مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

هل يتحقق قريبا حلــم إنشاء “برلمان” للمسلمين في سويسرا؟

مسلمون يؤدون الصلاة أمام قصر البرلمان الفدرالي السويسري خلال احتجاج ضد الإسلاموفوبيا والعنصرية في العاصمة برن في أكتوبر 2011 Reuters

يبدو أن "أمة سويسرا"، وهي المبادرة الداعية إلى إنشاء هيئة منتخبة ديمقراطيا تمثل مختلف الجاليات المسلمة في سويسرا - التي يقدر تعدادها بـ 400000 نسمة – تسير إلى الأمام نحو تحقيق الهدف المنشود.

وفي حين يقول المنظمون إن “برلمان” مسلمي سويسرا قد يتشكل ويبدأ أعماله بحلول العام المقبل، يتساءل بعض المنتقدين إن كانت تلك الهيئة المسلمة سترى النور فعلا، أو إن كان لوجودها معنى أساسا.

في تصريح لـ swissinfo.ch، قال فرهارد أفشار، رئيس تنسيقية المنظمات الإسلامية في سويسرا (KIOS): “هدفنا هو خلق مجتمع مؤمنين قائم على شرعية ديمقراطية” يمثل جميع مسلمي سويسرا.

وتعتبر “KIOS” وفدرالية المنظمات الإسلامية في سويسرا “FIOS” المجموعتين الرائدتين اللتين طرحتا فكرة إنشاء “أمة سويسرا” التي يدور الحديث عنها منذ عام 2009، والتي يزعمان أنها ستصبح أمرا واقعا في وقت مبكر من عام 2013.

  

ويعتقد أصحاب الفكرة أن تشكيل مجتمع قائم على قاعدة جديدة من شأنه تحسين فهم السلطات والسكان بشكل عام للقضايا المتعلقة بالجاليات المسلمة.

الدكتور هشام ميزر، رئيس “FIOS” قال في تصريحات لصحيفة “سودوستشفايتس” (التي تصدر بالألمانية في خور عاصمة كانتون غراوبوندن): “يجب أن يتفق البرلمان (المُقترح) على المسائل الاجتماعية والسياسية التي تهم المسلمين حتى نتمكن من التحدث بصوت واحد”.

وأضاف أفشار أن البرلمان سيكون أيضا خطوة هامة نحو الاعتراف الرسمي بالإسلام كديانة رسمية، مشيرا إلى أنه “كلما أثيرت هذه المسألة يكون الجواب دائما أننا لسنا منظمين بشكل ديمقراطي وأن مجموعاتنا لا تمثل (مختلف) الجاليات المسلمة السويسرية. وبمثل هذه المنظمة، سيمكننا التحدث على نفس المستوى”.

اختبار بازل

ويقيم في سويسرا، التي يتجاوز تعداد ساكنتها سبعة ملايين نسمة، ما يقدر بحوالي 400000 مسلم، يأتي معظمهم من البوسنة، وكوسوفو، وتركيا، ولكن أيضا من شمال إفريقيا والشرق الأوسط. وتمثل هذه الجاليات من طرف 300 جمعية، وعدد من والهيئات المنضوية تحت منظمات كبيرة، غير أن 72000 فقط من مسلمي سويسرا لهم صفة أعضاء في تلك التجمعات.

  

وبعد الاتصال بمجموعات كاثوليكية وبروتستانية ويهودية من أجل الحصول على النصح والمشورة، شكل أصحاب المبادرة لجنة مكونة من خبراء في القانون العام والقانون الإسلامي لدراسة النظم الأساسية التي ستقوم عليها الهيئة الجديدة في المستقبل لضمان احترامها للتشريعات الفدرالية والكانتونية.

  

ويفترض الإنتهاء من هذه العملية بحلول الصيف بهدف إجراء انتخابات اختبارية لاختيار ممثلين عن الجاليات المسلمة في كانتون بازل المدينة في فصل الخريف. أما الانتخابات في بقية أنحاء سويسرا فستنتظم خلال موسم الشتاء المقبل، حسب أصحاب المشروع.

وأوضح الدكتور أفشار أن الترشح لانتخابات البرلمان الوطني للجاليات المسلمة سيكون مفتوحا أمام أي مسلم مقيم في سويسرا، أيا كانت جنسيته.

عملية تنظيمية

وتعتبر قضايا التنسيق بين الجمعيات المسلمة وتمثيل أعضائها بمثابة صداع مستمر منذ سنوات طويلة في سويسرا. وقد أصدرت منظمة الأمن والتعاون في أوروبا الشهر الماضي تقريرا عن قضايا التسامح في الكنفدرالية أوصت فيه بتشكيل منظمة تنضوي تحت لوائها جميع الجاليات المسلمة في البلاد.

السيد عبد الحفيظ الورديري، الأمين العام لمؤسسة “التعارف” المشجعة للحوار بين الأديان والتي تتخذ من جنيف مقرا لها، أشار إلى شعوره بوجود حاجة حقيقية لهيئة تمثيلية لجميع المسلمين في سويسرا. وقال بهذ الصدد في حديثه لـ swissinfo.ch: “إن عملية التنظيم أمر مفيد دائما، ولكن لا بد من تحقيقها بشكل ديمقراطي. أعتقد أنه من الجيد التوفر على صوت مشترك لأن الكثير من المواضيع تتعرض للتشويه عندما تمر عبر (العديد من قنوات) الاتصال”.

غير أن انتشار خبر مبادرة “أمة سويسرا” كان قد دق ناقوس الخطر في صفوف اليمين السياسي السويسري. لوكاس رايمان، عضو حزب الشعب (يمين شعبوي) في كانتون سانت غالن قال في تصريحات نشرتها صحيفة “سودوستشفايتس” “إن فكرة (البرلمان) تبدو وكأنها طريقة أخرى لإنشاء مجتمع مسلم موزا في سويسرا”. ويذكر أن رايمان كان من أبرز السياسيين الذين شاركوا في الحملة المناهضة لبناء مآذن جديدة في سويسرا، والتي صوتت لصالحها غالبية الناخبين السويسريين في نوفمبر 2009.

تساؤلات حول معنى وجدوى المبادرة

نيكولا بلانشو، رئيس الشورى الإسلامية المركزية في سويسرا، وهي مجموعة جديدة يناهز عدد أعضائها 2000 عضو، قال لوكالة الأنباء السويسرية إنه لم يُبلــَّغ بأية تفاصيل عن المشروع، قبل أن يضيف: “نحن لا نرى كيف يمكن تحقيق ذلك بما أن الجمعيات لا تمتلك الوسائل المالية ولا الهياكل اللازمة لتنفيذ مثل هذا المشروع”.

في الأثناء، يتساءل المتخصصون في الشؤون الدينية في سويسرا عما إذا كان للفكرة معنى حقيقي أساسا. أندرياس تونغر-زانيتي، منسق مركز بحوث الأديان بجامعة لوتسرن، قال ضمن هذا السياق لـ swissinfo.ch: “يمكنني أن أتفهم رغبة الناس في التوفر على هيئة تتمتع بوزن معين لدى الحديث نيابة عن المسلمين مع السلطات أو في الأماكن العامة، ولكنني لست متأكدا من اهتمام جميع مسلمي سويسرا بهذه المبادرة، ولا حتى ضمن نسبة الـ 10 إلى 15% التي تواظب على ممارسة شعائرها الدينية”.

ونوه هذا الخبير السويسري في شؤون الإسلام والأديان إلى أن لا الشورى الإسلامية المركزية ولا تنسيقية المنظمات الإسلامية في سويسرا ولا فدرالية المنظمات الإسلامية في سويسرا تمثل في أي حال من الأحوال الـ 400000 مسلم في البلاد، لكنه أشار في الوقت نفسه إلى أنه يمكن قول الشيء إلى حد ما عن الجمعيات المسيحية السويسرية. 

  

وأضاف تونغر-زانيتي: “أعتقد أن السلطات الفدرالية لن تعرقل إنشاء هيئة من هذا القبيل، ولكنها لن تقوم أيضا بالترويج لها”، معبرا عن اعتقاده أن تحقيق المنظمين لحــُلمهم “لا يزال بعيد المنال”.

  

من جانبه، أعرب ستيفان لاتيون، رئيس مجموعة البحث حول الإسلام في سويسرا بجامعة لوزان عن شكوكه بشكل عام إزاء المشروع قائلا في تصريحات لإذاعة سويسرا الروماندية (الناطقة بالفرنسية) إن الخطوة “تؤدي إلى نتائج عكسية. نحن بحاجة إلى التوقف عن وضع الدين حيثت لا يتناسب وضعه. ينبغي أن نكف عن الحديث عن الإسلام والمسلمين، والتحلي بقدر أكبر من الابتكار، بالحديث عن التعليم، والتمدن، والصحة”.

