كي لا يكون الطفل هو الضحية!
بهذه الرؤية التي تضع مصلحة الطفل في المقدمة، ابتكرت سوريا مراكز اللقاء الأسري عام 1999 بدعم من منظمة اليونيسيف وتمويل الحكومة السويسرية.
سويس انفو توجهت إلى مركز اللقاء الأسري في حلب لتسليط الأضواء على هذا المشروع الذي يظل “جديداً في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا”، على حد تعبير منسق برامج اليونيسيف في سوريا.
هي “مبادرة جديدة جداً، مبادرة جديدة في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا”، الحماسة ولمحة كبرياء كانتا تغلفان عبارات منسق برامج اليونيسيف في سوريا مارك لوسيه في حديثه مع سويس انفو في دمشق.
ويكمل قائلاً “السبب في دعمنا لهذا المشروع أنه يفي بحقوق الأطفال في رؤية والديهم بغض النظر عن المشاكل القائمة بين الوالدين. وكان من المثير للاهتمام أن وزارة العدل السورية قدمت فكرة تهدف إلى تأسيس أماكن تترجم هذه الفكرة على أرض الواقع”.
الفكرة التي يتحدث عنها السيد لوسيه هي مشروع مراكز اللقاء الأسري، الذي تم تأسيسه عام 1999 بمبادرة من وزارة العدل السورية، وبدعم منظمة اليونيسيف ومشاركتها في الإشراف عليها، وبتمويل من الحكومة السويسرية.
مراكز اللقاء الأسري في سوريا
تم إنشاؤها بقرار من وزارة العدل السورية عام 1999.
تدعمها وتنظمها منظمة اليونيسيف الأممية، وتمولها الحكومة السويسرية.
يستقبل مركز حلب نحو 1200 حالة أسبوعية.
في عام 2005 (إلى حد شهر سبتمبر) تمت في المركز 21 حالة مصالحة زوجية، و75 حالة إراءة منزلية، و125 إراءة منزلية، إضافة إلى اللقاء في المركز.
مَن المتضرر؟
يدور المشروع حول هذا السؤال: مَن المتضرر عادة من طلاق الوالدين؟ الجواب يحدد المتضرر أولاً وأساساً في الأطفال، لأنه رغم الضرر الكبير الذي سيلحق بالوالدين من جراء هدم أسرتهما فإنهما راشدان، قادران في معظم الأحوال على تحمل عواقب قرارهما.
ولأن الهدف هو مصلحة الطفل، فإن المشروع يسعى إلى توفير بيئة ملائمة تسمح للطفل بلقاء الطرف غير الحاضن له (أبوه عادة، أو أمه). كيف؟ مركز اللقاء الأسري في حلب يقدم مثالاً عملياً لهذه التجربة.
القاضية أميرة عبد العزيز رئيسة محكمة الأحداث المتفرغة بحلب، ورئيسة اللجنة القضائية لدعم الأسرة والطفولة بحلب تشرح لسويس انفو قائلة “المركز يستقبل الأولاد ليتمكنوا من رؤية الطرف الأخر، الطرف غير الحاضن”.
أهمية المركز تتجلي للعيان عند معرفة أن قبل إنشائه كان الطفل لعائلة مطلقة يلتقي الطرف غير الحاضن، أي أبيه أو أمه، يلتقيه في قصر العدل، أي في المحكمة! وتوضح القاضية أميرة عبد العزيز بالقول “كانت الإراءة تتم في دائرة التنفيذ، بزحمة الكبار والصغار، وبتوتر الأعمال القضائية، كان وضع تعيساً جداً”.
الحضانة للأم أساساً
نظمت المادة 146 من قانون الأحوال الشخصية حضانة الطفل عند طلاق والديه بإعطاء هذا الحق للأم، فالطفل الذكر يبقى لديها حتى يبلغ التاسعة من عمره، والطفلة تظل إلى أن تتم الحادية عشرة من العمر، وبعدها ينتقلان للعيش لدى والدهما.
لكن المرسوم الرئاسي رقم 18 لعام 2003، رفع سن الحضانة إلى سن 13 عاماً للطفل، و15 عاماً للطفلة، كما يشرح القاضي الشرعي العضو في اللجنة القضائية لدعم الأسرة والطفولة راكان.
في المقابل، أتاح القانون إمكانية منح الحضانة للأب في حال استغناء الأم عن طفلها أو طفلتها، وهي الحالات التي تحدث عادة بسبب رفض أهلها استقبال أطفالها.
ويوضح القاضي راكان قائلاً “قانون الأحوال الشخصية، وهو من أكثر القوانين تطوراًَ في العالم العربي، نص على أنه حتى لو ثبت أن الأم ناشز، وهي كلمة تشمل أموراً كثيرة من سوء الأخلاق أو ثبوت جريمة الزنا، لا تسقط حضانتها للطفل إذا كان سن الأخير يقل عن الخامسة من العمر، لأنه لا يعي تصرفات أمه، كما أن المشرع فضل مصلحة الطفل على أية مصلحة أخرى”.
ووفقا للقانون فإن من حق الطرف غير الحاضن (وهو الأب عادة) رؤية أطفاله، والأصل كما يشرح لنا القاضي الشرعي راكان “أن تكون الإراءة كل أسبوع وبصورة دورية”.
إمكانية لم شمل الأسرة من جديد
يلعب المشرف الإجتماعي، العضو في اللجنة القضائية لدعم الأسرة والطفولة بحلب، دوراً هاماً في تهيئة الطفل للقاء والده أو والدته.
