دروس الدورة الخاصة لمجلس حقوق الإنسان بالأوضاع في دارفور
أقرت الدورة الخاصة لمجلس حقوق الإنسان حول أزمة دارفور بالإجماع إرسال لجنة تحقيق مكونة من أخصائيين وشخصيات يختارها رئيس المجلس دون إدانة مسبقة للحكومة السودانية.
القرار يعتبر حلا وسطا بين مطالب المجموعتين الغربية والإفريقية كما تستخلص منه الكثير من الدروس عن مدى عقم سياسة المواجهة في مجال حقوق الإنسان.
أخيرا توصل مجلس حقوق الإنسان في دورته الخاصة حول دارفور الى اتخاذ قرار بالإجماع حول موضوع حساس كثر حوله الجدل وتباينت بشأنه المواقف بين مجموعة غربية ترغب في إدانة حكومة السودان انطلاقا مما قيل عن الأزمة الانسانية في دارفور حتى الآن، ومجموعة إفريقية تريد تجنيب حكومة الخرطوم تلك الإدانة بالتشكيك فيما تردد عن حجم المأساة ومحاولة إظهار التحسن المسجل سواء في الميدان السياسي او الإنساني ومدى استعداد الحكومة السودانية للتعاون مع المجموعة الدولية لحل هذه الأزمة.
مواقف متباينة
تعذر توصل المجموعتين الغربية والإفريقية في بداية الدورة الى توافق في الآراء بخصوص مشروعي القرارين المقدمين من الطرفين كان ينبئ بتصعيد ومواجهات أكثر من تلك التي عرفها المجلس في الدورتين الخاصتين السابقتين حول فلسطين ولبنان.
فقد كانت المجموعة الغربية بقيادة فنلندا ترغب في أن تشتمل لجنة التحقيق التي سيتم إرسالها إلى دارفور على عدد من الأخصائيين ومن ضمنهم المقرر الخاص المكلف بأوضاع حقوق الإنسان في السودان. كما كانت تصر على الإشارة الى عدم إفلات مرتكبي الانتهاكات من العقاب . وفي ذلك طلب تحقيق مع إدانة مسبقة في نفس الوقت.
بينما كانت ترغب المجموعة الإفريقية في تجنيب حكومة الخرطوم ان أية إدانة والتشديد على أن تكون دعوة اللجنة من قبل الحكومة السودانية وأن يكون أعضاؤها من ممثلي الدول الاعضاء في المجلس.
وساطة ناجحة
لا شك أن إدراك الأطراف المختلفة بأن سياسة المواجهة قد تفقد مجلس حقوق الإنسان أية مصداقية بعد الفشل المتكرر منذ قيامه في 19 يونيو 2006، هو الذي ساعد رئيس المجلس المكسيكي لويس الفونسو دي آلبا في التوصل الى حل وسط يدمج كلا مشروعي القرارين وينتزع إجماعا من كل الأطراف على إرسال لجنة تحقيق إلى دارفور متركبة من المقرر الخاص المكلف بملف حقوق الإنسان في السودان تضاف له خمس شخصيات يختارها رئيس المجلس بعد إجراء مشاورات مع البلدان الأعضاء.
ولم يرغب الرئيس دي آلبا في لقائه مع الصحافة الإفصاح لا عن هوية هذه الشخصيات او حتى عن الخصال التي يجب ان تتحلى بها. كما أنه استبعد أن تكون للمجموعات الجغرافية أية صلاحية في الاعتراض او استعمال الفيتو. لكن المعروف في مثل هذه الحالات أن الرئيس عند اقتراحه شخصيات سيراعي عدم إغضاب اية مجموعة جغرافية خصوصا إذا أراد أن يحافظ على هذا الإجماع الهش داخل المجلس.
خطوة أولى فقط
بمجرد أن تمت المصادقة على قرار الرئيس بالإجماع في مجلس حقوق الإنسان، سارعت العديد من الدول ومن مختلف المجموعات الجغرافية الى التنبؤ بعودة العلاقات الدولية الى معالجة المشاكل على مستوى العلاقات المتعددة الأطراف بدل المواجهة بين الشمال و الجنوب وبين الدول النامية والدول المتقدمة.
لكن تجدر الإشارة إلى أن ما تم في نهاية الدورة الخاصة ما هو إلا خطوة أولى ولن تُكتمل صحة هذا التنبؤ إلا إذ ما تم اختيار أعضاء لجنة التحقيق بدون مشاكل، وإلا بعد قيامها بعملها وترجمة نتائج عملها على ارض الواقع ولصالح الضحايا.
كما أن صلابة هذه العودة الى اتخاذ القرارات بالإجماع في مجال حقوق الإنسان سوف لن يتم التأكد منها إلا عند إثارة أزمة من أزمات الشرق الأوسط من جديد أمام مجلس حقوق الإنسان لمعرفة ما إذا كان هذا الإجماع الحاصل اليوم حول دارفور، ولو شكليا، بإمكانه أن يتكرر حول أزمات حساسة تمس الصراع الإسرائيلي الفلسطيني والنزاع العربي الإسرائيلي عموما.
استمرار الإجماع ممكن ولكن بشروط
إن التحول في تصرف الدول الاعضاء داخل مجلس حقوق الانسان بخصوص كيفية معالجة القضايا الساخنة هو نتيجة لإدراك تلك الدول على اختلافها بأن أسلوب المواجهة قد يقود الى طريق مسدود. والكل يعرف أن ذلك ليس في صالح حقوق الإنسان. لذلك يمكن القول أن كل الأطراف بدأت تشعر بأن لها مسئولية فيما يحدث من فقدان للمصداقية داخل مجلس أقيم ليستخلف لجنة حقوق الانسان التي اتهمت بفقدان المصداقية.
وإنصافا للحق يمكن القول أيضا بأن هذا الانفراج اليوم هو نتيجة لجهد قامت به جميع المجموعات الجغرافية لترجيح قضية حقوق الإنسان على باقي الاعتبارات الأخرى لأنها وصلت في الى قناعة بأن مواصلة الشد على حبل المواجهة قد يؤدي الى القطيعة.
الدرس المستخلص بالنسبة للمجموعة الغربية التي كانت ترغب في فرض معاييرها من منطلق أنها المدافعة الطبيعية عن حقوق الإنسان وانها فوق كل الشبهات في مجال حقوق الإنسان ، أصبحت اليوم محط انتقاد إن لم يكن لارتكابها انتهاكات في حق مواطنيها، فعلى القل لارتكابها انتهاكات في حق الرعايا الأجانب إما الواقعين تحت احتلالها او بسبب ما يسمى بالحرب ضد الإرهاب. ومن هذا المنطلق أصبح لزاما عليها مراعاة مصالح الكتل الجغرافية الأخرى لتفادي ان تجد نفسها محط إدانة وانتقاد.
كما أن المجموعات الجغرافية العربية والإفريقية والإسلامية ومجموعة دول عدم الانحياز التي استفادت من مزايا التصويت الجماعي واستفادة من تفوقها العددي داخل المجلس لتمرير مشاريع قاراتها ضد إسرائيل، لا يمكنها الاستمرار في الحفاظ على هذا التماسك بتجاهل معاناة الإنسان في دارفور، وإرجاع كل ما يروج عن دارفور من مآس الى مجرد دعاية يقوم بها الأعلام الغربي مثلما فعلت الحكومة السودانية. وهذا الوعي هو الذي دفعها الى التشديد في مشروع قرارها امام الدورة الخاصة على أن في دارفور “أزمة قائمة ويجب مساعدة حكومة السودان على حلها”.
أما الأمين العام لمنظمة الأمم المتحدة والمفوضة السامية لحقوق الإنسان فقد ادركا من جهتهما ان الصمت والتمسك بلغة دبلوماسية تجاه انتهاك حقوق الإنسان معناه المساعدة على استمرارها. لذلك يجب التنويه بما قاله كوفي أنان او لويز آربور أمام الدورة الخاصة بدارفور وما قدماه من تفاصيل عن الانتهاكات المرتكبة والتي يجب وضع حد لها. بل إن المفوضة السامية لحقوق الإنسان ذهبت في خطابها امام الدورة الخاصة الى حد توجيه اصابع الاتهام للحكومة السودانية والقوات السودانية والميليشيات الموالية لها مع الإشارة الى تجاوزات المنشقين ايضا. لكن الملفت في هذا السياق أن هذا الموقف الحازم لم يصدر عن المسؤولين الأمميين اثناء الدورات الخاصة سواء تعلق الأمر بأحداث غزة او بحرب لبنان أو بانتهاكات بيت حانون.
فهل أدرك الجميع أخيرا بأن مصداقية مجلس حقوق الإنسان، وكذلك الدفاع عن حقوق الإنسان لا يمكن ان يتم إلا بالإدانة والتشهير بالتجاوزات وبمرتكبيها أيا كانوا؟ وهل ستصبح من الآن فصاعدا هذه هي طريقة التعامل مع قضايا حقوق الإنسان في مجلس حقوق الإنسان. هذا على الأقل ما يتمناه رئيس المجلس لويس الفونسو دي آلبا ومعه كل من يرغبون في الإرتقاء بمستوى احترام حقوق الإنسان أيا كان هذا الإنسان وفي كل مكان.
سويس انفو – محمد شريف – جنيف
عقد الدورة الخاصة حول دارفور تم بطلب من الأمين العام لمنظمة الأمم المتحدة وناصرته 35 دولة من بين 47 التي يتكون منها مجلس حقوق الإنسان.
دامت أشغال الدورة يومي 12 و 13 ديسمبر 2006 بقصر الأمم في جنيف.
تقدمت البلدان الغربية بمشروع قرار يطالب أن يكون أعضاء لجنة التحقيق من الأخصائيين من بينهم المقرر الخاص المكلف بموضوع حقوق الإنسان في السودان وأن يتم التركيز على عدم إفلات مرتكبي الانتهاكات من العقاب.
بينما تقدمت الدول الافريقية بمشروع قرار يشترط أن تكون لجنة التحقيق تحت رئاسة رئيس مجلس حقوق الإنسان واعضاءها من البلدان الاعضاء في المجلس.
بيان الرئيس الذي تم الاجماع بشأنه واعتمد بدون تصويت ينص على أن يتم إرسال لجنة مكونة من المقرر الخاص حول اوضاع حقوق الإنسان في السودان ومن خمس شخصيات يختارها رئيس مجلس حقوق الإنسان بعد التشاور مع الدول الأعضاء في المجلس.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.