وقال لاتيون إن التنوع الهائل بين الجاليات المسلمة في سويسرا هو بمثابة ثروة كبيرة، ولكنه أيضا يشكل عقبة في طريق توثيق التنسيق بينها، مشيرا إلى المحاولات الفاشلة لتشكيل منظمة جامعة للجاليات المسلمة على المستوى الوطني في كل من بلجيكا، وفرنسا، وإسبانيا، وبريطانيا، موضحا أنه “من المشروع بالنسبة (لأي) دولة التوفر على محاور واحد بدل خمسين، ولكن إذا ما استنتجنا أن الأمور لا تسير على ما يرام (رغم المحاولات المتكررة) فيجب ابتكار (أساليب أخرى)”.

حذر خبراء من منظمة الأمن والتعاون في أوروبا (OSCE) زاروا سويسرا في الماضي، في تقرير صدر مؤخرا من أن سلوك التعصب والتمييز إزاء المسلمين قد زادا منذ عام 2001، وأنه يجري استغلالها من قبل “الأحزاب اليمينية المتطرفة والشعبوية”.

واستنتجوا أن “مجموعات مثل البوسنيين والألبان، الذين كان يتم تحديدهم سابقا على أساس انتمائهم العرقي، باتوا يحددون على أساس دينهم“. ويذكر التقرير أيضا التمييز ضد المسلمين عندما يتقدمون بطلب الحصول على الجنسية أو عندما يبحثون عن وظيفة. وحذر الخبراء من تزايد حالات معاداة السامية على شبكة الانترنت.

ويفترض أن يتواصل الحوار الذي انطلق بين مجموعات من المجتمع المدني المسلم في سويسرا والسلطات الفدرالية، في عام 2009 على إثر التصويت على المآذن، خلال عام 2012، ولكن مع التركيز على مبادرات على الأصعدة المحلية (في البلديات والكانتونات).

وقال ميكيلي غاليسيا، رئيس قسم مناهضة العنصرية في وزارة الشؤون الداخلية السويسرية، في تصريحات لوكالة الأنباء السويسرية: “سوف ندعو شركاءنا للتفكير في تنفيذ مضمون وثيقة تم الانتهاء من وضعها بتوافق الآراء في نهاية عام 2011 على مستوى الكانتونات والبلديات”.

ويحدد تقرير “الحوار مع السكان المسلمين” ثمانية من التدابير التي يؤمل في تنفيذها: توظيف وتدريب معلمين في شؤون الدين، دراسة شاملة عن الجاليات المسلمة في سويسرا، الإسلام والخدمة العسكرية، التنوع في السلطات الفدرالية، الدين والصحة العمومية، الإسلام ووسائل الإعلام، ومبادرات الشباب المسلم.

يبلغ عدد المسلمين في سويسرا، بحسب آخر إحصاء فدرالي (أجري عام 2000)، 310000 نسمة ويرجح الخبراء أن يصل عددهم في الوقت الحاضر إلى 400 ألف شخص.

 تضاعف عدد المسلمين عدة مرات في السنوات الأخيرة، خاصة بعد انفجار الوضع في الإتحاد اليوغسلافي سابقا ولجوء عشرات الآلاف من البوسنيين وألبان كوسوفو إلى سويسرا.

90%
من المسلمين في سويسرا ينحدرون من تركيا ومنطقة البلقان، في الوقت الذي لا تزيد نسبة العرب عن 6%.

أوصت دراسة حول المسلمين في الكنفدرالية، أنجزتها “مجموعة البحث حول الإسلام في سويسرا” (GRIS) سنة 2005، بضرورة الاعتراف رسميا بالدِّين الإسلامي باعتبار أنه أصبح الدِّين الثاني بعد المسيحية، وتشجيع المسلمين على التكتُّـل داخل اتحادات على مستوى الكانتونات وتعزيز إجراءات اندماج هذه الأقلية.

يمثل الشبان المسلمون، الذين تقل أعمارهم عن 25 عاما، نصف الجالية المسلمة تقريبا، فيما لا تتعدى نسبة الحاصلين على الجنسية السويسرية 11,75% من مجموع الجالية المسلمة في سويسرا.

يقيم معظم أبناء الجالية المسلمة في المدن والمراكز الحضرية وينتمون للجيل الثاني من الأجانب الذي يشمل الإيطاليين والإسبان والبرتغاليين والصرب أساسا.

(ترجمته من الإنجليزية وعالجته: إصلاح بخات)

قراءة معمّقة

الأكثر مناقشة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية