رئيس المصرف الوطني السويسري يرفض الإستقالة ويُقنع نسبيا ببراءته
أجمعت غالبية الصحف السويسرية الصادرة صبيحة الجمعة 6 يناير الجاري على أن فيليب هيلديبراند كان "صادقا، ولئن أظهر قدرا من سوء التقييم للأوضاع" خلال المؤتمر الصحفي الذي عقده بعد ظهر أمس في زيورخ.
وأكد رئيس المصرف الوطني السويسري رفضه الاستقالة والاتهامات المُوجهة له بشأن تعاملات مالية شخصية وُصفت باستغلال للمنصب لتحقيق أرباح خاصة، وأحدثت ضجة تجاوز صداها الحدود الوطنية.
صحيفة لوتون الرصينة (الصادرة بالفرنسية في جنيف) كتبت: “إن السيد فيليب هيلديبراند تحدث بطريقة مقنعة وبشفافية مفرطة لدرجه إظهار بعض التهور في تصرفاته وشيء من السذاجة”. ولئن دعمت اليومية قراره الهادف إلى “الاحتفاظ” بمنصبه كرئيس (أو محافظ) لمصرف الوطني السويسري، فإنها رأت أنه ينبغي عليه “أن يعمل جاهدا لتحسين مصداقيته”.
وفي نفس الاتجاه، قالت صحيفة “فانت كاتر أور: “ليست لدينا أية دوافع للتشكيك في صدقه”، معربة في المقابل عن اعتقادها أن هذه القضية ستقود لا محالة في نهاية المطاف إلى تشديد القواعد التنظيمية للمصرف الوطني السويسري، “ولا يسعنا سوى الترحيب بذلك”، على حد تعبير اليومية التي تصدر بالفرنسية في لوزان.
واختتم الكاتب افتتاحيته بالتوجه مباشرة إلى الشخصية السياسية التي كانت وراء إثارة هذه القضية، السياسي كريستوف بلوخر من حزب الشعب (يمين شعبوي) قائلا: “يجب معرفة متى يجب المغادرة عندما يطغى الحقد والكراهية على التفكير (الرصين). وعلى كريستوف بلوخر أن يفكر في ذلك جليا”.
وقد أكد فيليب هيلديبراند بوضوح أثناء المؤتمر الصحفي رفضه الاستقالة من منصبه على رأس الـمصرف، وكذلك الاتهامات الموجهة له ولزوجته باستغلال نفوذ المنصب للاستفادة من صرف العملة. وجاء تنظيمه للندوة في زيورخ بعد أن تعالت أصوات في وسائل الاعلام مُطالبة إيــاه بالاستقالة على الرغم من تبرئته من طرف الحكومة.
وأضاف فيليب هيلديبراند ضمن هذا السياق: “إنني تصرفت دوما ليس فقط وفقا لما تنص عليه القوانين، بل بطريقة سليمة”، نافيا أن “يكون هو، أو أي من أفراد عائلته، قد قام بعمليات غير قانونية”. أما الانتقاد الذاتي الوحيد الذي قام به فتمثل في “كونه لم يــُقدم على إلغاء صفقة 15 أغسطس 2011 التي قامت بها زوجته كاشيا هيلدبراند بعد علمه بها”.
عاصفة “لم تضر بالبنك الوطني لحد الآن”
وفي دعم للسيد هيلديبراند، أوضح رئيس مجلس إدارة البنك الوطني السويسري هانس أولي راغنباس بأن الزوبعة التي أثيرت بخصوص هيلدبراند لم تمس سمعة البنك الوطني لحد الآن”. وصرح هيلديبراند في هذا الصدد: “ما دمتُ أحظى بثقة السلطات، ومجلس إدارة البنك الوطني، والحكومة الفدرالية، فإن مسألة الاستقالة غير واردة”.
وكان البنك الوطني السويسري قد سارع يوم الأربعاء 4 يناير، وعلى غير عادته، إلى نشر قوانينه الداخلية المتعلقة بالمعاملات الشخصية لأفراد مجلس إدارته. كما أقدم على نشر تقرير قامت به شركة المراقبة “برايس واتر هوز كوبرس” يـُشير إلى أن “بعض ما نشرته بعض وسائل الاعلام حول الحسابات البنكية والمعاملات المالية لعائلة هيلديبراند، غير صحيح، ولا يشتمل على معلومات تكون لجنة التحقيق جاهلة بها”. حتى الحكومة السويسرية قالت في بيان لها إنها “لا تجد داعيا للتشكيك في نتائج تحقيق شركة المراقبة”.
