ضحــايــا العنــف العائـــلي
لا تمرُّ ليلة في سويسرا دون أن يهرع ما لا يقل عن 188 من النساء والأطفال من ضحايا العنف الأسري، إلى بيوت حماية وإرشاد النساء المُعنفات في عدد من مدن الكنفدرالية وإمارة الليشتنشتاين المجاورة.
وبمناسبة اليوم العالمي ضد العنف العائلي، تُذكر جمعيات التضامن النسائي أن عدد الضحايا في ارتفاع مُخيف.
“العنفُ ضد المرأة ظاهرة مُنتشرة في كل المُجتمعات، وليست مُقتصرة على بيئة مُعينة أو ظروف اجتماعية أو اقتصادية أو دينية مُحددة..إن هذا العنف ليس لهُ ما يُبرره ولذا فهو ظاهرة مرفوضة.”
هذه العبارة، المُـترجمة إلى تسع لغات على الأقل على الصفحة الرئيسية لموقع جمعية منظمات التضامن النسائي في سويسرا (Solidarité Femmes)، هي المدخلُ الذي اختارته هذه الجمعية لمُخاطبة النساء المُعنفات المُقيمات في الكنفدرالية، وذلك بغض النظر عن انتماءهن الديني أو العرقي أو الوطني.
وتضمن هذه الجمعيةُ مأوى مُؤقَّتا لضحايا العُنف العائلي في 18 مركز استقبال سُميت بـ”بيوت النساء” في عدد من المُدن السويسرية وإمارة الليشتنشتاين المُجاورة. وتوفرُ الجمعية لهؤلاء النساء، اللاتي غالبا ما يقصدن هذه البيوت رفقة أطفالهن، الرعاية النفسية والإرشادات القانونية والإدارية، حيث توضح لهن حقوقهن وتبحث معهن إمكانية رفع دعوى ضد المعتدي أو البدء في إجراءات الطلاق. كما تساعد الجمعية هؤلاء النساء على الاعتماد على أنفسهن وتحمل المسؤولية واتخاذ القرار بشأن مستقبلهن ومستقبل أطفالهن. ومهما كان قرار السيدة الضحية، فان الجمعية تدعمها.
وقد انتهزت جمعيةُ منظمات التضامن النسائي في سويسرا مُناسبة احياء اليوم العالمي لمكافحة العنف العائلي والعنف ضد المرأة تحديدا يوم الاثنين 25 نوفمبر، لتذكير الرأي العام السويسري بخطورة هذه الظاهرة التي تزداد انتشارا سنة بعد سنة والتشديد على ضرورة التحرك عاجلا لتعزيز سبل مقاومتها.
188 سيدة وطفل يطلبون النجدة كل ليلة
وتؤكدُ الجمعية أن 1160 سيدة و1225 طفلا لجئوا العام الماضي إلى مراكز الاستقبال الـ18 في سويسرا والليشتنشتاين، وأن عدد الليالي المُقضاة في “بيوت النساء” ناهز 69000 ليلة قُدمت فيها الحماية لمُعدل 188 سيدة وطفل كل مساء.
ويبدو أن هذه الأرقام، رغم المعاناة الإنسانية والخُطورة الكبيرة اللتين توحي بهما، لم تنجح بعدُ في حشد الدعم الكافي للتصدي للاعتداءات النفسية والجسدية التي تتعرض لها النساء تحت سقف بيوتهن من طرف الذكور، أزواجا كانوا أم لا، وللآثار النفسية المُدمرة التي تتركها هذه المُمارسات لدى الأطفال.
وتأسف جمعيةُ مُنظمات التضامن النسائي لكون ظاهرة العنف ضد النساء في إطار الأسرة مازالت تُعتبر “عادية” ما لم تبلغ درجة تعريض حياة الضحية للخطر. وتقول الجمعية في هذا السياق “إن حدوث مآسي مثل قتل الأزواج لزوجاتهم أو رفيقاتهم أو أولادهم لا يجب أن تحجب ظاهرة اجتماعية مثل العنف العائلي الذي يعد أكثر انتشارا والناجم عن علاقات القوة بين الرجال والنساء.”
