خطوات سعودية نحو الانفتاح
عرضت المملكة العربية السعودية أول تقرير لها أمام لجنة الأمم المتحدة لمناهضة التمييز العنصري بالتأكيد على الرغبة في التزام الشفافية.
وقد ضم الوفد السعودي سيدتين كان لتدخلهما تأثير مقنع لدى خبراء اللجنة من أن أي تغيير يجب أن يكون مقبولا من قبل المجتمع أولا.
قدم وفد المملكة العربية السعودية، برئاسة الأمير تركي بن محمد بن سعود الكبير نائب وزير الخارجية ورئيس قسم المنظمات الدولية، أمام لجنة الأمم المتحدة لمناهضة التمييز العنصري تقرير المملكة الأول والتقرير الدوري الثاني يومي 5 و6 مارس الحالي في جنيف.
وقد ركز الأمير تركي في تدخله، على توفر الإرادة السياسية لتطبيق بنود المعاهدة، ولكنه شدد على أن المملكة دولة حديثة كانت تعاني قبل توحيدها من مشاكل الأمية والصحة والإسكان. لذلك، ركزت جهودها على تشييد البنية التحتية وعلى بناء الإنسان. ومن هذا المنطلق، يرى أنه من غير المعقول مقارنة تطورها بتطور بلدان عريقة.
لكنه أكد على أن هنالك رغبة في السعودية “للتغلب على العقبات تماشيا مع مبادئ الشريعة الإسلامية، ومع ما تضمنته الاتفاقية من أحكام”. وبحكم أن بعض اوجه التمييز لها مرد إلى العادات والتقاليد، فإن رئيس الوفد السعودي أوضح “بأن هذه الممارسات ستتلاشى تدريجيا من خلال البرامج التعليمية والثقافية والإعلامية”.
المطلوب : تقدم تدريجي
وعلى الرغم من اعتراف أعضاء لجنة الأمم المتحدة بأن المملكة “بلد فتي”، واعترافهم بأن هناك خطوات تم اتخاذها لملاءمة بنود المعاهدة الخاصة بمحاربة جميع أوجه التمييز العنصري، وتعديل الإجراءات القضائية وممارسة الصحافة والإعلام، فإن العديد من الخبراء أثاروا نقاطا شتى يرون أنها نقائص يجب تفاديها.
فقد أثار المقرر المشرف على تقرير السعودية مارك بوسييت موضوع العمال الأجانب الذين قال عنهم “إنهم يمثلون الفئة الأكثر عرضة للتمييز في السعودية”. كما أثار العديد من القضايا المرتبطة بهذه الفئة من السكان، كحرية التنقل وسحب الجوازات منهم، وحرمانهم من حرية العبادة وتعليم أبنائهم وفقا لمناهجهم الدراسية، وإرغام غير المسلمين على تعلم الدين الإسلامي، وعدم توفير الحماية القانونية لهم أثناء المحاكمات، بحيث تم إعدام بعضهم دون ضمان حق الدفاع عنهم وفقا لتقرير المقرر الخاص حول الإعدامات خارج نطاق القانون.
وفي رده على ذلك، أوضح الأمير تركي أن “أغلب ما جاء من نقاط مستقاة من تقارير منظمات غير حكومية، وفي مقدمتها منظمة العفو الدولية”. كما أشار إلى أن مثل هذه القضايا تثار عادة وبشكل موسع ضمن نشاطات منظمة العمل الدولية. لكن رئيس الوفد السعودي أوضح “بأن قوانين التأمينات الاجتماعية تنطبق على العمال السعوديين والعمال الأجانب بدون استثناء”.
“حجز الجوازات أمر ممنوع”
ويرى رئيس الوفد السعودي أن المملكة “لا يوجد بها عمال مهاجرون بل عمال وافدون مؤقتون يعملون بموجب عقود محددة المدة”. وفيما يتعلق بمنع العامل الأجنبي من حرية التنقل داخل المملكة وحجز جواز سفره من قبل صاحب العمل، أوضح الأمير تركي بأن النقاش الدائر بهذا الخصوص داخل منظمة العمل دفع المملكة إلى اتخاذ قرارات في شهر اكتوبر 2000، “تمنع حجز جواز سفر العامل الوافد او جوازات افراد عائلته، ويجوز للعامل الوافد التنقل بحرية داخل المملكة مادام يحمل رخصة إقامة سارية المفعول”.
