سعيدة كيلر – المساهلي: “لم يمنعنا أحد من الكلام لأن هذا المسار ليس فيه سـر”
بعد مرور ستة أشهر على تأييد أغلبية الناخبين لحظر بناء مزيد المآذن في سويسرا، يتخذ الحوار القائم بين السلطات الفدرالية وممثلين عن الجاليات الإسلامية منحى جديدا يُرجح مقاربة هادئة لمستقبل العلاقة بين المجتمع السويسري عموما والمسلمين المقيمين في الكنفدرالية.
وكانت زيرة العدل والشرطة إيفلين فيدمر- شلومبف قد التقت يوم الأربعاء 19 مايو 2010 في العاصمة برن ممثلين عن المنظمات الإسلامية في البلاد بهدف مواصلة الحوار الذي بدأه الطرفان منذ سنة ونيف. ونوه البيان الذي صدر عقب اللقاء إلى أن التصويت الشعبي على حظر بناء مآذن جديدة في سويسرا (جرى يوم 29 نوفمبر 2009) حث على تعميق الحوار الذي كان قد انطلق فعليا بين الكنفدرالية وممثلين عن الجاليات المسلمة.
وقد كلفت وزيرة العدل والشرطة، المسؤولة عن اندماج الأجانب، المكتب الفدرالي للهجرة بمواصلة هذا الحوار الذي يشارك فيه الآن أيضا المكتب الفدرالي للعدل واللجنة الفدرالية لمناهضة العنصرية ووزارة الخارجية.
وأوضحت الوزارة في بيانها أن ضمان التعايش السلمي بين الطوائف الدينية يتطلب تحليل دواعي شكوك ومخاوف الشعب السويسري، وتحديد النقاط التي قد تقتضي التدخل واقتــراح تدابير لتسويتها.
لإستجلاء ما دار في جلسات هذا الحوار حتى الآن، وللوقوف على رأي ومقترحات “المنتدى من أجل إسلام تقدمي في سويسرا” فيه، استجوبت swissinfo.ch مؤسسته ورئيسته السيدة سعيدة كيلر- المساهلي، وهي مواطنة سويسرية من أصل تونسي تقيم في زيورخ.
swissinfo.ch: بعد هذه المحطات المتتالية في الحوار بين عدد من الشخصيات الإسلامية وممثلين عن الحكومة الفدرالية، ما هو تقييمك لهذا المسار الذي شاركت فيه منذ انطلاقته؟
سعيدة كيلر- المساهلي: يمثل هذا الحوار فرصة من جهة للمسلمين لطرح المشاكل التي تعترض حياتهم اليومية في سويسرا، وتُعيق ممارسة شعائرهم بشكل طبيعي، وهو فرصة من جهة أخرى للحكومة السويسرية للإستماع إلى رأي المسلمين في القضايا ذات العلاقة بوجودهم كأقلية في المجتمع، وبيان السبيل لتقديم الدعم والعون لهم.
ما هي ضرورة هذا الحوار؟ ألا يكفي ما ينص عليه دستور البلاد، وقوانينها النافذة لتنظيم حياة المسلمين في سويسرا؟
سعيدة كيلر- المساهلي: صحيح أن المسلمين مواطنون مثل غيرهم، لكن مع ذلك لا يجب أن ننكر أن هناك مشاكل حقيقية، بعضها ذا طابع ديني يتعلق بدور العبادة وبالإرشاد الديني، وبعضها يتعلق بالأبناء في المدارس، وبمساحات خاصة في المقابر لموتاهم. كل هذا لا يمكن معالجته إلا بالحوار. ثم هناك بعض الفئات من المسلمين تعاني من مشكلة اندماج حقيقية، ولابد من أخذ رأي المسلمين في كيفية تذليل تلك العراقيل.
