سُعاد بيش – ريمن: “بالأكل ننشر المحبة والتسامح”
العقل أعدل الأشياء قسمة بين الناس. لكن طريقة توظيف هذه الملكة هي التي تصنع الفرق بين العقلاء. منهم من يوظفها في زرع الكراهية والحقد ومنهم من يتفاني في إشاعة التسامح والمحبة. وسعاد بيش ريمن، صاحبة مطعم الحمراء بلوزان، اختارت توظيف جهودها في مد جسور التواصل مع الآخرين.
وبما أن “الحب يمر عبر المعدة” مثلما يقول المثل الفرنسي، إختار “مطعم الحمراء” فتح أبوابه مجانا مرتيّن في الأسبوع خلال شهر رمضان لعدد كبير من حرفاءه من جميع الأعراق والثقافات. وبالنسبة للسيدة سعاد ريمن فإن “الأكل هو صلة الصداقة التي تربطها بالشعب السويسري منذ أن حلت بهذه البلاد، وهو طريق ناجح للاندماج وللتعايش والتواصل”.
وعن اختيار شهر رمضان الذي يقترن في جميع البلدان الإسلامية بتجمع العائلات والأصدقاء حول مائدة الأكل عند الإفطار، وبتوثيق عرى التواصل بين الناس، تقول صاحبة المبادرة إنها “تريد إيصال فكرة صحيحة عن شهر الصيام، فهو ليس حرمان للنفس من الأكل والشرب فقط، بل مفرصة للحوار وتبادل الآراء مع الآخرين”.
وتضيف هذه السيدة، مدفوعة بقناعة الانفتاح على الآخر، ومشاركته نفحات الأجواء الرمضانية: “نريد أن نشاركهم هذه الأجواء الجميلة التي نشعر بها نحن المسلمون الصائمون لهذا الشهر، وأن نعدّل شيئا ما من الصورة السلبية التي لحقت بالإسلام بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر”.
المطعم ينظم الثلاثاء المقبل أول سهرة مفتوحة، دعا لها ما يناهز الخمسين شخص أغلبهم يقطنون الحي المجاور له، وهو حي ثري تتوسطه بيعة وكنيسة، مما يضفي المزيد من الحيوية والأهمية على هذه المبادرة. ومن المتوقع أن تنظم خمس حفلات مماثلة خلال شهر الصيام.
هذه المبادرة إستوحتها صاحبة المحل من تجربتها الشخصية، ففي أيام صغرها كانت تقيم بحي تسكنه جالية مسيحية ويهودية، وكان والداها يدعوان أصحاب الجوار من كل الطوائف والأديان. وحين قدمت إلى سويسرا منذ 15 سنة، جعلت من “الأكل مفتاحا للقلوب، وجسرا قويا للامتداد نحو الآخر، وللخروج من كماشة الوحدة، ومشاعر الغربة”.
دعوة إلى الإيجابية
ولئن كانت هذه الخطوة تعد عادية، وطبيعية في المجتمعات الشرقية التي اشتهرت بالتسامح والتعايش حتى عهد قريب، فإن السيدة سعاد ريمن، تتمنى أن تسهم خطوتها هذه في نشر صورة ناصعة عن الأجانب في هذا البلد، وأن تساهم في إبطال دعوات التخويف والترهيب من وجودهم”.
كما ترى أن للمسلمين رسالة في المجتمعات الأوروبية حيث يقيمون، وتتمثل في استثمار القيم الجميلة التي جاؤوا بها من الشرق لتأثيث حياة الغرب بقيم قتلتها المادية والفردانية، وفي ذلك “دفعٌ للأوروبيين إلى الانفتاح أولا على بعضهم البعض، وأن يعود التسامح ليعمّر قلوبهم”.
وفي لقائها مع سويس أنفو، دعت السيدة ريمن، المغربية الأصل والحاصلة على الجنسية السويسرية أبناء الجالية العربية إلى التفاني في خدمة هذا البلد الذي أصبح وطنهم بالتبني، وأن يستثمروا القيم الجيدة التي جاؤوا بها من أوطانهم. وتتمنى على كل أجنبي أن “يستثمر وقته وجهده في بناء شخصيته، وتطوير إمكانياته بدل التباكي والتشكي”.
ولا يحدوها شك في أنه سيأتي يوم ما “يظهر فيه إسلام أوروبي تحمله طائفة شديدة العزم، وسيرجع إلى أوروبا تسامح قرطبة وغرناطة”.
وعن لقب “الحمراء”، المضاف إلى إسم المحل، تقول هذه السيدة الأربعينية في حديثها إلى سويس أنفو “إنه تذكير بالحضارة الإسلامية بالأندلس، حيث كانت الديانات تتعايش في سلام ووئام”.