وقد أثيرت عدة تساؤلات من قبل خبراء لجنة الأمم المتحدة بخصوص تعليم البنات والسماح باختلاط الجنسين في بعض المهن، وعدم إفساح المجال المهني أمام النساء في بعض القطاعات، وهو ما رد عليه رئيس الوفد السعودي “بأن التعليم يخضع لوزارة المعارف، ولكن الفصل بين البنين والبنات هو أمر اقتضته تعاليم الإسلام”، ويستشهد على السماح بالاختلاط في المجال المهني، “إذا اقتضت ظروف العمل ذلك كالمستشفيات”. أما عن التخصص في بعض المهن بالنسبة للمرأة، فيرى أن المرأة تغزو بعض المجالات مثل الصحافة وهندسة الديكور وبعض المهام في الشركات الكبرى.
حرية ممارسة المعتقد والتعليم
أما فيما يتعلق بحرية تعليم أبناء العمال الأجانب وفقا لمناهج خاصة ببلدانهم الأصلية، فقد أوضح الأمير تركي “أن المملكة أعطت الجاليات الأجنبية المقيمة، الحق في افتتاح مدارس خاصة لتعليم أبنائها وفق المناهج الدراسية المعمول بها في البلد الأصلي”.
ومن الإحصائيات التي قدمها في هذا الصدد، أن عدد المدارس الأجنبية المرخص بها في العام الدراسي الحالي بلغت 178 مدرسة موزعة على 16 منطقة ومحافظة، وتشمل اكثر من 100 ألف طالب وطالبة.
ومن المناهج التي يتم تدريسها في المملكة من بين عشرين منهجا، البريطاني والأمريكي والفرنسي والفلبيني والباكستاني والهندي وغيره. ويستفيد من النظام التعليمي الرسمي المجاني حوالي 592 ألف طالب أجنبي في المراحل الابتدائية والمتوسطة.
أما عن حرية المعتقد وممارسة غير المسلمين لشعائرهم الدينية في السعودية، فيرى الوفد السعودي “أن قوانين المملكة تضمن لغير المسلمين حق ممارسة شعائرهم الدينية بكل حرية في الأماكن المخصصة لذلك. وفي رد على تساؤلات بخصوص مضايقات الشرطة الدينية لغير المسلمين، أوضح الأمير تركي “أن بعض التجاوزات الفردية تقع فعلا، وفي هذه الحالة تكون عرضة للعقاب من طرف القانون”.
مقصرون في التعريف بواقعنا
مشاركة سيدتين في الوفد السعودي لأول مرة سمح لأعضاء لجنة الأمم المتحدة المكلفة بمناهضة التمييز العنصري بالتعرف على شهادة ممثلتين للمرأة السعودية في بلد يعتبر الجميع أنه يميز بين الرجل والمرأة.
وكما أوضحت الدكتورة ثريا العريض المسئولة عن العلاقات العامة بشركة أرامكو “علينا أن نسمح لمن يرغب في التعرف على واقعنا أن يطلع على ذلك ومعرفة الأسباب التي تجعلنا نتصور مجتمعنا بهذه الطريقة”. وانتهت الدكتورة ثريا إلى دعوة الخبراء إلى مراعاة حداثة عهد السعودية كنظام سياسي متسائلة في ميدان المرأة “ما الفائدة من إدخال إصلاحات لا يقبلها المجتمع؟”
زميلتها السيدة سامية الإدريسي من تجمع النساء سيدات الأعمال تعترف “بأن الطريق لازال طويلا أمام المرأة السعودية…”. ولكنها قالت في نفس الوقت إن الإعلام الغربي “لا يكترث للإنجازات التي حققتها المرأة السعودية وتحولها من أمية إلى مهندسة وطبيبة وغيرها … مكتفيا بالصورة المتداولة عنها على أنها سيدة ترتدي العباءة وأنها مغلوبة على أمرها ولا تتخذ قرارات فيما يتعلق بحياتها”
محمد شريف – سويس إنفو – جنيف
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.