دوافع الغضب المصري على أوروبا
في خطوة غير مسبوقة تصدر عن دولة عربية موقعة على اتفاق شراكة مع الإتحاد الأوروبي، ألغت القاهرة اجتماع اللجنة المعنية بالمشاورات السياسية بين مصر والاتحاد الأوروبي التي كان يُفترض عقدها يومى 23 و24 يناير الجارى.
كما تضمنت ردة الفعل المصرية الغاضبة على قرار صادر يوم 18 يناير عن البرلمان الأوروبي الناقد لأوضاع حقوق الإنسان فى مصر، استدعاء الخارجية المصرية لسبع وعشرين سفيرا أوروبيا وإبلاغهم رفض القرار، وإعلان البرلمان المصرى وقف التعاون مع نظيره الأوروبي.
جاء رد الفعل المصرى الرسمى سريعا وقويا ورافضا لقرار البرلمان الأوربي الصادر فى 18 يناير الجارى، والناقد لأوضاع حقوق الإنسان فى مصر، والداعى إلى إجراء عدة تغييرات فى مجالات القضاء والمجتمع المدنى وأداء الشرطة وما اعتبره القرار التعصب الدينى، فضلا عن إشارة غريبة المعنى والمحتوى تعلقت بمطالبة مصر بما اسماه القرار وقف العبور غير القانونى للأسلحة والأشخاص والأموال والمواد التى قد تستخدم فى أعمال إرهابية.
إشارة غريبة
الإشارة الأخيرة تحديدا عنت فى التحليل المصرى أن الداعمين للقرار يؤيدون الادعاءات الإسرائيلية فيما يتعلق بقضية الأنفاق وتهريب الأسلحة اسفل الشريط الحدودى بين مصر وقطاع غزة المُحاصر من كل الاتجاهات.
وهو أمر بدا غريبا للغاية نظرا لان النقاط الستة عشر الواردة فى القرار، وإن حاولت أن تربطها بقبول مصر العام ولو ضمنيا بسياسة الجوار الأوروبي الجديد التى تهدف إلى دمج الدول الشريكة مع الاتحاد الأوروبى من اجل تعزيز السلام والاستقرار والديموقراطية ونشر احترام الديموقراطية وحقوق الإنسان، تعلقت بأمور داخلية بحتة كالمطالبة بإصدار تشريعات محلية لوقف التعذيب، وإنهاء التضييق على الإعلاميين والصحفيين والتخلى عن قوانين الطوارئ وإنهاء تدخل الأجهزة الأمنية فى مناحى الحياة المختلفة، وإصدار تشريعات تحقق استقلال القضاء والزعم بوجود اضطهاد للأقباط.
فى حين أن الإشارة الأخيرة ذات الرقم 17 فى القرار تمس علاقات مصر ودولة ثالثة، بل وتحمل مصر مسؤولية ما يجرى على الحدود، وبما يثير الشك فى أن هناك دورا إسرائيليا وراء القرار برمته، وفقا لما المح إليه متحدث وزارة الخارجية، والذى وصف القرار بكونه “هزيلا وغير إلزاميا وليست له تبعات مادية حقيقية”.
صدور برغم التهديدات
القرار صدر رغم تهديدات البرلمان المصرى بوقف التعاون مع البرلمان الأوروبي. والمؤكد أن العدد الضئيل الذى صدر به القرار الأوروبي وإن لم يخلو من مغزى، فهو قد صدر بالفعل وبات وثيقة أوروبية.
فقد صوت للقرار 57 نائبا من بين 59 نائبا حضروا الجلسة، يمثلون أقل من 8% من اجمالى 787 عضوا يشكلون البرلمان الأوروبى، وبما يدل على انه لا يعكس توجها عاما وسائدا لدى أعضاء البرلمان.
ومع ذلك فقد تعاملت مصر مع القرار باعتباره قائما ولم تركن إلى كونه رمزيا اكثر منه سياسيا، ولذا جاء أول رد فعل رسمى بعدم عقد اللجنة المعنية بالمشاورات السياسية بين مصر والاتحاد الأوروبي والمقرر عقدها يومى 23 و24 يناير الجارى، وهى لجنة مشكلة أساسا لتبادل الرأى فى الشئون السياسية وفقا لاتفاقية الشراكة.