من الملاحظ أن عددا لا بأس به من المشاركين في هذا الحوار من أصول عربية، في حين أن 85% من المسلمين في سويسرا يقدمون من تركيا والبلقان، ألا يطرح هذا استفهاما حول تمثيلية هولاء للمسلمين الذين يتحدثون باسمهم؟
سعيدة كيلر- المساهلي: هذا سؤال وجيه، وقد تداولنا حوله النقاش، لأن المشاركين في هذا الحوار لا يمثلون فعلا القاعدة العريضة من المسلمين. سيظل سؤال من يمثل المسلمين حقا مطروحا دون جواب. نحن على يقين أن جميع المنظمات المشاركة في الحوار لا تتجاوز تمثيليتها 15% من عامة المسلمين، ومعنى هذا أن 85% من المسلمين ليس هناك من يعبّر عنهم. انها إحدى أهم المعضلات التي تعترض مسلمي سويسرا.
في ضوء ما ذكرت، هل طالبتم السلطات السويسرية بالتدخل لمساعدة المسلمين على إطلاق عملية انتخابية تؤدي في النهاية إلى إفراز ممثلين منتخبين بشكل ديمقراطي؟
سعيدة كيلر- المساهلي: هذا الأمر اقترحته شخصيا خلال إحدى الجلسات، لكن الرد كان هو أن السلطات في سويسرا تفتقر إلى إحصاءات وأرقام دقيقة عن الأربعمائة ألف مسلم المقيمين في البلاد. هذا الأمر يمكن أن نجد له حلا قريبا، إذ يشرف حاليا الصندوق الوطني للبحث العلمي على إعداد دراسة بهذا الشأن، ومن المنتظر ان يعلن عن نتائجها في غضون أسبوعيْن أو ثلاثة، عندها سنحصل على أرقام محددة عن المسلمين في سويسرا: من هم هؤلاء؟ وما هي مطالبهم؟ وما هي علاقتهم بالمنظمات القائمة؟ واعتمادا على تلك النتائج، سيكون بالإمكان الدعوة إلى تنظيم انتخابات حرة وديمقراطية لإفراز من يحق له التحدث باسم المسلمين.
كنت من بين الداعمين لموقف المكتب الفدرالي للهجرة الذي استبعد أي حوار مع “الشورى المركزية الإسلامية بسويسرا”، بل ذهبت إلى حد المطالبة بحظرها لأنها تمثل فكرا راديكاليا، ألا يتعارض هذا وروح الممارسة الديمقراطية التي تنادين بها؟
سعيدة كيلر- المساهلي: لا يمكن لي أن أبرر دعوتي تلك من الناحية الديمقراطية، لكن القانون يُجيز لكل إنسان المطالبة بمنع منظمة يرى أنها لا تحترم حقوق الإنسان، مثلما لدينا الحق في المطالبة بحظر منظمة تستند إلى الإرث النازي أو ترفع شعارات عنصرية. لا ننسى أن هذا أيضا حق ديمقراطي.
الجهة التي تشرف اليوم على هذا الحوار هي المكتب الفدرالي للهجرة، هل تعتقدين أنه يمثل الإطار المناسب لذلك؟
سعيدة كيلر- المساهلي: كما هو معلوم بدأ هذا الحوار بإشراف الشرطة الفدرالية، لكن شعر المشاركون بأن السلطة في ذلك الوقت كانت تعالج ملف الإسلام والمسلمين من منظور أمني، وبوصف الاقلية المسلمة خطرا محتملا على الأمن الوطني. السلطة أدركت ذلك، فحاولت تفادي هذا الوضع، لكن الحوار بقي ضمن صلاحيات وزارة العدل والشرطة لأنها هي المعنية بقضايا الإندماج. هل من المفيد معالجة قضايا الإسلام والمسلمين من منظار الهجرة والإندماج؟ سؤال منطقي، وللأسف ليس أمامنا خيار آخر إلى حد الآن.
تندرج معظم الأهداف المعلنة لهذا الحوار ضمن اختصاص الكانتونات، هل طالبتم خلال لقاء 19 مايو بمشاركة الكانتونات في هذا الحوار في المستقبل؟
سعيدة كيلر- المساهلي: لقد ناقشنا هذا الأمر مع ممثلي الحكومة الفدرالية، وقد وعدوا بدعوة ممثلي الكانتونات لحضور الجلسات القادمة. نحن واعون بأنه ليس بإمكان الحكومة الفدرالية في النهاية سوى إصدار توصيات عامة أما التنفيذ فهو رهن بإرادة الحكومات (المحلية) في الكانتونات.
