دورة تدريبية لدبلوماسيين عراقيين في جنيف
بدعوة من وزارة الخارجية السويسرية، تلقى 20 دبلوماسيا عراقيا على مدى شهر تدريبا حول تقنية المفاوضات الدولية وخصوصية المنظمات الدولية والأممية.
وكانت الدورة فرصة قدم فيها الدبلوماسيون الشبان، صورة عن تصوراتهم لعراق الغد، ومكنتهم من التعرف على نظام سويسرا الكنفدرالي الذي قد يفيد في بناء بلدهم من جديد.
تقول السيدة جوادالوبي سانتشيز مديرة البرامج بمركز الدراسات التطبيقية في مجال المفاوضات الدولية بجنيف، إن فكرة استقبال عدد من الدبلوماسيين الشباب العراقيين، (عشرة شبان وعشر شابات يمثلون مختلف الوزارات العراقية ومختلف المكونات الدينية والعرقية للبلاد)، جاءت وليدة تزامن “طلب عراقي تقدمت به السلطات العراقية إلى وزارة الخارجية السويسرية أثناء زيارة إلى الكنفدرالية” مع مقترح “تقدمت به الوكالة السويسرية للتعاون والتنمية إلى المعهد الدبلوماسي العراقي من أجل تنظيم دورة تدريبية للدبلوماسيين العراقيين” في سويسرا.
وقد وقع الإختيار على “مركز الدراسات التطبيقية في المفاوضات الدولية بجنيف” المعروف باسم CASIN للإشراف على هذه الفترة التدريبية نظرا لـ “خبرته لأكثر من خمسة وعشرين عاما في تكوين إطارات البلدان التي تمر بمراحل صعبة أو أزمات”، حسب قول السيدة سانتشيز.
وكان المركز قد سهر خلال السنوات العشر المنقضية على تكوين إطارات دبلوماسية شابة وغير شابة لبلدان مثل كوريا الشمالية وأفغانستان وفيتنام وكوبا وألبانيا ومقدونيا وإقليم كوسوفو.
وتشدد مديرة البرامج على أن جميع هذه الدورات التدريبية قد تمت في جنيف من أجل “الإستفادة من الإمكانيات الهائلة التي توفرها جنيف الدولية بمنظماتها الدولية المختلفة، وللسماح للمتدربين من هذه الدول بوضع هذه المحافل الدولية في الصورة عن اهتمامات ومشاغل بلدهم”.
ثلاثة محاور
وتعترف السيدة سانشيز بأن اختيار برنامج تدريب مقبول بالنسبة لبلد “هو في طور التكوين”، على حد قولها، لم يكن بالأمر السهل خصوصا وأن هناك من كان يطالب بانتظار ما بعد الانتخابات. وتضيف مديرة البرامج في المعهد بأنه نظرا للطابع الاستعجالي فقد تم اختيار التوجه الى الدبلوماسيين الشباب”، على حد تعبيرها.
وقد تم التركيز في الدورة التي استمرت أربعة أسابيع على ثلاثة محاور وهي التعريف بالنظام الدولي وبمؤسسات الأمم المتحدة ونشاطاتها وبما يمكن أن تسهم به في تنمية وتطوير بلد مثل العراق، والتعريف بالمؤسسات المتخصصة في التجارة والتنمية مثل منظمة التجارة العالمية ومؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية، وأخيرا الأسس التي يجب ان تقوم عليها السياسة الخارجية لعراق الغد والتي يجب ان ترتكز على قواعد الديموقراطية وحقوق الإنسان والحكم الرشيد.
طموحات وآمال بعراق جديد
أما الفكرة التي تحتفظ بها السيدة سانتشيز، مديرة البرامج بالمركز، عن هذه المجموعة من الدبلوماسيين العراقيين الشبان فتتلخص في ذلك “الأمل الذي عبرت عنه هذه الشبيبة بخصوص مستقبل واعد في العراق بدون إغفال للتحديات الجسيمة، والتعبير عن عزمهم المشاركة في بناء هذا العراق الجديد ولو ان النظام المثالي لم يتحقق بعد”.
