دوربان: نهاية المطاف أم نقطة البداية؟
انفض السامر .. وبدأت الوفود المتجمعة من مائة وستين دولة في العودة إلى ديارها بعد تسعة أيام من المفاوضات الماراثونية للوصول إلى البيان الختامي للمؤتمر الثالث لمناهضة العنصرية، البعض رآه هزيلا مخيبا للآمال والبعض الآخر اعتبره خطوة إيجابية، وآخرون اعتبروه نهاية المطاف.
الاستعدادات الأولية للمؤتمر في بدايات شهر آب أغسطس كانت مؤشرا على أن ضحايا الرق والعنصرية وسنوات الاحتلال لم يتمكنوا من تكوين جبهة موحدة أمام القوى الاستعمارية التي تعودت دائما على الاستفادة من الفرقة والانشقاق.
ولكن الهروب من المواجهة لا يعني نهاية المعركة أو تغييب الحقيقة، فلا أحد يستطيع انكار الرق والعبودية وأنظمة الميز العنصري، ولا أحد يستطيع محو سنوات الاحتلال من سجلات التاريخ وما صحبها من قهر واستغلال.
وكما الجائع الذي امتدت أمامه طاولة عامرة بما لذ وطاب، بدت الدول الباحثة عن حقوقها أمام هذا المؤتمر، كل يرغب في الفوز بنصيب الأسد وليذهب الآخرون إلى الجحيم، فغاب التنسيق بين أصحاب المصالح المشتركة، و سعى كل للاستئثار بنتائج يراها من زاويته إيجابية.
تطلعات عربية غير موفقة
الجانب العربي أصر على التركيز على ربط الصهيوينة بالعنصرية رغم علمه مسبقا بأنها محاولة محكوم عليها بالفشل، ثم تحول إلى مناورات تركيز الأضواء على القضية الفلسطينية فقط دون غيرها من القضايا فلم تكن خطوة محسوبة العواقب، وأهملت المجموعة العربية، إن كانت هناك بالفعل مجموعة بهذا الاسم، التفاعل مع القضايا الأخرى الهامة في المؤتمر والتي تعني كذلك بلدان المنطقة العربية.
ألم تكن الدول العربية من أقصاها إلى أقصاها ممزقة الأوصال بين فرنسا وبريطانيا وإيطاليا؟ ألم تسلب ثرواتها وذاقت شعوبها ذلا وهوانا على مدى عقود وقرون حتى حصلت على استقلالها؟ فلم أهملت هذا الجانب التاريخي الهام والذي يمكنها بالانضمام مع غيرها من الدول الأفريقية والآسيوية والجنوب أمريكية من تقوية جبهاتها، والاستفادة من تأييدها في القضايا ذات الطابع العربي والإسلامي؟.
المكسب الهام الذي حصل عليه الفلسطينيون من خلال إدانة المنظمات غير الحكومية من جميع أنحاء العالم لسياسة إسرائيل القمعية في الأراضي الفلسطينية، كان في واقع الأمر أقصى ما يمكن الحصول عليه، لا أحد ينكر أهمية القضية الفلسطينية عربيا ودوليا، ولكن ليس من الإنصاف تحويل دفة مؤتمر دولي بأسره إلى اتجاه واحد وتهميش بقية القضايا، وخاصة وأن من المشاركين في المؤتمر من يتصيد فرصة تعكير أجوائه للتنصل من مسؤوليات تاريخية جسيمة، وليطوي ملفات سوداء فتحت رغما عنه في دروبان.
ثم كيف يطالب الطرف العربي بتجميع آراء المؤتمر لإدانة إسرائيل، بينما لم يتمكن فيما بينه من خلال جامعته العربية ومؤتمراته على مدى عام من الانتفاضة من أن يصل إلى بلورة موقف موحد واضح وتلتزم الدول العربية بتنفيذه؟ أليس من قبيل التناقض أن يطالب العرب غيرهم بالوقوف إلي جانبهم، بينما البيت العربي مهلهل من الداخل؟
أوروبا في مواجهة الحقيقة
أما الدول الغربية فقط خرجت من المؤتمر تحاول التقاط أنفاسها من المأزق الذي وقفت أمامه، و ربما لو كانت تلك الدول وخاصة الاستعمارية منها تعرف أن المواجهة ستكون قاسية إلى هذا الحد، لكانت اعتذرت عن الحضور أو عرقلت انعقاد المؤتمر برمته، فالقوى العظمى تعودت على أن تأخذ ما تريده إما بالترغيب أو الترهيب، ولم تسمح أبدا بالاعتراف بجرائمها تجاه الآخرين، ليس تنكرا من ماض تعرفه حق المعرفة وإنما خوفا من المطالبة بالتعويضات، بينما هي التي تعودت على ملاحقة الآخرين بحثا عن تعويضات هنا وهناك، ولكن عندما يأتي عليها الدور، فإنها تحاول الهروب بأية وسيلة.
والغرب الذي تعود على إلقاء الدروس والمواعظ على دول العالم حول حقوق الإنسان واحترامها وينتقد كل انتهاك لحقوق الإنسان أينما وقع خارج أراضيه، بدا عاجزا على مواجهة ماضيه القبيح، وعز عليه أن يتحول إلى صفوف المتهمين، و أكتشف أن عليه ليس فقط أن يعتذر، وإنما أيضا أن يسدد ثمن خطاياه التي ارتكبها في حق أجيال بأكملها.
البيان الختامي الهش لم يكن اكثر من تكرار لما هو مسجل في دفاتر التاريخ، دون ان يشير إلى طرف بعينه بالذنب في الرق والعبودية والعنصرية وسلب ثروات الشعوب.
وعلى الرغم من ذلك اعتبره اليون تين Alioune Tine المحاضر في جامعة داكار و السكرتير العام للمجموعة الإفريقية لحقوق الإنسان RADDF والذي نسق خلال مؤتمر دوربان بين مائة منظمة غير حكومية افريقية، اعتبر البيان الختامي أكثر من رائع و أنه الخطوة الاولى أمام تحرك أوسع لبداية عودة الحق، في الوقت الذي اعتبرته الدول الغربية نقطة النهاية!
سويس إنفو – تامر أبو العينين
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.