دافوس..ملتقى دولي للحوار حول القضايا العالمية المزمنة
تحت شعار "تحسين أوضاع العالم: إعادة التفكير، وإعادة البناء" افتتحت الدورة الأربعين لمنتدى دافوس يوم الأربعاء 27 يناير 2010. وشهدت هذه الدورة التطرّق إلى العديد من الملفات السياسية والاقتصادية بالغة الأهمية.، كان من أبرزها الأزمة المالية التي تعصف بالاقتصاد العالمي، والحاجة إلى تدخّل الدولة من اجل تنظيم عمل المؤسسات المالية الكبرى.
لكن المنتدى كان أيضا فضاءً للحوار حول قضايا الأمن والاستقرار في العالم، ومسألة الشرق الأوسط، وكذلك الوضع الإنساني الصعب في هايتي، وبلدان أخرى.
ومنذ الافتتاح، حاول كلود شواب، رئيس منتدى دافوس، إضفاء لون خاص على هذه الدورة مؤكدا ان “الواجب يقتضي ان ننتقل إلى نظام رأسمالي أكثر تعددية يحقق المصلحة للجميع، وهذا يتطلب إعادة التفكير في النظام الاقتصادي السائد اليوم، وإعادة بناء المؤسسات المشرفة على تسييره، وهذا ما نريد أن نناقشه في هذا المنتدى”.
“تخليق الرأسمالية”
في تناغم تام مع دعوة رئيس منتدى دافوس، جاء الخطاب الافتتاحي الذي ألقاه الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي، ضيف الشرف، هذه السنة داعيا لما أسماه “تخليق الرأسمالية”. ساركوزي حاول خلال خطابه وضع الوصفة الضرورية لتحقيق ذلك، مؤكدا على أنه “لابد من تغيير القواعد المنظّمة لعمل المصارف، وأنظمة مراقبة وتدقيق الحسابات”، وقام بتوجيه نقد لاذع لما يمثّل الركائز الأساسية لما يعرف بالنظام الحر، محذّرا من انحراف العولمة عن مسارها: “هذه العولمة خرجت عن السيطرة في اللحظة التي قبلنا فيها بالفكرة القائلة بأن الأسواق تنظم نفسها بنفسها، وانه لا يجب أخذ أي عنصر آخر في الحسبان”. ثم يضيف ساركوزي: “علينا أن نتذكّر ان التجارة الحرة، والمنافسة، والصيرفة هي مجرد وسائل، وليست أهادفا في حد ذاتها”.
من جهتها ذهبت دوريس ليوتهارد خلال كلمتها في المنتدى إلى نفس الاتجاه الذي اكد عليه الرئيس الفرنسي، ، إذ لم تخف دعمها لإعادة تنظيم المؤسسات المالية، ومعارضتها للمكافآت الكبيرة التي لم تنقطع البنوك عن منحها لكبار موظّفيها حتى في ظل الأزمة المالية الخانقة”، وتوجهت إلى الحضور قائلة: “في الواقع، تبدو العديد من البلدان مترددة في اتخاذ الخطوات اللازمة تجاه المؤسسات المالية، في حين تحاول المصارف والبنوك التنصل من مسؤولياتها، وتمارس الضغوط على أصحاب القرار”.
وبعيدا عن اللغة الخشبية حذّرت وزيرة الاقتصاد السويسرية من ان “هذه المواقف سوف تؤدي بنا مباشرة إلى أزمة مالية جديدة”، ودعت الدوائر السياسية والاقتصادية في العالم إلى “تحمّل مسؤوليتها بجدية، ودعم الخطط والإستراتيجيات الهادفة إلى الوصول إلى تنمية مستدامة، وإلى جسر الهوة بين الوعود والتطبيق”.
الرقابة على البنوك
هذه الدعوات تزامنت مع خطوة جريئة أخرى أقدم عليها الرئيس الأمريكي باراك أوباما عشية انعقاد منتدى دافوس حيث أكد الأسبوع الماضي على أن إدارته تنوي في المستقبل “تحديد حجم البنوك، وفرض الحظر على تلك المؤسسات ومنعها من جمع المدخرات عبر المضاربة في الأسواق المالية لحسابها الخاص”.
وإذا كانت هذه الخطوة قد لقيت ترحيبا واسعا على الساحة الدولية، فإنها قوبلت بالتشكيك والنقد من المؤسسات المصرفية العالمية، فمن دافوس، علّق رئيس مصرف “باركلاي” البريطاني، روبارت دياموند، على هذه الدعوات بالقول: “لم أعثر على أي دليل يثبت أن الحد من حجم البنوك، من شانه أن يمنع حدوث أزمة مالية في المستقبل”، رغم أن هذا الأخير يعترف أن “القواعد التي كانت تنظم قطاع المصارف قبل الازمة المالية الحالية كانت غير مجدية خاصة في قطاع الاستثمار وإدارة الأخطار”.
أما بالنسبة للخبير الاقتصادي نوريال روبيني، المعروف بكونه أوّل من تنبأ بالأزمة المالية الحالية، فيقول: “ما يقترحه الرئيس الأمريكي يذهب في الاتجاه الصحيح، لكنه غير كاف. لابد في نهاية المطاف من الفصل بين البنوك التجارية، والبنوك الاستثمارية”.
