خراب على الخراب…
حملت نتائج الغارة التي شنتها مقاتلات اسرائيلية على حي الدرج في مدينة غزة مؤشرات غير مسبوقة وتداعيات ربما كانت اشد فتكا من القنبلة التي دمرت خمسة منازل في هجوم قالت اسرائيل انه استهدف قائد الجناح العسكري لحركة حماس لكنه انتهى بمجزرة بشرية يُخشى ان تنقلب الى مذبحة سياسية.
ليس في ردود الفعل الاولية ما يشير الى غير ذلك، لكن التصريحات الرسمية الفلسطينية الغاضبة استطاعت ايضا ان تحافظ على توازنها والتزامها بادبيات العلاقات الدولية مع محاولة استغلال الهجوم لغرض التاكيد على ضرورة ارسال قوات دولية الى الاراضي المحتلة لحماية الشعب الفلسطيني.
وفي حين دوت صيحات الغضب وتلاحقت بيانات التهديد التي اطلقتها المجموعات المسلحة في صفوف المعسكرين الوطني والاسلامي، كانت السلطة الفلسطينية وعلى لسان ابرز متحدثيها تهدد باللجوء لمحكمة الجنايات الدولية وهيئات الامم المتحدة الاخرى.
الا ان لغة الدبلوماسية التي رافقها نشاط محموم من الاتصالات المكثفة مع العواصم العالمية بهدف حشد افضل حملة ادانة عالمية ممكنة لاسرائيل، لم تكن قادرة على اخفاء درجة الغليان العالية في الشراع الفلسطيني التي دفعت بها نيران القنبلة الاسرائيلية في حي الدرج.
ولم يكن ممكنا على الاطلاق التغاضي عن مصير التفاعلات السريعة التي خلقتها اللقاءات الاسرائيلية الفلسطينية الاخيرة، اضافة الى الكشف عن الحوار الفلسطيني الداخلي حول وقف العمليات الانتحارية واحتمال انضمام حركتي حماس والجهاد الاسلامي والمجموعات المقاتلة التابعة للحركات الوطنية الى مشروع وقف اطلاق نار شامل كان قيد الدرس.
نحو مزيد من التصعيد
اكثر من ذلك، فان الاعلان الذي وجهه الزعيم الروحي لحركة حماس الشيخ احمد ياسين عن احتمال وقف الحركة عملياتها الانتحارية في اسرائيل حال انسحاب جيش الاحتلال من اراضي الحكم الذاتي المحتلة، لم يكن قد مضى على اذاعته سوى ساعات قبل ان تُحوّل الغارة الاسرائيلية صلاح شحادة وزوجته وطفلته واطفال اخرين الى اشلاء.
وصلاح شحادة ليس اي قائد في حماس، بل انه كان بمثابة النائب الاول للشيخ ياسين وخليفته المنتظر الذي ظل صوته “المتشدد” يطغى على اصوات اصحاب الجناح “المعتدل” في صفوف قيادة حركة حماس في الاراضي الفلسطينية.
ويؤكد مقربون من الحركة الاسلامية ان اغتيال شحادة، لن يدفع حماس الا نحو مزيد من التشدد ولن يسمح للجناح المعتدل فيها الذي يمثله اسماعيل ابو شنب واسماعيل هنية بالتقدم في المستقبل المنظور.
وتتزايد احتمالات التشدد مع الاشارة ان شحادة، الذي ظلت اسرائيل تلاحقه على مدار العامين الماضيين، تمكن من التاثير على قيادة الحركة الاسلامية في الضفة الغربية التي ظلت حتى وقت قريب توصف بانها اكثر اعتدالا من قيادتها في قطاع غزة.
ولا يبدو ان سكوت حركة حماس سيطول قبل لحظة الانتقام لقائدها، حيث تشير توقعات المراقبين ان الصيف الحالي لن يمر دون تسجيل هجمات انتقامية ربما تعيد الى الاذهان سلسلة العمليات الانتحارية التي شنتها الحركة عقب اغتيال يحيى عياش، مؤسس الفرق الانتحارية في الحركة الاسلامية في مطلع عام 1995.
حينها، ساهمت تلك العمليات الانتقامية التي تبنتها حماس في تقويض اسس المفاوضات الاسرائيلية الفلسطينية التي كانت قد تلقت ضربة قاصمة باقدام متطرف يهودي عام 1996 على اغتيال رئيس وزراء اسرائيل الراحل ساحق رابين، شريك الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات في اتفاق اوسلو.
الشراكة المهددة
اما شراكة حماس والسلطة الفلسطينية في الحوار الذي تجدد مؤخرا، فانها، وعلى الاغلب، ستكون اولى ضحايا الغارة الاسرائيلية في حي الدرج، ان لم تكن قد أجلتها حقا الى اجل غير مسمى. ويؤكد مسؤولون ان حوار حماس والسلطة الذي قاده وزير التخطيط والتعاون الدولي نبيل شعث ووزير الداخلية الجديد عبد الرزاق اليحيى اثمر، اذ كان على وشك ان يسفر عن نتائج امكن تاكيدها بتصريح الشيخ ياسين الاخير حول وقف العمليات الانتحارية.
وتشمل لائحة الشراكة المهددة ايضا قائمة المجموعات المسلحة في فصائل منظمة التحرير الفلسطينية، لاسيما الكتائب التابعة لحركة فتح والتي كانت بصدد التعاون مع السلطة واعطاء جهود السلام فرصة من خلال الموافقة على تجميد اعمال المقاومة.
اما على الصعيد السياسي، هناك خطوات اعادة هيكلة الاجهزة الامنية الفلسطينية التي بدأت بتعيين وزير الداخلية واقصاء رؤساء الاجهزة الامنية تمهيدا لتشكيل قوة جديدة تكون قادرة على تولي مهمة الامن في المناطق الفلسطينية.
وقد ذهب وزير الداخلية الجديد الى حد عرض خطة امنية “شاملة” على وزير الخارجية الاسرائيلي شيمون بيريز خلال اللقاء الفلسطيني الاسرائيلي الاخير في القدس. ويُفترض ان تسمح الخطة التي حظيت بمباركة بيريز للسلطة الفلسطينية بتولي مهام الامن عقب خروج الجيش الاسرائيلي المفترض من المدن الفلسطينية المحتلة.
لكن المقاتلات الحربية التي ارسلها ارييل شارون فوق سماء غزة لم تكن لتعير الخطة الفلسطينية اي اهتمام، بل ان الضرية اصابت في الصميم مصداقية السلطة الفلسطينية امام جمهورها ومنافسيها في تيارات المعارضة.
ويفسر مراقبون اسراع السلطة الوطنية في التوجه الى الهيئات الدولية بانه محاولة للهروب الى الامام من تبعات الضربة الاسرائيلية القاتلة التي لن تفتح الا ابواب الخراب على حد قول احد المسؤولين الفلسطينين.
هشام عبد الله – رام الله
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.