عبد الناصر نايت ليمان: “سلاحُنا الوحيد لاسترداد حقوقنا.. القلم والقضاء”
من الصور التي سوف تظل من دون شك عالقة بأذهان التونسيين لزمن طويل تلك التي ظهر فيها محمد الغنوشي الوزير الأوّل على شاشات التلفزيون مساء الجمعة 14 يناير 2011 يُعلن فيها فرار الرئيس السابق، زين العابدين بن على، وكان على يساره فؤاد المبزع، رئيس مجلس النواب، وعلى يمينه عبد الله القلال، رئيس مجلس المستشارين السابق، الذي يُلقبه بعض التونسيين بـ "الجزّار".
هذا الأخير وُضع نهاية الأسبوع الماضي، وتحت الضغط الشعبي، قيد الإقامة الجبرية، وها هو اليوم مهدد بالمتابعة القضائية لما يراه البعض من مسؤوليته لما كان وزير داخلية (1991 -1995) في ظل النظام السابق عن انتهاكات خطيرة في حق معتقلين سياسيين سابقين وإشرافه المباشر على تعذيبهم بشكل وحشي وبربري.
أحد هؤلاء الضحايا، الذي قرر العودة اليوم إلى تونس لرفع شكوى قضائية ضد رئيس مجلس المُستشارين (الغرفة الثانية للبرلمان التونسي) المُقال بعد أن قدم به منذ عام 2001 شكوى أمام المحاكم السويسرية والمحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، هو عبد الناصر نايت ليمان، وهو لاجئ سياسي تونسي بسويسرا، يقيم بجنيف منذ 20 سنة.
ولتسليط مزيد من الضوء على الإجراءات التي يعتزم القيام بها ضد المسؤول التونسي السابق، اتصلت swissinfo.ch بعبد الناصر، وأجرت معه هذا الحوار، قبيل صعوده في الطائرة التي أقلته يوم الأربعاء 26 يناير 2011 من جنيف إلى تونس بعد غياب قسري استمر حوالي عقدين من الزمن.
عبد الناصر نايت ليمان في سطور
مواطن تونسي متحصل على الجنسية السويسرية، ومقيم في الكنفدرالية منذ حوالي 19 عاماً. من مواليد 1957 في مدينة جندوبة شمال غربي تونس. بعد تحصله على الباكالوريا، انتقل إلى فرنسا حيث أكمل دراسته المهنية وتخصص في مجال البترول، ليعود تاليا إلى مدينته جندوبة سنة 1980.
في تونس، كان عضواً في حركة النهضة، و”لم تكن لي أية مسؤولية”، بحسب ما يقول، وعندما غادر تونس في أواخر 1989 للعمل في ايطاليا في مكتب تجاري، تعاقد مع جهات إيطالية للعمل لمدّة سنتين، كمسؤولٍ عن المناطق الفرنكفونية (الناطقة بالفرنسية).
كان ينشط مع جمعيات ايطالية للدفاع عن حقوق الإنسان. وبين سنتي 1990 و 1992، تركز الإهتمام بالوضع في تونس، حيث بلغت عمليات القمع والمتابعة البوليسية والإعتقالات والتعذيب مستويات غير مسبوقة.
رُحّل في 22 أبريل 1992 إلى تونس بطلب من وزارة الداخلية التونسية حيث اتهمته السلطات هناك بـ “الإنتماء إلى جماعة إرهابية دولية”، وتمّ اعتقاله بطريقة غير قانونية من طرف البوليس السياسي الايطالي، كما لم يُسمح له بالإتصال بمحام أو بأي شخص آخر لإعلامه.
بدأ الإرهاب الفعلي يُمارسُ على شخصه من طرف عناصر من الأمن التونسي على متن الطائرة، وعند وصوله إلى تونس كان في انتظاره أعوان من وزارة الداخلية وتمّ نقله مباشرة إلى مقرها وسط العاصمة حيث “مُورس عليه تعذيب شديد” بحسب ما يقول.