وفي أحاديث خاصة مع سويس إنفو، عبر الدبلوماسيون العراقيون الشباب عن انطباعاتهم وآمالهم فقال زيد العاني مثلا : “ما تعلمناه عن فن المفاوضات سوف لن تكون فيه فائدة لنا فقط بل سنعمل على نشره ونقله لباقي الزملاء بالوزارات المختلفة خدمة لتطوير بلدنا كي يصبح بلدا في مصاف الدول ويعيش في سلام”.
أما زينة حميد فتشير إلى أن “الخصوصية التي نعود بها إضافة إلى ما قيل عن فن المفاوضات، كوننا تعلمنا كيفية صنع القرار ، وعلميات حفظ السلام، وما معنى القانون الدولي وكيف يمكن التعامل به مع بقية الدول. وكدبلوماسيين سيوضع على عاتقنا تمثيل البلد وإدارة سياسته، ونتمنى أن يستفيد غيرنا من التجربة التي عشناها نحن”.
من جهته، حرص عوازن غازي على التأكيد على الطابع التمثيلي للفريق المشارك في هذه الفترة التدريبية من حيث الطوائف العرقية والدينية المختلفة بدون الرغبة في التفريق بين سني وشيعي ومكتفيا بالقول “أننا كلنا عراقيون”. كما ثمن كون نصف المشاركين هن من السيدات اللواتي قال “إنهن تميزن في آدائهن على ما قدمه الذكور في هذه الدورة التدريبية”.
أما بان فضلي، فترى أن “الجديد بالنسبة لها، والذي يخرج عن الكليشيهات المعتادة عن سويسرا مثل الجبن والساعات والشكلاطة، يتمثل في هذه الطريقة في تقديم الدروس ونقل المعلومات بطريقة عملية بالنسبة لأشخاص سيواجهون قوميات متعددة، كما سمحت لنا كعراقيين بالاحتكاك بطلاب وأساتذة المعهد الدبلوماسي في جنيف”.
ورأى محمد خلاف أن الدورة التدريبية “سمحت بتطوير طريقة التفاوض بين الوزارات العراقية نفسها بحكم أن التمثيل من مختلف الوزارات، كما أن الزيارة التي تمت لمقر وزارة الخارجية السويسرية في برن سمحت بربط صلات وعلاقات بالمسؤولين هناك، وهو ما سمح بإعطاء فكرة عن أن هناك شبابا عراقيا يملك الكفاءات الفكرية والعلمية ويتقن لغات متعددة”.
من جهتها تؤكد “علاء الشمري” أن الصورة التي نقلها هؤلاء الدبلوماسيون الشباب، هي “صورة العراق الحقيقي وليس ما تتناقله وسائل الإعلام رغم الأوضاع الأمنية السائدة حاليا”، ولم تتردد في توجيه نداء إلى كل العراقيين المغتربين “من أجل العودة إلى العراق والإسهام في إعادة البناء”.
ونقلت “كاني محمد” مشاعر الذين قابلوا وفد الدبلوماسيين الشباب هنا في جنيف وقالن إنهم كانوا “يصابون بصدمة لرؤية شباب عراقي مثقف ويتصرف بشكل طبيعي ويحاول إيصال صورة حقيقية عن الشعب العراقي، تختلف عن الصورة المتداولة هنا والتي تصور العراقيين على أن غالبيتهم غير مثقفة وغير متجانسين فيما بينهم”. وأضافت بأن “الصورة التي نقلناها هي غير ذلك وكل ما نريده هو عراق واحد ولا نفكر في عراق بدون وحدة، ونرد على كل من يسألنا بأننا عرقيين وبس”.
اتهامات للإعلام
من جهة أخرى، انتقد الدبلوماسيون الشبان العراقيون الطريقة التي يصور بها الإعلام الدولي عراق اليوم. إذ ترى زينة حميد مثلا أن هناك إعلاما “يحاول تصوير الأمور بأنها عادية لتفادي مساعدة الشعب العراقي، وهناك إعلام آخر لا يقدم إلا ما هو سلبي” ويحاول تقديم الشعب العراقي على أنه “شعب همجي ومتخلف وعبارة عن مجموعة كلها عصابات وكلها إرهابيين وسراق”.