ردة الفعل المصرية الغاضبة، تمثلت أيضا فى استدعاء الخارجية المصرية لسبع وعشرين سفيرا أوروبيا وأبلغتهم جميعا رفض القرار ودعتهم العمل على وقفه أو تغييره، وحذرت من تأثيره على مجمل العلاقات المصرية الأوروبية. كما أعلن البرلمان المصرى وقف التعاون مع البرلمان الاوروبى.
دوافع الغضب المصري
هذا الغضب له ما يبرره من المنظور المصرى، فالقرار وإن عبر عن تدخل سافر فى الشؤون الداخلية المصرية، فهو يعطى إشارة بأن حالة حقوق الإنسان فيها أصبحت بالغة التدهور، وهو أمر يتسم بالمبالغة الشديدة ويلغى تماما الجهود التى تبذل رسميا حتى ولو كانت محدودة، وبحاجة إلى متابعة مستمرة.
الرفض أيضا يعود إلى ما يعطيه القرار من انطباع بأن مصر باتت تحت رحمة القوى الخارجية، وذلك بعد فترة وجيزة جدا من قرار الكونجرس بتعليق 100 مليون دولار من المساعدات الأمريكية إلى أن تلبى مصر عددا من الإجراءات فى مجال حقوق الإنسان والقضاء والحدود مع قطاع غزة، وأن تشهد على ذلك وزيرة الخارجية في الإدارة الأمريكية.
وثالثا رفض فكرة أن المساعدات المقررة لمصر فى ظل اتفاقية الشراكة وكذلك فى ظل السياسة الأوروبية المعروفة باسم “الجوار الجديد” قد تستخدم فى الضغط السياسى والمعنوى على الحكومة من أجل إجراء تغييرات سياسية أو قانونية لا يعتبرها النظام ضرورة فى الوقت الحالى، أم أنه اتخذ بالفعل خطوات فى مجالات عديدة لم تجد التقدير الكافي.
حساسية مصرية تاريخيا
جزء من الغضب المصرى يمكن ربطه بالحساسية العالية لدى الحكومة والناس من فكرة ممارسة ضغوط سياسية سافرة على الداخل حتى ولو كان من أجل إجراء تحسين هنا أو هناك. فالشخصية المصرية ما زالت تعيش من الناحية التاريخية فى خبرة مواجهة الاستعمار والبحث عن الاستقلال والكرامة.
وجزء آخر يمكن ربطه بمبادئ شهيرة فى السياسة الخارجية المصرية، وأبرزها عدم ربط المساعدات التنموية بأية شروط سياسية على أي نحو كان، ورفض أن يكون هناك نوع من الرقابة المباشرة لمانحى المساعدات على طريقة صرفها أو إدارتها فى الداخل، أو أن تعطى مباشرة لجهات مدنية بعيدة عن أعين الحكومة.
مساواة نظرية ولكن!
هذه الحساسيات والمبادئ لعبت دورا كبيرا فى مرور وقت طويل جدا اقترب من عشر سنوات من المفاوضات قبل ان يتم التوصل إلى اتفاق الشراكة المصرية الأوروبية، والذى جاء فى صيغته الأولى محملا بشروط سياسية واضحة، وهو ما رفضته مصر إلى أن تم تغيير بعض البنود، والتخفيف من البعض الآخر خاصة ما تعلق بالالتزام المصرى بقبول أى مهاجرين غير شرعيين إلى أوروبا سواء كانوا يحملون جنسيتها أو كانوا غير مصريين ولكنهم انطلقوا منها.
وكان قمة النجاح المصرى أنها جعلت الالتزامات متبادلة لاسيما فى مجال مناقشة أوضاع حقوق الإنسان لدى الطرفين وذلك من خلال تشكيل لجنة للحوار السياسى تعقد دوريا لمناقشة الأوجه المختلفة لقضايا الداخل دون ان يكون لها حق الإلزام والفرض.
