الإعلام المُستقل والمرأة ضحايا لتضييق مجال المشاركة في عُمان
من المقرر أن تُصدر محكمة الإستئناف العُمانية يوم 7 نوفمبر المقبل حكما قضائيا نهائيا على ثلاثة صحفيين، بعدما قررت محكمة الدرجة الأولى في 26 سبتمبر الماضي حبسهم، ثم أفرج عنهم مؤقتا في العاشر من أكتوبر الجاري. وشكل حبس الصحفيين الثلاثة وغلق صحيفتهم مؤشريْن بارزيْن على تدهور أوضاع الحريات في السلطنة، التي يلفّ الغموض الحالة الصحية لحاكمها قابوس بن سعيد، وهو أقدم زعيم عربي ما زال يعتلي سدة الحكم منذ 1970.
وكانت السلطات اعتقلت في شهر يوليو الماضي رئيس تحرير صحيفة “الزمن” المستقلة ابراهيم المعمري ومدير تحريرها يوسف الحاج ومسؤول قسم الأخبار المحلية فيها زاهر العبري، بتهمة “نشر معلومات حول قضية فساد داخل جهاز القضاء”. ثم أصدرت محكمة مسقط الإبتدائية حكما بالسجن ثلاث سنوات على كل من المعمري والحاج مع غرامة كبيرة، إضافة إلى منعهما من ممارسة مهنة الصحافة لمدة عام، فيما نال العبري حكما بالسجن عاما واحدا مع غرامة مالية. ثم عادت المحكمة وأفرجت عنهم بكفالة وخفضت قيمة الكفالة من 50 ألف ريال عُماني (117500 يورو) إلى ألفي ريال (4700 يورو) لكل من المعمري والحاج. إلا أن الأخطر من ذلك أن قرار المحكمة قضى أيضا بإغلاق الصحيفة نهائيا.
وقبل انتظار صدور الأحكام في قضية “الزمن”رابط خارجي، تم الإفراج مؤقتا عن الكاتب العُماني حمود الشكيلي بعد أن قضت المحكمة الابتدائية بمسقط يوم الثلاثاء 18 أكتوبر 2016 بسجنه ثلاث سنوات، إضافة إلى غرامة مالية تقدر بـ 1000 ريال عماني. واستند قرار المحكمة إلى اتهام الشكيلي بمخالفة المادة 19 من “قانون جرائم مكافحة تقنية المعلومات”، كما قضى القرار القضائي بمصادرة “الأجهزة المستخدمة في الجريمة” ودفع مبلغ 5000 ريال للكفالة. أما “الجريمة” فهي قصيدة نثرية نشرها الكاتب باعتبارها حلقة من كتاب يعتزم نشره، واعتقلته على إثرها السلطات الأمنية في 14 أغسطس 2016.
من جهة أخرى، أفرجت السلطات الأمنية عن الكاتب الدكتور سعود الزدجالي ظهر يوم الأربعاء 19 أكتوبر الجاري، بعد حوالي أسبوعين من احتجازه، دون توجيه أية تهمة، بحسب صحيفة “البلد” الألكترونية المستقلة.
تراجع عائدات النفط
يُشكّل تراجع عائدات النفط الذي يصل إنتاج عُمان منه إلى حوالي مليون برميل في اليوم، أحد مصادر الضغط الرئيسة على موازنة الدولة ما ضيق من هامش المناورة وأوجد مطالب اجتماعية مُلحة تتعلق أساسا بالتشغيل ومجابهة غلاء الأسعار. ولا تُساعد الصعوبات المماثلة التي تُواجهها دول الخليج الأخرى على التفكير في تقديم العون للسلطنة، خاصة في ظل الأعباء الكبيرة التي تتحملها الدول المشاركة في حرب اليمن.
كابوس 2011
في الواقع، تُعتبر سلطنة عُمان من أكثر بلدان مجلس التعاون الخليجي انغلاقا، فالإعلام فيها يخضع لسيطرة السلطات، التي تُراقب أيضا مختلف مظاهر العمل الأهلي ولا تسمح بانتقاد المسؤولين، وهو ما جعل منظمة “مراسلون بلا حدود” تُصنفها في المرتبة 125 على جدول التصنيف العالمي لحرية الصحافة للعام الجاري، والذي يشمل 180 دولة.
وأشار إعلامي عُماني شاب اختار اسما مُستعارا له “منصور الزواوي”، إلى أن وسائل الإعلام العُمانية تلقت تعليمات بالإمتناع عن تغطية محاكمة صحافيي “الزمن” ومحاكمة الشكيلي أو التعليق عليهما. وطالب الزواوي في تصريح لـ “swissinfo” بالسماح للصحيفة بمعاودة الصدور وإسقاط التهم الموجهة للصحفيين الثلاثة وللشاعر الشكيلي.