غير أن أصواتا من الأوساط الإعلامية السويسرية أصرت على التشكيك في مدى براءة عائلة هيلديبراند. وكانت كل من صحيفتي “بيرنرتسايتونغ” و”بازلر تسايتونغ” (تصدران بالألمانية تباعا في برن وبازل) قد دعتا يوم الأربعاء إلى استقالة المدير العام للبنك الوطني. أما مجلة “دي فيلتفوخي الأسبوعية” (تصدر بالألمانية في زيورخ)، فوصفت السيد هيديلبراند بـ “المُضارب”، وقالت “إن عليه أن يستقيل من منصبه”.
كما ركزت صحف أخرى في مقالاتها على انتقاد البنك الوطني وقوانينه التي قالت عنها كل من صحفيتي “تاغس انتسايغر” و”نوي زوريخر تسايتونغ” (تصدران بالألمانية في زيورخ) أنها أبعد من أن تكون واضحة.
حتى على المستوى العالمي، وصفت صحيفة “فاينانشيل تايمز” البريطانية الوضع بـ “النهائي السويسري التعس” مشيرة إلى أن على البنك الوطني “تجنب حتى مجرد التشكيك في تضارب في المصالح”. كما أن هذا الموضوع حضي بمقالة في الصفحات الأولى لكل من الصحيفتين الدوليتين الناطقتين بالإنجليزية أيضا “إنترنانشيونال هيرالد تريبون” و”وولستريت جورنال”.
افتقار للمعلومات
اتضحت معالم هذه المعاملة المالية المشتبه فيها بعد أن أفشى موظف بمصرف “سارازان” الخاص في سويسرا، بأنه يفتقر لمعلومات حول عملية شراء العملة التي قامت بها زوجة مدير البنك الوطني السيدة كاشيا هيلديبراند.
وكان البنك قد أوضح يوم الثلاثاء الماضي بأن الموظف الذي كان يشتغل في دائرة الإعلام الآلي بالبنك، والذي سلم نفسه للشرطة، كان قد أبلغ المعلومات لمحام له صلات وثيقة بحزب الشعب السويسري. وأضاف البنك: “وفقا لما قاله الموظف، قام المحامي بتنظيم لقاء له مع نائب رئيس حزب الشعب السويسري كريستوف بلوخر يوم 11 نوفمبر 2011″، مشيرا إلى أن البنك “وضع حدا للتعامل مع الموظف ويحتفظ لنفسه بحق فتح متابعة قضائية ضده”.
صفقة دولار
وحسب المزاعم التي تداولتها وسائل الإعــلام، قامت زوجة مدير البنك الوطني السيدة كاشيا هيلديبراند يوم 15 أغسطس 2011 بشراء مبــلغ نقدي من عملة الدولار، لتعيد بيعها بعد ثلاثة أسابيع، أي بعد أن قام البنك الوطني السويسري بتحديد سعر أدنى لصرف الفرنك مقابل اليورو.
وأوردت وسائل إعلام سويسرية بأن الأمر يتعلق بحوالي 500 ألف فرنك، وأن الفائدة التي تم جنيها من العملية بعد ارتفاع سعر صرف الدولار فاقت 50 ألف فرنك سويسري.
وقالت السيدة كاشيا هيلديبراند للتلفزيون السويسري الناطق بالألمانية يوم الثلاثاء الماضي، إنها، بحكم اشتغالها في القطاع المالي قبل حوالي 15 سنة، فإنها واصلت متابعة أوضاع السوق المالية عن كثب، وأنها قامت بعملية شراء الدولار لأنه “كان في أقل مستوى صرف له”. وأوضحت أنه تم إشعار البنك الوطني بذلك في اليوم التالي، ولم يعترض على ذلك. وكانت لجنة تحقيق داخلية خاصة بالبنك قد أكدت في الشهر الماضي بأن السيدة هيلديبراند لم تنتهك القوانين.
السيدة كاشيا هيلديبراند التي تمتلك معرض أعمال فنية في زيورخ، أوضحت للتلفزيون السويسري أن “ما بين 70 و80% من معاملات الغاليري المالية تتم بعملة الدولار”.
