دعم مالي في صالح “نفوذ” سويسرا
دافعت وزيرة الخارجية السويسرية ميشلين كالمي-ري عن السياسة الأوروبية لسويسرا في مداخلة لها أمام الجمهور يوم الثلاثاء 5 سبتمبر في مدينة فريبورغ.
وقد غصت القاعة بالحضور في ندوة نظمت تحضيرا للاستفتاء الذي سينظم يوم 26 نوفمبر القادم للبت في المليار فرنك الذي ستقدمه برن لدعم البلدان العشر التي انضمت حديثا للاتحاد الأوروبي.
وصفت وزيرة الخارجية السويسرية في المداخلة التي ألقتها في مدينة فريبورغ بدعوة من “الجمعية السويسرية لدعم السياسة الخارجية”، السياسة الخارجية التي تنتهجها سويسرا بأنها “سياسة نفوذ وليست سياسة قوى عظمى”.
وكانت الوزيرة وفية في تدخلها لما عهد عنها سواء فيما يتعلق بمظهرها الخارجي او بطريقة عرضها السريعة لدعائم السياسة الخارجية للكنفدرالية.
وقد اكتظ مدرج الجامعة بجمهور غير متجانس من بينهم وزير سابق ونواب في البرلمان ووجهاء كبار وكثير من الطلبة، وأحد الآباء الذي اصطحب معه أبناءه لتلقي درس من دروس التربية الوطنية، إضافة إلى العديد من سكان الأرياف المجاورة.
وقد استمع الجميع في صمت رهيب لمداخلة السيدة ميشلين كالمي-ري من على منصة مدرج يحمل اسم زميلها السابق في الحكومة الفدرالية (الذي شغل منصبي وزير الخارجية ثم الإقتصاد) جوزيف دايس، الذي تقاعد من منصبه في موفى شهر يوليو الماضي والذي كان من أشد المدافعين عن الملف الأوروبي.
من البعيد الى الأقرب
الوزيرة انتهجت في عرضها مبدأ الانطلاق من البعيد للانتهاء عند القريب، إذ شرعت في سرد مشاكل عالم معولم لكي تنتهي عند قضايا تخص سويسرا تحديدا. وتساءلت كالمي-ري عن كيفية الدفاع عن مصالحنا في عالم معقد بهذا الشكل؟ قبل ان ترد بالقول: “إن الجواب يكمن في مجرد طرح هذا التساؤل”.
وقد ركزت بعد ذلك في خطابها على الوضع في سويسرا، هذا البلد الذي هو “محايد وليست لديه أية مخططات أو أهداف خفية”، والذي يجد نفسه وحيدا في مواجهة القوى العظمى، والذي لا ينتمي الى أية أحلاف دولية والذي لن يجد خلاصه إلا في جودة علاقاته الثنائية.
وهذا الوضع يعتبر في نفس الوقت، وسيلة مثلى لانتهاج سياسة مستقلة لتفادي الصراعات ومحاولة إيجاد حلول لها، الأمر الذي سمح للدبلوماسية السويسرية “بالتقريب بين الواقع الدولي وبين متطلبات القانون الدولي الذي راهن عليها بلدنا دوما”.
ومن الدعائم الأخرى التي بإمكانها أن تدعم انتهاج دبلوماسية “براغماتية”: ضرورة إقامة علاقات “وثيقة ومسئولة” مع الاتحاد الأوروبي. وهنا ذكّرت الوزيرة بأن “سويسرا ليس بإمكانها التملص من محيطها الجيو-استراتيجي نظرا لأن بلدان الإتحاد تحيط بها من كل الجهات وهي التي تمنح لها أيضا هذا الشعور بالأمن والاستقرار”.
مليار فرنك .. مثيرة للجدل
الموضوع الأكثر إلحاحا في الأمسية كان مسألة الأموال التي يتوجب على سويسرا تقديمها كدعم لبلدان الاتحاد الأوروبي الحديثة الإنضمام. وقد تعالت ضحكات الجمهور عندما أوضحت الوزيرة بأن “السياسة لا تتسامح في ملف الأموال سواء كان ذلك في سويسرا أو في خارجها”.
