.

أما المجموعة الثانية فهي عبارة عن صبيان من الغجر الرحّل ينحدرون من منطقة البلقان ويقيمون في ميلانو ويقومون بعمليات سرقة في منطقة يمتد قوسها من إيطاليا إلى باريس.

المجموعة الثالثة تتشكل من مواطنين من بلدان شمال افريقيا يقيمون بطريقة غير شرعية في جنيف كانوا ينشطون في بداية الأمر في عمليات النشل والسطو في الشوارع، ثم تعززت صفوفهم بتوافد أفراد جدد في أعقاب انتفاضات الربيع العربي، وأصبحوا يتورطون في السرقات. وتقول شرطة جنيف إن هذه الفئة مسؤولة عن حوالي 32% من عمليات النشل، وعن حوالي 42% من حالات سرقة الحقائب.

وفي ترتيب ميرسر mercer حول مستوى المعيشة في مدن العالم، تراجعت جنيف من المرتبة الثانية في عام 2008 الى المرتبة الثامنة في عام 2011. ويعود هذا التراجع حسب ميرسر إلى “ارتفاع نسبة الإجرام في جنيف خلال هذه  الفترة”.

(نقله من الإنجليزية وعالجه: محمد شريف)

قراءة معمّقة

الأكثر مناقشة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية