ليبيا تواجـه خطر تـعـدّد المجموعات المسلحة
أوضحت دراسة جديدة أن ليبيا ما زالت تعاني من تعدد المجموعات المسلحة، بمكوناتها المختلفة النظامية، وغير النظامية، والوفية للنظام السابق، او ذات النزعة الإجرامية او المتطرفة.
أما فيما يتعلق بإنشاء جيش وطني جديد، فإن الدراسة التي نُشرت في جنيف في موفى شهر يونيو 2012 تذهب إلى أن الكتائب الثورية التي لا تبدي ثقة في وزارة الدفاع بصدد إقامة “جيش في الإنتظار”.
ومثلما كان متوقعا، توصلت الدراسة التي أصدرها معهد “مسح الأسلحة الصغيرة” التابع لمعهد الدراسات العليا والتنمية في جنيف إلى أن القضايا الأمنية لا زالت تهيمن على الساحة السياسية في ليبيا منذ الإطاحة بنظام العقيد القذافي قبل عشرة أشهر تقريبا.
وفي أول تحليل مفصل، أشرف عليه الباحث البريطاني برايان ماكوين من معهد الأنثروبولوجيا بجامعة أكسفورد طيلة الفترة الممتدة من يوليو 2011 إلى مارس 2012، أوردت الدراسة صورة شاملة عن المجموعات المسلحة التي تشكلت أثناء الإنتفاضة ضد نظام العقيد القذافي التي اندلعت من بنغازي في 17 فبراير 2011، أو تلك التي نشأت عقب سقوطه، متخذة في ذلك حالة مصراته كمرجعية.
وبعد استعراض ظروف نشأة المجموعات المسلحة، والتسلسل الزمني لظهورها، تطرقت الدراسة إلى أطوار وكيفية تحولها من مجموعات غير منظمة إلى وحدات تتحكم في عتاد حربي ومخازن أسلحة ضخمة وقادرة على استخدام معدات تكنولوجية متطورة.
الكتائب الثورية
تقول الدراسة إن الكتائب الثورية تشمل ما بين 75 الى 85% من مجموع المقاتلين من ذوي الخبرة والمعدات الذين لا يزالون خارج إشراف الدولة. وقد أنشأت هذه الكتائب في الساعات الأولى من بداية الثورة في ليبيا، وتعتبر الأكثر تماسكا وولاء لقادتها.
ويعود ظهور الكتائب الثورية إلى المعارك التي شهدتها كل من مصراته والزنتان في شهر نوفمبر 2011. وقد تم إحصاء أكثر من 236 كتيبة ثورية في “اتحاد ثوار مصراته” لوحده تضم في صفوفها حوالي 40 ألف مقاتل.
وعن مكونات هذه الكتائب تشير الدراسة إلى أن 41% من المنخرطين فيها من الطلبة، و 38% من عمال القطاع الخاص، و 11% من القطاع العام، و 8% من المهنيين من أطباء وغيرهم، و 2% من العاطلين عن العمل. وهي تُدار من طرف العديد من المجالس التنسيقية المحلية التي تشكلت أثناء الحرب وفي الفترة التي تلتها، ومن ضمنها المجالس العسكرية واتحادات الثوار التي “اكتسبت اهمية كبرى بعد نهاية الثورة”، مثلما جاء في الدراسة.
الكتائب غير النظامية
تُعرّف الدراسة هذا الصنف من المجموعات المسلحة بأنها “كتائب انشقت عن سلطة المجالس العسكرية المحلية في المرحلة الأخيرة من الحرب”. وعلى مستوى مدينة مصراته لوحدها، تشير الدراسة إلى “وجود أربعة كتائب غير نظامية، وهو ما يمثل حوالي 4% من مجموع المقاتلين في المدينة”، حسبما كان معلوما حتى شهر مارس 2012.
وإذا كانت هذه المجموعات تتبع في نهجها وتكوينها الكتائب الثورية، فإنها – وعلى العكس منها – لا ترغب في الإنضمام إلى المجالس العسكرية المحلية. ومع أنها لا زالت تنشط خارج نطاق القانون، فإنها لا زالت “تلتزم بالمرجعية الإجتماعية لعناصرها، وبالإنتماءات الطائفية لأفرادها”، مثلما ورد في الدراسة.
كتائب ما بعد الثورة
تُعرّف الدراسة هذا الصنف من المجموعات المسلحة بأنها “كتائب أنشئت لملء الفراغ الأمني الذي حدث بعد سقوط نظام العقيد القذافي. وهي الكتائب التي ظهرت في المناطق التي كانت مناصرة لنظام العقيد القذافي مثل بني وليد أو سرت، كما أن لها تواجدا في مناطق أخرى لم تتضرر كثيرا بالحرب”.
