“خطوة على الطريق الصحيح.. لكنها غير كافية”
في خطوة لا تخفى دلالاتها، بادرت ثلاثة مراكز إسلامية كبرى و32 مسجدا بتنظيم أيام مفتوحة خلال عطلة آخر الأسبوع، استضاف فيها المشرفون على هذه المراكز زوارهم السويسريين وجيرانهم في الأحياء التي يتواجدون فيها.
ولئن سبق أن نظم مثل هذا النشاط في السنوات الماضية، إلا أن الظرف العام والاستجابة الواسعة من المدعوين هذه المرة، جعل الحدث يسترعى الانتباه.
البداية كانت بمبادرة من المركزين الإسلاميين في العاصمة الفدرالية برن وبازل (شمال)، انضم إليهما لاحقا مركز زايد الإسلامي بزيورخ، ثم بقية المساجد في المناطق الثلاث، ويأتي هذا العمل “في سياق الرغبة المتنامية لدى المسلمين في التعريف بأنفسهم والرد على الحملات الإعلامية والسياسية المغرضة التي تستهدفهم”، مثلما يقول السيد محمد طفيل، رئيس المركز الإسلامي ببرن.
ويعتقد المنظمون لهذه الأيام المفتوحة أن المسلمين ضحايا أفكار مسبقة وأن الحل يكمن في توفير فرص الالتقاء والحوار. في المقابل، يشعر قطاع واسع من المجتمع السويسري بامتعاض وعدم رضا من الاستهداف الذي يتعرّض له المسلمين والتوظيف السياسي الذي يحيط بملف الأجانب.
وترى السيدة إستا هوتغين، نائبة عن حزب الخضر بالبرلمان المحلي في كانتون برن، التي كانت من بين من لبّـوا دعوة المركز في مدينتها أن “الإسلام مدعو للانفتاح على المجتمع السويسري، وأن على المسلمين أن يتحاوروا مع محيطهم، أما نحن، فعلينا أن نفهم هذا المعطى الجديد وأن نتحاور مع المسلمين على قاعدة الاحترام المتبادل”.
هذا الرأي تشاطرها فيه أيضا غابريال، وهي سيدة من زيورخ تحولت لزيارة مركز زايد الإسلامي، إذ تعتقد “أن المسلمين والمسيحيين إخوة، وأنه محكوم عليهما بالتعايش، ولا يمكن أن ينفصل منهم الواحد عن الآخر”. وإذا كانت هذه المبادرة فرصة للمنظمين لكي يوضّحوا عقائدهم وثقافاتهم لسكان البلاد، فهي تمثّل أيضا مناسبة للزوار للاستيضاح وتبديد ما لديهم من مخاوف وهواجس.
زوار من كل الأطياف
الزوّار الذين تحولوا للمراكز والمساجد الإسلامية كانوا من كل الشرائح الاجتماعية والعمرية، خاصة من النساء فيما كان غالبية زوار مركز برن من الشخصيات العامة المنتمية إلى أحزاب سياسية مختلفة ومن المسؤولين بالمنطقة، مثل وزيرة التربية والتعليم بالكانتون، التي عبّـرت في كلمة لها عن سعادتها الشخصية بزيارة المركز الإسلامي وعن امتنانها بهذا الانفتاح، مشيرة في نفس الوقت إلى أن الدين الإسلامي دين عظيم لا يتناقض وقيم المجتمعات المدنية الحديثة، وأن ما يحصل من مشكلات من حين لآخر، مردّه غياب الحوار وسيادة تفسيرات متشددة لنصوص القرآن، ودعت في كلمتها إلى تكرار مثل هذه المبادرة، وإلى مشاركة المسلمين في دوائر الحوار بين الأديان.
كذلك، كانت نسبة كبيرة من الزوار من الشباب، الذين أنصتوا بعناية كبيرة للكلمات التي ألقاها المنظمون في مختلف المراكز وشاركوا بطرح أسئلتهم خلال المحاضرات التي تركّـزت حول الوظائف المختلفة للمركز الثقافي والمبادئ الأساسية للعقيدة الإسلامية ودور الإمام والمعالم المعمارية وفنون الخط والكتابة، بالإضافة إلى بعض العاملين في قطاع التعليم الذين انتهزوا الفرصة وتقدموا بطلبات للمراكز لفتح أبوابها لزيارة الطلبة والتعرف على المؤسسات الإسلامية من الداخل.
وكان من بين المشاركين بعض رجال الدين المسيحيين والهندوس .. ومع أن البعض منهم تجرأ على دعوة المسلمين إلى اعتناق دياناتهم وهم في ضيافتهم إلا أن القاسم المشترك بين الجميع يبقى الرغبة في التعرف على الأقلية المسلمة التي تعيش بين ظهرانيهم والتعبير عن دعمهم لها أمام ما تتعرّض له من حملات تشويه.
