خيارات جورج بوش…
يجد الرئيس الأمريكي نفسه أمام خيارات صعبة إزاء ما يمكن للولايات المتحدة أن تفعله بعد أن أفشلت فرنسا وألمانيا الخطة الأمريكية لتحويل قرار مجلس الأمن 1441 إلى ذريعة لشن الحرب على العراق
ويبدو أن الإدارة الأمريكية أصبحت تعمل جاهدة لاستصدار قرار جديد في مجلس الأمن
بعد “الهزيمة الدبلوماسية” التي لحقت بإدارة الرئيس بوش في الأمم المتحدة يوم الجمعة الماضي، والمظاهرات العارمة المناهضة لشن حرب أمريكية على العراق والتي انتشرت في أنحاء العالم، بل وداخل كبريات المدن الأمريكية، وبعد الانقسام داخل حلف الأطلسي إزاء توفير الحماية لتركيا، تواصل إدارة بوش انتهاج المسالك الدبلوماسبة في محاولة لإصدار قرار جديد في مجلس الأمن بشأن العراق.
فبعد أن عكست المظاهرات الشعبية ضغوطا هائلة على حكومات دول كانت الولايات المتحدة تعتبرها سندا لها ضمن ما أسمته “تحالف الراغبين”، ولعل أهمها حكومة توني بلير التي تتعرض لمعارضة شعبية وحزبية أجبرت رئيس الوزراء البريطاني على التعهد لشعبه وحزبه بالعمل على استصدار قرار ثان من مجلس الأمن، يخول باستخدام القوة لنزع أسلحة العراق ليكون مثل ذلك القرار بمثابة “ورقة التوت” التي يخفي بها بلير تبعيته غير المسبوقة للرئيس بوش في تسرعه باتجاه شن الحرب وحشد القوات والإعداد لغزو العراق في غضون أسابيع قليلة.
ومما يزيد من صعوبة الخيارات المطروحة أمام بوش، صعوبة الحصول على تأييد بالإجماع من الحلف الأطلسي لحملته العسكرية المرتقبة على العراق، ولو في شكل تعهد بتوفير الحماية لتركيا كإحدى نقط انطلاق قوات الغزو الأمريكي للعراق، كما أن دخول فرنسا حلبة التحدي للانفراد الأمريكي باتخاذ القرارات في مجلس الأمن، أفقد الولايات المتحدة هيبتها واحترامها كقوة عظمى وحيدة في عالم اليوم.
وقد ظهر ذلك جليا في التصفيق الذي دوى في قاعة مجلس الأمن يوم الجمعة إعجابا من الحاضرين بدبلوماسية وزير الخارجية الفرنسي دومينيك دي فيلبان باعتباره الرجل الذي قال “لا” لأمريكا، وقبله بدقائق تجرأ كبير المفتشين الدوليين الدكتور هانس بليكس وقام أمام المجلس بتكذيب أحد الأدلة التي كان وزير الخارجية الأمريكي كولن باول قدمها على انتهاك العراق لقرارات المجلس.
وإزاء الكبرياء المجروح، لم تظهر تصريحات المسؤولين الأمريكيين أى رغبة في إعادة الحسابات. فقد أصر وزير الخارجية الأمريكي على أن الولايات المتحدة ستقود تحالفا من “الدول الراغبة”، سواء تحت مظلة قرار دولي أو بدونه، لنزع أسلحة العراق إذا رأت واشنطن أن الخيار العسكري قد أصبح ضروريا، كما واصلت مستشارة الرئيس بوش للأمن القومي كوندوليزا رايس التلويح باستخدام القوة فقالت، إن شن الحرب على العراق قد يصبح أمرا لا مفر منه ما لم يتوحّـد أعضاء مجلس الأمن وراء أسلوب صارم للتعامل مع العراق يشترك في دعمه الجميع.
هل أصبح احتمال الحرب 95%؟
تشير كل المؤشرات على الساحة الأمريكية، بل وفي منطقة الخليج، إلى أن الإدارة الأمريكية في تناولها للخيارات الصعبة أمامها، وصلت إلى طريق اللاعودة نحو شن الحرب على العراق بتجاهلها للإشارات الدولية، سواء في مجلس الأمن أو داخل حلف الناتو، أو في الاحتجاجات الشعبية الواسعة النطاق في أنحاء العالم.
فبينما تواصل وزارة الدفاع الأمريكية حشد القوات والمعدات وتأمين التحالفات وضمان التسهيلات من الدول المجاورة للعراق، يؤكد وزير الخارجية الأمريكي الأسبق لورانس إيجلبرجر أن شن الحرب على العراق أصبح أمرا حتميا بنسبة 95%، وأيده في ذلك التقييم كل من جيمس وولسي المدير السابق للمخابرات المركزية الأمريكية، والجنرال ويسلي كلارك القائد العام السابق لحلف شمال الأطلسي.
ويرى عدد من الدبلوماسيين الأمريكيين السابقين ومنهم السفير ريتشارد ميرفي المساعد السابق لوزير الخارجية الأمريكي، أن الخيارات الصعبة التي يواجهها الرئيس بوش ستدفعه إلى التحرك بسرعة لحرمان معارضي شن الحرب من اكتساب المزيد من التأييد الدولي.
