دبلوماسية بين “العلنية والسرية”
سويس انفو تلقي الضوء على حصيلة عام من تولي وزيرة الخارجية ميشلين كالمي راي، مسؤولية إدارة الدبلوماسية السويسرية.
وتعتقد الوزيرة أنها أضفت المزيد من المصداقية والوضوح على السياسة الخارجية للكنفدرالية من خلال ممارسة سياسة “الدبلوماسية العلنية”.
عندما تقلّـدت السيدة ميشلين كالمي راي شؤون وزارة الخارجية السويسرية في 1 يناير 2003، كان العالم يعيش أجواء الاستعدادات لحرب ضد العراق، وجدلا حادّا داخل مجلس الأمن الدولي حول مدى شرعية تدخل عسكري أجنبي في العراق.
ومنذ ذلك الحين، تميّـزت مواقف الوزيرة بشفافية باغتت الكثير من المراقبين، نظرا لابتعادها عمّـا تميّـز به أسلوب عمل أسلافها في الخارجية السويسرية، وارتبط الأسلوب الجديد بما أسمته السيدة ميشلين كالمي راي بـ “الدبلوماسية العلنية”.
ولم تتردّد العديد من الأصوات حينها في التكهّـن بتحطّـم طموحات الوزيرة الجديدة على صخرة عدم الخبرة في مجال العلاقات الدولية المعقّـد، وهي التي لم تتجاوز خبرتها تسيير الشؤون المالية في حكومة جنيف المحلية.
لكن تقييم السيدة ميشلين كالمي راي لحصيلة العام الأول على رأس الدبلوماسية السويسرية، جاء مغايرا للتوقّـعات، حيث أكّـدت في حوار أجرته مع وكالة الأنباء السويسرية، أنها حاولت إعطاء الدبلوماسية السويسرية مزيدا من الوضوح من خلال انتهاج “الدبلوماسية العلنية”. وأضافت “إنني فخورة لكوني وُفّـقت في إحداث إجماع حول هذه السياسة الخارجية بين الحكومة الفدرالية، والبرلمان، وغالبية الشعب”.
ملف العراق كان مجرّد بداية
وقد تمثـلت أول خُـطوة أقدمت عليها السيدة ميشلين كالمي راي، فيما اصطُـلح عليه بـ “الدبلوماسية العلنية”، تنظيم مؤتمر دولي حول الأبعاد الإنسانية لحرب محتملة ضد العراق، شاركت فيه الدول المجاورة وبلدان مجموعة الاتصال المهتمة بالملف العراقي، والعديد من المنظمات الدولية الرئيسية لمناقشة الأبعاد الإنسانية للحرب، والتنسيق فيما بينها لمواجهة تأثيراتها الإنسانية بالخصوص.
وقد رأى كثيرون أن إقدام سويسرا على اقتراح عقد مثل هذا المؤتمر في وقت التزمت فيه أغلب الدول والمنظمات الدولية والأممية الصمت تجنُـبا لإثارة الحديث حول العواقب الإنسانية الخطيرة لحرب قررت القوة العظمى الوحيدة في العالم خوضها، زلّـة و “قلّـة خبرة” قد تعود بعواقب وخيمة على سويسرا.
وعلى الرغم من تراجع الاهتمام الدولي بالمشروع السويسري، إلا أن السيدة ميشلين كالمي راي ترى “أنه كان بمثابة نجاح”، ونوّهت إلى أن الأمين العام للأمم المتحدة “شكر سويسرا على تنظيمه”.
ومن المُـؤكّـد أن الملف العراقي سيظل في مقدمة أولويات السياسة الخارجية السويسرية بشكل أو بآخر، حيث أعلنت الوزيرة أن “سويسرا خصّـصت 30 مليون فرنك لمساعدة العراق في عام 2003، وقد تخصص مبلغا أكثر في عام 2004 لدعم قطاعات حقوق الإنسان ومسار التحول الديموقراطي في البلاد”، حسبما جاء في تصريحها.
في المقابل، تحرص السيدة كالمي راي على التفريق الصارم بين تقديم مساعدات إنسانية إلى العراقيين، وبين أي تحرّك من شأنه “أن يبرر الحرب التي ننظر إليها على أنها تمّـت خارج نطاق الشرعية الدولية”، على حد تعبيرها.
