خطوة إلى الأمام لكنها أدنى من المأمول
مرّر مجلس الشعب المصري مشروع القانون الجديد للنشر، بعد إدخال تعديلات تلغي عقوبة الحبس للصحفيين في جريمة القذف طعنا في الذمّـة المالية في حق موظف عام أو شخص ذي صفة نيابية عامة أو مكلَّفٍ بخدمة عامة.
القانون قصر العقوبة على الغرامة المالية بعد مضاعفتها، وأبقى على عقوبة الحبس في حال القذف في حق رئيس أو ملك أو ممثل دولة أجنبية.
مرّر مجلس الشعب المصري (أحد غرفتي البرلمان)، الذي يُـسيطر الحزب الوطني الحاكم على الأغلبية به (70 %)، يوم الاثنين 10 يوليو الجاري، مشروع القانون الجديد للنشر، بعد إدخال تعديلات (بطلب من الرئيس مبارك) تلغي عقوبة الحبس للصحفيين في جريمة القذف طعنا في الذمّـة المالية في حق موظف عام أو شخص ذي صفة نيابية عامة أو مكلَّفٍ بخدمة عامة، وقصر العقوبة على الغرامة المالية بعد مضاعفتها، بينما أبقى على عقوبة الحبس في حال القذف في حق رئيس أو ملك أو ممثل دولة أجنبية. فيما أعلن 107 من نواب المعارضة، بينهم نواب الإخوان المسلمين (88 نائباً) رفضَهم للمشروع.
وأقر المجلس هذه التعديلات، بعدما تدخّـل الرئيس مبارك للمرة الثانية بأقل من 24 ساعة، وخفف عقوبات كانت توجب الحبس إلى عقوبات تجيز الحبس أو دفع غرامة، وذلك، بعد اتصال هاتفي من مبارك للدكتور أحمد فتحي سرور، رئيس مجلس الشعب، تَـمَّ بمقتضاه إلغاء المادة 303 التي استحدثتها الحكومة في مشروع التعديلات على قانون النشر، والمتعلقة بالحبس في جرائم الطعن والقذف في الذمة المالية.
وكان أكثر من 5 آلاف صحفي قد أعلنوا رفضهم لهذه المادة التي استحدثت في التعديلات – ولم تكن موجودة في قانون النشر السابق -، واحتجبت 25 صحيفة عن الصدور يوم الأحد 9 يوليو الجاري، احتجاجا عليها باعتبار أنه تمَّ وضع هذه المادة لحماية “فساد” أفراد بعينهم في السلطة.
التفاف على وعد الرئيس
ولم يتطرق المجلس لمناقشة عقوبة الحبس الواردة بالمادة 181 في حالة العيب في رئيس أو ملك أو ممثل دولة أجنبية، وتجيز هذه المادة عقوبة الحبس أو غرامة لا تقل عن 10 آلاف جنيه، ولا تزيد على 20 ألف جنيه.
واستحدثت التعديلات عقوبة الحبس مدّة لا تزيد عن سنتين على نشر صور أو رسوم خادشة للحياء، وغرامة لا تقل عن خمسة آلاف جنيه، ولا تزيد على عشرة آلاف جنيه أو بإحدى العقوبتين.
ولم تتطرق التعديلات إلى مادة في قانون الصحافة تعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنة في حالة التعرض للحياة الخاصة للمواطنين، وزادت التعديلات قيمة الغرامة، عقابا على القذف والسبّ بغير طريق النشر إلى ما بين 10 – 20 آلف جنيه، مقارنة بغرامة بين (2500- 7500 جنيه) قبل التعديل.
وقد أدخل المجلس تعديلاً على المادة 200 (مكرَّر)، قدمه الدكتور فتحي سرور، وهي المادة المتعلقة بمسؤولية الجنائية لرئيس التحرير عمَّا يُنشر في الجريدة، وتمَّ التعديل على أن تكون مسؤوليةُ رئيس التحرير مسؤوليةً شخصيةً، ويعاقَب بغرامةٍ لا تقل عن 5 آلاف جنيه ولا تزيد عن 10 آلاف جنيه – بدلاً من 20 ألفًا في القانون القديم، بينما تزيد الغرامة إلى 20 ألفًا إذا تم النشر بعلمه.
