دخان النووي الإيراني.. من لبنان
لم يمنع الدخّـان المُـنبعث من الحرب الإسرائيلية التي شنّـت على لبنان، القوى الرئيسية في العالم من متابعة البرنامج النووي الإيراني، واستصدار القرار رقم 1696 من اجتماع نظم على عجل لمجلس الأمن.
فقد استغلت الدبلوماسية هدير المعارك في لبنان، لتمرر، في صفقة شاركت بها الصين وروسيا، القرار المذكور، غير عابئة بالإحتجاجات الإيرانية.
ظاهر الصورة كان هو الخشية من أن ينحرف التعامل مع البرنامج النووي الإيراني بتأثير حرب لبنان عن المسار المرسوم له، ليختفي أو يوضع على الرفّ، إلا أن الحقيقية كانت غير ذلك تماما.
فالدبلوماسية انطلقت هذه المرة من حرب لبنان، رغم كل ما قيل عن صلتها المباشرة بإيران، على الأقل في الحديث آنذاك عن “سرّ” تزامن عملية حزب الله بخطف الجنديين الإسرائيليين، مع فشل محادثات النووي بين إيران والاتحاد الأوروبي.
القرار 1696 صدر في مجمله ضد إيران ولم تسمح الصواريخ الإسرائيلية التي تساقطت فوق المدن والقرى الشيعية اللبنانية (التي تُـعتبر حاضنة قوية لحزب الله المدعوم من إيران) بالإستماع إلى أصوات الإيرانيين المُـعترضة والمتذرّعة بسلمية البرنامج النووي، لكنها لم تحجب رُؤية مُقترح الحوافز الذي قدمته الدول الست (الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وروسيا والصين) لإيران من أجل تذكيرها بأن باب التفاوض معها ما عاد ممكنا إلا تحت ظلال الحرب في شرق أوسط جديد كان يُـراد للبنان الصغير أن يحدّد ملامحه.
يمكن القول أن قرار مجلس الأمن جاء في صيغة رسالة تحذير مشفوعة بإمكانية استخدام القوة لكي لا تفهم الجمهورية الإسلامية بطريقة خاطئة أن رهانها على الزمن وعلى إطالة أمد مفاوضاتها مع الأوروبيين، ومع روسيا أيضا، بشأن مقترحها حول تخصيب اليورانيوم فوق أراضيها، لا يخدمها، وأن صبر “المجتمع الدولي” بقيادة الولايات المتحدة، علامة على الضعف والتردد.
ولذلك، حصل الإجماع في مجلس الأمن، وتم إبلاغ إيران بالقرار رقم 1696، فيما يشاهد مسؤولوها الفضائيات وهي تتسابق على بث صور الموت والدّمار الذي يحصد أنصار إيران والمتعاطفين معها في لبنان، ولينسج لدى عقول هؤلاء المسؤولين أفكارا أخرى حول ما يمكن أن تكون عليه الجمهورية الإسلامية، إذا ما رفضوا الامتثال إلى قرار مجلس الأمن، لأن الشّـوك الذي ترافق دائما مع “الحوافز”، ليس ناعما دائما، والولايات المتحدة تريد أن تؤكد لإيران أنها تستخدم معها مروحة من الإجراءات المختلفة، التي تُـبقي في الذّاكرة صُـوَر التّـغيير الذي جرى في أفغانستان والعراق، وأخيرا وليس آخرا في لبنان عبر قرار مجلس الأمن 1701، الذي انتصر لإسرائيل، وأراد تعويض فشلها العسكري الكبير مع رجال حزب الله.
لقد سعت الولايات المتحدة من خلال حرب لبنان العسكرية والدبلوماسية، احتواء النفوذ الإيراني في لبنان، باعتبار حزب الله من أهم ركائزه، وتحديد إطار هذا النفوذ الإقليمي في العراق أيضا من خلال تذكير الزعماء الشيعة هناك بسياسة العصا كأولوية أمريكية، سعيا لتقليم أظافر إيران ودفعها إلى التخلّي عن طُـموحاتها النووية، وتحجيم قُـدرتها على الردّ إذا تعرضت لهجوم عسكري.
وفي مخطط إضعاف احتواء إيران، سعت واشنطن أيضا من خلال الحرب التي أمَـرت بها إسرائيل في لبنان، إلى فكّ ارتباط سوريا بإيران، وأرسلت عدة إيحاءات أن الانفجار في لبنان قابل للتمدّد، حتى مع الاعتراف أنه لم يكن بسبب خطف الجنديين الإسرائيليين، ولم تكن إيران تقف وراءه بقدر ما أصبحت هي ضحيته، وأنها الهدف التالي بعد حزب الله، وأن المخطّط الذي أوعزت واشنطن إلى إسرائيل تنفيذه، كان يرمي إلى القضاء على حزب الله أو على ترسانته من الأسلحة، خُـصوصا الصاروخية، كواحد من أهم أذرع الممانعة الإيرانية في عهد الرئيس محمود أحمدي نجاد، للاندماج بشكل كامل مع “المجتمع الدولي” بالعولمة الأمريكية، التي عبّـرت عنها بوضوح وزيرة الخارجية كونداليزا رايس عندما تحدثت عن “الشرق الأوسط الجديد”.
دبلوماسية الحرب
وحتى بعد أن فشلت الحرب في تحقيق أهدافها، وجاء دور الدبلوماسية لتُـظهر واشنطن من خلال جولاتها المكُـوكية التي خُـتمت بقرار مجلس الأمن رقم 1701، عزمها على إيصال رسالة قوية جدا إلى إيران، مفادها أن الدول الست التي قدّمت لها رُزمة الحوافز، لن تتحمل أن تنضم الجمهورية الإسلامية إلى النادي النووي، إلا بشروط لا تملكها الآن، أهمّـها أن تتخلى إيران نهائيا عن فكرة “الإسلام المحمدي”، التي أطلقها الإمام الخميني الراحل، مقابل ما كان يُـسميه بالإسلام الأمريكيٍ، والتي أعاد أحمدي نجاد صياغتها وفق تداعيات الحالة اللبنانية بمعادلة “الإسلام المحمدي” مقابل “الإسلام الأموي”، وهو يرى طبيعة الاصطفافات مع أو ضد حزب الله.
“الإسلام المحمدي” من وجهة نظر الإمام الخميني ومن بقي على نهجه، يعني أن تسعى إيران إلى الحصول على كل مقوّمات الدولة العصرية ولا تتنازل عن أهدافها كثورة إسلامية تنادي بتحرير فلسطين وتَـعبيء العالم نحو فكرة زوال إسرائيل، ولو بعد حين. ولهذا، وجد احمدي نجاد الحل السهل لوقف الحرب على لبنان، وهو يقترح على القمة الإسلامية الطارئة زوال إسرائيل، ذلك الهدف الغائي الذي يبقى في الوجدان الإيراني، وإن كان مجرد حلم بعيد المنال.
قرار سياسي!
قرار مجلس الأمن حول إيران لم يكن على الإطلاق فنيا، أي أنه لم يصدُر بحسابات الوكالة الدولية للطاقة الذرية، التي لم تذكر حتى الآن أن برنامج إيران النووي يتّـجه لصنع قنبلة نووية، مع ملاحظة أن جميع أنشطة تخصيب اليورانيوم المثيرة لـ “شكوك” الغرب، تجري تحت رقابة مفتشي الوكالة.
إذن يمكن القول أن مجلس الأمن الدولي استغل – وبقوة – أصداء الحالة اللبنانية، ليصدر بعد فترة طويلة من التعاطي الأوروبي شبه المرن مع إيران، أول قرار مُـلزم يُطالب إيران بوقف تخصيب اليورانيوم قبل نهاية شهر أغسطس، وإلا واجهت احتمال فرض عقوبات اقتصادية ودبلوماسية عليها.
وتطالب الوثيقة، التي تم إدخال تعديلات على نصّـها الأصلي، بسبب اعتراض كل من روسيا والصين، طهران بوقف كافة الأنشطة المرتبطة بتخصيب اليورانيوم وإعادة تحويله، بما في ذلك ما يتعلق بالأبحاث والتحقيقات.
وفي حال عدم امتثال إيران لتلك المطالب بحلول 31 أغسطس، فإن المجلس سيدرُس كيفية اتّـخاذ التدابير المناسبة بمقتضى المادة 41 من الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، الذي يشير إلى إمكانية فرض عقوبات اقتصادية.