وفي ردّ على سؤال يتعلّـق بإلقاء القبض على صدام حسين الذي وصفت نظامه “بدكتاتورية العنف”، عبّـرت السيدة كالمي راي عن أملها في أن يقود ذلك إلى “قرب استعادة العراق لسيادته”.
وتتحفّـظ وزيرة الخارجية السويسرية في إبداء رأيها بخصوص محاكمة الرئيس العراقي السابق صدام حسين، مكتفية بالقول “إن من المهم عرضه على المحاكمة”. لكنها تحرص على التذكير بأن موقف الكنفدرالية أثناء الأزمة العراقية “لم يكن مع أو ضد صدام حسين، كما لم يكن مع أو ضد الولايات المتحدة”، موضحة بالخصوص أن “سويسرا كانت مع التصرف المتعدد الأطراف وضد التصرف المنفرد”.
الدبلوماسية السرية أيضا
وعلى العكس من استعمال كالمي راي لورقة “الدبلوماسية العلنية” في ملف العراق في بداية العام، لجأت بإتقان مُـلفت إلى ممارسة “الدبلوماسية السرية” في الإعداد لما عُـرف لاحقا بـ “مبادرة جنيف” التي كانت نتيجة لحوار فلسطيني – إسرائيلي سمح بصياغة ممثلين عن المجتمع المدني من الطرفين لمقترح حل نهائي للصراع الفلسطيني الإسرائيلي.
وتشرح وزيرة الخارجية أن هذا التحول الذي طرأ على أسلوب عملها، لم يأت نتيجة تراجعها بوجه الانتقادات التي وُجّـهت إلها، بل كان “ضرورة تُـمليها ظروف العمل الدبلوماسي التي تفرض مزيجا من المنهجين معا”.
وعبّـرت كالمي راي مجددا عن أملها في أن تتحوّل مبادرة جنيف في يوم من الأيام إلى “نص مرجعي في مفاوضات استراتيجية” بين الدول المعنية بقضية الشرق الأوسط.
وكانت الكنفدرالية قد خصّـصت حوالي 300 ألف فرنك للمرحلة الأولى من مفاوضات مبادرة جنيف، ومليون فرنك للمرحلة الثانية التي لا زالت مستمرة. وتعهّـدت كالمي راي بالاستمرار في التقديم الدعم لها، وقالت إن وزارتها سوف “تشارك في كل المناقشات الاستراتيجية لإبقاء هذه المبادرة حاضرة في الأذهان”.
أوروبا لا زالت أولوية
على صعيد آخر، أكّـدت وزيرة الخارجية أن الدبلوماسية السويسرية سوف تواصل إثارة الملفات المرتبطة بحقوق الإنسان بشكل “براغماتي” مع عدة دول كالصين وإيران وكوريا الشمالية.
في المقابل، ترى الوزيرة أن ملف المفاوضات مع الاتحاد الأوروبي سيحظى بالأولوية خلال العام القادم، خصوصا بعد أن فشلت برن وبروكسل في اختتام الجولة الثانية من المفاوضات الثنائية في فترة ترأس إيطاليا للاتحاد.
وتؤكّـد ميشلين كالمي راي على وجود ضرورة لتعزيز “الدبلوماسية العلنية” في السياسة الخارجية أكثر فأكثر، وتقول “إن لسويسرا مصداقية كبرى في العالم، وعليها أن تلعب تلك الورقة”.
وفي رد على الذين يبررون الإحجام عن اتخاذ المبادرات الدبلوماسية المثيرة للجدل بدعوى الالتزام بمبدأ الحياد التقليدي، تقول وزيرة الخارجية السويسرية “إن الحياد يجب ألا يقود إلى اللامبالاة”.
ومن المؤكّـد أن إعادة انتخابها من طرف البرلمان الفدرالي يوم 10 ديسمبر بـ 206 صوتا من بين 246، كان تصويتا بالثقة لحصيلة العام الأول من عملها، وتشجيعا مُـهمّـا لها لمواصلة المشوار.
محمد شريف – سويس إنفو – جنيف
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.