تجربة فريبورغ
وقد تجسدُ تجربة كانتون فريبورغ في مجال مكافحة العنف العائلي مدى خطورة وانتشار الظاهرة في سويسرا عُموما. فقد استقبل “بيت النساء” في مدينة فريبورغ خلال عام 2001 ما لا يقل عن 57 سيدة و53 طفلا، وهو معدل متوسط مقارنة مع باقي الكانتونات. وإن كانت هذه الأرقام لا تختلف كثيرا عن الأرقام التي سُجلت في كانتون فريبروغ عام 2000، فإن فرع جمعية مُنظمات التضامن النسائي في فريبورغ يؤكد أن عدد الضحايا من النساء (وفقا للقانون الفدرالي حول مساعدة ضحايا المخالفات) اللاتي يطلبن مقابلات مع الجمعية بهدف الاستشارة قد ارتفع بنسبة 33%. أما عدد النساء اللاتي يتصلن بالرقم الهاتفي الموضوع رهن إشارتهن 24/ 24 ساعة ويتبادلن الرسائل مع الجمعية، فقد ارتفع بنسبة 80% مقارنة مع عام 2000.
وتشير إحصائيات الجمعية أن ظاهرة العنف العائلي ليست في طريقها إلى الزوال حيث استنتج فرع الجمعية في فريبورغ في نهاية يونيو 2002 ارتفاعا ملحوظا وواضحا لمواعيد الاستشارات التي تجريها مع ضحايا العنف خارج مراكز الاستقبال. فكيف يمكن تفسير هذا الارتفاع؟
تجيب السيدة كلوديا ميير من فرع الجمعية في فريبورغ: “ربما أخذت الظاهرة بالفعل حجما أكبر، وربما أصبح من السهل على النساء المُعنفات الاتصال بنا أكثر من قبل. الفرضيتان صحيحتان بلا شك.”
ومن بين المعطيات الرسمية التي تؤكد اتساع رقعة ظاهرة العنف العائلي الأرقام التي أعلنت عنها شرطة كانتون فريبورغ عام 1999 والتي تفيد أن رجال الشرطة تدخلوا 236 مرة بعد تلقيهم مكالمات تنذر بحدوث شجار عائلي. وفي عام 2000 ارتفع عدد هذه الحالات إلى 272 وفي عام 2001 إلى 323 حالة. ويؤكد المتحدث باسم شرطة كانتون فريبورغ ميشيل ليما أن بعض الحالات استدعت رعاية طبية والبعض الآخر استدعى اصطحاب الضحايا إلى مكان آمن.
ضحايا من مختلف الأعمار
والمُلفت أن انتشار الظاهرة ليس حكرا على شريحة اجتماعية معينة أو نسبة عمر محددة، فالنساء المعنفات ينتمين إلى مختلف الأوساط الاجتماعية وتتراوح أعمارهن بين 18 و70 سنة. وتظل فئة السيدات (20 إلى 40 سنة) الأكثر تضررا من العنف الجسدي. وغالبا ما تستقبل “بيوت النساء” سيدات مازالت أجسادهن تحمل آثار الاعتداء. وتقول السيدة ميير من فرع الجمعية في فريبورغ إن المسؤولين عن “بيت النساء” لاحظوا هذه السنة آثار محاولات خنق متعددة على الضحايا وأن الاعتداء الجسدي غالبا ما يصطحبه عنف نفسي من تهديدات وتحقير وابتزاز.
غير أن وصول الضحايا إلى “بيوت النساء” لا يعني انتهاء المُعاناة أو الخطر لأن المُعتدي قد يُلاحق الضحية أينما ذهبت اما لطلب السماح أو لالحاق المزيد من الأذى بها. لذا، فان عنوان “بيت النساء” في فريبورغ وفي عدد من المدن الأخرى يظل سريا لضمان سلامة الضحية وحمايتها من شخص يظل أو كان أٌقرب الناس اليها. وهذه هي المأساة.
سويس انفو – اصلاح بخات (مع صحيفة لا ليبرتي)
50% من ميزانية جمعية منظمات التضامن النسائي في سويسرا من التبرعات.
قدم البرلمان السويسري ثلاث مبادرات لدعم نشاطات هذه الجمعية، من ابرزها مبادرة تدعو الى سن قانون يسمح بطرد المعتدي من بيت الزوجية ومنعه من اجراء اي اتصال مع الأسرة
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.