تضمن البيان الصادر في أعقاب جولة الحوار الأخيرة إلى مسالة “التكوين” بالنسبة لابناء الجاليات المسلمة، ما المقصود بالضبط؟ وماذا كانت مقترحاتكم في هذا المجال؟
سعيدة كيلر- المساهلي: هناك العديد من المسلمين خاصة من الكهول والمتقدمين في العمر من تركيا ويوغسلافيا سابقا لا يجيدون القراءة والكتابة، ولا يعرفون شيئا عن النظام الإجتماعي في سويسرا رغم أنهم يقيمون في البلاد منذ عقديْن أو يزيد. المطلوب منا هو تقديم خدمات لسد هذا الاحتياج. الأمر الثاني يتعلق بالأئمة في المساجد، وأكثر هؤلاء يقدمون من الخارج، فتركيا هي التي تكوّن الأئمة الذين يخطبون في نسبة كبيرة من المساجد في سويسرا. وهي التي تفرض في النهاية نوع الخطاب الذي يروّج له هؤلاء الأئمة. المشكلة أن هؤلاء ليس لديهم أدنى معرفة بالواقع السويسري وبالوضع القانوني السائد فيها. إذن تداولنا النقاش مع الحكومة في كيفية مساعدة هؤلاء على القيام بدورهم على أكمل وجه.
أشار تقرير صدر أخيرا عن اللجنة الفدرالية للهجرة إلى أن مفهوم الإندماج في سويسرا تحول إلى “أداة لتهديد الاجانب ومعاقبتهم”. هل طالبتم في هذا السياق بإلتزام جدي وملموس من المجتمع السويسري بتسهيل عملية اندماج الأجانب عموما والمسلمين خصوصا؟
سعيدة كيلر- المساهلي: مسألة الإندماج أخذت وقتا طويلا في حوارنا خاصة الاندماج في سوق العمل، وقضية تكافؤ الفرص في مجال التشغيل. فكل التقارير وليس تقرير اللجنة الفدرالية للهجرة تؤكد أن كل من هم من أصول تركية أو بلقانية أو عربية تُرفض مطالبهم للتشغيل بمجرد إطلاع رب العمل على أسمائهم. وتساءلنا حول الحلول الممكنة لهذه المشكلة، وذهب أحد المشاركين من أصول إيرانية إلى حد دعوة المسلمين إلى تغيير أسمائهم عند التقدم بطلبات عمل، لكن أكثرية المشاركين رفضوا ذلك.
أما ما ندعو المجتمع السويسري للقيام به لإنجاح اندماج المسلمين فيه فهو أن يتخلوا عن الصورة النمطية الخاطئة التي تملأ رؤوسهم عن الإسلام، وأن لا يخلطوا بين الإسلام كدين وطالبان افغانستان، أو الذين يرتكبون عمليات انتحارية لأغراض سياسية، وأن يُفرقوا بين الإسلام كقرآن، وكدين وبين المشروعات السياسية التي تدعي الإنتساب إليه. لكن، من الإنصاف التذكير أيضا بأن السويسريين في غالبيتهم ليس لديهم مشكلة مع الأجانب إذ أن حوالي 22% من مجموع المقيمين في الكنفدرالية أجانب، وخبرة هذا البلد مع التعدد والاختلاف طويلة، فقط عليهم أن يتحرروا من الأفكار المسبقة التي لديهم حول الإسلام من دون أن يتجردوا من الروح النقدية التي يتميزون بها في علاقتهم ببعضهم البعض.
من الملاحظ أنه في أعقاب كل جولة حوار يصدر بيان مقتضب عن الجهة الحكومية، في حين لا يبادر أي مشارك من المسلمين للحديث مع وسائل الإعلام، لماذا هذا التوجس؟
سعيدة كيلر- المساهلي: هذا ليس خوفا من مواجهة وسائل الإعلام على الأقل بالنسبة لي، لكن الأمر متروك للصحافيين الذين تقع على عاتقهم مسؤولية إخبار الرأي العام. لم يمنعنا أحد من الكلام، لأنه ليس هناك أية أسرار في هذا المسار. ونحن ممنونون لمن يتصل بنا ويطلب رأينا.