وهو ما ساوى نظريا بين حق مصر فى مناقشة وإبداء الرأى فى حقوق الإنسان فى كل البلدان الأوروبية السبع والعشرين وبين قدرة هذه البلدان مجتمعة على إبداء الرأى فى حقوق الإنسان فى مصر. ولكن من الناحية العملية تبدو الالتزامات المتبادلة غير قابلة للتطبيق فعليا.
مرحلة المشروطية السياسية
وحين وقعت مصر بعد عناء طويل من المفاوضات على اتفاقية الشراكة بالأحرف الأولى فى العام 2001، ثم انتظرت ثلاث سنوات أخرى حتى دخلت الاتفاقية حيز التنفيذ، وبعد أقل من عام طلب الأوروبيون الدخول مباشرة فى سياسات الجوار الجديد، والتى تضمنت شروطا قاسية ومباشرة فى المجالين السياسي والاجتماعى، وهو ما أربك المفاوض المصرى خاصة وأن خبرة تطبيق اتفاقيات الشراكة لم تكن قد وضحت بعد.
من المنظور الاوروبى فإن سياسة الجوار الجديد تهدف أساسا إلى نشر سمات الحكم الرشيد، وتعد تعبيرا عن ما يسمى بالجيل الثالث من المساعدات التنموية ذات المشروطية السياسية، وهو ما يبرر به البرلمان الأوروبي قراره الأخير، خاصة وأن الصيغة المطروحة لتنفيذ هذه المساعدات تجعلها مرهونة بمطالب أوروبية معينة فى المجالات السياسية والاجتماعية والتعليمية وغيرها، وفى حال تقاعس الطرف المتلقى لها عن القيام بالتغييرات المطلوبة أوروبيا، يصبح من حق الاتحاد وقف منح المساعدات، وهو ما يزعج الحكومة المصرية بل ترفضه عادة، لكن الرد الاوروبى عادة ما يكون فظا ووقحا عبر صيغة “إما يقبل كله أو يرفض كله”.
فإلى جانب معنى الوصاية السياسية على شأن داخلى بحت، هناك أيضا نوع من الإكراه والاختبار الدائم الذى لا تطيقه النفسية المصرية الجماعية.
صحيح هنا أن بعض القوى السياسية الداخلية كجماعة الإخوان المسلمين التى رحبت بالبند الخاص برفض محاكمة المدنيين أمام المحاكم العسكرية، وجماعات حقوق الإنسان التى تحصل على أغلب الدعم المادى من الاتحاد الأوروبى وتقاوم حالات التعذيب فى أقسام الشرطة المصرية وتدعم فكرة الانتخابات النزيهة والشفافة، رحبت بقرار البرلمان الاوروبى إجمالا وإن تحفظت على جوهر فكرة التدخل الخارجى فى الشأن المصرى الداخلى، لكن يظل هناك مساحة من الرفض للمغزى السياسى الظاهر فى القرار. وهذه نقطة اتفاق نادرة بين الرسمى والشعبى في مصر.
د. حسن أبوطالب – القاهرة
القاهرة (رويترز) – قالت وزارة الخارجية المصرية يوم السبت 19 يناير 2008 ان مصر ألغت محادثات سياسية مع مسؤولين كبار بالاتحاد الاوروبي بعد قرار للبرلمان الاوروبي انتقد وضع حقوق الانسان في مصر.
وقال محللون ونشطاء حقوقيون مصريون ان الحكومة بالغت في رد فعلها بالغاء المحادثات التي كان من المقرر أن تغطي عددا من القضايا السياسية بينها الديمقراطية وحقوق الانسان.
لكنهم اضافوا ان من غير المرجح أن يكون للخلاف تداعيات على المدى الابعد وان ذلك يرجع في جانب منه الى حقيقة أن قضايا مثل العلاقات التجارية أكثر أهمية بالنسبة للجانبين. والاتحاد الاوروبي هو اكبر شريك تجاري لمصر. ووفقا لموقع الاتحاد الاوروبي على الانترنت يمثل الاتحاد الاوروبي 43 في المئة من الواردات المصرية و31 في المئة من الصادرات بما فيها الغاز الطبيعي.
