سويسرا وتسونامي .. عام بعد الكارثة
بعد مرور عام على أسوأ كارثة طبيعية تعيشها منطقة جنوب آسيا، يقف الخبراء السويسريون لتقييم أسلوب التعامل مع تلك المأساة، لاسيما وأن الكنفدرالية ساهمت في مواجهة التداعيات والانعكاسات التي نجمت عنها.
ويعتقد الخبراء أن سويسرا قدمت مساهمة جيدة وأداء فعالا في المساعدة في التعامل مع آثار الكارثة.
من الصعب على السويسريين نسيان كارثة تسونامي، ليس بسبب ضحاياهم هناك، بل لأنها جاءت في وقت تتركز فيه الاهتمامات على أعياد الميلاد ورأس السنة، ليفاجأ الرأي العام بصور الكارثة وما خلفته من دمار وضحايا في زمن قياسي قليل.
وقد تفاعل السويسريون مع الحدث، فسجلوا رقما قياسيا في جمع التبرعات في زمن قصير، إذ تمكنت حملة “سلسلة السعادة” من الحصول على مائتي مليون فرنك للمساهمة في مواجهة تداعيات الكارثة، وهو مبلغ كبير مقارنة مع عدد السكان البالغ عددهم قرابة 7 ملايين نسمة.
لكن تفاعل سويسرا مع كارثة تسونامي لم يقتصر على جمع الأموال والتبرعات فقط، بل تطرق إلى اكثر من ميدان، بداية من توجه فرق الإنقاذ المتخصصة في التدخل في مثل تلك الأحوال إلى موقع الكارثة، وإرسال المواد الطبية الأساسية والمعدات الضرورية التي ذهبت إلى الضحايا، إلى جانب التعاون العلمي والتقني في التعرف على جثث الضحايا ووضع برامج إعادة البناء والأعمار، والمساهمة في إعادة الحركة إلى المناطق التي تضررت من تسونامي، بعدما كانت تعج بالحياة ليل نهار.
وقد تشكلت عقب وقوع الكارثة واكتشاف حجمها المأساوي، لجنة خبراء تضم 25 من المتخصصين في التعامل مع مثل تلك الحالات الطارئة، من ديبلوماسيين ومشتغلين في العمل الإغاثي. ثم بدأت شبكة إتصال في التحرك للتعرف على الضحايا السويسريين وتحديد عددهم وأماكنهم، كما وضعت وزارة الخارجية خطا هاتفيا في خدمة أقراب المفقودين وتلقي المعلومات عنهم.
المثال السويسري في التعامل مع الأزمة
ويمكن القول بأن الجمعيات السويسرية المتخصصة في عمال الإغاثة قدمت مثالا طيبا في التعامل مع مثل تلك الكوارث، وعلى درجة عالية من الجودة والكفاءة، تعكس ما يوصف بالفلسفة السويسرية في المساعدة البناءة، أي تلك تساهم في أن يستعيد الضحية بعض الثقة في النفس، وتعطيه دفعة للعمل والأمل في الحياة مجددا، على عكس بعض المنظمات التي ترى في تقديم الغذاء والماء هي فقط المساعدة المطلوبة.
فقد اعتمدت المنظمات الخيرية السويسرية على دراسة البعد الاجتماعي في وضع خطط المساعدة، وبالتالي تمكنت في أغلب الأحوال من تخحطيط البرنامج المناسب لكل قرية أو منطقة أو مجموعة من السكان، وقع الإختيار عليها لتكون ضمن اهتمامات المنظمات السويسرية.
فعلى سبيل المثال تم إعادة بناء 3 قرى للصيادين في جزيرة فوكيت التايلاندية، ومهدت طريقا بطول 1.7 كيلومتر من القرية إلى الميناء، وشيدت المساعدات السويسرية 27 بيتا ومركزا صحيا ومدرستين وقاعتين للتجمعات ومنحت الصيادين 73 قاربا.
ويعتز الخبراء الذين يعملون في تلك المناطق بأن التقنية السويسرية واسلوب التعامل مع الأزمة أصبح مثالا يحتذى به بين المواطنين هناك، حيث حرص السويسريون على الربط بين عوامل المناخ والبيئة والتقاليد الميعشية والمهنية وهم يعيدون بناء تلك القرى.
وإذا كانت المنظمات الخيرية السويسرية قد جمعت ما بين 180 و 200 مليون فرنك لصالح ضحايا تسونامي، ويعتقد البعض أنه مبلغ جيد بالنسبة لمستوى المعيشة المتواضع في تلك المنطقة، فإن أغلب العاملين في هذا المجال يرون بأن ضحايا تسونامي،هم اليوم أيضا وبعد عام من الكارثة بحاجة إلى المزيد من الأموال، وقد تساعد الشفافية العالية التي تعمل بها منظمات الإغاثة السويسرية على تشجيع الرأي العام للتبرع بأموال أكثر لمشروعات تنظر صيادين بسطاء ومزارعين فقراء.
ومساعدات تقنية أيضا
المساعدات السويسرية كانت أيضا على الجانب التقني، حيث ساهم فريق من شرطة كانتون نيوشاتيل في برامج الكشف عن هوية جثث الضحايا ، وقال بيرتراند مولليه الخبير العلمي في شرطة نيوشاتيل، بأن العمل في التعرف على هوية هذا العدد المهول من الضحايا فتح بابا جديدا في تقنيات الطب الشرعي المستخدمة في تلك المجالات، وذلك في حديثه إلى وكالة الأنباء السويسرية، إثر عودته يوم الخميس من تايلاند، حيث شارك الفريق السويسري المكون من 3 أشخاص ضمن 2000 متخصص من 31 دولة في تحديد هويات الضحايا، حيث يعتقد موللير بأن الخبراء تمكنوا من تقديم عمل جيد، والاستفادة من الخبرات المختلفة، التي قد تسلح للتطبيق مستقبلا.
ويتوقع مولليه بأن العمل على دراسة المعطيات المتوفرة الآن يتطلب عملا قد يصل على عام آخر على الأقل، وهي فترة ليست طويلة، إذ يواصل الخبراء حتى اليوم عملهم في التعرف على هوية ضحايا الحرب على البوسنة والهرسك، رغم انتهائها قبل عشر سنوات من الآن.
ومن بين أهم الصعوبات التي يواجهها الخبراء في هذا المجال، جمع أشلاء الضحايا وجمع بقايا كل جثة على حدة، وقد نجح الخبراء في التعرف على 45% من الضحايا من خلال الأسنان، و35% منهم عن طريق بصمات الأصابع، و20% بعد تحليل الحامض النووي DNA، وهي أغلى طرق التحليل واكثرها تعقيدا، حسب مولليه.
تقع الكوارث الطبيعية بترتيبات قدرية لا دخل للبشر فيها، وقد ارتفعت في السنوات الأخيرة بشكل ملحوظ بين أعاصير وزلازل وفيضانات ليصبح الإستعداد لها، احد المهام الأساسية التي تقع على عاتق الدول والحكومات، وقد يكون الأسلوب السويسري في التعامل مع كارثة تسونامي مثالا ناجحا يستفيد منه آخرون.
تامر أبوالعينين – سويس انفو
وقعت كارثة تسونامي في 26 ديسمبر 2004 واسفرت عن
226500 قتيل، من بينهم 50000 مفقود حتى اليوم
125000 جريح ومصاب
2.3 مليون شخص بلا مأوى
خسائر مادية وصلت على 14 مليار دولار.
جمع السويسريون 200 مليون فرنك لصالح الضحايا
فقدت سويسرا 107 من ابنائها في الكارثة و5 فيعداد المفقودين
تبرعت الحكومة الفدرالية بمساعدت تصل إلى 36.5 مليون فرنك للمناطق المنكوبة وذلك حتى عام 2007.
تكاتفت جهود المنظمات الإغاثية السويسرية مع برامج الوكالة الفدرالية للتعاون والتنمية في تقديم خطط عملية فعالة لإعادة بناء بعض القرى التي دمرها تسونامي، اجمع الخبراء على أنها تسير بشكل جيد إلى الآن.
“تسونامي” كلمة يابانية تعني امواج الموانئ، وتطلق على الأمواج العاتية التي تنشأ في البحار والمحيطات عقب حدوث زلزال في قاعها.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.