ويرى السيد ميرفي أن إدارة الرئيس بوش ستسارع إلى تقديم صياغة لقرار جديد يصدره مجلس الأمن يحدد بوضوح الخطوات الواجب على العراق اتخاذها فورا، وبحلول موعد نهائي يحدده نص القرار، وإلا تعرض لشن حرب من تحالف دولي تقوده الولايات المتحدة.
وبهذا، تعيد الولايات المتحدة نفس السيناريو في مجلس الأمن الذي مكنها من قيادة حرب تحرير الكويت عام 1991.
الخيارات
ومن بين الخيارات المطروحة أمام الولايات المتحدة لدعم ذلك السيناريو، أن يعود وزير الخارجية الأمريكي إلى مجلس الأمن بأدلة أكثر إقناعا على استمرار انتهاك العراق لقرارات المجلس مع محاولة التفاوض مع الدول الدائمة العضوية في المجلس للتعجيل بتقديم التقرير الجديد لرئيس فرق التفتيش هانس بليكس ليقدمه في 1 بدلا من 14 مارس حتى لا تفوت الفرصة المتاحة لشن الحرب على العراق في ظروف جوية مواتية للطرف الأمريكي.
ويتوقع السيد جوزيف سيرنيسيوني، مدير برنامج مكافحة انتشار الأسلحة في معهد كارنيجي للسلام في واشنطن، أن يشهد الأسبوع القادم موجة من الضغط و”لوي الذراع” في مجلس الأمن لكي تحقق الولايات المتحدة ما تريده وفق ذلك السيناريو. ولكنه يحذر من أن الولايات المتحدة، لو استطاعت من خلال الضغوط تشكيل تحالف “المقهورين” لشن حرب على العراق، فإنها لن تجد تحالفا من “المتعاطفين” يساعدها في التعامل مع الوضع الشائك الذي ستخلفه أي حرب تشنها الولايات المتحدة على العراق.
ومن بين الذرائع الجديدة التي قد تستخدمها واشنطن ولندن في محاولة إقناع المجتمع الدولي بانتهاك العراق للقرار 1441، اكتشاف المفتشين الدوليين أن الصواريخ العراقية تجاوزت بـ 6 كيلومترات المدى المسموح به حسب قرارات مجلس الأمن.
فقد صرح السفير البريطاني في واشنطن كريستوفر ماير بأنه إذا لم يقم العراق بتدمير تلك الصواريخ المحظورة، فإنه سيكون قد خرق قرار مجلس الأمن خرقا ماديا، ووفر مبررا لشن حرب لنزع أسلحة العراق بالقوة.
غير أن السفير الفرنسي في واشنطن جان ديفيد لافيت سارع إلى الرد على هذه الذريعة فقال، إن مجلس الأمن وحده هو الذي يقرر ما إذا كان أي عمل عراقي يشكل خرقا ماديا للقرار أم لا، وأعرب عن اعتقاده بأنه سيكون من الممكن تدمير أي صواريخ يثبت أنها محظورة.
تصميم أمريكي
وأمام تجاهل إدارة الرئيس بوش لكل الإشارات الدولية التي تناهض التسرع لشن الحرب، نصحت وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة مادلين أولبرايت حكومة الرئيس بوش باستمرار التلويح باستخدام القوة لممارسة الضغط اللازم على النظام العراقي بهدف تحقيق نزع أسلحة الدمار الشامل العراقية دون الحاجة الفعلية لاستخدام القوة.
وحذرت أولبرايت حكومة بوش من شن حرب على العراق دون التفكير مليا في تكاليفها وعواقبها. ونبهت إلى أنه من بين تلك العواقب احتمال تفكيك أوصال الدولة العراقية إلى دويلات صغيرة بسبب التشاحن والصراع على السلطة بين جماعات سياسية متنافرة وفئات عرقية متنافسة.
كما قالت إن احتلال العراق سينطوي على احتلال أمريكي لآبار البترول العراقية لحمايتها، مما سيوفر دليلا لمن يتهمون بأن الهدف من الحرب هو السيطرة الأمريكية على الثروات النفطية العراقية.
وأشارت وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة إلى أن وجود حاكم عسكري أمريكي في بغداد، التي اشتهرت على مدى التاريخ بأنها كانت عاصمة الخلافة الإسلامية ومنارة الحضارة والثقافة الإسلامية، سيشعل نيران العداء للولايات المتحدة في كل أنحاء العالم الإسلامي.
غير أن المحللين السياسيين في واشنطن يرون أنه مع “نكسة” الدبلوماسية الأمريكية في مجلس الأمن، ومع الانقسام غير المسبوق في حلف الناتو، واستمرار استطلاعات الرأي العام الأمريكي في إظهار تراجع تأييد الشعب الأمريكي للحرب، فإن الانتظار لم يعد خيارا مطروحا أمام إدارة الرئيس بوش. ولذلك، فإن شن الهجوم على العراق أصبح الخيار الوحيد الذي ترى فيه حكومة الرئيس بوش خلاصا من المستنقع الدبلوماسي الذي وقعت فيه والذي سبق وحذر منه نائب الرئيس الأمريكي ديك تشيني حينما نصح الرئيس بوش بالتعامل المنفرد مع النظام العراقي دون المرور على مبنى الأمم المتحدة في نيويورك.
محمد ماضي – واشنطن
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.