ويأتي القرار بعد اتفاق 12 يوليو القاضي بإحالة ملف إيران النووي إلى مجلس الأمن، بسبب عدم تقديمها لردّ على عرض الحوافز الدولية مقابل تخلّـيها عن برنامج تخصيب اليورانيوم، ولم يستمع لنداءات إيران أنها مستعدة للرد على العرض بحلول يوم 22 من نفس الشهر، الأمر الذي يثير تساؤلات عن سرّ هذه العجلة، وكأن مجلس الأمن الذي تُـهيمن عليه الولايات المتحدة، كان يتوقّـع نتائج أخرى غير التي تمت معينتها على الساحة اللبنانية.
صحيح أن القرار لا يتطرق إلى موضوع العقوبات، ولكنه يرسل إشارة إلى إيران، أن هذه هي فرصتها الأخيرة لتتحوّل إلى دولة مدنية، حتى مع بقائها “جمهورية إسلامية”، إذا أصبحت مثل باكستان “الإسلامية”، تتخلى عن أصوليتها، ويمكنها حينذاك، ليس فقط الحصول على برنامج نووي وفق مواصفات العولمة الأمريكية، بل قد يُتاح لها أن تعيد بعض مجدها السابق “كشرطي” يساهم في تدعيم أمن المنطقة واستقرارها (خصوصا إذا ما تم استحضار أن المشروع النووي الإيراني في بداياته كان مدعوما بشكل مباشر من واشنطن في عهد الشاه المخلوع) أو أن عليها أن تتوقع ما هو أسوأ مما جرى على لبنان، على قاعدة تبدو مترسّخة في العقل السياسي الأمريكي تفيد بأن “الحرب هي الشكل الأكثر تحضرا للدبلوماسية”!
القفز رأسيا
جاء قرار مجلس الأمن رقم 1696 فيما كانت ايران تنهي آخر مراحل دراسة رزمة الحوافر التي قدمتها لها دول 5+1 في السادس من يونيو الماضي. وهنا لا بد من الإشارة إلى النقاط التالية:
1- القرار يضغط باتجاه أن توافق ايران على رزمة الحوافز ربما في الموعد الذي حددته ايران وهو الثاني والعشرين من الشهر الجاري، لكن في ظل حراب القرار ومن وراء دخان الحرب في لبنان.
2- واذا رفضت ايران ما تسميه بالشروط غير القانونية فان القرار الذي لم يتحدث عن عقوبات، سيزيد من أجواء التوتر في علاقاتها الدبلوماسية والاقتصادية مع الغرب، وسيوجد جوا من عدم الاستقرار لدى الرأي العام، وبذلك يٌلقي القرار بالكرة في الملعب الايراني.
3- القرار 1696 يعكس أن روسيا والصين منحتا الولايات المتحدة ورقة مهمة، فقبل يوم من صدوره قال سرجي لافروف وزير خارجية روسيا إن بلاده سترفض أي تهديد أو تحديد موعد زمني لايران، وسترفض العقوبات عليها، وكذلك كان موقف الصين، إلا أن الاجماع على القرار يُشير الى أن صفقة ما تمت تحت الطاولة بين الدول الكبرى، وعلى ايران – تبعا لذلك – أن تٌقرن أي قرار تتخذه، بهذه الصفقة السرية.
4 – القرار جاء لتعزيز دور الوكالة الدولية للطاقة الذرية الذي أضعفه مجلس الأمن بنقله النقاش حول البرنامج النووي الايراني الى رواقه السياسي في الوقت الذي أقر فيه مديرها محمد البرادعي بأن البرنامج الايراني لا ينطوي على أهداف عسكرية.
المثير في الأمر، هو أن أعضاء مجلس الأمن يعتبرون برنامج ايران السلمي تهديدا للسلام والأمن العالميين، ويؤكدون أن هدف المجلس هو الدفاع عن السلم العالمي، لكنهم يتجاهلون في قرارهم حول لبنان أي ذكر أو إشارة الى المجازر الوحشية التي ارتكبتها اسرائيل بحق الأبرياء اللبنانيين.
ومهما يكن من أمر، فان المؤكد – بعد أن تنجلي غبرة حرب لبنان – هو تلازم مساري القرارين 1696 و1701 من واقع يقول إن القفز رأسيا في الوحل اللبناني، يعزز من فرص ايران في مقاومة الضغوط عليها. وبقدر ماينجح “الدوليون” في تطبيق الممكن من القرار 1701 في لبنان، سيفعلون ذلك في ايران أيضا..
نجاح محمد علي – دبي
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.