أما كريستوف بلوخر الذي كان السبب في إثارة هذه القضية، فقد أوضح في بداية الأمر، عبر الـمتحدث باسم، بأنه لا يرغب في الحديث عن ذلك في الوقت الحالي”. ولكن من المنتظر أن يتحدث للصحافة بعد ظهر الجمعة 6 يناير، بعد أن أوضح السيد هيلديبراند موقفه من القضية أمام الإعلام يوم الخميس. وقد أشارت عدة مصادر إلى أن بلوخر كان قد أصدر انتقادات في الماضي لهيلديبراند بخصوص السياسة التي ينتهجها كمدير للبنك الوطني.
تشكيك في تصريحات مدير البنك
وكانت أسبوعية “دي فيلتفوخي” السياسية المقربة من حزب الشعب قد ادعت يوم الأربعاء الماضي بأن مدير البنك الوطني هو الذي قام بعملية شراء العملة. ونوهت المجلة التي يوجد مقرها بزيورخ، إلى أنها حصلت على بيانات من البنك تشير إلى أن هيدليبراند هو الذي قام بشراء تلك لمبالغ الكبيرة من الدولار قبل إعادة بيعها بتحقيق فائدة.
وفي حديث عبر الهاتف مع وكالة “اسوشييتد برس” العالمية، قال نائب رئيس تحرير المجلة الأسبوعية، فيليب غوت يوم الأربعاء: “إن لدينا كل البيانات من البنك التي تشير إلى العملية، بالإضافة إلى تأكيدات صوتية من موظف بالبنك بأن الذي قام بعملية الشراء هو السيد هيلديبراند وليست زوجته”.
وأضافت مجلة فيلتفوخي أن السيد هيلديبراند قام ما بين شهري مارس وأكتوبر من العام الماضي بعدة عمليات شراء للعملة. وادعت المجلة بأنه اشترى في عمليتين تمتا في 15 أغسطس الماضي أكثر من نصف مليون دولار، أعاد بيعه في شهر سبتمبر محققا بذلك ربحا في حدود 75 ألف فرنك.
واستدرك غوت قائلا: “هذه عمليات مضاربة تقليدية بالعملة الأجنبية، والحل الوحيد المتبقي أمام السيد هيلديبرانت هو الاستقالة”.
صرح رئيس المصرف الوطني السويسري فيليب هيلديبراند أمام الصحافيين في زيورخ يوم الخميس 5 يناير 2012:
“إن الاتهامات (الموجهة لي) خلال اليومين الماضيين تجبرني على الدفاع عن نفسي؛ أتفهم أن يتساءل الرأي العام عن موقفي من الناحية الاخلاقية”.
نشر المصرف الوطني السويسري يوم الأربعاء 5 يناير 2012 تفاصيل المعاملات المالية لرئيسه. وقد اشتبه في إقدام عائلة هيلديبراند على الاغتناء بطريقة غير مشروعة من خلال صفقات مرتبطة بتحديد سقف للفرنك السويسري مقابل اليورو.
الانتقاد الذاتي الوحيد الذي قام به فيليب هيلديبراند هو عدم إلغاء صفقة 15 أغسطس 2011، يوم اقتنت زوجته كاشيا هيلديبراند (التي كانت تشتغل في البورصة سابقا)، 504000 دولار، عندما أبلغ بها، مؤكدا أنه لم يــكن من قبل على علم بها.
وأوضح رئيس المصرف الوطني السويسري أن هذه القضية لم تضعفه شخصيا “ولئن كانت (تضعه في موقف) غير مريح طبيعة الحال”. وأعرب عن سروره بـ “النظر إلى الأمام والتركيز على المهام الموكلة إليه”، مضيفا أن المؤسسة التي يقودها “يجب أن تعود إلى العمل بشكل طبيعي”.
وسوف يدرس المصرف الوطني السويسري كافة الإجراءات لكي لا تتكرر مثل هذه القضية. وحسب فيليب هيلديبراند، فإن الحل الأفضل هو إدارة الثروات الشخصية لأعضاء هيئة إدارة المصرف من قبل طرف ثالث مستقل.
تتمثّل المهمّة الرئيسية للمصرف الوطني في وضع السياسة النقدية.
ووفقا للدستور الفدرالي، يعمل المصرف الوطني على ضمان إستقرار أسعار العملة، وهو شرط ضروري للحفاظ على النمو الإقتصادي.
مثّل إصدار الاوراق النقدية، والمعاملات المالية، في البداية المهمّات الرئيسية بالنسبة للمصرف الوطني. أما طباعة العملة، التي كانت تحظى باهمية كبيرة في القرن التاسع عشر، هي اليوم من مهام وزارة المالية.
ويتكفل المصرف الوطني حاليا أيضا بضمان استقرار النظام المالي
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.