بعد خروجه من السجن، تمّ إعلام عبد الناصر نايت ليمان أن الجهات القضائية الايطالية لم تكن على علم ولا على دراية باعتقاله وترحيله، الأمر الذي يعني أن ترحيله لم يكن سوى عملية اختطاف.
swissinfo.ch: ما هي أوّل خطوة تنوي القيام بها بعد وصولك إلى تونس؟
عبد الناصر نايت ليمان: أعود بعد عشرين سنة من الإقامة القسرية في الخارج، وكمواطن تونسي، أتوجّه بتحية إكرام واعتزاز إلى هذا الشعب الكريم والأبي، إلى هذه الأرض الطيبة التي تركتها أنا وكثيرون من أمثالي مكرهين. وبعد زيارة الأهل، سوف أتوجّه مع مجموعة من المحامين لإعداد شكوى قضائية ضد عبد الله القلال وزير الداخلية السابق تباعا للشكوى التي تقدمت بها من قبل في جنيف.
ما هي الطبيعة القانونية لهذه الدعوى؟ وهل ستكون فردية أم جماعية؟
عبد الناصر نايت ليمان: هي دعوة جنائية سوف تكون في البداية فردية، لأنني قررت الإسراع بتقديم هذه الشكوى. وعندما علمت بإخضاع عبد الله القلال للإقامة الجبرية، خفت أن يقع تهريبه إلى خارج تونس بالتعاون مع فرنسا أو بعض البلدان الأخرى. أتمنى ان تحفّز هذه الخطوة بقية ضحايا العهد البائد لإقامة دعوات قضائية ضد المسؤولين السابقين، وأعرف أن هناك الكثيرين ممن ينوون فعل ذلك قريبا.
ما هي مبررات هذه الدعوى؟ ما الذي ارتكبه بحقك عبد الله القلال؟
عبد الناصر نايت ليمان: هذا الرجل كان من أشهر رموز نظام بن علي، تميّز بغطرسته وبأسلوبه الوحشي في التعامل مع المعارضات التونسية بصفة عامة، ومع المعارضة الإسلامية وعناصر حركة النهضة بصفة خاصة. أم بالنسبة لوضعي الخاص، فعندما تم ترحيلي من إيطاليا إلى تونس بطلب من وزارة الداخلية التونسية نتيجة لنشاطي ضمن المنظمات الحقوقية والإنسانية في إيطاليا للتنديد بالإضطهاد والتعذيب الوحشي في السجون التونسية، كان عبد الله القلال آنذاك وزيرا للداخلية. وبعد ترحيلي من إيطاليا، سجنت في مقر وزارة الداخلية من يوم 24 أبريل 1992 إلى 10 يونيو من نفس السنة، عندئذ تم تعذيبي بشكل بشع ووحشي لا يوصف طيلة تلك المدة.
لماذا تقدم شكوى ضد عبد الله القلال تحديدا، وليس ضد رأس النظام آنذاك، والحال أن الوزراء ينفذون أوامر رؤسائهم؟
عبد الناصر نايت ليمان: القضية التي قدمت ضد هذا الرجل في جنيف سنة 2001، كانت بحكم أن القلال كان المسؤول الاوّل بوزارة الداخلية آنذاك. وفي مقر تلك الوزارة انتهكت الأعراض ومورس التعذيب وأزهقت أرواح، لكن رئيس الدولة هو المسؤول في مستوى ثان على ما حدث، وبالتالي تشمله هذه الشكوى أيضا.
تتقدن بهذه الشكوى إلى نظام قضائي، مثله مثل الحكومة المؤقتة، في مرحلة انتقالية. هل يُفهم من خطوتكم هذه أن لديكم ثقة في الجهاز القضائي التونسي اليوم، أم إنها مجرد بالون اختبار؟
عبد الناصر نايت ليمان: نعم هي عملية جس للنبض لأنني عندما قدمت هذه الشكوى في جنيف، أتهمت بالخيانة لكوني إلتجأت إلى المحاكم الدولية، وليس إلى المحاكم التونسية. وكنت أقول لهم: أعطوني قضاء مستقلا وعادلا، وانا أتظلم لديه. هذه فعلا كما قلت بالونة اختبار، ولنرى صدقية وعدالة القضاء التونسي اليوم، وهل يمكن أن يطمئن له طالب العدالة، أم أن دار لقمان على حالها. يجب التذكير أن قضيتي اليوم بيد المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، وقد بلغتني إشارات تفيد بأن هذه المحكمة سوف تأخذ قرارها بهذا الشأن في شهر مارس 2011.
