مُراد دهينة يتحدث عن محاولة تسليمه إلى السلطات الجزائرية
بعد الإفراج عنه، تحدث المعارض الجزائري مراد دهينة في جنيف عن عملية اعتقاله في باريس بطلب من السلطات الجزائرية التي أصدرت مذكرة تسليم في حقه منذ سنة 2003 بتهمة "الإنتماء إلى مجموعة إرهابية".
وأكد دهينة أن العدالة الجزائرية لم تكن قادرة حتى على مجرد تلفيق التهم بطريقة مُقنعة، الأمر الذي دفع بالمدعي العام الفرنسي إلى توجيه انتقادات جارحة لها، وتبرئة ساحته في نهاية المطاف.
وكانت عملية اعتقال مراد دهينة، المقيم في سويسرا منذ بداية التسعينات في باريس بغرض تسليمه للسلطات الجزائرية، قد شهدت انفراجا بعد تبرئة ساحته يوم 4 يوليو 2012 بعد اعتقال ومحاكمة استمرا حوالي ستة أشهر.
فهذا المعارض الجزائري، العضو السابق في المجلس التنفيذي لجبهة الإنقاذ الإسلامية المحظورة حاليا، والمدير التنفيذي حاليا لمنظمة الكرامة لحقوق الإنسان التي تتخذ من جنيف مقرا لها، ورئيس “حركة رشاد” المعارضة، تم إلقاء القبض عليه لدى وصوله إلى العاصمة الفرنسية جوا في 16 يناير 2012، بناءا على مذكرة توقيف دولية كانت الجزائر قد تقدمت بها منذ عام 2003.
وفي أول لقاء له بعد الإفراج عنه مع الصحافة السويسرية يوم الثلاثاء 17 يوليو 2012 في نادي الصحافة في جنيف، عبّر السيد مراد دهينة عن الشكر للذين ساندوه وبالأخص من ضاحية ميران Meyrin “لأنه من غير السهل التعبير عن مساندة شخص جزائري، إسلامي، متهم بالتهم التي وجهت لي من قبل السلطات الجزائرية ألا وهي تهمة الإرهاب”.
وعن التجربة التي عاشها في السجن على مدى ستة أشهر ونيف، قال دهينة “رغم أنها ليست في مستوى ما يُعانيه السجناء في بلدان العالم العربي إلا أنها كانت ثرية وسمحت بالتعرف على أن حياة السجن ليست بالأمر الهيّن حتى في البلدان المتقدمة”، وأضاف مؤكدا أنه كان يأمل دوما في “حدوث عملية التوقيف من أجل توضيح وكشف العديد من الأمور”.
استغراب لامتثال باريس للطلب الجزائري
في معرض تقييمه لعملية الإعتقال ثم المحاكمة، قال المحامي رشيد مسلي، المدير القانوني لمنظمة الكرامة لحقوق الإنسان “إن اعتقال مراد دهينة فاجئنا في البداية ليس لحدوث الإعتقال ولكن لكون السلطات القضائية الفرنسية امتثلت لطلب التسليم الذي قدمته السلطات الجزائرية، لأن بالنظر الى طلب التوقيف المتضمن في الملف من قبل السلطات الجزائرية يمكن الإستغراب لهذا الإمتثال من قبل السلطات الفرنسية خصوصا وأن هذا الطلب لا يعتمد على وثائق مقبولة قانونيا”.