أما بان فضلي فتحدد بأن “بعض القنوات من منطلق تعاطفها مع الشعب العراقي تقتصر في التغطية على الصراع الدائر في العراق سواء مع الخارج أو الصراع الداخلي والانقسامات الطائفية التي به”، وتقول بأن تواجد الوفد الدبلوماسي في مدينة دولية مثل جنيف “سمح بإعطاء صورة مغايرة تجمع في تآلف وتجانس بين كل الطوائف وكافة الأديان”.
وفيما تشير كاني محمد من جهتها إلى ظاهرة تتمثل في “تجاهل هذا الإعلام لكون مؤسسات عراقية هي في طور البناء على غرار ما يتم في وزارة الخارجية”، اعتبر زميلها محمد خلف، أن من “مسؤولية الصحفي النزيه محاولة الإسهام في بناء هذا العراق الجديد”.
عراق جديد على الشاكلة السويسرية؟
وتوضح زينة حميد أن “عراق الغد الذي نطمح له هو عراق ديموقراطي، يجمع كل الطوائف ويتقبل فيه كل شخص بدون أي تشنج أو غضب رأي الآخرين. عراق يبنى بأيدي العراقيين بالدرجة الأولى ولو بمساعدة من الخارج”، وتطالب في نفس الوقت بأن يكون العالم “صبورا قليلا على العراقيين لأنه من غير الممكن التحول بين عشية وضحاها”، حسب قولها.
من جهتها تقارن بان فضلي بين ما اطلعت عليه في سويسرا وما تطمح لتحقيقه في عراق الغد وتشير إلى أن ذلك تم التمكن من تحقيقه بعد مئات السنين، أما العراق فهو في بداية خروجه من “تجربة شتتت أجزائه وأنهكته”. ومع اعترافها بأنه من غير الممكن تحقيق معجزة بين يوم وليلة، فإنها لا تتمنى أن “يستغرق الأمر مئات السنين”.
كاني محمد ذكرت بأن كل المشاركين في الدورة التدريبية عبروا في استمارة المشاركة قبل القدوم إلى جنيف عن الرغبة في التعرف على خصوصية النظام الفدرالي. وهو ما تم التطرق له في العديد من اللقاءات التي تمت في جنيف وبرن، وهو ما تقول أنه سيستفاد منه لتطبيق ما يمكن تطبيقه في العراق.
وذكرت علاء الشمري بأن السيد مارتين إيشباخر، السفير السويسري في بغداد، نشط ندوة بالمعهد الدبلوماسي في بغداد حول النظام الفدرالي لتمكين الدبلوماسيين العراقيين بتشكيل فكرة عن خصوصياته ومميزاته.
وتلخص بان فضلي حصيلة ما ستحتفظ به عما تلقته من دروس عن قيام النظام الفدرالي في سويسرا بصورة “ثلاثة أشخاص اتحدوا من أجل تأسيس كيان مع احتفاظ كل منهم بهويته وبالالتزام بالدفاع عن حرمة وهوية شريكيه في حالة اعتداء خارجي. وهاهي اليوم ثلاثة وعشرون دويلة هي التي تقوم على أساسها الكنفدرالية السويسرية” حسب تعبيرها.
وعند توجيه السؤال إلى بان فضلي وزملائهافي الدورة: “هل هذه الرغبة موجودة لدى العراقيين من أجل إقامة نظام مماثل؟”، أجابت (ومن ورائها كل الزملاء): “أكيد إنها موجودة لدى كل عراقي يرغب في رؤية العراق في مصاف غالبية الدول. ويا حبذا لو تكون مقاربة للنتيجة وللتجربة المثالية للكنفدرالية السويسرية”.
محمد شريف – سويس إنفو – جنيف
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.