وكان 107 من نواب المعارضة قدموا مذكّـرةً لرئيس المجلس، أعلنوا فيها رفضَهم لهذه التعديلات التي خيَّبت آمالَ الجماعة الصحفية وعموم الشعب المصري، الذي كان ينتظر أن يكون هناك قانونٌ حقيقيٌّ لمنع الحبس في قضايا النشر، فإذا بالقانون الذي قدَّمته الحكومةُ، وكالعادة، التفَّ حول الهدف وتقدَّم للخلف وقنَّـن وشدَّد العقوبات في قضايا النشر.
وقالت المذكّـرة التي قدمها الدكتور محمد البلتاجي، (سكرتير الكتلة البرلمانية لنواب الإخوان): “إن العقوبة الجنائية المزدوجة ضد الكاتب ورئيس التحرير، هي بمثابة فرض رقيب داخلي في الصحف وعودة مقصّ الرقيب مرةً أخرى، فضلاً عن كونها سقطةً دستوريةً واضحةً”.
سلطة “راكعة” لا “رابعة”
كما أصدرت الكتلة البرلمانية لنواب الإخوان بيانًا أكّـدت فيه أن التعديلات تعمُّـدت وضعَ القيود أمام حرية النشر والتعبير، وجنحت إلى تكميم الأفواه، حمايةً للفساد والمفسدين، فعمّـدت إلى تغليظ العقوبة على النقد المتعلق بالذمة المالية، مما يُفقد الصحافةَ أهمَّ أدوارها في تتبع الحقائق وفضح الفساد ونقد المسؤولية العامة والتصدِّي للعدوان على الحقوق والحريات، وكشف جرائم الاحتلال والاستعمار.
وأكّـدت الكتلة في بيانها أن التعديلات المطروحة على مجلس الشعب، مِن شأنها أن تجعل الصحافةَ سلطة راكعة لا سلطة رابعة، كما أرادها الشعب بنصّ الدستور، وأن الحكومة صمَّـت أذنَها عن أن تسمع لأصحاب الشأن، معتبرا أن تغليظ عقوبة النشر قد يؤدي إلى إغلاق المؤسسات الصحفية عجزًا عن ملاحقة الغرامات المالية الباهظة التي ستلاحقها!!
ومن ناحيته، قال الدكتور فتحي سرور “إن مصر هي الدولة الوحيدة التي ألغت عقوبة الحبس في جرائم النشر على مستوي الدول العربية كلها، ونحن نأخذ من فرنسا، وهي الدولة الوحيدة في الاتحاد الأوروبي التي ألغت عقوبة الحبس”.
وخرجت صحيفة الجمهورية – شبه الحكومية – بـ “مانشيت” يقول: (يوم حزين للصحافة.. مجلس الشعب وافق على قانون الحبس)، واستهلت الجريدة الموضوع بقولها: “الأغلبية مبرمجة وملتزمة.. والمعارضة ثائرة ورافضة.. هذا هو ملخص الصورة البرلمانية لجلسة مجلس الشعب خلال مناقشة مواد مشروع قانون جرائم النشر…”.
لا تطفئوا الأنوار الكاشفة
وفي مقال بعنوان “مدينة بدون صحف”، نشرته صحيفة الجمهورية – شبه الحكومية – قال الكاتب الصحفي محمد العزبي: “صحيح أن عدداً من الصحف والكُـتاب يتجاوزون بما يزيد عن الحد، ولكن ذلك لا يعني عقاب الجميع ووضع سيف على عنق كل الصحفيين، وانتهازها فرصة لحماية المفسدين. العزف نشاز. وفي نفس الوقت يبدو مقصوداً.. والمطلوب هو حماية الناس والنظام، وليس الدفاع عن الصحفيين.. ولا يمكن أن ينتهي الأمر إذا سار كما خطط له، بأن يستشري الفساد الذي نراه في كل مكان ونشم رائحته على الدوام وتعرفه الأجهزة الرقابية أكثر، وتلاحقه الإشاعات التي يتضح أنها حقيقة بعد سنوات. وهناك كثير من القضايا كان المتهمون فيها ملء السمع والبصر يحتلون المناصب الحكومية والحزبية ويرتقون فيها ثم، نراهم وراء القضبان. مثل هذا الجو، يحتاج إلى مزيد من الأنوار الكاشفة. الصحافة أهم مصابيحها. فلا تطفئوها.. وهو من مصلحة الجميع وإنقاذ للمستقبل. فلماذا كل هذا الحماس لحبس الصحفيين وإسعاد المفسدين”؟
وقال السيد حلال عارف، نقيب الصحفيين المصريين: “كنت أتمنى أن يصدر التشريع الجديد محقّـقا لوعد الرئيس مبارك في إلغاء الحبس في قضايا النشر دون التفاف، وبما يليق بمكانه مصر وصحافتها”، مشيرا إلى أن “رفضنا للمشروع الحكومي بصورته الأولى، انطلق من حرص النقابة على أن يأتي القانون الجديد محققا لآمال وطموحات الأمة وأن يكون خطوة حقيقية على طريق الإصلاح السياسي والديمقراطي الشامل، وفي القلب منه ما يتعلق بحرية التعبير وحرية الصحافة”.