ومن أبرز الإنتقادات التي وجّهها مسلي هو أن مذكرة التوقيف في حق مراد دهينة “تضمنت تلميحات غير واضحة من أنه يكون قد اشترك في منظمة إرهابية في سويسرا وفي زيورخ، وأن هذه الأعمال تمت ما بين عامي 1997 و 1999، وبدون تقديم توضيحات دقيقة عن الجريمة وعن تاريخها.. يُضاف الى ذلك أن القوانين الفرنسية تقضي بعدم قبول الشكوى اذا كانت الدوافع ورائها ذات طابع سياسي. علما بأن القضية التي يُتَابع فيها مراد دهينة كانت محط تبرئة للمتهم الرئيسي الذي اعتقل في الجزائر وتمت تبرئته في عام 2005. ولا ندري كيف يمكن تبرئة المتهم الرئيسي والاستمرار في متابعة المتهمين الثانويين وهذا ما يُظهر جليا بأن هذه التهمة ذات طابع سياسي”، على حد قوله.
ظروف اعتقال “معقولة”
في سياق متصل، يبدو أن توقيف مراد دهينة أثناء توجهه جوا إلى باريس كان وليد الصدفة، إذ يقول الناشط السياسي الجزائري بناء على ما وصله من معلومات أن توقيفه “كان وليد صدفة بوليسية اكتشفت فيها الشرطة الفرنسية تحركي من خلال شراء تذكرة الطائرة، الأمر الذي دفعها إلى إشعار السلطات الجزائرية والحصول منها على تأكيد بأن مذكرة التوقيف الصادرة في حقي مازالت سارية المفعول”.
ولدى حديثه عن ظروف الإعتقال، قال مراد دهينة إنها “كانت معقولة، ولم أشعر في أي وقت من الأوقات بتدخل السلطة السياسية في الإجراءات”. وأضاف بأن رجال الأمن حاولوا استدراجه للحديث عن أشياء أخرى ولكنه رفض ذلك بقوله “لقد أقمت حائطا بيني وبينهم ورفضت الحديث عن شيء آخر غير قضية التسليم لما أرادوا استدراجي للحديث عن مواضيع أخرى لأنني أرفض الحديث عن السياسة الجزائرية في فرنسا”.
وجدير بالذكر بأن هناك اتفاقية تسليم المجرمين بين الجزائر وفرنسا تعود إلى عام 1964 ولا يمكن لأي من البلدين تسليم شخص إلا بتقديم ملف متكامل للمحكمة التي تنظر في القضية. وإذا ما قدمت المحكمة رأيا موافقا على عملية التسليم تصبح القضية من اختصاص وزير العدل الذي يرفع تقريرا بهذا الخصوص إلى رئيس الوزراء الذي يتعين عليه حينها إصدار مرسوم بالتسليم. أما إذا كان رأي المحكمة معارضا لعملية التسليم مثلما وقع في قضية الحال، فلا يمكن مواصلة الإجراء والإفراج عن المتهم.
“يجب العمل على تغيير النظام”..
في الوقت نفسه، اعتبر مراد دهينة أن الطريقة التي قدمت بها الجزائر الملف “كانت غير مقنعة إلى حد أن النائب العام الفرنسي، الذي كان من مهامه النظر في عملية التسليم، تفوّه بكلمات قاسية ومنتقدة للعدالة الجزائرية أو ما يُسمّى بالعدالة. وهو أمر أقلقني كجزائري، لأنني حتى وإن كنت أنفر من حكام البلد، فإنه لا يُرضيني سماع وصف عدالة بلدي بتلك الأوصاف”، على حد تعبيره.
وعما إذا كان يعتزم استغلال هذا القرار بتبرئته في فرنسا لكي يُعيد فتح ملف الإتهامات الموجّهة إليه في بلاده، أجاب مراد دهينة “لا أعتقد بأن ذلك ممكن، لأن العدالة مغلوبة على أمرها في الجزائر، وما هي إلا وسيلة من وسائل السلطة…. لكن يجب العمل على تغيير النظام. وهذا ما أردّده منذ عشرين عاما وسأستمر في المطالبة به”.
