مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

حيرة سويسرا في التعامل مع مسلميها

Keystone

رفضت سلطات كانتون فاليه جنوب شرق سويسرا طلب الجالية المسلمة المقيمة هناك استقدام إمام مؤهل يتولى مسؤولية إقامة شعائرهم الدينية في مسجد مدينة سيون.

وبررت السلطات المحلية قرارها بأن الإمام المقدوني الأصل ينتمي إلى ما أسمته بـ”الأصوليين الجدد”!

أعلنت فرانسواز غيانادا مديرة دائرة الأجانب في كانتون فاليه أن رفضها السماح للإمام المقدوني الشاب بالعمل في سويسرا، يعود إلى “ضرورة عدم تشجيع الأصولية”، حيث ترى أن الأئمة “يتلقون تعليمهم الديني في المملكة العربية السعودية بهدف أسلمة منطقة البلقان وتطبيق تعاليم دينية صعبة، من السهل أن تنتقل إلى سويسرا بسبب وجود نسبة كبيرة من مسلمي البلقان في كانتون فاليه”، حسب قولها.

ليس خافيا، كما أنه ليس جديدا على المسؤولين، أن أغلب أفراد الجالية المسلمة في سويسرا هم من أبناء البلقان والاتراك، حيث يقول السيد خالد العمراوي المقيم في كانتون فاليه منذ أكثر من عشر سنوات، أن عدد المسلمين هناك يبلغ 5000، يمثل أبناء البلقان بأعراقهم المختلفة أكثر من سبعين في المائة منهم.

وتستعين هذه الجالية حاليا بجهودها الذاتية في تدبير أمر شعائرها الدينية، فيتولى بعض المتطوعين من العرب هذه المهمة في المركز الثقافي الإسلامي بمدينة سيون، والذي يتم تمويله من مساهمات ومساعدات المترددين عليه.

إلا أن الجالية التي يشكل أبناء البلقان أغلبيتها، شعرت بأن من حقها البحث عن إمام يتحدث بلغتها ويعلمها أمور دينها، لا سيما مع اقتراب شهر رمضان. لذا، كان التفكير في استقدام إمام مقدوني.

وكجميع الأئمة في البلقان تقريبا، درس الإمام الشاب لمدة عام في المدينة المنورة وهو يجيد التحدث باللغة العربية إلى جانب اللغات البلقانية، وهو ما يجعل منه مبدئيا، مكسبا لجميع الجاليات المقيمة في الكانتون، إلا أن دائرة شؤون الأجانب في الفاليه اعتبرته رسولا “للأصولية الجديدة” ورفضت منحه ترخيصا بالعمل.

تناقضات

هذا القرار غير المسبوق في سويسرا، أثار مجددا قضية العلاقة بين الجاليات المسلمة المتعددة الأصول والخلفيات وبين السلطات المحلية والفدرالية.

فمن بين المتناقضات الملفتة في هذه القضية، أن بعض المسؤولين السويسريين ممن يتولون “الإفتاء” في شأن الجالية المسلمة، كانوا قد حذروا من قبل من تمكين “الأئمة الهواة” من السيطرة على قاعات الصلاة والمراكز الإسلامية التي تعددت بشكل ملفت منذ موفى الثمانينات، خشية أن يندس بينهم أصوليون ينشرون الفكر المتطرف، ورحبوا في أكثر من مناسبة بالأئمة المؤهلين.

كما أنه ليس خافيا على السلطات الفدرالية والمحلية أن أغلب الأئمة المتواجدين حاليا في سويسرا، إن لم يكن جميعهم، مروا بمراحل دراستهم الدينية إما بالجامعات السعودية أو المصرية أو الأردنية، وهي جامعات يبدو أنها تحولت – حسبما صرحت به رئيسة دائرة الأجانب في كانتون فاليه – راعية لما أسمتها بـ”الأصولية الجديدة”، دون أن توضح على وجه الدقة ما هو المقصود من هذه التسمية الجديدة على الساحة الإعلامية في سويسرا.

توتر و.. تشنج و .. جدل

ومن المنتظر أن يفتح قرار سلطات كانتون فاليه الجدل مجددا حول حقوق الجالية المسلمة في سويسرا وحول كيفية علاج ظاهرة “التوتر والتشنج والقلق”، الذي أصبحت ترافق التعاطي الرسمي والإعلامي مع عدد من الملفات المرتبطة بهذه الجالية، التي يمثل أبناؤها من الناحية العددية ثاني أكبر ديانة في سويسرا بعد المسيحية بمذهبيها الكاثوليكي والبروتستانتي.