التمسك بروح الشرق
سعاد بيش ريمن، صاحبة مطعم الحمراء بمدينة لوزان السويسرية، أم لطفليّن: أمين (13 سنة)، ورانيا (8 سنوات) متزوجة من سويسري مسلم، وهي سويسرية من أصول مغربية، تقيم في سويسرا منذ 15 عاما. وتقول هذه السيدة إنها منذ وصلت إلى سويسرا لم تتعرض إلى أية مصاعب، وخاضت تجارب عدة، كسبت من خلالها صداقات كثيرة في عدة مناطق في سويسرا خاصة في بازل ولوزان.
وتؤكد السيدة سعاد بيش ريمن أن إقامتها في سويسرا ساعدتها على العودة إلى الذات وتحقيق المصالحة مع هويتها العربية والإسلامية، حيث وفّقت في إيجاد صياغة منسجمة بين قيمها وهويتها العربية الإسلامية، والمكاسب الثقافية التي إمتلكتها خلال متابعتها لدراستها في مدرسة فرنسية وإقامتها في بلد غربي. وهي اليوم تستفيد من تلك التجارب في تربية أبنائها وتوجيههم.
ورغم تواضع الشهادات العلمية التي حصلت عليها، إلا أنه من الواضح أنها خبيرة بمعترك الحياة، فقبل أن تصل إلى سويسرا، تحصلت على شهادة ختم الدروس الثانوية بالمغرب الأقصى، ودرست سنتيْن بالتزامن السكريتارية وفنون التجميل، واشتغلت بعدة مؤسسات تجارية. درست بعد زواجها من السيد رضا ريمن اللغة الألمانية، وفضلت الإهتمام بتربية أبنائها، إلى أن افتتحت مطعم الحمراء الذي تديره وتعمل به.
وتقول هذه السيدة المغربية السويسرية إنها إختطت لنفسها مدرسة جديدة في الطبخ، أطلقت عليها تسمية “الطبخ الأسري”، الذي يتميز بعدم اللجوء بتاتا لاستعمال المصبرات أو المثلجات في إعداد الأطباق والأكلات.
سويس أنفو – عبد الحفيظ العبدلي – لوزان
تجتهد المساجد والمراكز الثقافية الإسلامية في سويسرا خلال شهر رمضان في تنظيم الإفطارات الجماعية وفي توفير ما أمكن لها من الخدمات لروادها.
فمسجد فيفي بكانتون فو، يقدم كل يوم إفطارا مجانيا لرواده، ويشرف على إنجاز الوجبة أحد المطاعم بالمدينة. كما ينظم كل من المجمّع الثقافي الإسلامي بلوزان والجمعية الثقافية لمسلمي فريبورغ إفطارات جماعية كل نهاية أسبوع، ويقدر أحمد بن رحومة، مدير المجمع بلوزان ان يتجاوز عدد المشاركين في هذه المناسبات المئات من الأشخاص.
ومن جهتها، تقوم بعض البعثات الدبلوماسية من دول الخليج حصرا بتمويل ودعم مشروعات لإفطار الصائمين عبر العديد من المدن السويسرية الكبرى، وذلك دعما للتواصل الإنساني، وتعزيزا لقيم التكافل بين المسلمين.
وبالإضافة إلى تقديم وجبات الإفطار، تنظم المؤسسات الإسلامية بسويسرا محاضرات عامة تقدمها نخبة من الأساتذة والعلماء من داخل سويسرا وخارجها. وتتناول تلك المحاضرات فوائد الصوم التعبدية والاجتماعية، وتدعو الحضور إلى أن يكونوا إيجابيين تجاه أنفسهم وتجاه مجتمعاتهم. كما تتناول مختلف التحديات التي يواجهها المسلمون في ديار الغرب.
وعادة ما يكون للأطفال والشباب حظهم من الاهتمام في هذا الشهر، إذ ترصد المؤسسة الثقافية بزيورخ كل سنة جوائز قيمة للأطفال والشباب الفائزين في مسابقات حفظ القرآن، كما ينظم المجمع الثقافي لمسلمي لوزان احتفالات ثقافية خاصة بهذه الفئة.
ورسميا، وجّه رئيس الكنفدرالية السيد باسكال كوشبان، للسنة الثانية على التوالي رسالة إلى المسلمين تمنى لهم فيها قضاء رمضان سعيد ونوه بانفتاح المراكز الإسلامية والمساجد على بقية المواطنين، وهي رسالة ثمنتها الأقلية المسلمة واعتبرتها بداية إعتراف بحقيقة أن الإسلام بات جزءا لا يتجزأ من المشهد الديني والثقافي في الكنفدرالية.
لكن هذا ترافق أيضا مع الشعور بالخيبة والمرارة لرفض السلطات المعنية مجددا السماح للعديد من القراء ومرتلي القرآن الكريم من دخول البلاد، خاصة من جمهورية مصر العربية، في وقت تفتقد فيه الأقلية المسلمة لعدد كاف من حفظة القرآن الذين يمكن له إمامة المصلين في صلاة التراويح في ليالي رمضان.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.