أسئلة متكررة وأجوبة متوقعة
ككل مرّة، يقول السيد محمد طفيل، “تُـطرح نفس الأسئلة والناس متأثرون بما يُـشاع في الإعلام عن الإسلام والمسلمين، كأن يتساءلوا مثلا: لماذا فصل الرجال عن النساء في المسجد، ولماذا لا يسمح لهن بالإمامة أو التقدم إلى الصفوف الأولى في الصلاة”، كذلك انصبت العديد من الأسئلة على دور الإمام وطبيعة التدريب الذي يتلقّـاه واللغة التي يُـلقي بها خُـطب الجمعة، والدور المحوري الذي يقوم به في إنجاح أو إفشال اندماج الأقلية المسلمة، وهناك من أشار بصراحة إلى “خطورة الخطاب الذي تدعمه بعض البلدان المتّـهمة بالوهابية والأصولية المتشددة”، على حد تعبير البعض.
وجاء رد المسؤولين في المراكز بالتأكيد على وعي الأئمة بخطورة دورهم وإدراكهم للتحديات التي تُـواجه رُواد دور العبادة، وعلى المؤهلات العالية التي يتمتّـعون بها، كإتقانهم للغات الوطنية ومعرفتهم العميقة بالفقه الإسلامي ومدارسه المتنوعة وبالمجتمع السويسري وقضاياه.
ومن الأسئلة أيضا، ما تعلق بالمقارنة بين الأديان وبموقف الإسلام من الديانات الأخرى وكيف ينظر القرآن إلى شخصية السيد المسيح عليه السلام، وفي هذا الإطار كانت إجابات الدكتور حسن أبو يوسف، نائب رئيس مركز زايد الإسلامي بزيورخ، قاطعة لا لبس فيها، إذ أكد على أن “المسيح هو ابن مريم وأنه رسول من بين الرسل وأنه لم يُـصلب، وأن القرآن كرّم مريم فخصص لها سورة من سوره، يتلوها المسلمون في صلواتهم كل حين”.
لكل مقام مقال
لدى مشاهدة الابتسامات المتبادلة ومائدة الضيافة العامرة بالحلويات الشرقية من كل لون ونوع، يتبادر إلى الذهن سؤال أساسي: “تُـرى ألا يحجب كرم الضيافة هذا الأسئلة المحرجة والمقاصد المبطنة للزيارة”؟
يبدو أن الأمر كذلك، حيث تعترف السيدة إستا هوتغين، النائبة في برلمان برن، أنه “من الصعب إدارة حوار جاد وأنت في ضيافة غيرك”، وأن من الأسئلة المؤجلة “البحث في كيفية احترام دولة القانون، وألا تستثنى من ذلك أي طائفة”، وكذلك عبّـرت عن “انشغالها البالغ بالمظالم المسلطة على المرأة والفتيات داخل العائلات المسلمة المحافظة”، على حد تعبيرها.
أما السيدة نيكول من زيورخ، فكشفت بأن القضايا الدينية، آخر ما يمكن أن يشغلها، “لقد جئت لأرى الطابع المعماري الشرقي ولأشاهد التنظيم الداخلي لهذا المركز، لكنني وجدت الأمر على درجة كبيرة من التواضع والبساطة، وقد وجدت الكنائس أغنى بكثير من الناحية المعمارية والفنية”، ويُـقر زائر آخر يسكن قرب أحد المراكز، بأن ما قاده إلى هنا هو حب الإطلاع، إذ “لم يكن يعلم بتاتا بوجود هذه المؤسسة، إلى أن تبلّـغ ببطاقة الدعوة لهذه الزيارة”.
مجرد بداية
يُـقر كثيرون بأهمية هذه المناسبات، التي من شأنها أن توصّـل الكثير من الرسائل وأن تُـختصر المسافات وتزيل الشبهات، كما لم يشكك أحد في صحة هذا الخيار، لكن، يقول الأستاذ جابر العلوي، الرئيس السابق للجمعية الثقافية لمسلمي نوشاتيل، والتي نظمت بدورها السنة الماضية يوما مفتوحا للجمهور، “المشكلة تكمُـن في السياق الثقافي والتاريخي العام، الذي يتحكم في شعور الناس ووعيهم. فالمسلمون متّـهمون ابتداء، وتميّـزهم الثقافي أصبح عبءً عليهم، ويُـتّـخذ ذريعة لإقصائهم، لقد مورس الأمر نفسه من قبل مع اليهود، واليوم، فالمسلمون هم الضحية المفضّلة”، أما ما يحد، حسب رأيه، من أهمية هذا الجهد، فيتمثل في نقص التغطية الإعلامية.
من جانبه، يُـقر الدكتور حسن أبو يوسف أن “تنظيم هذا اليوم، لن يغيّر الأمور بين عشية وضحاها، بل يجب أن تعضده أنشطة أخرى، كمجموعات حوار الأديان والمحاضرات العامة في أماكن مفتوحة للجميع”، لكنه يعلم أن مثل ذلك “يتطلب إمكانات مادية كبيرة وتعبئة واسعة، وهو ما لا تستطيع أن تتحمله هذه المراكز، في غياب اعتراف رسمي بالدين الإسلامي وعدم وجود دعم حكومي”.
