دوربان 2.. بصيص أمل في الجهود الدولية لمكافحة العنصرية
ألقت التجاوزات التي جدت أثناء المؤتمر الدولي الذي عقدته الأمم المتحدة لمناهضة العنصرية والتمييز العرقي وكراهية الأجانب وصور عدم التسامح في دوربان عام 2001 بظلالها على التحضيرات الجارية لعقد مؤتمر المراجعة في غضون سنة، بل كادت أن تهدد بنسفه، لكن قرار عقده في جنيف يتيح قدرا لا بأس به من التفاؤل.
فقد قرر المشاركون في المؤتمر التحضيري عقد المؤتمر في شهر أبريل 2009 في جنيف بدل جنوب إفريقيا، وهو ما رحبت به سويسرا خصوصا وأن الدول المعنية توصلت في الأسبوع الأخير من مايو إلى اتفاق حول جدول الأعمال والمواد التي ستتم مناقشتها.
هل يمكن القول إن هذا التطور الإيجابي جاء نتيجة لمظاهر العنصرية والكره للأجانب المتنامية في عالم اليوم وهي بدورها نتيجة للتحولات الكبرى التي يشهدها العالم، وللتغيرات الهائلة التي يتعرض لها الفرد والمجموعات البشرية بسبب تأثيرات العولمة؟
وفي الواقع، أصبحت هذه المظاهر العنصرية والمعادية للأجانب تتأجج من حين لآخر بأشكال مختلفة وفي بلدان الشمال وبلدان الجنوب على حد السواء، وفي البلدان الغنية مثلما هو الحال في البلدان الفقيرة.
ويشير دودو ديان، مقرر الأمم المتحدة المكلف بمناهضة العنصرية إلى أن مظاهر الكراهية والحقد تفاقمت خلال السنوات الأخيرة، وهذا ما دفعه الى التأكيد على أهمية الدور المهدئ الذي قد يلعبه مؤتمر المراجعة لقرارات قمة دوربان، وهي مدينة بجنوب إفريقيا، احتضنت في صيف 2001 أول مؤتمر دولي تنظمه الأمم المتحدة لمناهضة العنصرية وذلك قبل أيام قليلة من هجمات الحادي عشر من سبتمبر.
ولكن تخوف البعض من تكرار الخلافات والتجاوزات التي برزت على هامش مؤتمر دوربان (مثل المظاهرات المعادية لإسرائيل والتي انحرفت نحو شعارات معادية للسامية، وبعض التصريحات الملتهبة لبعض المنظمات غير الحكومية)، أدى ببعض المنظمات والدول إلى الإعراب عن تشككها في الفائدة من عقد مؤتمر تتمثل مهمته في تقييم ومراجعة مدى تطبيق ما جاء في الإعلان وخطة العمل المعتمدة من طرف دول العالم في دوربان.
فقد انسحبت كندا بعدّ من الأشغال التحضيرية لمؤتمر المتابعة هذا، فيما تهدد إسرائيل والولايات المتحدة وفرنسا بإتخاذ نفس القرار.
وكان الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي قد ذكَّر في العاشر من مارس الماضي، لدى استقباله لنظيره الإسرائيلي شمعون بيريز، بأن “أحدا هنا لم ينس التجاوزات التي وقعت في عام 2001 والتي حولت مؤتمر دوربان إلى منصة خطابة غير مقبولة لمهاجمة دولة إسرائيل”، وأضاف قائلا:”سوف لن اقبل تكرار ذلك في عام 2009”.
وأكد الرئيس الفرنسي بأن “فرنسا التي ستتولى رئاسة الاتحاد الأوروبي في النصف الثاني من عام 2008، ستنادي بانسحاب دول الاتحاد من المؤتمر إذا ما لم يتم احترام مطالبها المشروعة”.
أجواء إجماع
رغم كل ما سبق، لا يمكن القول بأن فشل هذا الإجتماع سيكون قدرا محتوما، بل إن الجلسة الأخيرة التي عقدتها اللجنة التحضيرية للمؤتمر الأسبوع الماضي في جنيف تترك الأمل قائما بتحقيق نتيجة إيجابية في نهاية المطاف.
فقد قرر السفراء الأعضاء في اللجنة التحضيرية بالإجماع عقد المؤتمر التحضيري في مدينة جنيف التي تؤوي إحدى مقرات الأمم المتحدة في العالم. ومن غير المتوقع أن يثير هذا الاختيار لمدينة جنيف أية “خلافات إضافية”، حسب المقرر الخاص المكلف بمناهضة العنصرية دودو ديان. فقد كانت جنوب إفريقيا على رأس قائمة الدول الراغبة في استضافة المؤتمر، وهو ما كان يثير خشية بعض منظمات المجتمع المدني.
“وهذا هو الخبر الجيد الأول الصادر عن اللجنة التحضيرية التي تم تنصيبها في شهر أغسطس 2007 تحت رئاسة ليبية”، مثلما ترى الرابطة الدولية لمناهضة العنصرية والمعاداة للسامية، وهي المنظمة غير الحكومية الفرنسية التي أصدرت قبل عدة أسابيع بيانا ملتهبا تهاجم فيه هذا المؤتمر ومجلس حقوق الإنسان الساهر على الإعداد له.