ويوضح لسويس انفو الأخصائي الإجتماعي أحمد أمين، المندوب من وزارة الشؤون الإجتماعية لدى مركز حلب، بالقول “الأطفال عندما يأتون إلى المركز، يأتون بشكل ممكن أن يكون مشحون، أو غير قادر على استيعاب الطرف الأخر (الأب أو الأم) بسبب الغياب الطويل بين فترة ترك الطفل وطلب إراءته، أو قد يكون بسبب تعليم الطرف الحاضن لهذا الطفل بعدم استقبال الطرف الطالب الإراءة (بالترحيب)”.
ولذلك يلتقي الأخصائي الإجتماعي بالطفل مرة أو مرتين قبل السماح برؤية والده أو والدته، ويرافقه في اللقاء الأول، وأحياناً في الجلسة الثانية، وفي العادة فإن نحو 95 و99% من الحالات “تتم الاستجابة بشكل مباشر سواء في اللقاء الأول أو الثاني، ويتم اللقاء بصورة ودية أسرية”.
بعد ذلك، يسعى المركز إلى إقناع ذوي الطفل مع الوقت من نقل مكان لقاء الطفل بوالده أو والدته إلى بيت الطرف غير الحاضن، لأنه المكان الأنسب للقاء الطفل بأبيه أو أمه.
عدا عن ذلك، فإن مركز اللقاء الأسرى في حلب تمكن بالإضافة إلى الدور المناط به من توفير بيئة محايدة للقاء الأطفال بذويهم، تمكن أيضاً من لعب دور إيجابي في لم شمل الأسرة المطلقة. فإلى حد نهاية شهر سبتمبر، أستطاع المركز في عام 2005 من تحقيق 21 مصالحة زوجية، عادت فيها الأم إلى الأب وأستقر الأطفال معهما من جديد.
اللجنة القضائية لدعم الأسرة والطفولة بحلب
لجنة تطوعية تشكلت بقرار من وزارة العدل السورية.
تتكون من رئيسة محكمة الأحداث وقاضي شرعي ومشرف اجتماعي ومدير المركز ورئيس الإتحاد النسائي.
تلتقي أسبوعياً للتدخل بين الأسر للإصلاح والإرشاد، واتخاذ ما يلزم من الإجراءات والمواقف في الحالات التي يتعرض فيها الأطفال إلى العنف من أحد ذويه أو إلى مشاكل أسرية.
الطلب متزايد والمركز صغير
يستقبل مركز اللقاء الأسري في حلب أسبوعياً أكثر من 1200 حالة إراءة، وبسبب الضغط المتزايد عليه وضيق مساحته، أضطر القائمون عليه إلى جعل عملية اللقاء بين الطفل ووالده أو والدته تتم مرة كل أسبوعين، ولفترة ساعتين.
تزايد عدد وكم الحالات التي تسعى إلى الاستفادة من خدمات المركز وصغر حجم هذا الأخير هي المشكلة التي يواجهها مركز اللقاء الأسري في حلب والقائمون عليه.
مدير المركز محمد حلو عبر في حديثه مع سويس انفو عن هذا الواقع بالقول “نتمنى أن يكون المركز أكبر، (نحن) لا نستوعب الحالات، والطفل خلال هذه الساعتين كل 15 يوم ما بيكتفي من رؤية أبوه أو أمه، ما هي كافية كي يتعرف على عائلته، والأفضل أن تكون الإراءة بشكل عام منزلية”.
هذا الرأي الذي أشترك في التعبير عنه أيضاً كل أعضاء اللجنة القضائية لدعم الأسرة والطفولة، أيده أب كان متواجد في المركز للقاء أبنه.
فالسيد أحمد حناوي أوضح في حديثه مع سويس انفو قائلاً “أنا في هذه الساعتين لا ألحق أن أبني يعرفني، ولا ألحق أن أبني يتولف علي (يعتاد علي). والحمد لله حصلت على حق الإراءة المنزلية بحيث أصبح بإمكانه أن يأتي إلي كل 15 يوم ويقضي اليوم كله عندنا، في البيت صار الولد يعرف أخوه وأخته وعمه، لكن هنا الولد لا يعرف أخوه ولا يعرف أحد من أسرتي سواي”.
أفضل الممكن
هذه الجوانب تدركها منظمة اليونيسيف جيداً. فالسيد مارك لوسيه منسق برنامج اليونيسيف في سوريا يقول “اليونيسيف مدركة جداً أن هذه المراكز في حد ذاتها لا تمثل الحل الأنسب، وهناك حدود كثيرة (لما يمكن لهذه المراكز أن تفعله) فهي لن تبني إحساس الإشباع لدى الطفل إذا التقى والده أو والدته ساعتين كل 15 يوماً، كما أن المرء يرى في المركز أطفال يبكون، وأباء أو أمهات يبكون، أو الأسر وهي تتشاحن”.
رغم ذلك فإن هناك جوانب إيجابية لا يمكن إغفالها. يكمل السيد لوسيه قائلاً ” لننظر إلى ما يمكن أن يحدث وما يحدث في الواقع في بعض الحالات: الفكرة هي أن نجلب الأسرة إلى مكان يُّمكنهم من إدراك أنه ربما هناك حاجة لمواصلة النقاش والعثور على حل، حل ليس قانونياً بمعنى أنه يوفر الحد الأدنى المقبول، وإنما العثور على حل بين الأفراد بين الأسرة من أجل مصلحة الطفل العليا”.
ويختتم منسق برنامج اليونيسيف في سوريا حديثه قائلاً “هكذا، يصبح الوالدين مسئولين عن هذا الإتفاق دون الحاجة إلى قاضي يقول لهم كيف يمكنهم فعل ذلك. وأنا أعتقد أن هذا أمر جديد، وهو أمر إيجابي لأنه يعني من جديد أن مصلحة الطفل هي التي يتم النظر إليها”.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.