الأمثلة على هذا التوتر عديدة. فما أن أعلنت الإدارة التعليمية في كانتون لوتسرن الصيف الماضي عن موافقتها على تجربة تدريس الدين الإسلامي للتلاميذ المسلمين في مدارس قريتين، حتى انبرى أحد الصحافيين بإطلاق صيحات التحذير من “السماح بتدريس كتب تصدرها مؤسسة أصولية في مدارس سويسرا”.

أما في جنيف، فقد أصيب المسلمون بالصدمة جراء رفض السلطات تخصيص مقابر لهم ولليهود، ثم اندلعت زوبعة إعلامية حول مقال نشرته يومية لوموند الفرنسية للدكتور هاني رمضان، مدير المركز الإسلامي في جنيف بعنوان “الشريعة المُساء فهمها”، تطورت إلى صدور قرار رسمي يوم الجمعة الماضي بإيقافه عن التدريس في أحد المعاهد العمومية في انتظار إجراء تحقيق حول الموضوع.

أما قضايا ارتداء نساء مسلمات للحجاب في اماكن العمل، أو احتساب الاحتفال بعيدي الفطر والأضحى إجازة مدفوعة، فهي مواضيع تطفو من حين لآخر على الساحة وتثير كل مرة قدرا لا بأس به من الجدل.

محاولات للفهم

وفيما يرى البعض أن تداعيات “11 سبتمبر” قد ألقت بظلالها على وضع المسلمين في سويسرا، يلاحظ آخرون أن ظواهر “التشنج والعصبية” في التعامل مع قضايا المسلمين المقيمين في الكنفدرالية، تستند إلى أفكار مُسبقة وصور نمطية سلبية كرستها الأحداث الأخيرة، وأغلب ما تروجه العديد من وسائل الإعلام من مضامين مثيرة بل مخيفة ومنفرة عن المسلمين عموما.

ومن المفترض أن تكون محاولات الحوار المضنية التي يقوم بها مسلمو سويسرا منذ عدة أعوام (من خلال المنظمات والهيئات التي تمثل جميع الجاليات المكونة لهم) مع الرأي العام والسلطات، قد ساعدت على تصحيحها وسمحت بوضع ركائز متينة لقواعد جديدة في التعامل بين الطرفين على أساس من الثقة والإحترام والتفاهم المتبادل.

ويبدو أن البعض يتناسون ما برهن عليه مسلمو سويسرا في أكثر من مناسبة من رغبتهم الأكيدة في الإندماج إيجابيا في المجتمع الذي يعيشون فيه، حيث قدموا تنازلات في قضية المقابر ومشكلة الذبح الحلال، كما يحاولون من خلال تنظيم فعاليات ثقافية – تشهد إقبالا كبيرا من جانب السويسريين – الإجابة عن أية تساؤلات تدور بخواطر الخائفين أو المتوجسين من الإسلام.

تشاؤم و.. تفاؤل!

وفيما لا زالت هذه التطورات محل جدل ونقاش في صفوف الجالية، يرى المتشائمون أن أطرافا نافذة في أوروبا والغرب عموما، ترغب في فرض ما يسمونه “معايير جديدة” للإسلام.

ويرى هؤلاء أن “أوروبا – على ما يبدو – تريد مسلمين ينتقدون الشريعة ولا يوافقون عليها، ويؤيدون الإباحية المطلقة وأن يكون لديهم استعداد لتقديم جميع التنازلات التي تُطلب منهم، دون إمكانية التمتع بأية خصوصية”، رغم ما تنص عليه القوانين والدساتير في كل هذه البلدان، إضافة إلى المواثيق الدولية من احترام المعتقدات وضمان حرية الفكر والرأي.

أما المتفائلون، فيرون أن ما يحدث في هذه المرحلة ليس سوى نتيجة طبيعية لما تتناقله وسائل الإعلام الغربية حول الإسلام والمسلمين، خاصة منذ الهجمات الإرهابية في نيويورك وواشنطن. ويرون أن كل هذه السلبيات ستدفع المسلمين، سواء في سويسرا أو غيرها، إلى مزيد من التضامن لتشكيل جبهة واحدة تدافع عن الحقوق التي تكفلها لهم الديموقراطية وبنود الدساتير التي تنص صراحة على “حرية اعتناق الأديان وكفالة ممارستها”.

ولكي يكذب المتفائلون توجس المتشائمين، لا مفر من التحرك بشكل مدروس وعقلاني ومكثف قبل أن تكون الأجواء المعادية للمسلمين قد تسممت بشكل أكبر، وهو ما قد يجعل علاجها صعبا، إن لم يكن مستحيلا.

تامر أبو العينين – سويس انفو

قراءة معمّقة

الأكثر مناقشة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية