دافوس 2007 … أسدل الستار وبقيت الوعود
اختتم المنتدى الاقتصادي العالمي أشغال دورته السنوية في شرق سويسرا بإطلاق الكثير من الوعود، سواء في الميدان السياسي او الاقتصادي أو البيئي.
الحصيلة تبدو في نظر البعض، باعث أمل في كل هذه الميادين، بينما يرى البعض الآخر أنها مجرد وعود سرعان ما ستتبخر مع ذوبان ثلوج المرتفعات المحيطة بمنتجع دافوس.
اختار منظمو الدورة السنوية للمنتدى الاقتصادي العالمي، الاهتمام بإعادة توازن القوى في عالم أطلق عليه كلاوس شفاب، المؤسس والعقل المدبر للمنتدى صفة “العالم المنفصم الشخصية أو المصاب بالسكيزوفرينيا”.
وفيما يفتخر المنظمون بأنهم جمعوا في منتجع دافوس (شرق سويسرا) أكثر من 2400 شخصية بارزة في عالم الاقتصاد والسياسة والثقافة والدين، من بينهم 24 رئيس دولة ومئات الوزراء وحوالي 1000 من قادة كبريات الشركات في العالم، يظل التساؤل قائما: “ما هي الحصيلة بعد كل هذه النفقات الباهظة من مواكب سيارات فاخرة وموائد عامرة، بل حتى رحلات على متن طائرات خاصة”؟
وعي بمشاكل البيئة
هناك من يعتبر أن دورة هذا العام كانت “دورة الوعي بمشاكل البيئة” في العالم، وبالأخص المشاكل المترتبة عن ظاهرة الاحتباس الحراري وضرورة التحرك لتفادي زيادة نسبة الإصدارات الغازية، ومع أن مدراء كبريات الشركات العالمية لم يترددوا في المساهمة في مختلف جلسات النقاش المفتوحة أو المغلقة أمام وسائل الإعلام، فإن الحصيلة لم تتجاوز مجرد تشخيص للعلل بدون التجرؤ على تقديم تعهدات، إما على المستوى الشخصي أو الجماعي.
وإذا كان هناك تركيز على ضرورة إشراك دول صاعدة، مثل الهند والصين في مجهود الحد من الإصدارات الغازية، فإن الدول المتقدمة لم تتعهد باتخاذ خطوات عملية، بل ركزت بالدرجة الأولى، مثلما جاء على لسان المستشارة الألمانية انجيلا ميركل، على المشاكل المرتبطة بمسألة “ضمان التزود بالطاقة”.
ومن المؤكد أن بعض العمليات التجميلية التي نظت أثناء انعقاد المنتدى في دافوس، مثل عرض ثلاجات مُراعية للبيئة بالاشتراك مع شركة كوكاكولا أو وسائل نقل طرود لشركة “دي إيتش إيل” أقل إضرارا بالبيئة، لن تؤدي إلى تعديل ملموس في ميزان الأضرار البيئية.
وعود باستئناف مفاوضات جولة الدوحة
على المستوى الاقتصادي، رحب أرباب الاقتصاد بالانتعاش الاقتصادي الذي يعرفه العالم، لكن منافسة دول صاعدة مثل الهند والصين شكلت محور النقاش الرئيسي في الجلسات العلنية والخاصة للمنتدى.
أما بالنسبة للذين كانوا ينتظرون من قادة الاقتصاد العالمي والدول الفاعلة في منظمة التجارة العالمية إشارات عملية لمعرفة مآل مصير جولة الدوحة، التي أريد بها أن تكون جولة “تنمية” ومحاولة لتعديل كفة النظام التجاري العالمي لصالح الدول النامية، فقد تطلب الأمر أن تنظم سويسرا اجتماعا على هامش المنتدى، لكي يتم التوصل إلى الإعلان عن “وعد باستئناف المفاوضات” المتعثرة.
وإذا كانت وزيرة الاقتصاد السويسرية دوريس ليوتهارد قد انتزعت من زملائها كلمة “نعم” لاستئناف مفاوضات جولة الدوحة، التي تم تمديد فترتها مرات عديدة لكي تصل في نهاية شهر يوليو 2006 الى تأزم تام، فإن الأهم يبقى ما إذا كان هذا الاستئناف جادا وكيف يمكن تقريب وجهات نظر كل من الولايات المتحدة والإتحاد الأوروبي، فيما يتعلق بملف الدعم المقدم للمزارعين وللصادرات الزراعية من جهة، وكيف يمكن إقناع دول صاعدة، مثل الهند والبرازيل بضرورة إبداء المزيد من الليونة في مجال تحرير قطاع الخدمات والشفافية في مشتريات القطاع العمومي وتحرير قطاع الاستثمارات، وهي قطاعات تُـصر الدول الصناعية على تحريرها.
