في جنيف.. العراق يتعهد بتحسين أوضاع حقوق الإنسان في البلاد
في أول استعراض لتقرير العراق أمام آلية الاستعراض الدوري الشامل، ذكّـر التقرير الرسمي للحكومة برواسب الماضي مع تطلع لغد أفضل، فيما استنكرت منظمات المجتمع المدني وآليات حقوق الإنسان تعدد الإنتهاكات وحذرت من ظاهرة "التشجيع على الإفلات من العقاب".
وشدد الوفد الرسمي المشرف على تقديم أول تقرير للعراق أمام هذه الآلية الأممية في جلسة الثلاثاء 16 فبراير 2010 في جنيف على أن وضع حقوق الإنسان اليوم في العراق مرهون برواسب الماضي. وقد عددت السيدة وجدان ميخائيل سالم، وزيرة حقوق الإنسان في كلمتها أمام المجلس”الإنتهاكات التي عانى منها الفرد العراقي بسبب حكومات توالت على حكم العراق، بما فيها الحروب أو من جراء فرض الجزاءات الاقتصادية خلال أكثر من عشر سنوات أو بسبب الهجمات الإرهابية الشرسة التي طالت عشرات الآلاف من الأرواح والبنى التحتية للبلاد”.
لدى تطرقه لهذه المرحلة، وصفها التقرير الرسمي للحكومة العراقية بـ “مأزق عاشته البلاد خلال العقود الثلاثة الأخيرة والذي تمثل في استفحال الحكم الدكتاتوري والسياسات القمعية والانتهاكات المنهجية الجسيمة لحقوق الإنسان والحروب الواسعة التي انخرطت فيها البلاد ووقوع الشعب العراقي ضحية العقوبات الاقتصادية الدولية بمقتضى الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة”.
في المقابل، وما عدى استثناءات قليلة من بعض المنظمات أو الآليات الأممية، لم يشر أي كان إلى أن الوضع القائم في في العراق اليوم يتسم بوجود سلطة دولة أجنبية وحضور قوات أجنبية ما زال لها حيز كبير من النفوذ في اتخاذ القرارات.
مرحلة انتقالية
في سياق متصل، ركز مضمون التقرير الحكومي وكلمة وزيرة حقوق الإنسان ورئيسة الوفد العراقي لآلية الاستعراض الدوري الشامل على أن المرحلة الحالية (أي منذ ربيع عام 2003) “هي مرحلة البدء بإنشاء نظام ديمقراطي تكون حماية حقوق الإنسان أحد أهم ركائزه”.
وقد أسهبت الوزيرة (والتقرير أيضا) في تعداد الخطوات التي تم اتخاذها في هذا المجال مثل إقامة وزارة لحقوق الإنسان، ووحدات لحقوق الإنسان بمختلف الوزارات، إضافة الى هيئات مستقلة مثل المفوضية العليا لحقوق الإنسان، وهيئة النزاهة، والمفوضية العليا المستقلة للإنتخابات والعديد من منظمات المجتمع المدني.
في مجال المرأة، اعتبر تقرير العراق أن هناك تطورا إيجابيا في تحسين وضع المرأة سواء من حيث المؤسسات التي تعنى بحقوقها أو فيما يتعلق بالقوانين الضامنة لتلك الحقوق مثل رعاية الأرامل والمطلقات، واستحداث دائرة الشرطة المجتمعية للعنف ضد المرأة وتعزيز المساواة بالرجل وتمكين المرأة من الوصول الى مناصب السلطة (8 وكيلات وزارة) والبرلمان (25%).
وفيما يتعلق بحقوق الأقليات، نوهت الوزيرة في كلمتها إلى أن “قانون الإنتخابات الجديد يحتوي على ضمانات جديدة تتعلق بتمثيل الأقليات واعتماد القائمة المفتوحة…”. ولتأكيد حقوق الأقليات يقول التقرير الحكومي “يكفل الدستور(في بنود مختلفة) التمتع بالحقوق المختلفة، فيكفل حرية العقيدة والممارسة الدينية، وحرية الفكر والضمير، ويكفل الحقوق الثقافية والهوية اللغوية، ويحظر أي نهج يقوم على العنصرية والتمييز، كما يكفل حرية اختيار الإلتزام في مجال الأحوال الشخصية وفق الديانة أو المذاهب والمعتقدات أو الإختيارات”. وهذا ما دفع أحد منتقدي النظام العراقي الحالي إلى القول بأن “من يستمع إلى تقرير الحكومة العراقية من السويسريين سيفضل العيش في العراق”.