قلت قبل قليل أنك قدمت هذه الشكوى بشكل مستعجل، ألست مطمئنا لإجراءات الإقامة الجبرية التي فرضتها الحكومة المؤقتة على القلال؟
عبد الناصر نايت ليمان: الحكومة القائمة هي حكومة انتقالية، والأخبار الواردة من تونس تشير إلى أن الأوضاع لا تزال غير مستقرة. سمعنا في الأيام الماضية أن العديد من المقربين من النظام السابق قد وقع اعتقالهم، لكن ما راعنا إلأ أنه اتضح أنهم في مونتريال بكندا أو في دبي وجدة بدول الخليج. ما أخشاه هو أن تقدّم المساعدة لهذا الرجل من جهة ما في الداخل أو من الخارج، فيتم تهريبه إلى بلد آخر، خاصة البلدان التي دعمته كمسؤول بالنظام السابق، أو حتى عندما طورد في سويسرا، وحاولت سلطات جنيف إلقاء القبض عليه. ولابد من الإشارة أيضا إلى أنه تلقى آنذاك العلاج بمستشفيات فرنسية، وتم تأمين عودته إلى تونس.
تحصلت في سويسرا على دعم العديد من المنظمات الحقوقية والإنسانية من قبل، هل ستواصل هذه المنظمات تبني قضيتك أمام القضاء التونسي؟
عبد الناصر نايت ليمان: سيكون دعما معنويا فقط، لكنها فرصة بالنسبة لي لأوجه رسالة إلى الخارج بأن هناك منظمات تونسية متخصصة في هذا المجال هي التي سوف تتابع وتدعم قضيتي. أما المنظمات الدولية فسوف تكتفي فقط كما قلت بالدعم المعنوي، فهم تابعوا الموضوع منذ البداية.
أنت اخترت هذا النهج القضائي في التعامل مع رواسب الماضي. ما هي رسالتك إلى بقية التونسيين الذين تعرضوا إلى التعذيب وإلى انتهاك حقوقهم الإنسانية؟
عبد الناصر نايت ليمان: رسالتي إلى كل التونسيين الذين عذّبوا، وذاقوا الأمريْن على يد النظام السابق، هو أن يظل سلاحهم الوحيد لإسترداد حقوقهم وكرامتهم القلم والقضاء، وحتى إذا انتفت عدالة القضاء في بلدنا، علينا التوجه إلى القضاء الدولي. يجب أن يكون هذا مبدؤنا، ولا يجب أن نحيد عنه.
فبراير 2001: تقدم عبد الناصر نايت ليمان بدعوى قضائية ضد عبد الله القلال خلال زيارة للعلاج قام بها هذا الأخير إلى جنيف.
يوليو 2004: نايت ليمان يتقدم بشكوى أمام القضاء السويسري بدعم من TRIAL لإجبار القلال والحكومة التونسية على جبر الأضرار التي لحقت به بسبب ما تعرّض له من تعذيب شديد. وبعد النظر في القضية، قررت المحكمة الإبتدائية عدم النظر في الدعوى، ثم قررت محكمة الإستئناف عدم اختصاصها، وعندما رفعت الدعوى إلى المحكمة الفدرالية، اختارت هي الأخرى رفض الإعتراض في 22 مايو 2007.
نوفمبر 2007: جمعية TRIAL المدافعة عن حقوق المظلومين والمتابعة لملفات المفلتين من العقاب تتقدم بدعوى بشان ما تعرض له نايت ليمان لدى المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان ضد سويسرا والتي اتهمتها بانتهاك المادتيْن 1 و6 من الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان، التي تضمن لكل شخص الحق في الحصول من محاكم البلد الذي يقيم فيه على حكم يعيد له حقوقه المدنية المسلوبة.
ديسمبر 2010: المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان بستراسبورغ تطلب من سويسرا الرد على الشكوى المرفوعة ضدها.
26 يناير 2011: عبد الناصر نايت ليمان يعود إلى تونس بعد 20 سنة قضاها لاجئا في سويسرا، وقال أنه عائد لتقديم دعوى قضائية ضد عبد الله القلال، الذي يقول إنه أشرف شخصيا على ما تعرض له سنة 1992 من تعذيب بمقر وزارة الداخلية التونسية.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.