ولمعرفة مدى جدية هذه الوعود،، يجب انتظار النتيجة التي ستسفر عنها أولى الجولات التي ستنتظم في مقر منظمة التجارة العالمية قريبا في جنيف.
نشر غسيل لا غير
مشاكل الشرق الأوسط الممتدة من الصراع الفلسطيني الإسرائيلي الى المأزق العراقي مرورا بمشاكل إعادة إعمار لبنان، – ومع أنها طغت على مستوى عدد الجلسات المخصصة للنقاش – فإن ما حدث فيها لم يتعدَّ أن تكون مجرد نشر للغسيل العربي تارة بأصوات عربية، وما أكثرها، وتارة أخرى بأصوات غير عربية تقدم نفسها على أنها مختصة في الموضوع.
النتيجة التي يمكن الخروج بها في هذا الملف، يمكن تلخيصها في تفاؤل فلسطيني بأن تسفر لقاءات اللجنة الرباعية في واشنطن عن تحرك فعلي نحو تنشيط مسار السلام مع الجانب الإسرائيلي، لأن الرئيس الفلسطيني محمود عباس يؤمن بأن “الأمور أصبحت ناضجة اليوم”، ولكنه يرى أنه مستعد للتوجه لتلك المفاوضات بوصفه رئيس منظمة التحرير الفلسطينية، وهو ما من شأنه ألا يعمل على تهدئة إراقة الدماء الجارية بين الفلسطينيين حاليا في غزة والضفة الغربية، وهذا في الوقت الذي شددت فيه وزيرة خارجية إسرائيل تسيبي ليفني على ضرورة مراجعة المواقف من قضية حل الدولتين، ومسالة حدود عام 1967 وإقصاء موضوع حق عودة اللاجئين من قائمة المفاوضات.
اما في ملف العراق، فقد سمحت المناقشات التي تمت بين العناصر العراقية المشاركة في دافوس بتوضيح الهوة الطائفية القائمة، ليس فقط فيما يتعلق بما هو حاصل اليوم، بل أيضا فيما يتعلق بالخطوات المستقبلية.
أما النقاش الذي شاركت فيه شخصيات أمريكية، من أمثال مرشح الرئاسة السابق والنائب البرلماني جون كيري، فقد تحولت الى تصفية حسابات بين الجمهوريين والديمقراطيين حول الملف العراقي لا غير.
أما أصوات المشتركين التقليديين في منتدى دافوس من الشخصيات العربية، من أمثال العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني أو الأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى، فلم تكن لتغير شيئا من القناعات والالتزامات السائدة.
في هذه الأجواء، بدت أصوات الشباب الفلسطيني والإسرائيلي حول مشروع الدولتين المتعايشتين جنبا الى جنب، التى أوصلها تجمع “صوت واحد” الى المشاركين في المنتدى الاقتصادي العالمي، أكثر مصداقية وجدية، ولم يكن الرئيس الفلسطيني محمود عباس مخطئا في قوله “لو قاد هؤلاء الشباب المفاوضات، لتوصلوا الى تسوية قبلنا”.
ومن المحتمل أيضا – لو تم تطبيق نفس المنطق على باقي الملفات الأخرى المعروضة للنقاش في دافوس – لكانت النتائج أكثر واقعية من الوعود المتكررة، والتي أدى بعضها حسبما يعتقد البعض إلى تعميق حدة “السكيزوفرينيا”، التي تميز طريقة إدارة عالم اليوم.
سويس إنفو – محمد شريف – دافوس
انتظم اللقاء السنوي للمنتدى الاقتصادي العالمي في منتجع دافوس، شرق سويسرا، من 24 إلى 28 يناير 2007.
استقبلت هذه الدورة السابعة والثلاثين 2400 مشارك من 90 بلدا، ينتمي نصفهم إلى عالم الاقتصاد.
شارك في أشغال المنتدى 24 رؤساء دولة أو حكومات و85 وزير ورؤساء العديد من المنظمات الدولية وأكثر من 480 ممثل عن المجتمع المدني.
شارك عن الجانب السويسري في اشغال المنتدى أربع وزراء في الحكومة الفدرالية السويسرية والعديد من ممثلي الشركات ومنظمات المجتمع المدني.
دار النقاش بين أصحاب القرار هذا العام تحت لافتة “التطور في توازن القوى”، وشمل الاقتصاد والجغرافيا السياسية والمؤسسات والتكنولوجيا وشؤون المجتمع.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.