دستور قطر يُتـوّج مسيرة الإصلاح
لم ينتظر أمير قطـر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني هدوء العاصفة التي اجتاحت المنطقة ليعرض مشروع الدستور الجديد على الناخبين للمصادقة عليه في استفتاء شعبي.
وكان الشيخ حمد تعهّـد قبل ثلاث سنوات باعتماد دستور دائم وشكّـل لجنة مكلفة بصياغة مشروع الدستور.
بدأ القطريون المتواجدون في الخارج منذ يومين التصويت على أول دستور في تاريخ بلدهم، وذلك في إطار الاستفتاء الشعبي الذي سيُـجرى في قطـر يوم الثلاثاء 29 أبريل 2003.
وقد بدأت السيارات التي تحمل يافطات تشجع على التصويت بـ “نعم” لمشروع الدستور، تظهر في شوارع الدوحة التي ارتفعت فيها 917 لوحة مؤيدة للدستور إلى جانب معالم زينة بمناسبة هذا الحدث التاريخي في قطر.
كما تعددت الجهات الرسمية والشعبية التي نظّـمت ندوات وحلقات نقاش وحوار مع الجمهور حول أبواب ومواد مشروع الدستور، علاوة على وسائل الإعلام التي حشدت قدراتها للحدث.
وفي الأثناء، حددت اللجنة العامة للاستفتاء في وزارة الداخلية القطرية 100 مركز اقتراع ثابت و25 مركز متحرك ستجوب المناطق النائية في البلاد لضمان إدلاء أكبر عدد من المواطنين القطريين بأصواتهم.
وتوقع المتحدث باسم لجنة الاستفتاء على الدستور إقبالا عاليا على التصويت دون أن يتكهن بنسبة معينة للمشاركة الشعبية. كما أعلن عن مشاركة “أفراد القوات المسلحة، وحاملي الأزياء النظامية والبعثات الدبلوماسية والطلبة في الخارج في التصويت، وكذلك المساجين القطريين الذين توصّـلوا بنسخ من مشروع الدستور.
وفي خطوة لافتة، أُعلِـن أن وزارة التربية والتعليم قررت إدخال التعريف بالدستور في المناهج التعليمية. ويتضمن الدستور القطري الجديد 150 بندا، من أهمها الفصل بين السلطات، (التنفيذية والتشريعية والقضائية)، والمساواة الكاملة بين المواطنين، وهو ما يسمح للمرأة القطرية بالتمتع بكل الحقوق التي يتمتع بها الرجل.
الجُـرأة والخصوصيات
وينص الدستور الجديد على ضمان حرية التعبير والمعتقد وتكوين الجمعيات، لكن النص الدستوري المطروح على الناخبين القطريين لم يُحدّد ما إذا كان مفهوم الجمعيات يشمل الأحزاب السياسية والتنظيمات النقابية.
وفيما يتعلق بالسلطات، ينص الدستور الجديد على إنشاء مجلس شورى من 45 عضوا، من بينهم 30 منتخبون و15 يُعيّـنهم الأمير، سواء من بين الوزراء أومن الشخصيات العامة. وهذا المجلس الذي سيحلّ محل المجلس الحالي المعيّن، سيكون السلطة التشريعية في قطر، حيث يتسنى له تشريع القوانين ومراقبة العمل الحكومي ومساءلة الوزراء وسحب الثقة عنهم، وذلك لأول مرة في تاريخ قطر.
وتضمن الدستور الجديد مادة تنص على عدم جواز طلب تعديله قبل مضي عشر سنوات على العمل به”، وهو ما يتحفظ عليه البعض علانية مثل الشيخ يوسف القرضاوي، في حين يعتبره البعض الآخر ضمانة لتدرج وتثبيت مرحلة مهمة من حياة ديموقراطية سليمة وذات وتيرة متصاعدة.
ورغم طريق الانفتاح والتحديث، فإن الحياة السياسية القطرية ستظل على المدى المنظور خالية من الأحزاب ومن النقابات التي لم ينص الدستور على تشكيلها.
لكن المادة 45 تشير إلى أن “حرية تكوين الجمعيات مكفولة وفقا للشروط والأوضاع التي يبنيها القانون”. ويقول المتحدث الرسمي باسم لجنة الاستفتاء على الدستور السفير محمد جهام الكواري إن “الأحزاب السياسية غير موجودة تاريخيا في المجتمع القطري ولا في المجتمع الخليجي بشكل عام”.
ولا يرى الكواري في غياب الحياة الحزبية نقصا “لأن طبيعة العلاقات بين أفراد المجتمع تخضع لخصوصيات كثيرة ولم تكن في حاجة في الماضي أو الحاضر إلى فرز سياسي أو اجتماعي يبرر ظهور الأحزاب على أساس المصالح كما يحدث في مجتمعات أخرى”. لكن المتحدث باسم الدستور لا يستبعد تماما ظهور جمعيات سياسية مع مرور الوقت.
وفي هذا السياق، يُذكر أن جميع النصوص الدستورية في دول الخليج لا تضمن حرية تكوين الأحزاب أو النقابات، رغم ظهور بعض التنظيمات في شكل جمعيات سياسية في كل من الكويت والبحرين.
طموحات الأميــــر
وكان الأمير الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، الذي تولى مقاليد الحكم في قطر بعد إزاحة والده في صيف 1995، قد استهل حكمه بإلغاء وزارة الإعلام عام 1996 على طريق تثبيت الانفتاح وحرية التعبير في بلد غني لا يتجاوز عدد سكانه 700 ألف نسمة، من بينهم 75% من الرعايا الأجانب والبقية من القطريين الذين تتوفر لهم أغلب وسائل الحياة الكريمة والرفاهية، فلا يهتمون كثيرا بالإصلاح، لكنهم لا يترددون في نقد أداء هياكل الدولة.
كما أنشأ أمير قطر قناة “الجزيرة” الفضائية عام 1996، والتي أصبحت اسما إعلاميا لامعا وسبقا إخباريا في الساحة العربية، التي لم تكن متعوّدة لا على حرية التعبير ولا على الجُرأة والتعمّـق في معالجة الأحداث.
وحقّـقت قطر منذ تولي الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني مقاليد السلطة، والذي أطلقت عليه الصحف لقب “أبو الدستور”، نموا وتطورا اقتصاديا ملحوظا بفضل قدرات ذاتية هائلة، إذ أن قطر تحوي ثالث احتياطي غاز طبيعي في العالم، وكذلك بفضل سياسة جريئة تعتمد على تشجيع المبادرة الفردية والانفتاح على الخارج والاعتماد على جيل الشباب، علما بأن معدل أعمار المسؤولين الكبار في دولة قطر لا يتجاوز 40 عاما.
وتتوقّـع بعض الدراسات أن معدل الدخل الفردي في قطر قد يصل إلى 50 ألف دولار سنويا مع حلول عام 2005، أي التاريخ الذي تبدأ فيه قطر في جني الاستثمارات التي وضعتها في قطاع صناعة الغاز الطبيعي.
وقد ولد الأمير عام 1952 في الدوحة وفقد والدته رضيعاً. وكانت حقبة الستينيات مؤثرة على القادم من عهده، حيث انتمى إلى جيل واجه التحديات العربية والقومية الكبرى، وعاصر مشاريع القومية العربية والاستقلال ومناهضة الإمبريالية.
تخرج الشيخ حمد بن خليفة من كلية (ساند هيرست) العسكرية وتدرج في مناصب عدة إلى أن تمت مبايعته وليا للعهد في عام 1977، وعُـيّن وزيراً للدفاع في التاريخ نفسه. وقد استطاعت قطر منذ توليه الحكم أن تصبح لاعباً بارزاً على الساحتين الإقليمية والدولية. وأصبحت أطراف في المنطقة وخارجها تعتقد أن هذا الدور أكبر من حجم دولة قطر بكثير، لكن المسؤولين القطريين يُذكّـرون دائما وكلما تعرضوا إلى الانتقاد أن “أهمية الدول لا تقاس بحجمها”.
ويعتَـبِـر اغلب القطريين أنفسَهُـم محظوظين بحياتهم وبالرخاء الذي يعيشونه والقدرات والإمكانيات الواعدة لبلدهم. رغم ذلك، فإن كثيرين منهم لم ينسوا المحاولة الانقلابية ضد حكم الأمير عام 1996، أي بعد مرور سنة واحدة على توليه الحكم. وقد تابع القطريون فصول هذه المحاولة عبر محاكمة علنية طويلة ومثيرة لأكثر من مائة متهم في المحاولة.
لكن منذ ذلك التاريخ، لم يعد الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني يجد صعوبة تذكر في التدرج ببرنامج الإصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي، حيث يتطلع الأمير إلى أن يُصبح بلده لاعبا محوريا في المعادلة الخليجية والعربية.
وتضطلع حرمه الشيخة موزة بنت نـاصر المسند بدور مساند أصبحت نتائجه جلية في جل المجالات التربوية والاجتماعية والتنموية، لاسيما ما يتعلق بتنمية المرأة القطرية. وقد حصلت مؤخراً من منظمة اليونسكو على لقب مفوضة فوق العادة لشؤون التربية.
الثوابــت والمتغيـرات
ويعتقد بعض الخبراء أن صغر حجم المجتمع القطري (لا يتجاوز عدد القطريين 170 ألف ساكن)، لا يسمح بحياة حزبية، إذ يرى الدكتور محمد المسفر أستاذ العلوم السياسية في جامعة قطر أن “المجتمع القطري متجانس وأحادي التكوين، فضلا عن ندرة الكثافة السكانية التي لا تتحمل وجود أحزاب سياسية”، بل يعتقد المسفر أن “الحزبية في مجتمع صغير قد تدفع إلى التمحور مرة أخرى حول القبلية في ثوب سياسي”.
رغم ذلك، فإن مشروع الدستور القطري الجديد تضمن العديد من المواد الجريئة التي تكفل الحريات الفردية والعامة، مثل المادة 38 التي تنصّ على أن “لا يجوز إبعاد أي مواطن عن البلاد أو منعه من العودة إليها”.
وفيما يرى السفير محمد جهام الكواري بأن ذلك “يندرج ضمن المعايير الدولية لحقوق الإنسان”، يعتقد وزير العدل السابق الدكتور محمد نجيب النعيمي أنها “مسالة شرعية وقانونية ثابتة في النظم الطبيعية، وبالتالي، فإن الدستور لم يفعل “إلا تثبيت ما هو ثابت”.
ويصف النعيمي هذه المادة بـ “الضعيفة، طالما أنها لم تنص على عدم جواز سحب الجنسية”. ومع ذلك، يردد كثيرون أن الدستور الجديد يشكل نقلة حضارية نوعية في حياة البلاد. ويرى الدكتور محمد المسفر أنه “انتقل بها من البداوة إلى الحضارة”.
وإذ تخطو قطر اليوم على طريق الانفتاح السياسي وسط دعوات دولية، وأمريكية تحديدا، بإصلاح النظام السياسي العربي، فإن السفير محمد جهام الكواري المتحدث الرسمي باسم لجنة الاستفتاء على الدستور ينفي أن تكون لهذه الخطوة علاقة مع الضغوط الأمريكية.
وقال إن “تشكيل اللجنة المكلفة بإعداد الدستور جاء في أغسطس عام 1999، أي قبل فترة طويلة من بدء المطالبة الأمريكية في هذا السياق”. ووصف الكواري الخطوة بأنها “قطرية مائة بالمائة”.
فيصل البعطوط – الدوحة
المساحة: 11.437 كلم2
عدد السكان: حوالي 700.000
القطريون: حوالي 170.000
نظام الحكم: ملكي
رئيس الدولة: حمد بن خليفة آل ثاني
تولى السلطة خلفا لوالده في انقلاب أبيض يوم 27 يونيو 1995
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.