من جهتها، رحبت سويسرا التي ستستضيف هذا المؤتمر والعضو في مجلس حقوق الإنسان، بهذه القرارات الأولى. واعتبرت موريال بيرسي – كوهين، المسؤولة عن ملف حقوق الإنسان بالبعثة السويسرية لدى الأمم المتحدة في جنيف أن “الإطار الذي سينعقد فيه المؤتمر جيد”، في إشارة إلى جدول الأعمال الذي تم اعتماده الأسبوع الماضي في المؤتمر التحضيري.
كما يرى دودو ديان أن “جميع المشاركين اتفقوا فقط على مراجعة كيفية تطبيق قرارات وخطة العمل التي تم الاتفاق عليهما في عام 2001 واللتان لم تثيرا أي جدل”.
ويعتبر المقرر الأممي الخاص أن “هذا الاختيار يعكس رغبة في التزام الإجماع سواء من قبل دول الشمال أو دول الجنوب”، وهذا في وقت أعربت فيه الدول الأعضاء في منظمة المؤتمر الإسلامي مجددا عن الرغبة في إدماج مواضيع مثل التجاوزات التي ارتُكبت باسم محاربة الإرهاب أو الإساءة للأديان
موضوع كثر حوله الجدل
في المقابل، لا زالت إمكانية إعادة طرح أي من هذه المواضيع بشكل أو بآخر قائمة أثناء التفاوض على إعداد الوثائق النهائية لمؤتمر المراجعة الذي سيعقد الربيع القادم في جنيف، وهو ما يعني أن نجاح المؤتمر واحتمال إنهائه بدون مشاكل لا زال أمرا بعيد المنال.
مع ذلك فإن موضوع الإساءة للأديان (أو ثلبها)، وهو الملف الذي يثير أكبر قدر من المخاوف، قد يفقد من طابعه السجالي في نهاية المطاف نظرا لأن هذا الموضوع الشائك أصبح يُتناول اليوم من زاوية “الحث على الكراهية”.
وإذا تم إقرار هذا التوجه، فإن مجلس حقوق الإنسان والخبراء التابعين له لن يوفروا الحماية لدين بحاله ضد أشخاص، (وهو ما تتخوف منه المنظمات غير الحكومية)، بل للأشخاص الذين يتعرضون للتشهير بسبب عقيدتهم الدينية. ويُذكّر دودو ديان بأن “إدانة الحث على الكراهية العرقية والدينية منصوص عليها في المادة 20 من الصك الدولي للحقوق السياسية والمدنية وفي العديد من التشريعات الوطنية”.
دور منظمات المجتمع المدني
السؤال الذي يبقى مطروحا هو ماالذي سيحدث على هامش المؤتمر الذي سيلتئم في جنيف؟، وهل سيكون بإمكان منظمات المجتمع المدني القيام بمثل ما قامت به في دوربان من تحريض على الكراهية وتشهير بالبعض؟
المقرر الخاص حول العنصرية يشدد على أنه “من المستحيل ومن غير المعقول أن يُريد المرء مكافحة العنصرية بدون مشاركة المجتمع المدني لأن مشاركتها حيوية إذ ما أُريد تعبئة الرأي العام”. لذلك يدعو دودو ديان “بضرورة إدماجها في عملية المراجعة لأن هذا الإدماج هو الكفيل بتفادي التجاوزات التي حدثت في دوربان”.
لكن خبيرا حسن الإطلاع على ملف الإستعدادات الجارية لمؤتمر جنيف لا يرغب في الكشف عن هويته، ألمح إلى وسيلة “أكثر نجاعة” للحيلولة دون حدوث التجاوزات، ويذهب إلى أن الميزانية المحدودة التي رُصدت لهذا المؤتمر لن تترك مجالا واسعا لتنظيم منتدى بديل أو مُواز للمنظمات غير الحكومية.
سويس إنفو – فريديريك بورنون – جنيف
(نقله من الفرنسية وعالجه محمد شريف)
تقرر أن ينعقد مؤتمر المراجعة لمؤتمر دوربان ضد العنصرية في جنيف ما بين 20 و 24 أبريل 2009.
طالب الإتحاد الأوروبي ودول غربية أخرى بعقد المؤتمر في أحد مقرات الأمم المتحدة (جنيف أو نيويورك أو فيينا أو نيروبي)، وعلى مدى أيام محدودة لأسباب اقتصادية.
رفضت الولايات المتحدة الأمريكية التصويت على الميزانية التي طلبت الأمم المتحدة تخصيصها للمؤتمر.
كانت قمة الأمم المتحدة لمناهضة العنصرية والتمييز العرقي وكراهية الأجانب وعدم التسامح قد انعقدت في مدينة دوربان بجنوب إفريقيا ما بين 31 أغسطس و 8 سبتمبر 2001.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.