“ما يُـقـدّم للنازحين والمُرحّلين لا يكفي!”
في الوقت الذي يزداد فيه عدد النازحين والمرحلين داخليا في شتى أنحاء العالم، تبدو العناية التي يوليها النظام الدولي لأوضاعهم غير كافية. هذه هي الخلاصة التي توصل إليها القانوني السويسري فالتر كيلين بعد توليه، لفترتين متتاليتين، منصب ممثل الأمين العام للأمم المتحدة المكلف بأوضاع النازحين.
وبالإضافة إلى كون البروفسور كيلين من كبار المتخصصين في القانون الدستوري والدولي بجامعة برن، وخبيرا دوليا معترفا به، فإنه يعتبر من الشخصيات التي سهرت على إرساء قواعد مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة الذي ظهر للوجود رسميا في عام 2007.
Swissinfo.ch: يعرف عدد النازحين والمرحلين داخليا زيادة مستمرة سنة بعد سنة، ما السب في ذلك؟
فالتر كيلين: هناك استقرار في عدد النازحين منذ حوالي عشرة أعوام في حدود 26 مليون مرحل أو نازح إما بسبب الحروب أو أعمال العنف. إذ نجد حوالي 11 مليون في إفريقيا، وهناك نازحون في آسيا، وبلدان الشرق الأوسط، وفي الأمريكيتين. وحتى في أوروبا نعثر على نازحين يقدر عددهم بما بين 2 و 3 مليون نازح، غالبيتهم بسبب حروب البلقان وجنوب القوقاز.
ولكن على النقيض من ذلك، يشهد عدد النازحين بسب الكوارث الطبيعية زيادة مستمرة ، فقد عرفت هايتي عقب زلزال يناير الماضي أكثر من مليوني مرحل.
ولكن هذه الزيادة تعود في معظمها الى زيادة عدد الكوارث الطبيعية الناجمة عن التغيرات المناخية. فقد أشارت تقديرات خاصة بالأوضاع في العام الماضي الى وجود حوالي 36 مليون مرحل داخلي. وهو عدد يفوق بكثير عدد اللاجئين في العالم والذي لا يتجاوز 16 مليون لاجئي بما في ذلك اللاجئين الفلسطينيين.
هل يتلقى هؤلاء النازحون الحماية الكافية؟
فالتر كيلين: لا، أولا لأن الإطار القانوني الدولي ضعيف جدا. إذ لا توجد اية معاهدة دولية لحماية وتقديم المساعدة للأشخاص النازحين داخل بلدهم، وهذا على عكس اللاجئين الذين يتمتعون بمعاهدة تحميهم.
ولكن ذلك لا يعني أنهم بدون حماية. فهم من حقهم الاحتماء بقوانين حقوق الإنسان، يضاف الى ذلك أن الدول أصبحت تعترف اليوم بنص أممي هام يعرف ب”المبادئ الأساسية في مجال النزوح”.
كما أن اعتماد معاهدة إفريقية خاصة بالمرحلين في إفريقيا، تعتبر عاملا مشجعا على المستوى الإقليمي. وهناك عدد متزايد من الدول التي شرعت في إدماج قوانين حماية المرحلين الداخليين في قوانينها . ولكن هذا كله لا يكفي وهناك حاجة الى مزيد من الجهد في هذا المجال.
بعد توليكم منصب ممثل الأمين العام المكلف بقضايا النازحين والمرحلين داخليا، لفترتين متتاليتين، هل تعتقدون بأنكم حققتم الأهداف المحددة؟
فالتر كيلين: هناك تحقيق جزئي. لقد كان أحد أهدافي الرئيسية، تعزيز الإطار القانوني. فقد كانت “المبادئ الأساسية”، في بداية تولي مهمتي، مُنتقَدة من قبل العديد من الحكومات. لكن تم قبولها بإجماع، كمعايير يجب تطبيقها.
كما يسرني رؤية أن المهام التي قمت بها للعديد من الدول، سمحت باعتماد استراتيجيات وإدخال قوانين لحماية النازحين. ولكن هناك دول لم تتخذ اية إجراءات. وهذا النقص في الإرادة أو الافتقار الى الوسائل والموارد يبقى من بين انشغالاتي.