ولدى سؤاله عما إذا كانت السلطات الجزائرية قد حاولت قبل عملية الإيقاف الأخيرة أو في وقت سابق الإتصال به، أجاب مراد دهينة أنه “توجد في الجزائر عدة دوائر للسلطة، وما يهمّها هو إبطال مفعول معارض في الخارج سواء بسياسة العصا أو الجزرة. وقد تمت محاولات من البعض: فقد عرضت علي عدة عروض، ولكن ذلك لم يستهوني في يوم من الأيام حتى في الأوقات الأكثر حرجا في حياتي، وجوابي لهم كان دوما لا أنتظر منكم شيئا. أما سياسة العصا فهي الطريقة المفضلة لديهم … خصوصا بعد أحداث 11 سبتمبر 2011 …”
“تعاطف” و”مهنية” السلطات السويسرية
على صعيد آخر، حرص مراد دهينة على التعبير عن الشكر للسلطات الفدرالية وللجمعيات السويسرية وجميع الأفراد الذين ساندوه أثناء عملية الإعتقال وخصّ بالذكر سلطات بلدية ميران Meyrin. وقال: “لقد حرصتُ منذ البداية على أن تكون السلطات السويسرية على علم بالقضية، أولا لأنها تعرفني منذ مدة وتعلم الكثير عني، وأعتقد بأن تصرفها كان معقولا جدا، ومهنيا وفقا للمعايير السويسرية”.
المسؤول في “حركة رشاد” الجزائرية المعارضة أكد أيضا أن أكبر دعم جاءه من بلدية ميران القريبة من جنيف التي يقيم فيها وأفاد أن سلطاتها “وجهت رسالة إلى النائب العام الفرنسي، كما قدمت العدالة السويسرية تقريرا للنائب العام الفرنسي تشير إلى التحقيقات التي تم القيام بها والتي لم تصل إلى إثبات ما من شأنه أن يؤدي إلى متابعة قضائية” ضده.
بداية يناير 2012: حجز تذكرة طائرة باسم مراد دهينة في رحلة من جنيف الى باريس.
12 يناير 2012: وجهت الشرطة الفرنسية خطابا للسلطات الجزائرية تسال فيه عما إذا كان طلب توقيف مراد دهينة مازال ساري المفعول.وقد تلقت السلطات الفرنسية ردا من الجزائر في الساعات الموالية يؤكد ذلك.
16 يناير 2012: الإعتقال في مطار باريس.
15 فبراير 2012: أول جلسة محاكمة، وبداية الحملة الدولية من أجل الإفراج عن مراد دهينة.
21 مارس 2012: أول جلسة محاكمة أساسية بحضور المحامين حيث طلبوا الإفراج عن موكلهم.
14 ابريل 2012: مطالبة القاضية المكلفة بالملف السطات الجزائرية بتقديم المزيد من الوثائق والمعطيات لدعم طلب التسليم.
6 يونيو 2012: تلقي المحكمة للوثائق المطلوبة من السلطات الجزائرية.
20 يونيو 2012: تحول في موقف النائب العام الفرنسي بعد أن اتضح وجود هفوات وثغرات في الملف.
4 يوليو 2012: إصدار قرار الإفراج عن مراد دهينة وعودته إلى سويسرا.
متحصل على دكتوراه في الفيزياء من معهد ماساشوستس للتكنولوجيا بالولايات المتحدة وهو أب لستة أطفال.
في عام 1987، حل بمدينة زيورخ قادما من بوسطن بالولايات المتحدة لأمريكية مرورا بفرانكفورت.
أقام لمدة أربع سنوات في مدينة زيورخ واشتغل بالمعهد التقني الفدرالي العالي في نفس المدينة.
التحق بعدها للعمل كباحث في المركز الأوروبي لفيزياء الجسيمات CERN في جنيف وأقام لمدة ثلاث سنوات على الجانب الفرنسي من الحدود.
انتقل للإقامة في بلدية ميران Meyrin السويسرية قرب جنيف في عام 1994 ولا زال يقطن فيها حتى اليوم برخصة خاصة بعد رفض طلب اللجوء الذي تقدم به.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.