كذلك يحذّر كل من عارف ناكفي، المدير العام لصندوق “أبراج كابيتول” بالأمارات العربية المتحدة، وراغورام راغان، أستاذ الشؤون المالية بجامعة شيكاغو من مخاطر النزعة الشعبوبة التي ترافق هذه الدعوات لإعادة هيكلة وتنظيم المؤسسات المالية، ويقول هذا الأخير: “الخطر هو ان تتجه دعوات الإصلاح إلى المظاهر الخارجية، وتتسبب في منع القطاع المالي من مواكبة الانتعاش الاقتصادي . ما يجب فعله في مجال إعادة تنظيم المؤسسات المالية مسألة دقيقة جدا، ليس من السهل شرحها لعامة الناس”.
أما باتريك أوديي، رئيس جمعية المصارف السويسرية فيخشى ان يؤدي وضع الدولة ليدها على المصارف إلى “دفع المستثمرين إلى ميادين جديدة يكون من الصعب على المراقب السيطرة عليها”. ثم يضيف: “إذا كنت أنا نشط في المجال التجاري، ثم احسست أن القيام بهذا النشاط أصبح صعبا جدا القيام به من خلال المصارف، فإنه يمكنني في تلك الحالة أن ألتحق بإحدى الشركات المنشئة حديثا، بعيدا عن الرقابة المفروضة عن المصارف، فقط لكي أكون قادرا على ممارسة نشاطي التجاري بكل حرية ومرونة”.
كذلك لا يخفي رئيس جمعية المصارف السويسرية خشيته من أن يتكرّس لدى جمهور الناس الإحساس بأن “المصارف لا تدرك حقيقة ما تقوم به، في حين أن الحقيقة غير ذلك”. ولتصحيح هذا الاحساس، ير أوديي “أن على البنوك والمصارف والمؤسسات المالية عامة أن تشرح للجمهور اختياراتها، وان تبيّن لهم أن تدرك مسؤولياتها، وأنها مستعدة للتغيير أسلوب عملها”.
لا مفاوضات مع الاستيطان
هذا على المستوى الإقتصادي، اما على المستوى السياسي، فدافوس التي شهدت في دوراتها الماضية عناق وتقارب فلسطيني إسرائيلي، تعبيرا عن الاستبشار بمستقبل عملية السلام في الشرق الأوسط، عبّر منها هذه السنة سلام فيّاض، رئيس الوزراء الفلسطيني بحكومة محمود عبّاس عن تشكيكه بإمكانية استئناف المفاوضات مع إسرائيل، مضيفا: “أن الفلسطينيين لن يثقوا في عملية سلام لم تنجح في وقف بناء المستوطنات الإسرائيلية في أراضيهم”.
وقال فياض الذي كان يتحدث بمنتدى دافوس السويسري: “نحن الفلسطينيين أكبر الخاسرين من تجميد عملية السلام، لكننا نودّ أن نرى هذه العملية وهي تستأنف على نحو يمنحنا الثقة في أنها يمكن أن تؤدي بالفعل إلى النتيجة المرجوّة منها”.
وكان فيّاض طلب من الفلسطينيين في شهر يونيو 2009 البدء في بناء مؤسسات دولة بهدف إقامة دولتهم الوطنية في غضون سنتيْن، وقد عاد يوم الخميس في دافوس للتأكيد على ذلك: “”إن الفلسطينيين يحققون تقدما نحو هدفهم في ظل غياب محادثات مع الإسرائيليين”.
ورغم انه لم يقدّم أدلة ملموسة، لكنه شدد على أنه “يكاد لا يمر يوما دون اتخاذ خطوات ذات مغزى نحو الدولة الفلسطينية”. واعدا بنقل هذه التجربة إلى قطاع غزة متى ما “انتهى الإنقسام الفلسطيني، ورفع الحصار على القطاع”.
دافوس فرصة أيضا لتذكّر المحرومين
على هامش كل دورة من دورات دافوس، يقوم تحالف من المنظمات الإنسانية غير الحكومية باختيار “الفائز” من بين الشركات العالمية الكبرى بلقب أسوء أداء خلال السنة على المستويين الاجتماعي والبيئي. وهذه السنة وقع الاختيار على شركة “روش” السويسرية المصنّعة للادوية، وعلى “البنك الملكي الكندي”.
حصلت شركة “روش” على جائزتيْن، بسبب سوء أدائها، الأولى من الصنف السويسري، منحتها إياها لجنة تحكيم مشكلة من مجموعة “تحالف برن”، ومنظمة السلام الأخضر” (GreenPeace )، واما الجائزة الثانية فحصلت عليها من خلال تصويت إلكتروني شارك فيه أزيد من 20.000 مستخدم للشبكة الإلكترونية.
من التهم التي استحقت بسببها هذه الشركة السويسرية تنديد هذه المنظمات الحكومية ما يُقال من إجرائها اختبارات لأدوية في الصين على أعضاء بشرية من دون كشف مصدر تلك الأعضاء، ومن المعروف ان 90% من الأعضاء التي يعاد زراعتها لدى المرضى في الصين هي منزوعة من معتقلين في السجون محكوم عليهم بالإعدام.
اما “البنك الملكي بكندا”، فقد إستحق بحسب هذه المنظمات غير الحكومية هذا “التنويه السلبي” “لكونه المموّل الرئيسي لعمليات استخراج النفط من الرمال القطرانية والطَّفَل الزيتي، وهو من اشد المواد تلويثا للطبيعة بمنطقة ألبيرتا، التي تتجاوز مساحتها مساحة سويسرا والنمسا مجتمعتيْن”.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.