أما فيما يتعلق بتحسين الأوضاع في الميدان، فقد تم تحقيق بعض النتائج الإيجابية. ولكن هناك أوضاع معقدة ايضا لا يزال فيها النازحون يعانون بدون الحصول على مساعدة او دعم.
أين ذلك تحديدا؟
فالتر كيلين: في النيبال على سبيل المثال. فقد قمت بأولى مهامي هناك في عام 2005. وقد توصلت الأطراف المتصارعة هناك منذ ذلك الحين الى اتفاق سلام. وقد اتصلت بالطرفين في حينها واقترحت عليهما إدخال حماية النازحين في اتفاق السلام. وهذا ما تم بالفعل وما سمح لعدد من النازحين بالعودة الى مناطقهم.
وأثناء أولى زياراتي لجمهورية إفريقيا الوسطى، كان نازحون يحتمون في الغابات، وكانت قوات الجيش تحرق القرى . ولكن بفضل الجهود المبذولة وليس فقط بسبب زياراتي، تم وضع حد لكل هذه الانتهاكات. وتم سحب قادة بعض الوحدات من المناطق المعنية والتي حلت بها المنظمات الإنسانية. وحتى ولو لم تعد الأمور الى وضعها الطبيعي اليوم فإنها تتحسن بشكل ملحوظ.
وفي جورجيا، كان العديد من الأشخاص في بداية مهمتي، يعيشون في مراكز جماعية مكتظة وبدون مراعاة للشروط الصحية. ولكن الحكومة أقدمت على اعتماد مخطط عمل، طبقا لتوصيات مني، سمح بتوفير مساكن لهؤلاء الأشخاص، كما يتم العمل على إدماجهم اقتصاديا.
وعلى النقيض من ذلك، تبقى جمهورية الكونغو الديمقراطية نقطة سوداء، إذ لم تعرف أوضاع المرحلين أي تغيير في شرق البلاد مع استمرار العنف ضد السكان المدنيين وتواصل الإنتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان. وهو الأمر الذي يفسر فرار الكثير من الناس.
وفي الصومال التي قمت فيها بزيارة في شهر نوفمبر الماضي، تتواصل المعارك ويتواصل معها نزوح الأشخاص. كما أن وصول المساعدات الإنسانية تقلص بشكل ملحوظ منذ عام وأصبحت الأوضاع أكثر صعوبة بالنسبة للسكان المدنيين بما فيهم المُرحلين. ولا أحد يعرف ما الذي يمكن القيام به في وضعيات مماثلة.
وبصورة عامة هل يملك ممثل الأمين العام الوسائل والإمكانيات الكفيلة بمواجهة مثل هذه الأوضاع؟
فالتر كيلين: الوسائل المتاحة محدودة. والمهمة التي اقوم بها هي مهمة تطوعية، وكتشغيل جزئي. وتقدم منظمة المم المتحدة بعض الدعم لانجاز بعض المهام ، ولكن ذلك لا يكفي نظرا لضخامة حجم المشكلة.
ولكن لحسن الحظ، استطعت ربط علاقات وطيدة مع مؤسسات مثل مكتب تنسيق العمل الإنساني التابع لمنظمة الأمم المتحدة، ومفوضية الأمم المتحدة للاجئين. وقد وجدت في أغلب الأحيان تجاوبا في الميدان من هذه المؤسسات مع التوصيات التي أقدمها. وهذا التعاون هو الذي سهل مهمتي أكثر.
ولا يمكنني زيارة بلد إلا بدعوة من حكومته. ومن هذا المنطلق لم أتعرض لأية مشاكل في البلدان التي قمت بزيارتها، وتم استقبالي بشكل إيجابي. لكن النقاش كان في بعض الأحيان يتسم بالحدة وهذا أمر طبيعي.
فالمرحلون غالبا ما يوجدون في مناطق نزاع مسلح، وهو ما يطرح موضوع توفير الأمن والسلامة. وقد حدث أن لم أستطع زيارة تلك المناطق وهو ما عقد إمكانية أداء مهمتي.
وما هي التحديات المطروحة على من سيعمل في هذا المجال؟
فالتر كيلين: أولا أتمنى أن يتمكن من يخلفني من مواصلة الحوار مع الحكومات المعنية، وأن يتمكن في نفس الوقت من مواصلة الاتصال بباقي المؤسسات الأممية وبالأخص المنظمات الإنسانية، وإلا فإن أداء مهمته سيبقى محدودا.
