“دولة واحدة لشعبين” تحاول شق طريقها
انطلقت في سويسرا يوم الأربعاء 23 يونيو فعاليات مؤتمر دولة واحدة لشعبين، تجمع تحت سقفها الفلسطينيين والإسرائيليين بنظام علماني ديموقراطي، يتعايش الجميع في ظله سواسية دون فرق بسبب العرق أو الدين.
وكما أن هذه الفكرة ليست سهلة التنفيذ .. لم يكن انعقاد المؤتمر في مدينة لوزان سهلا.
الترقب والإنصات هما السمتان الغالبتان على المشاركين في أعمال هذا المؤتمر، حيث من المفروض أن يكونوا جميعا من مؤيدي تلك الفكرة، وأن تكون الأوراق المطروحة فيه تحمل دعما فكريا كبيرا له.
خليط الحاضرين من فلسطينيين ويهود جاؤوا من داخل إسرائيل وخارجها، وبعض مؤيدي المشروع من الأمريكيين والأوربيين قدموا في مداخلاتهم الأسباب والمبررات التي تحث على النظر إلى تلك الفكرة مجددا بشكل واقعي ومنطقي.
وقد حرص منظمو المؤتمر على عدم إقران اسم مدينة لوزان في مداخلاتهم بعد أن أعلنت بلدية المدينة عن عدم رغبتها في إضافة اسمها على أية وثيقة تصدر عن المؤتمر كـ”إعلان لوزان” أو ما شابه ذلك، مستندة في ذلك إلى عدم دعم الحكومة الفدرالية السويسرية له بشكل رسمي، وتضامنا مع “مبادرة جنيف” التي ترى فيها الخارجية السويسرية تطبيقا لرؤيتها لحل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.
ويقول السيد عوني أحمد من اللجنة المنظمة للمؤتمر في حديثه إلى سويس انفو بأن اسم لوزان لا يشكل عنصرا هاما في فعاليات المؤتمر أو الإعلان الذي سيصدر في ختامه، بل الأهم هو “تدشين المبدأ وتحويل الفكرة إلى واقع يتعامل معه المؤيدون من الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي في المقام الأول بحكم انهما المعنيان بالأمر بشكل مباشر، مع من يتعاون معهما سواء من الشخصيات العامة الدولية أو منظمات المجتمع المدني الداعية إلى إنهاء الصراع الفلسطيني الإسرائيلي بشكل عادل”، والأهم حسب رأيه “أن تحمل الوثيقة الختامية اسم هدفها”.
المساواة والعدل والحق
مداخلات اليوم الأول من المؤتمر ركزت على الجوانب التاريخية لأرض فلسطين، وكيف أنها لم تعرف التقسيم على مدى الحقب والعهود السابقة وذكرت بأنها كانت تضم تحت سمائها أبناء جميع الأديان السماوية، وفي هذا السياق ندد المتدخلون بعنصرية النظام الحاكم في إسرائيل في التعامل مع الفلسطينيين دون تمييز بين انتماءاتهم الحزبية أو ميولهم القومية.
كما خلص المتدخلون إلى أن الدولة الواحدة تقضى على هذا الميز العنصري وتضع حدا لمعاناة الشعب الفلسطيني بشكل يضمن له العيش بصورة طبيعية في ظل دولة تضمن ديمقراطيتها المساواة والعدل بين الجميع مع تمتعهم بكل الحقوق التي تضمنها دولة ذات سيادة وقانون.
وقد لوحظ تكرار كلمات “المساواة والعدل والحق” في مداخلات اليوم الأول، مع التشهير المتكرر بـ”عنصرية الدولة الصهيونية” كفكرة، دون التعرض لليهودية كديانة، ويبدو أن ذلك جاء لدحض الاتهامات التي صاحبت الإعداد للمؤتمر بأنه يضم بعض الأشخاص المعادين للسامية، مما دفع بعض الجهات في سويسرا إلى النظر إليه بعين من الريبة والشك والبحث عن احتمال وجود “أجندة خفية” له.
البحث عن الآلية
ويقول السيد عوني أحمد وهو سويسري من أصل فلسطيني وإحدى الشخصيات المؤسسة لهذا المؤتمر في رده على تلك الإعتراضات، بأن المتهمين ليسوا من الهيئة التأسيسية للمؤتمر وانما من المشاركين فيه لقناعتهم بفكرة الدولة الواحدة، فضلا عن أنهم من معتنقي الديانة اليهودية، فكيف يمكن تصديق أنهم معادون للسامية؟ ويتابع “إذا ثبت أن أحد المشاركين أو داعمي الفكرة، قد صدر ضده حكم قضائي بتهمة معاداة السامية فسيتم اقصاؤه أيضا”.
إلا أن البروفيسور محمود موسى الفلسطيني الأصل قال في مؤتمر صحفي عقد على هامش اليوم الأول من المؤتمر، بأن جميع المشاركين في المؤتمر مقتنعون بالفكرة وهم على قناعة بأن عقبات كثيرة وكبيرة في انتظارهم، فغالبية الفلسطينيين والاسرائيليين ليسوا على قناعة بامكانية الوصول إلى الهدف.
وفي نفس الندوة، قال مشارك يهودي (رفض الافصاح عن هويته)، بأن الهدف من المؤتمر يتمثل في “البحث عن الآلية الجادة للوصول بالفكرة إلى الهدف، وأن الفرصة جيدة لان نسبة كبيرة من الجانبين الفلسطيني والاسرائيلي على قناعة تامة بعدم وجود أية حلول أخرى في الوقت الراهن”، ومن ثم – حسب رأي المتحدث – “يجب استغلال هذه الفجوة لتنشيط الفكرة وكسب مؤيدين لها بمرور الوقت”.
في انتظار الآليات
كل هذه الافكار تبحث عن آليات قوية لتحريكها، وكان واضحا أن أغلب الحاضرين ركزوا على ضرورة البدء من الداخل الاسرائيلي، لاستقطاب مؤيدين جدد لها، لا سيما مع وجود فراغ سياسي كبير في اسرائيل وملل المواطن العادي من الحلقة المفرغة التي يدور فيها الصراع.
من جهة أخرى، ذهب متدخلون آخرون إلى أن أن وجود عرب 48 داخل اسرائيل خير دليل على امكانية تحقيق ذلك عمليا، على الرغم من أنهم لا يتمتعون في الوقت الحاضر بنفس الحقوق التي يتمتع بها مواطنو الدولة من اليهود، حسب قول بعض المشاركين من عرب اسرائيل.
أخيرا، تبقى الكثير من الأسئلة مفتوحة في انتظار البيان الختامي للمؤتمر (الذي من المفترض أن يصدر مساء الجمعة 25 يونيو)، وبعده، ومن المؤكد أن ردود الفعل لن تنقطع، خصوصا وأن الفكرة كما قال الكثيرون ليست جديدة، ولكنه المؤتمر الأول الذي يتناولها بشكل عملي وموسع.
فهل سينجح منظمو الؤتمر في اجتذاب المزيد من الأنصار والمؤيدين للفكرة؟ أم سيتمكن معارضوه من استغلال ثغراته لوأدها نهائيا؟
تامر أبو العينين – لوزان – سويس انفو
تراوح عدد الحاضرين في المؤتمر ما بين 100 و 150 شخصية
أغلب الحاضرين كانوا من عرب 48، وفلسطينيي الشتات، وتعذرت مشاركة 27 شخصية من المناطق الفلسطينية المحتلة.
واجه المؤتمر انتقادات حادة بسبب اصراره على دعوة شخصيات متهمة بالعداء للسامية والعنصرية.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.