أخيرا، يخطط مركز برن لتوسيع نشاطه تُـجاه السكان الأصليين، إذ عبّر السيد الطفيل عن توجه المشرفين عليه لتنظيم سلسلة من المحاضرات العامة، يدعى لتقديمها علماء مختصون ومفكرون معروفون.
برن – عبد الحفيظ العبدلي
خلص تقرير أنجزه المكتب الفدرالي للهجرة أخيرا عن المسلمين في سويسرا، إلى أن الكثير من الأفكار المسبقة تسمم العلاقة بين المسلمين وبقية فئات المجتمع، وطالب الطرفين إلى الانفتاح عن الطرف الآخر، وناشد المسلمين شرح مواقفهم وصياغة مطالبهم بشكل واضح ومعقول، ودعا المجتمع المحلي إلى تجاوز الأفكار المسبقة والرؤى السلبية المخالفة للحقائق والوقائع، ومن تلك المغالطات، الحكم على الإسلام وعلى عامة المسلمين من خلال تصرفات بعض الأطراف المتشددة، والتي هي أقلية ضئيلة.
وبيّن التقرير أن مما يُـعيق هذا التواصل، ارتباط صورة الإسلام لدى الجمهور السويسري بالعديد من المطالب التي لم يهيّـأ الرأي لعام لتفهمها، مثل المقابر الإسلامية واللحم الحلال والحجاب في المدارس ومقار العمل، وتوصل إلى أن 80% من المسلمين يعيشون ديانتهم بشكل طبيعي، ولا يرون أنها تتناقض مع المجتمع وقيمه المدنية، كما يعتقدون بأن الإسلام يدعو إلى المساواة بين الجميع وأنه لا يشكل أي عائق أمام اندماجهم في المجتمع.
وعلى الرغم من تزايد عدد المسلمين في سويسرا بصورة ملحوظة، حيث قفز خلال سنوات قليلة من 200 ألف مسلم إلى قرابة 400 ألف، وأن الإسلام هو الديانة الثانية من حيث تِـعداد السكان، فإنه يظل ديناً غير معترف به ـ رسميًا ـ من قِـبل الحكومة، وإن كان ذلك لم يمنع الأجهزة الرسمية من التعامل مع المسلمين ومشاركتهم في حوارات الأديان، خاصة بعد أحداث 11 سبتمبر، كما أن للمسلمين ممثلا عنهم في مجلس الأديان، وهي هيئة رسمية تأسست لتحقيق التقارب بين الأديان والحفاظ على السلم الأهلي، وتدعو إلى عدم استغلال الأديان في الصراعات السياسية والاجتماعية.
وفي مسعى لتوحيد جهودهم، تشكلت فدرالية المنظمات الإسلامية بسويسرا في 30 أبريل 2006، وقد انضم إليها حتى الآن عشرة اتحادات في الكانتونات وأكثر من 130 جمعية ومركز إسلامي، وتغطي 16 كانتونا وأربعة مناطق لغوية، كما تشمل مسلمين سويسريين ومهاجرين من البلقان وتركيا والبلدان العربية والجاليات الآسيوية المسلمة.
ومن أهداف هذه الفدرالية، تمثيل الجمعيات والمراكز الإسلامية المنضوية تحتها أمام السلطات الفدرالية، وبناء علاقات بناءة ووثيقة مع جميع الأطراف في المجتمع السويسري، والتشجيع على الاندماج الإيجابي، وقد انتخب الدكتور هشام ميزار، أوّل رئيس لهذه الفدرالية.
بلغ عدد الذين استجابوا هذه السنة لدعوة اليوم المفتوح 300 زائر في مركز زايد بزيورخ و100 زائر بمركز برن و250 زائرا بمركز نوشاتيل في السنة الماضية.
يبلغ عدد المسلمين في سويسرا حوالي 400.000 مسلم، وأغلب هؤلاء من الأجيال الشابة وغير حاصلين على الجنسية السويسرية. وعدد الحاصلين على جواز سفر سويسري، لا يتعدى منهم 37.000 نسمة، وتمثل الجالية العربية 5.6% فقط.
يستقر أغلب المسلمين في المدن الصناعية الكبرى، مثل زيورخ وبازل وبرن ولوزان وجنيف.
يعتبر المسلمون من الفئات النشطة في ميدان العمل، إذ يشارك 75% منهم في الأنشطة الاقتصادية ويدفعون الضرائب ويموّلون صندوق الضمان الاجتماعي.
تبلغ نسبة البطالة في صفوف الأجانب 9%، أي ثلاث مرات نسبة البطالة في صفوف السكان الأصليين، ويعيش 40% من الأجانب من خلال المساعدات الاجتماعية.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.