ويتمثل أكبر تحد بالنسبة للأشخاص المرحلين في تعزيز الإطار القانوني الخاص بالحماية. وحتى تحقيق ذلك لا يكفي لوحده لأن عدم توفر الإرادة السياسية لتطبيقه سوف لن يسمح بتحقيق النتائج المرجوة. ويبدو أن بعض الدول لا تتوفر لديها تلك الإرادة السياسية التي تسمح بمعالجة مشاكل المرحلين داخليا، إذ أننا نوجد عادة في مناطق صراع مسلح، تكون فيها الحكومات المعنية في وضعية ضعف كبير. وحتى ولو توفرت لديها الإرداة للتحرك فإنها لا تقوى على ذلك. لذلك يتوجب توفير الدعم لتلك الدول وهو ما يشكل تحديا آخر.
كما يجب من ناحية ثالثة تعزيز الدعم الدولي لأنه على الرغم من الجهد الخارق للعادة الذي تبذله المنظمات الأممية وغير الحكومية ، فإن ذلك ليس بالحجم الكافي. إذ يبقى حوالي ثلثي المرحلين في وضعية نازحين حتى بعد انتهاء الصراع المسلح بحوالي 10 او 15 سنة، وهذا بسبب عدم وجود جسور بين تقديم المساعدة الإنسانية الطارئة وبين تأمين العمل التنموي.
ويكمن الحل المستدام في تمكين المرحلين بسبب صراع مسلح من العودة الى الاندماج في مناطقهم الأصلية أو البحث لهم عن أماكن تمكنهم من الحياة والاندماج. ولكن بصراحة، لا تسمح بتحقيق ذلك، لا الآليات المتاحة حاليا، ولا الوسائل المالية ولا خبرة المنظمات المعنية التي لا زالت ضعيفة.
بيار- فرانسوا بيسون – swissinfo.ch
(ترجمه إلى العربية وعالجه: محمد شريف)
ولد في زيورخ في عام 1951، ودرس في جامعات فريبورغ، برن، وهارفارد. أصبح أستاذا في القانون الدستوري والقانون الدولي بجامعة برن.
تولى مهمة الممثل الخاص للأمين العام لمنظمة الأمم المتحدة المكلف بأوضاع حقوق الإنسان المتعلقة بالمرحلين داخل بلدانهم واستمر في هذا المنصب لفترتين متتاليتين.
تولى هذا الخبير في قانون اللجوء وفي حماية حقوق الإنسان والمتخصص أيضا في القانون الدستوري مهام متعددة كخبير لحساب الكنفدرالية السويسرية، وللمفوضية السامية لشؤون اللاجئين، وللعديد من المنظمات غير الحكومية.
تولى في الفترة ما بين عامي 1991 و 1992، مهمة مقرر خاص للجنة حقوق الإنسان حول أوضاع حقوق الإنسان في الكويت تحت الاحتلال العراقي.
كان أول خبير سويسري يتولى مهمة خبير في إحدى لجان الأمم المتحدة المعنية بحقوق الإنسان وذلك ما بين عامي 2003 و 2008.
يرى فالتر كيلين، أن مهمة حماية المرحلين داخليا ستعرف تجديدا بعد انتهاء فترة توليه لها لكي تنتقل من “ممثل خاص للأمين العام للأمم المتحدة مكلف بأوضاع المرحلين والنازحين” إلى “مقرر خاص” يتم انتخابه من قبل مجلس حقوق الإنسان الذي لم يكن موجودا في عام 2004.
ويرى الخبير السويسري أن “هذا التغيير سوف لم يضعف مهمة التعامل مع الدول”. لكنه يرى أن ذلك قد يخلق بعض المشاكل في الحصول على دعم من آليات الأمم المتحدة خارج مكتب المفوضية السامية لحقوق الإنسان.
يقول فالتر كيلين “كنت ممثلا خاصا للأمين العام مكلف بقضايا النازحين والمرحلين. وهو المنصب الذي كان يسمح لي بالاتصال المباشر مع مسئولي آليات النظام الأممي”.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.