واندلع الخلاف بعد أن وافق البرلمان الاوروبي على قرار يوم الخميس يدعو حكومة مصر الى “انهاء جميع أشكال المضايقات بما فيها الاجراءات القضائية واحتجاز العاملين في وسائل الاعلام وبشكل أكثر عمومية (المضايقات ضد) المدافعين عن حقوق الانسان والنشطين.”
كما دعا القرار الى الافراج الفوري عن الزعيم المعارض أيمن نور وتغيير القوانين الخاصة بالمحاكم العسكرية التي استخدمتها السلطات المصرية في بعض الاحيان ضد المعارضين السياسيين.
واثار القرار ردود فعل غاضبة من الحكومة والبرلمان المصريين.
وقال حسام زكي المتحدث باسم وزارة الخارجية “في ضوء رد الفعل السلبي الذي أحدثه قرار البرلمان الاوروبي الاخير بشأن مصر وما أفرزه من أجواء متوترة فقد قام الجانب المصري باخطار المفوضية الاوروبية بأن انعقاد اللجنة الفرعية للمشاورات السياسية بين الجانبين في المرحلة الحالية ليس ملائما.”
وادان مجلس الشورى المصري (المجلس الاعلى للبرلمان) قرار البرلمان الاوروبي وقال في بيان نقلته وكالة انباء الشرق الاوسط المصرية يوم السبت “ان مصر لم ولن تقبل اية تدخلات في شؤونها الداخلية من اي طرف حتى لو كان صديقا لمصر.”
واضاف البيان ان القرار “خرج بطريقة سافرة عن لغة التعامل والحوار البرلماني واستخدم اسلوبا استعلائيا متعجرفا وهو امر مرفوض تماما.”
والمحادثات هي اجتماعات تستمر يومين للجنة أوروبية مصرية فرعية للشؤون السياسية كان من المتوقع أن تعقد في القاهرة يومي الاربعاء والخميس.
ودعا بعض النواب المصريين الى تعليق العلاقات مع البرلمان الاوروبي.
وتقول جماعات محلية ودولية معنية بحقوق الانسان ان التعذيب يمارس بشكل منهجي في السجون وأقسام الشرطة المصرية. كما ينتقدون الحكومة لشنها حملة ضد المعارضين السياسيين والصحفيين والمدونين الذين يعارضون سياساتها. وتنفي القاهرة حدوث انتهاكات لحقوق الانسان بشكل منهجي.
وقال المحلل السياسي عمرو الشوبكي “الموقف المصري مبالغ فيه وبه درجة عالية من العصبية والتشنج.” وأضاف أن مصر تأمل بالغائها المحادثات في اثناء الاتحاد الاوروبي عن توجيه انتقادات مماثلة في المستقبل.
وقال محمد السيد سعيد وهو معلق سياسي ورئيس تحرير صحفية البديل اليسارية ان القضية لن تضر بالعلاقات الثنائية رغم أن مصر “لن تطبق أي شكل من أشكال الاصلاحات (الديمقراطية).”
وأضاف “المسألة ستهدأ خلال أسابيع وسيعود الجانبان للتفاوض على اتفاقيات (تجارية) جديدة.”
وينتقد نشطاء حقوق الانسان المصريون منذ فترة طويلة الاتحاد الاوروبي لانه لا يضغط على الرئيس حسني مبارك من أجل اتاحة المزيد من الحريات والاصلاحات الديمقراطية. كما ينتقدون الرئيس الامريكي جورج بوش لتخليه عن حملته من أجل الديمقراطية في منطقة الشرق الاوسط.
وقال هشام قاسم النشط البارز في مجال حقوق الانسان “هم (السلطات المصرية) لايزالون في نشوة الحالة أن بوش سيترك المنطقة دون أن يقدر على عمل التغيير الذي يريده في الاصلاح السياسي.”
(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 19 يناير 2008)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.