وبعد عودة الهدوء إلى القاعة، تطرقت كالمي-ري بلغة الأرقام إلى أن سويسرا سوف دفع 100 مليون فرنك سنويا وعلى مدى 10 أعوام لدعم الدول العشر الحديثة العهد بالانضمام إلى الإتحاد، في الوقت الذي يصل فيه دعم بروكسل لتلك الدول الى حوالي 33 مليار فرنك.
ومن المفترض أن “تعود كل هذه الاستثمارات بالفائدة على الاقتصاد السويسري وعلى سوق العمل في الكنفدرالية”، نظرا لسرعة النمو الاقتصادي الذي تشهده بلدان أوروبا الشرقية إضافة إلى وجود 450 مليون مستهلك في بلدان الاتحاد الأوروبي.
وأضافت الوزيرة أنه إذا ما تمكنا من تخفيف حجم الفوارق القائمة حاليا بين الطرفين على مستوى المعيشة والمداخيل، “فإن مواطني هذه البلدان سوف لن يرغبوا في النزوح الى بلدنا”.
وما أن تم طرح موضوع المليار على الطاولة حتى أبدى الجمهور مزيدا من الاهتمام، إذ لا زال الأمر يحتاج إلى تصويت الناخبين في استفتاء ينظم يوم 26 نوفمبر القادم كان دعا إليه حزب الشعب السويسري (يمين متشدد) لمعارضة القانون الفدرالي المتعلق بشروط التعاون مع بلدان أوروبا الشرقية.
لن يذهب أي فلس إلى بروكسل
وقد أوضحت ميشلين كالمي-ري بأن “الأمر يتعلق بالدرجة الأولى في هذا التصويت بتجديد الأسس القانونية لتقديم دعم للمرحلة الانتقالية في بلدان أوربا الشرقية”، وهي المرحلة التي تم الشروع فيها مع تفكك النظام الشيوعي والتي ستنتهي في عام 2008.
وحذرت وزيرة الخارجية من أن “أي رفض لذلك قد يدفع الى إعادة النظر في كل شيء، ولربما حتى في العلاقات مع الاتحاد الأوروبي عندما يأتي وقت استخلاص الدروس”.
وقد فضلت الوزيرة استخدام مفهوم “تمويل المرحلة الانتقالية” نحو الديمقراطية ونحو حرية الأسواق التي تتماشى ومتطلبات السياسة السويسرية، بدل مفهوم “التكافل” الذي تفضله بروكسل عند الحديث عن علاقتها مع الدول الأوروبية الحديثة العضوية.
وشددت كالمي-ري على أن “هذه الأموال سوف لن تذهب إلى خزينة بروكسل ولا وإلى خزينة أية دولة من هذه الدول، بل ستسمح بمواصلة ممارسة سياسة الدعم المستقلة التي ننتهجها مع هذه الدول وعبر مشاريع عملية واضحة ننجزها داخل هذه المجتمعات”. وأعربت عن أملها في أن “يحسن السويسريون في استفتاء 26 نوفمبر تقدير أين تكمن مصالحهم”.
تجنب الحديث عن الانضمام
وقد أتى وقت طرح الأسئلة التي تمت بشكل هادئ باستثناء سؤال عن سبب “تقديم أموال للخارج بدل صرفها على غاباتنا”، أو تدخل أحد الحضور التي استفاض في إلقاء خطاب مسترسل اثار غضب الحضور بما فيهم الوزيرة نفسها.
لقد كان الوقت ضيقا للتطرق لموضوع انضمام سويسرا الى الاتحاد الأوروبي، هذا الموضوع الحساس والذي برعت الوزيرة في تجاهله. ومهما يكن من أمر – وبالنظر الى قوة تصفيق الحضور- يبدو ان الوزيرة قد نجحت في حملة كسب الدعم التي خاضتها طوال ساعة بالكمال والتمام.
سويس إنفو
إذا قبل الشعب السويسري تقديم هذا الدعم، سيتوجب على برن دفع 100 مليون فرنك سنويا على مدى السنوات العشر القادمة إلى الدول الحديثة الانضمام للاتحاد الأوروبي.
تشتمل السوق التي تتشكل من الدول الخمس والعشرين الأعضاء في الاتحاد الأوروبي على أكثر من 450 مليون مستهلك.
في عام 2005، بلغ فائض الميزان التجاري السويسري مع بلدان أوروبا الشرقية 1،4 مليار فرنك لصالح سويسرا.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.