خطوات شارون الثقيلة
ثمة قراءة مغايرة لتطورات العلاقة الإسرائيلية الفلسطينية واحتمالات تقدمها خلال الأشهر القادمة.
ويمكن الاستدلال على ذلك التغيير من مواقف رئيس الحكومة الإسرائيلية أرييل شارون إزاء سياسة القيادة الفلسطينية الجديدة بعد انتخاب محمود عباس (أبو مازن) رئيسا.
لعل الانفراج في الاتصالات بين الطرفين والتوقعات التي تلت قمة شرم الشيخ الأخيرة التي جمعت عباس وشارون في أول قمة على هذا المستوى الإسرائيلي الفلسطيني منذ سنوات، ساهم في خلق مناخ من التفاؤل بتحقيق تقدم على هذا المسار المعطل والمهدد أبدا بالتدهور والانفجار.
وبالرغم من أن الجانبين لم يخفيا قصور القمة عن الإتيان بحلول سحرية سريعة لملف الصعوبات والعقبات التي تعترض طريق السلام، إلا أن جعبة الطرفين تضج بما هو أبعد من ذلك.
وإذ يمكن الإشارة إلى تهدئة من عيار خفيف قد تم رصدها وتسجيلها على ساحة المواجهة بين الطرفين من خلال اتفاق الفصائل والحركات الفلسطينية على اختبار نية إسرائيل، فإنه لا زال يتعين الانتظار حتى تؤدي إسرائيل قسطها من إجراءات وبوادر حسن النية أيضا.
وربما أعلنت حكومة شارون عزمها الانسحاب من مناطق في الضفة الغربية وإطلاق سراح دفعات جدية من الأسرى الفلسطينيين وتسهيل حياة سكان الضفة الغربية وقطاع غزة، فإن الجانب التطبيقي من هذه المسالة يبدو أكثر تعقيدا.
وفي حين أطلقت إسرائيل سراح نحو 500 معتقل ومنحت بعض الأذونات للعمال والتجار بدخول أراضيها، فإنها لم تستوف الشروط كاملة، بل إن الوعود حققت تراجعا في مسألة الانسحابات من المدن في الضفة الغربية.
وبعد أن كانت تستعد لإطلاق سراح 900 أسير من بين نحو 8 آلاف معتقل في سجونها، فإنها لم تفرج سوى عن أكثر من نصفهم قليلا، في صفقة اعتبرها الفلسطينيون مناورة علاقات عامة، لاسيما وأن معظمهم هؤلاء قد شارفت فترات أحكامهم على الانقضاء إن لم تكن قد انقضت أصلا.
وكذلك فإن إسرائيل تراجعت عن عزمها على الانسحاب من مناطق (المدن ومحيطها) وراحت تتلكأ حتى في رفع الحواجز العسكرية عن مدن مثل أريحا لم تكن قد أعادت احتلالها أصلا كبقية مدن الضفة الغربية.
لم تعد حكومة شارون تتحدث بذات اللهجة التي أطلقتها غداة انتخاب عباس، بل إن أركانا في حكومة شارون مثل وزير الخارجية سلفان شالوم ووزير دفاعه شاؤول موفاز بدءوا يكيلون اتهامات قاسية للرئيس الفلسطيني بحجة تردده في تفكيك الجماعات المسلحة التابعة للحركات والفصائل الوطنية والإسلامية.
غزة فقط وليس الضفة
وتؤكد تصريحات مسؤولين إسرائيليين مقربين من شارون، مثل مدير مكتبه وكبير مستشاريه دوف فايسغلاس وكذلك المحامي يورام رابادن الذي قاد مفاوضات انضمام حزب العمل إلى حكومة شارون، أن طريق الفلسطينيين إلى نوايا شارون ليست سوى درب أشواك.
فايسغلاس كان صرح مؤخرا أن خطة الفصل التي يريد شارون تطبيقها من جانب واحد ليست سوى خطة لسد الطريق على تسوية نهائية مع الفلسطينيين. عاد هذا المسؤول الكبير ليصف الخطة ذاتها بأنها بمثابة “تنازلات مؤلمة”.
المحامي راباد كان أيضا بذات وضوح زميله فايسغلاس عندما أعلن مؤخرا لصحيفة “يديعوت أحرونوت” أن من يعتقد أن شارون ينوي تطبيق مبدأ الانفصال على مناطق فلسطينية أخرى عدا غزة وشمال الضفة “يرتكب خطأ فادحا”، ما يؤكد أن الخطة تعني الانسحاب من غزة أولا وأخيرا.
ويمكن كذلك التـمعن في نص قرار الحكومة الإسرائيلية الأخيرة حول إقرار خطة الانفصال من غزة للخروج بقراءة شاملة عن نوايا شارون في الضفة وغزة.
الخطة الجديدة المعدلة (كما أقرتها حكومة شارون) تنص على عبارة تفيد أن إقرار الخطة في الحكومة لا يعني إقرار الإخلاء، فالخطة المعدلة ليس فيها ما يعني إخلاء مستوطنات.
إذ يقول القرار إن الحكومة سوف تعود إلى الاجتماع كي تناقش على انفراد إن كانت ستخلي المستوطنات أم لا، وأي مستوطنات وبأي وتيرة وفق الظروف القائمة في ذلك الوقت .
وليس من شأن هذه الإشارة سوى التأكيد أن شارون يسعى إلى تطبيق انفصال كامل عن قطاع غزة وانفصال جزئي للغاية عن الضفة الغربية من أجل تعزيز سيطرة إسرائيل على أجزاء من الضفة من خلال قرار مزدوج بين خطة الانفصال وإقرار مسار الجدار العازل في الضفة والمضي في تنفيذه.
السر في الأمن
وللتحقق من الكيفية التي يمكن أن يتعامل فيها شارون مع الفلسطينيين خلال الفترة القادمة، يمكن أيضا الرجوع إلى قراره تعيين يوفال ديسكين رئيسا لجهاز “الشاباك” (الامن الداخلي).
وكان ديسكين خلال الانتفاضة الحالية يتولى مهام المسؤول عن تنفيذ الاغتيالات ضد الفلسطينيين. وقد طالبت اللجنة الشعبية الإسرائيلية ضد التعذيب رئيس الحكومة والمستشار القضائي الامتناع عن تعيين ديسكين رئيسا للشاباك بصفته أبرز أركان سياسة الاغتيالات.
ربما كان قرار التعيين هذا يحمل إشارات أخرى حول نية شارون في التعامل مع الفلسطينيين، لاسيما في تأييده، على الأرجح، لسياسة جهاز “الشاباك” الآخذة بالتبلور والترسخ حال تعيين ديسكين.
ويرى “الشاباك” أن يتوجب وقف ما بسميه والتراجع في المواقف الإسرائيلية، وفي مقدمتها قضية الأسرى الفلسطينيين، ونقل المسؤولية الأمنية عن مدن في الضفة الغربية، وإزالة حواجز عسكرية، والسماح لعمال فلسطينيين بدخول إسرائيل.
سياسة “الشاباك” هذه الأقرب إلى تفكير شارون تقول إنه لا فائدة من تقديم هذه التسهيلات لأنها لا تؤثر في شيء ولا تعزز مواقع السلطة الفلسطينية ولا تحثها على إحباط عمليات مجموعات المقاومة بل تسهل تحقيق أهدافها.
ربما كانت تلك الدرب التي يرسمها شارون للمسار الفلسطيني الإسرائيلي هي بلا شك طريق لا يتوقع أن يطأها إلا بخطوات ثقيلة.
هشام عبد الله – رام الله
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.