في مجال الإعتقال والسجون الذي تعرض لانتقادات شتى في الماضي القريب، يعتبر التقرير الحكومي أن العراق يوجد “في مرحلة انتقالية”، وأشار إلى وجود مراكز اعتقال يتوزع الإشراف عليها على سلطات تابعة لوزارات الدفاع والداخلية والعدل والعمل. وعن هذا الإشراف المتشابك على إدارة السجون، أكد التقرير وجود “14 سجنا مركزيا في مختلف أنحاء البلاد تحت إدارة وزارة العدل” وأشار إلى “تولي وزارة العمل والشؤون الاجتماعية في إقليم كوردستان إدارة سجون الإقليم”.
ويعترف التقرير الرسمي للحكومة العراقية بوجود حوالي 9750 من المحتجزين بين أيدي القوات المتعددة الجنسيات ينضافون إلى حوالي 29000 شخص يوجدون حاليا في مراكز الاعتقال التي تخضع للإشراف العراقي.
وعن ممارسة التعذيب، قالت وزيرة حقوق الإنسان العراقية في كلمتها أمام المجلس: “إن حالات التعذيب التي تقع هنا وهناك ليست سياسة حكومية منهجية في التعامل مع المحتجزين ولكنها قد تحصل أحيانا بسبب نقص خبرة القائمين بالتحقيق نظرا لحداثة تشكيل الأجهزة الأمنية وهي حالات فردية يتم ملاحقة القائمين بها وتقديمهم للعدالة”.
ومن التعهدات التي قطعتها دولة العراق على نفسها أمام المجلس ضرورة مراجعة التحفظات التي اتخذتها جمهورية العراق عند انضمامها للمعاهدات الدولية الخاصة بحقوق الانسان، وتسهيل زيارة المقررين الخاصين، واستكمال إجراءات التصديق على اتفاقية مناهضة التعذيب واتفاقية حماية الأشخاص من الاختفاء القسري والإنضمام الى اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة.
ويُشار في هذا السياق، إلى أن العراق منضم الى خمسة من الاتفاقيات الرئيسية لحقوق الإنسان وهي العهدان الدوليان، واتفاقية القضاء على التمييز العنصري، واتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، واتفاقية حقوق الطفل والبروتوكلين الاختياريين الملحقين بمعاهدة حقوق الطفل.
إنتهاكات، وإفلات من العقاب!
في مقابل الرواية الرسمية، تطرقت المؤاخذات الصادرة عن آليات حقوق الإنسان أو منظمات المجتمع المدني في بعض الأحيان إلى انتقاد جوانب من الدستور العراقي التي لا زالت عالقة. حيث تناولت مؤسسة تركمان العراق لبحوث حقوق الإنسان “الفقرات المتصلة بالفدرالية، أو مسالة اجتثاث البعث وقانون الأحوال الشخصية والتوفيق بين قوانين الشريعة الإسلامية ومبادئ حقوق الإنسان، وقضايا الأقليات” كما أثارت نفس المؤسسة “محاولات السلطات الكردية تأكيد دورها العرقي داخل العراق على أنها العامل المهيمن”.
وبخصوص دور مؤسسات حقوق الإنسان في العراق، رأت العديد من المنظمات غير الحكومية في ورقتها المشتركة أن “دور وزارة حقوق الإنسان مجرد دور استشاري”.
من جهة أخرى، كانت عقوبة الإعدام في العراق محط انتقاد العديد من المنظمات غير الحكومية والآليات الأممية، إذ ترى منظمة العفو الدولية أن “عقوبة الإعدام تُستخدم على نطاق واسع وان الحكومة الحالية وسعت نطاق هذه العقوبة”، بل اعتبرت المنظمة العراقية لحقوق الإنسان أن “عقوبة الإعدام تصدر على الأفراد في أعقاب محاكمات مجحفة”.
وبخصوص مرتكبي القسم الأكبر من الانتهاكات في الحق في الحياة، أوردت المنظمات غير الحكومية في ورقتها المشتركة أن ذلك يتم عبر “الميليشيات والعصابات المسلحة والقوات المتعددة الجنسيات والجهات المتعاقدة في القطاع الخاص والشرطة العراقية”. ومن ناحيتها، أشارت رابطة علماء المسلمين في العراق إلى “اغتيال واختطاف واعتقال ونفي للمفكرين والمثقفين والعلماء ورجال الدين”. كما أكدت المنظمات غير الحكومية “استمرار استهداف رجال القضاء والمحامين”.