وقال عارف: “ما حَدَثَ مجرد بداية، والنقابة ستراجع كل التشريعاتِ الخاصة بالصحافة المصرية والمكبّـلة لحريتها، والصحفيون مستمرون في نضالهم من أجل الحصولِ على حريتهم وحرية الشعب المصري”.
وأضاف نقيب الصحفيين: “كان الأوْلى أن يُـساندوا مطالب كل القوى والمؤسسات المعنية بحرية الرأي والتعبير بسرعة إقرار التعديلات التي تلغي الحبس في قضايا النشر، وبما يحقق وعد الرئيس مبارك دون التفاف، وأن يتقدموا بمشروعات تقنّـن حرية تداول المعلومات وتعاقب كل من يفرض حظرا عليها، لأن هذا هو وحده الكفيل بأن يقضي على مناخ الشائعات ويسمح بالشفافية”.
نواب بالوطني يعارضون!!
من اللقطات الجديرة بالرّصد في جلستي البرلمان، انضمام عدد قليل من نواب الحزب الوطني الحاكم إلى نواب المعارضة والمستقلين، معلنين رفضهم لهذا القانون، حيث أعلن النائب أشرف البارودي أنه يرفض هذا المشروع في ظل القيود المفروضة على حرية الصحافة، معتبرا أنه “من العار على مصر أن تصنَّـف من بين 13 دولة تقيِّـد الحرية وتمارِس عقوبة الحبس ضد الصحفيين، في الوقت الذي ألغَـت فيه دولٌ عربيةٌ – ومنها الكويت وقطر – عقوبة الحبس”.
كما شهدت الجلسة مفاجأة أخرى بإعلان نائب الحزب الوطني محمد الصحفي، نائب أسيوط (بصعيد مصر) رفضه للقانون، ووصفه بأنه مشروع هزيل يحمي الفساد والمفسدين.
من جهته، قال النائب الوفدي محمد مصطفي شردي في مداخلته: “حرية التعبير حق وليست منحة من أحد، والقانون يعاقب أصحاب الرأي ولا أحد يحمي حق الصحفي في الحصول علي المعلومات، وجميع الصحفيين مستعدون لدخول السجن وسوف نواجه الفساد حتى لو صدر “100” قانون ضدنا”.
كان الصحفيون المصريون قد احتشدوا بالمئات صباح اليوم أمام مقر مجلسي الشعب والشورى للمطالبة بعدم الموافقة على مشروع القانون الحكومي في قضايا النشر، رافعين لافتاتٍ مكتوب عليها “تسقط الصحافة ويحيا الفساد”، كما ارتدوا غطاءات رأس مكتوب عليها “عنبر رقم 303″، وذلك في إشار للمادة التي تعاقب أي صحفي بالحبس والغرامة المشدّدة، إذا تعرض للذمة المالية لأي مسؤول. وردَّد المتظاهرون هتافاتٍ ضد القانون المشبوه.
وقد حاصرت قوات الأمن المظاهرة ومنعت الصحفيين من الوقوف في شارع مجلس الشعب، وألجأتهم إلى منطقة ضيقة على الرصيف، وقد لوحظ غياب عدد من أعضاء مجلس نقابة الصحفيين من المحسوبين على النظام، مثل أحمد موسى وإبراهيم حجازي وياسر رزق عن المشاركة في المظاهرة، فيما شهدت المظاهرة حضورًا مكثـفًا من وسائلِ الإعلام العربية والعالمية.
همام سرحان – القاهرة
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.