في الوقت نفسه، تتوقع الدراسة أن يتزايد عدد هذه الكتائب في المستقبل نظرا لتواجد فئات وفية لنظام القذافي ولاستمرار التوتر بين الطوائف العرقية. كما أنها تكتسب خبرة بالمشاركة في المعارك التي اندلعت بعد نهاية الثورة مثلما وقع مؤخرا في زوارة حيث نشبت اشتباكات بين القبائل البربرية والقبائل العربية المجاورة.
المليشيات المختلفة
تحت هذه التسمية تصنف الدراسة كل المجموعات المسلحة المتبقية الممتدة من المجموعات الإجرامية ( شبكات المهربين)،الى المجموعات المتطرفة الممارسة للعنف.
وعلى الرغم من الاهتمام الكبير الذي ابدته وسائل الإعلام الغربية بالمجموعات المتطرفة في ليبيا في بداية الثورة، إلا أن الدراسة تقول بأن هذه المجموعات لم يكن لها نشاط كبير اثناء الثورة على عكس ما يقع في سوريا اليوم. وعن قوة وقدرة هذه المليشيات القتالية، ترى الدراسة أنها “لم تكن محط اختبار نظرا لعدم تصدي السلطات أو الكتائب النظامية لها بشكل فعلي لحد الآن”.
يوسف المنقوش.. قائد لجيشين؟!
على صعيد آخر، وبخصوص الجهود المبذولة لبناء نواة جيش وطني جديد، تقول الدراسة “إن الكتائب الثورية ترى نفسها على أنها هي حامية الثورة، ولا تبدي أية ثقة لا في وزارة الدفاع ولا في الجيش الوطني” الوليد.
في الوقت نفسه، شرعت هذه الكتائب في تأسيس شبكة وطنية لاتحادات الثوار من أجل إقامة ما أطلق عليه اسم “الدرع الوطني” الذي أطلقت عليه الدراسة تسمية “جيش في الانتظار” يتشكل من أربعة ألوية تتوزع على الشرق والغرب والوسط والجنوب، ويوجد في مصراته لوحدها حوالي 7000 مقاتل ينتمون له.
في المقابل، أوكلت قيادات هذه الكتائب، حسبما ورد في الدراسة، قيادة “الدرع الوطني” إلى قائد الجيش الوطني الجنرال يوسف المنقوش، وذلك بالرغم من عدم ثقتها في وزارة الدفاع الحالية وفي الجيش النظامي. وفي الوقت نفسه، أسندت السلطات الليبية إلى قوات “الدرع الوطني” مهمة المشاركة إلى جانب قوات نظامية في إخماد أعمال العنف التي شهدتها منطقة الكفرة، وسبها، وزوارة. وبذلك “يجد قائد الجيش النظامي الجنرال ماجور يوسف المنقوش نفسه في قيادة جيشين في نفس الوقت”، مثلما تستخلص الدراسة.
مشروع أسس في عام 1999 ، ويشرف عليه المعهد العالي للدراسات الدولية والتنمية في جنيف، وتموله وزارة الخارجية السويسرية بالاشتراك مع عدد من الدول الغربية.
يعتبر المعهد أهم مصدر للرأي العام، وللحكومات والبحاثة عن كل الجوانب المتعلقة بانتشار الأسلحة الخفيفة والعنف المسلح في العالم.
يشارك في إعداد تقاريره خبراء دوليون متخصصون في الدراسة الأمنية، والعلوم السياسية، والقانون، والاقتصاد، والتنمية، وعلم فض النزاعات، وعلم الإجرام، وعلم الاجتماع.
ويَعتبر أن انتشار الأسلحة الخفيفة والصغيرة يشكل خطرا كبيرا على حياة الناس. كما يعتبر بأن الانتشار المفرط لهذه الأسلحة أدى إلى تصاعد التوترات بين الدول ، والى تكاثر الانتهاكات لحقوق الإنسان، ويعمل على تقويض التنمية السياسية والاقتصادية للدول، والى نشر الفوضى، وتهديد حياة ملايين البشر.
من أجل تمكين الدول والباحثين من معرفة حجم الأضرار المترتبة عن انتشار الأسلحة الصغيرة، يقوم المشروع بإجراء مسح لانتشار الأسلحة االصغيرة في العالم من خلال دراسات سنوية تأخذ بعين الإعتبار الإنتاج، والمخزون، ومبيعات الأسلحة، القانوني منها وغير الشرعي، وتأثيراتها على حياة الناس، والتدابير التي تتخذها الدول على نطاق وطني أو ثنائي أو دولي في مجال التعامل مع الأسلحة الصغيرة.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.