“هيئة الكرامة” تجرأت في تقريرها على التطرق إلى مراكز الاعتقال السرية مشيرة إلى أنه “هناك العشرات من مراكز الاعتقال ومعظمها مراكز سرية تخضع لسيطرة حكومة أجنبية تعمل داخل العراق ولقوات ميليشيات عراقية”.
بدورها، أشارت اللجنة العراقية لحقوق الإنسان إلى أن التعذيب والمعاملة اللاإنسانية يمارسان على نطاق واسع ومنهجي في السجون العراقية… ويسفر في كثير من الحالات عن الوفاة”.
موضوع معسكر أشرف الذي يؤوي ما تبقى من أفراد مجاهدي خلق المعارضين للنظام الإيراني، أثارته رابطة الحقوقيين المستقلين للدفاع عن حقوق الإنسان “مشيرة الى ان حكومة بلد أجنبي تعمل داخل العراق قام بإحالة حماية معسكر أشرف الى عهدة الحكومة العراقية وهو ما زاد من تعقيد القيود المفروضة على سكان المخيم منذ يناير 2009”.
وتذهب اللجنة العراقية لحقوق الإنسان إلى حد اعتبار أن “الإفلات من العقاب هو السمة الأساسية في العراق”. كما أوردت منظمة العفو الدولية أن “قيام السلطات بتحقيقات في حالات التعذيب والوفاة في السجون لم يرفق بنشر نتائج تلك التحقيقات وهو ما يشجع ثقافة الإفلات من العقاب”.
وبعد أن استمع مجلس حقوق الإنسان إلى أن حوالي 60 دولة في مداخلات أمام آلية الاستعراض الدوري الشامل، سيخصص جلسة يوم الجمعة 19 فبراير لتقديم ملخص التوصيات التي سيرفعها للحكومة العراقية.
محمد شريف – جنيف – swissinfo.ch
لم تعرف قاعة مجلس حقوق الإنسان أثناء تقديم تقرير العراق، التوتر الذي كان سائدا قبل يوم من ذلك عند استعراض تقرير إيران.
إذ توالت تدخلات الدول الغربية والعربية والنامية باستثناءات قليلة، تثني على جهود العراق في بناء مؤسسات جديدة وتمكين المواطن العراقي من التمتع بمزيد من الحقوق.
فالأردن ذكر أمام المجلس “بما أثْرت به بلاد الرافدين البشرية بحضارات وثقافات فريدة لا زالت آثارها ماثلة أمامنا حتى اليوم”.
وانتهي الممثل الأردني الى تقديم توصيات للحكومة العراقية “بمواصلة العمل على إرساء الديمقراطية والحكم الرشيد وسيادة القانون والمساواة”.
الجزائر أوصت العراق بضرورة تحقيق المصالحة الوطنية “من باب حرص الجزائر على وحدة العراق”. وتساءل الممثل الجزائري عن “حقيقة ما تتداوله وسائل الإعلام” حول هيئة المساءلة والعدالة والانتخابات النيابية” ودعا الوفد العراقي الى توضيح التجربة العراقية في التعامل مع أوضاع السجون وخاصة عقوبة خرق الشركات الأمنية الأجنبية لحقوق الإنسان في العراق.
الممثل الأمريكي رأى في تقديم التقرير فرصة للتعاون ومساعدة “حكومة منتخبة ديمقراطيا في العراق من أجل تحسين أوضاع حقوق الإنسان”.
وعبر الممثل الأمريكي عن “الأمل في تحسين العراق لأوضاع حقوق الإنسان وفي معالجة أوضاع السجون والتحقيق في الانتهاكات التي يتعرض لها السجناء ووضع كل السجناء ومؤسسات الاعتقال تحت إشراف وزارة العدل” (علما بأن التقريرالرسمي العراقي أشار الى وجود حوالي 9000 معتقل تحت إشراف القوات المتعددة الجنسيات).
بريطانيا قدمت توصيات للعراق تتمثل في التمسك بمهلة في تنفيذ عقوبة الإعدام- وفي إقامة لجنة مستقلة لحقوق الإنسان وفقا لمبادئ باريس- وتحسين احترام حقوق الإنسان في المجال القضائي والتحقيق في كل الادعاءات بممارسة التعذيب…”
وطالبت فرنسا بوضع حد لتجنيد الأطفال -والمتاجرة بالأعضاء البشرية – وتوظيف الأطفال في المتاجرة بالجنس.
ومن النقاط التي أشارت لها غالبية الدول الغربية في توصياتها وبعض المنظمات المدنية في تقاريرها ضرورة احترام حقوق المثليين والتوصية بنزع الطابع الإجرامي على سلوكهم.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.