خيار الحوار يتقدم على الحل الأمني في موريتانيا
بعد عامين ونيف من الإعتقال، خرج المعتقلون "السلفيون" في موريتانيا من السجن ببراءة قضائية أثارت الإرتياح في صفوف عائلاتهم ولدى الرأي العام عموما.
ويتساءل المراقبون في نواكشوط هل يعني هذا التمشي أن الرئيس الجديد المنتخب قرر طي صفحة الصراع مع الحركات الإسلامية بمختلف توجهاتها أم أن الأمر لا يزيد عن محاولة لتهدئة الأجواء وكسب الوقت؟
وأخيرا، حظي المعتقلون “السلفيون” في موريتانيا، بفرصة المثول أمام المحكمة والدفاع عن أنفسهم، وخرجوا ببراءة قضائية، بعد سنتين ونيف قضوها في غياهب السجن ومخافر الشرطة، تعرضوا خلالها – حسب تصريحاتهم وما تحمله أجساد بعضهم من آثار – لأبشع صنوف التعذيب وسوء المعاملة.
ورغم خطورة التهم، التي وجِّـهت للمعتقلين، والتي تتراوح بين الانتماء لتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي وتلقي تدريبات في معسكراتها وتشكيل جمعيات أشرار، تهدف إلى زعزعة الأمن والقيام بأعمال إرهابية، وبين الانتماء لتنظيم القاعدة الأم في أفغانستان والسعودية وتلقي تمويلات منه والتخطيط لتجنيد عشرات من الشباب الموريتانيين للانضمام لمقاتليها، إلا أن القضاء لم يجد أمامه من أدلَّـة سِـوى محاضر متخمة بالمعلومات والحكايات، قال المتهمون إنها محض افتراءات ونسج من خيال الشرطة، وأنهم فُـتحت عليهم أبواب جهنم خلال التحقيق معهم في مخافر الشرطة، وأجبِـروا على الاعتراف بما لا عِـلم لهم به، الأمر الذي دفع القاضي إلى الإعلان عن براءة جميع المتَّـهمين وإطلاق سراحهم، باستثناء متَّـهم واحد، هو الخديم ولد السمان، الذي كان قد تمكن من الفِـرار قبل سنة من السجن، وقد برّأته المحكمة من تهمة الإرهاب وأدانته بتهم تتعلق بالتزوير واستخدام المزور، وذلك بعد أن قدمت النيابة العامة إلى المحكمة عدة جوازات سفر مزورة باسمه، قالت إنها ضُـبطت بحوزته.
هل هو قرار بِـطَـي صفحة الماضي؟
محاكمة السلفيين الموريتانيين، التي تعتبر أول محاكمة لمعتقلين إسلاميين في موريتانيا، رغم التاريخ الطويل في ملاحقتهم أمنيا وإحالة المئات منهم إلى القضاء، جاءت كخطوة أولى على طريق ما يسمِّـيه المراقبون، محاولة إنهاء “الصراع المفتعل” مع التيارات الإسلامية، وخصوصا السلفية الجهادية، وهي المحاولة التي بدأ النظام الجديد في انتِـهاجها عشية تسلُّـمه الحكم قبل أقل من شهرين.
فقد سارع الرئيس الجديد للبلاد، سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله، والذي يُـعتبر أول رئيس موريتاني مُـنتخب ديمقراطيا، إلى إصدار الأوامر لأجهزة الأمن بالإفراج عن عدد من المُـحتجزين لديها، كانت قد اعتقلهم خلال فترة الانتخابات الرئاسية الماضية، فيما صدرت التعليمات لوزير العدل بضرورة تقديم المعتقلين السلفيين على ذمَّـة القضاء إلى المحاكمة بصورة عاجلة ووضع حد لتفاعلات ذلك الملف، الذي كان شوكة في خاصِـرة نظام المرحلة الانتقالية، وهو مطلب ظلَّـت أسر المعتقلين تُـلِـح عليه خلال السنتين الماضيتين، وبالفعل، قدمت الدفعة الأولى من المتهمين أمام القضاء في محاكمة، استمرت أقل من عشرين يوما، وانتهت ببراءة الجميع.
أول الغيث
وفي لحظات معدودة، تحولت مشاعر وعواطف المعتقلين وذووهم، من التوجس خيفة من صدور أحكام قاسية في حقهم، نظرا لخطورة التُّـهم المنسوبة إليهم، ولحجم المعلومات التي أوردتها الشرطة في بعض المحاضر، إلى مشاعر الفرح، وانهمرت الدموع من مآقيها، ودهش الجميع بين مصدق ومكذب.
وفور صدور حكم البراءة، قال المتهم أحمد مزيد، الذي تصفه الشرطة في محاضرها بأنه أستاذ زعيم القاعدة بن لادن ومستشاره الديني، الحكم الصادر، بأنه عادل ونزيه ومشرف، وأضاف: “هذا أول الغيث، وهذه محاكمة عادلة مباركة، وهؤلاء قُـضاة عرفوا الحق فحكموا به، ونحن متأكدون أن هذا الحكم سيكون بادرة خير على موريتانيا، ونتوقع أن تنزل البركة في هذا البلد، بسبب العدل والإنصاف”.
أما سيدي محمد ولد محمد فال، الذي كان متَّـهما بالارتباط بتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي والانتماء له، فقد قال إن الحكم “أعاد للقضاء الموريتاني هيبته وأنصف المظلومين، وأدخل السرور إلى كل فئات الشعب الموريتاني”، كما أدلى بقية المفرَج عنهم بتصريحات مماثلة.
دعوات سابقة للحوار..
هذه التصريحات غير المسبوقة لمتَّـهمين سلفيين، يثنون فيها على القضاء في بلد عربي، وهم من عُـرفوا سابقا برفضهم الاحتكام لقضاء يحكم بالقوانين، واعتبار ذلك كُـفرا وركونا إلى الطاغوت، حسب قولهم، شكلت بنظر المراقبين أول بادرة على نجاعة طريق المصالحة – أو التهدئة على الأقل – التي يسعى النظام الجديد للتوصل إليها مع الحركة السلفية.
وهو توجُّـه كانت أصوات خافتة قد ردّدته عشية الإطاحة بنظام الرئيس الأسبق معاوية ولد سيدي أحمد الطايع، لكنها سرعان ما اختفت بعد الهجوم العنيف الذي شنَّـه رئيس المجلس العسكري السابق اعل ولد محمد فال على المعتقلين السلفيين في أول مؤتمر صحفي له بعد توليه مقاليد الحكم، ووصفِـه لهم بالمجرمين والإرهابيين.
ومع انتخاب الرئيس الجديد سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله، بدأت المعلومات تتردد عن قرب حل ملف المعتقلين الإسلاميين، إذ نُـقل عن الرئيس الجديد قوله في أحد الاجتماعات، أنه يعتقد أن موريتانيا غير مهدّدة بخطر الجماعات السلفية الجهادية، إذا هي تجنبت استفزاز تلك الجماعات أو دفعها نحو المواجهة، وهي سياسة يرى ولد الشيخ عبد الله أنها وقائية وعلاجية في آن واحد، خصوصا إذ ما علمنا أن المنظومة الأمنية في بلد متخلِّـف كموريتانيا، تعاني من هشاشة وترهل، ناهيك عمَّـا ينخر جسمها من سوس الفساد والرشوة والمحسوبية، الأمر الذي يجعل احتمال نجاح الحلول الأمنية في مواجهة ظاهرة السلفية الجهادية، يبقى ضعيفا في موريتانيا، ومقارنة بفشل تجربته في بلدان أخرى، تتمتع بقدرات أمنية واستخباراتية لا سبيل لمقارنتها بالوضع الموريتاني.
.. وأخرى لاحقة
ووجد ولد الشيخ عبد الله أمامه أصواتا تدعو إلى تبنِّـي سياسة الحوار والمحاججة مع هذه الجماعات، وفي هذا السياق، أطلق رئيس لجنة الأمن والداخلية والدفاع في البرلمان الموريتاني النائب سيدي محمد ولد محم، دعوة أمام رئيس الوزراء الزين ولد زيدان، بضرورة اعتماد مقاربة حوارية مع هذه الجماعات.
وقال ولد محم في مداخلته خلال أول مثول لرئيس الوزراء الموريتاني أمام البرلمان، إن المقاربة الأمنية وحدها أثبتت فشلها في عدة بلدان، وأن أي ظاهرة مصدرها فكري، لا جدوى لمجابهتها إلا بالفكر والحوار، مصحوبين باليقظة الأمنية اللازمة، وأضاف: “علينا أن نحاور هذه الجماعات الجهادية، وأن نعيد هؤلاء بالقول الحسَـن والفِـكر المستنير إلى جادّة الصواب، قبل أن تخرج الأمور عن سيطرتنا، كما حدث في بلدان مجاورة”.
ويقول دعاة مقاربة الحل الحواري والسياسي، إن الحل الأمني مع الجماعات الجهادية في مصر، قاد إلى مزيد من الدماء والتفجيرات، بينما قاد الحوار إلى مراجعات فكرية قام بها قادة هذه الجماعات، التي خرج المئات من عناصرها من السجون بعد أن تخلوا عن العنف كخيار لنشر دعوتهم.
موريتانيا خارج دائرة التهديد؟
ورغم أن الجماعات السلفية الجهادية ضربت بنيرانها وأسالت الدماء في بدان مجاورة لموريتانيا، مثل المغرب والجزائر، إلا أن الغالبية الساحقة من الموريتانيين والمراقبين يرون أن موريتانيا لا تقع، حتى الآن، ضمن دائرة تهديد هذه الجماعات، ويرى هؤلاء أن سياسة القمع والحلول الأمنية التي كانت متبعة من طرف الأنظمة السابقة مع هؤلاء، هي التي كانت ستقود موريتانيا إلى مواجهة دموية مع هذه الجماعات.
ويرفض أصحاب هذه الرؤية تصنيف الهجوم الذي تعرضت له حامية للجيش الموريتاني شمال البلاد سنة 2005 وأسفر عن مقتل 17 عسكريا موريتانيا، على أنه بداية لوصول هذه الظاهرة إلى الأراضي الموريتانية، ويبرِّرون ذلك بالقول أن منفذي الهجوم تابعون للجماعة السلفية للدعوة والقتال الجزائرية، استفزتهم اعتقالات النظام السابق وقمعه للإسلاميين ودخوله في مناورات عسكرية مع الولايات المتحدة الأمريكية في تلك المنطقة، بغية تحقيق هدف معلن، هو محاربة تلك الجماعة واستئصال شافتها، هذا فضلا عن أن التحقيقات كشفت عن أن الموريتانيين الذين كانوا في صفوف الجماعة السلفية الجزائرية، حاولوا إقناع أمير ذلك الفصيل، مختار بلمختار الملقب “الأعور”، بالعدول عن مهاجمة الأراضي الموريتانية، وهو ما رفضه “الأعور”، الذي أرغمهم تحت تهديد السلاح على المشاركة في ذلك الهجوم.
ويمكن القول أن أسبابا كثيرة أخرى قد تدفع معتنقي الفكر السلفي الجهادي من الموريتانيين إلى الإحجام عن القيام بأعمال “جهادية” على الأراضي الموريتانية، وفي مقدمة هذه المعطيات، طبيعة التديُّـن السائد في المجتمع الموريتاني، والذي يعرف بأنه مجتمع محافظ يواظب فيه اليساريون واليمينيون على الصلاة في المسجد وقراءة القرآن، أضف إلى ذلك، أنه مجتمع لا زالت الدولة مُـجبرة فيه تحت ضغط تديُّـن المجتمع، على محاربة الدعارة والخمور وحظر بيعها وتعاطيها، فضلا عن أن الجماعات اليسارية في موريتانيا، تختلف عن نظيراتها في العالم العربي، حسب تعاطيها مع هؤلاء، وذلك بإعراضها عن الدعوات المطالبة بالقضاء على هذه الجماعات ومحاربتها وقمعها، وهو ما يوفر على السلطات حرَج وجود أصوات معارضة للحوار مع “السلفيين الجهاديين”.
وكخطوة على طريق المصالحة مع الحركات الإسلامية، التي كان نظام ولد الطايع يصنفها في خانة “الإرهاب” دون استثناء، يتم حاليا وضع اللَّـمسات الأخيرة على تشكيلة حزب سياسي خاص بمجموعة “الإصلاحيين الوسطيين” (الإخوان المسلمون في موريتانيا)، وهو الحزب الذي رفض ولد الطايع سنة 1992 الترخيص له، كما رفضه العقيد اعل ولد محمد فال سنة 2005، وتتحدث المعلومات المتوفرة عن تطمينات أعطاها الرئيس الجديد للإسلاميين بشأن الترخيص لحزبهم.
فهل قرر فعلا ولد الشيخ عبد الله طي صفحة من إرث الماضي، تميَّـزت بالممانعة والصِّـراع مع الحركات الإسلامية بجميع أطيافها وإقصائها خلال العهدين السابقين، وشرع في التعاطي مع السياسيين منها بمنطق الشريك، والجهاديين بمنطق المهادنة والمسالمة؟ أم أن الأطماع الأمريكية في المنطقة والحرب على ما يسمى بالإرهاب، كفيلة بدفع النظام الموريتاني الجديد إلى الالتحاق بجوقة محاربة التيارات الإسلامية وقمعها والسعي للقضاء عليها. سؤال لن تطول فترة الإنتظار لمعرفة الإجابة عنه!
نواكشوط – محمد محمود أبو المعالي
نواكشوط (رويترز) – قال مسؤولو محكمة موريتانية إن المحكمة برأت يوم الثلاثاء 6 يونيو، 20 إسلاميا من اتهامات بمحاولة تكوين جماعة مرتبطة بالقاعدة في الدولة الصحراوية المسلمة، لكن المحكمة أدانت احد الإسلاميين بحيازة أسلحة غير مرخصة ووثائق مزيفة، وحكمت بسجنه لمدة عامين في نهاية المحاكمة التي استمرت أسبوعين في نواكشوط، وحوكم أربعة من المتهمين غيابيا كما أطلق سراح البقية عند صدور حكم البراءة. واحتفل أقارب من تم تبرئتهم بالحكم بإطلاق أبواق السيارات، بينما راحت النساء تزغرد تعبيرا عن فرحتهن.
وكانت المحاكمة هي الأولى من نوعها منذ تولي رئيس مدني السلطة في الشهر الماضي، بعد انتخابات أجريت في مارس الماضي، أفضت إلى تسليم ديمقراطي للسلطة من قبل العسكر.
ورحب محامو الدفاع، الذين اتهموا الشرطة بتعذيب المشتبه فيهم، للحصول على بيانات بالأحكام باعتبارها انتصارا للعدالة، ونفت الشرطة أن تكون عذبت المشتبه فيهم الذين اعتقل بعضهم في عام 2005. وقالت المحامية فاطمة مبايي، التي ترأس أيضا الجمعية الموريتانية لحقوق الإنسان “أنا سعيدة للغاية بهذا القرار من قِـبل المحكمة، والذي أثبت براءة المتهمين الذين وضِـع البعض منهم في السجون لأكثر من 28 شهرا في ظروف صعبة وتحملوا كل أنواع الامتهان.”
وكان بعض المتهمين، وبينهم أكثر من عشرة أئمة أو مدرسين دينيين، قد اتهموا بتلقي تدريب من تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، الذي كان يُـعرف باسم الجماعة السلفية للدعوة والقتال.
وغيرت الجماعة، التي يقع مقرها في الجزائر، اسمها إلى تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي وأعلنت مسؤوليتها عن ثلاثة تفجيرات انتحارية في الجزائر في الشهر الماضي، وهي موضوعة على قائمة الولايات المتحدة للمنظمات الإرهابية.
واعتقل بعض المتهمين في أبريل 2005 في ظل حكومة الرئيس معاوية ولد سيدي احمد الطايع، الذي تمت الإطاحة به في انقلاب عسكري في اغسطس من ذلك العام، ونظم العسكر انتخابات وسلموا السلطة في الشهر الماضي إلى رئيس مدني منتخب، هو سيدي محمد ولد الشيخ عبدالله.
وكان الطايع حليفا مقربا من الولايات المتحدة في حربها العالمية ضد الإرهاب.، لكن العديد من الموريتانيين اتهموه باستخدامها كذريعة للانقضاض على خصومه الإسلاميين المعتدلين.
وأشار عبدالله، الذي حضر حفل تنصيبه في الشهر الماضي ارفع وفد أمريكي يزور بلاده، إن حكومته ستواصل التعاون مع الولايات المتحدة.
ويقول مسؤولون أمنيون ودبلوماسيون، إن جناح القاعدة في شمال إفريقيا، يدير معسكرات تدريب صغيرة ومتنقلة في دول الصحراء الجنوبية، ومنها موريتانيا، لتدريب المتشددين على حرب العصابات، بما فيها التعامل مع المتفجرات.
(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 5 يونيو 2007)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.