أجرى الحوار: عبد الحفيظ العبدلي – برن – swissinfo.ch
تـُمثل الجاليات المسلمة في سويسرا حسب آخر إحصاء عام نحو 4.5% من إجمالي السكان..
ينحدر معظم المهاجرين المسلمين من يوغوسلافيا السابقة وتركيا. وتضم هذه الجاليات ما يصل إلى 100 جنسية.
حسب الإحصاء الفدرالي لعام 2000، ما يزيد قليلا عن 88% من المسلمين المقيمين في سويسرا هم أجانب. أما المسلمون الحاملون للجنسية السويسرية، فتقل نسبة من حصلوا منهم على الجواز السويسري منذ الولادة عن 4%.
في عام 2000، كان عُمر 39,2% من مسلمي سويسرا يقل عن 20 عاما (بينما كانت النسبة تستقر في 22,9% بالنسبة لـمُجمل السكان).
لا توجد أرقام رسمية عن عدد معتنقي الإسلام (الجدد) في سويسرا، لكن الباحثة سوزان لوينبرغر (من جامعة برن) تقدر عددهم بحوالي 10000، أغلبهم اعتنق الإسلام للزواج من مسلمة أو من مسلم.
استبعد المكتب الفدرالي للهجرة منظمة “الشورى الإسلامية المركزية بسويسرا” المثيرة للجدل من المشاركة في المحادثات الجارية منذ فترة بين وزارة العدل والشرطة وعدد من الشخصيات والمجموعات المسلمة في البلاد. وهذه هي أهم المحطات التي سبقت هذا القرار:
في عام 2007: أطلقت الحكومة السويسرية، وبمبادرة من كريستوف بلوخر، وزير العدل والشرطة السابق، حوارا مع المنظمات الإسلامية في سويسرا، ثم استأنفته الوزيرة الحالية إيفلين فيدمر شلومبف بشكل نشط خاصة بعد إقرار الشعب السويسري حظرا على بناء المزيد من المآذن في استفتاء أجري يوم 29 نوفمبر 2009.
أكتوبر 2009: تأسست منظمة الشورى الإسلامية المركزية في سويسرا أي قبل وقت قصير من تصويت الناخبين على مبادرة حظر المآذن (29 نوفمبر). وتقول هذه المنظمة ان هدفها “الدفاع عن مصالح المسلمين في البلاد، وتوضيح حقيقة الإسلام للشعب السويسري”. وتضم”الشورى المركزية” ذات التوجه السلفي في صفوفها حاليا أكثر من 1000 منخرط، وتشير معظم التقارير إلى أن أغلب أعضائها سويسريون من معتنقي الإسلام الجدد.
12 ديسمبر2009: عقب إقرار الشعب السويسري بغالبية كبيرة (57.5%) حظرا على بناء المآذن في سويسرا.نظمت “الشورى الإسلامية المركزية في سويسرا” تجمّـعا سِـلميا أمام مقر البرلمان الفدرالي في العاصمة برن، للإحتجاج على نتيجة الاستفتاء ومن أجل “تبديد الأفكار الخاطئة عن الإسلام والمسلمين” حسب تصريحات زعمائها.
29 أبريل 2010: تقدمت اللجنة التي بادرت سابقا بالدعوة إلى حظر المآذن في سويسرا بطلب إلى وزارة العدل من أجل حظر “الشورى المركزية الإسلامية بسويسرا” التي يرأسها نيكولا (عبدالله) بلانكو، وهو سويسري اعتنق الإسلام في سن السادسة عشرة.
4 مايو 2010: رئيس المكتب الفدرالي للهجرة يستقبل وفد من “الشورى المركزية” ببرن. وعقب اللقاء أعلن المسؤول الفدرالي أنه “من غير المتصوّر في الظروف الحالية مشاركة هذه المنظمة في الحوار الذي تُجريه الحكومة مع بقية المنظمات الإسلامية في سويسرا”.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.