ويدلُ التعاطي المتشدد مع الإعلام المستقل على مخاوف السلطات من تطوُر نفس احتجاجي جديد يُعيد البلد إلى أجواء المظاهرات التي اندلعت في ولاية صُحار (شمال) غير بعيد عن الحدود المشتركة مع دولة الإمارات العربية المتحدة في سياق الربيع العربي بين يومي 17 يناير و 6 مايو 2011، ثم انتقلت إلى صلالة عاصمة ولاية ظفار، حيث احتل المتظاهرون ساحة الولاية على مدى أشهر، وصولا إلى العاصمة مسقط.. وقال علي باقيس المقيم حاليا في الخارج والذي شارك في المظاهرة الأولى يوم 17 يناير، التي أطلق عليها اسم “المسيرة الخضراء”، إن مطالب الاصلاح التي رفعها المتظاهرون خلال تلك الأحداث (ومن بينهم سيدات)، أمام مُجمّع الوزارات في العاصمة مسقط، مازالت عالقة ولم يُحقق منها شيءٌ إلى اليوم.
وفي تصريح لـ”swissinfo”، ذكر باقيس بأن الحركة الإحتجاجية استندت على المادة 29 من النظام الأساسي للدولةرابط خارجي التي تتعلق بحرية الرأي والتعبير والمادة 32 المتعلقة بحق المواطنين في التجمّع ضمن إطار القانون. وأوضح أن مواقع التواصل الإجتماعي مثل تويتر وفايس بوك، لعبت دورا مهما في تعبئة الناس للمشاركة في المظاهرات، ومن بينها اعتصام شبابي في محافظة ظفار المُتاخمة لليمن، يوم 25 فبراير2011 للمطالبة بإصلاحات سياسية واقتصادية واجتماعية. ومن الشعارات التي يذكرها باقيس “الشعب يريد الإصلاح” و”العدالة للجميع” و”كلنا شركاء في الوطن” و”يدا بيد مع السلطان ضد الفساد”، ومطالب أخرى تتعلق بإيجاد فرص عمل للعاطلين وزيادة مستحقات الضمان الإجتماعي وإصلاح النظام التعليمي.
استثناء يُؤكد القاعدة
تُعتبر صحيفة البلد رابط خارجيالإلكترونية المستقلة صوتا يحظى بالمصداقية في المشهد الإعلامي العُماني وتُصدرها “شركة البلد للحلول الرقمية” منذ 7 مايو 2012، بالإعتماد على فريق مهني متمرس. إلا أنها صوتٌ نشاز في ظل سطوة الإعلام الموالي، الذي اعتاد على إخفاء المعلومة أو تمويهها والركون إلى اللغة المتخشبة.
إصلاحات محدودة
للوهلة الأولى، بدا أن السلطات قد تكون استخلصت الدروس من تلك الحركة الإحتجاجية واتجهت نحو توسيع المشاركة الشعبية وإقرار إصلاحات لامتصاص موجة الغضب، بمناسبة الإنتخابات التي حلَ أوانها في السنة نفسها (2011)، فأعطت صلاحيات تشريعية ورقابية جديدة لمجلس الشورىرابط خارجي الذي كان يقتصر على دور استشاري. غير أنها عادت إلى التضييق من جديد في الإنتخابات التي أجريت في 25 أكتوبر 2015، إذ استُبعد منها سبعون مرشحا من بينهم ثلاثون لأسباب أمنية. كما استمر تهميش المرأة على رغم مشاركتها البارزة في الإحتجاجات، إذ لا توجد في مجلس الشورى الحالي سوى سيدة واحدة من أصل عشرين خُضن السباق.
من جهته، يعزو الأكاديمي العُماني سعيد سلطان الهاشمي تعثر تجربة الإصلاح في بلده إلى تجريم السلطات تكوين الأحزاب السياسية وحظر الحركات الإجتماعية والنقابية غير الموالية لها منذ سبعينات القرن الماضي، مُوضحا أنها لم تُرخص للنقابات إلا اعتبارا من سنة 2006 وبشكل مُقنن جعلها خاضعة لوزارة القوى العاملة. وأضاف في دراسة نشرها أخيرا “مركز الجزيرة للدراسات” أن السلطات “فرضت بالتوازي مع ذلك قبضتها الحديدية على مناهج التعليم في المدارس والكليات والجامعات، بل إن منصب وزير التربية والتعليم شغله لفترة طويلة نائب رئيس الإستخبارات، كما بسطت السلطة رقابتها على وسائل الإعلام والتواصل الإجتماعي وضربت حق التجمع السلمي ومنعت المظاهرات والوقفات الإحتجاجية والإضرابات”.
مع ذلك، اعتبر الإعلامي عبد الملك جحيدر أن اللوحة ليست بهذه القتامة وقال لـ swissinfo.ch إن الاصلاحات تتقدم ببطء شديد أحيانا، لكنها تسير إلى الأمام مُستدلا على ذلك بأن “نسبة التغيير في مجلس الشورى العُماني للفترة الثامنة بلغت 70 في المائة، وبأن فئة الشباب هي التي كانت الغالبة على سن المرشحين الذين راوحت أعمارهم بين 30 و45 سنة، إذ شكلوا 65 في المائة من إجمالي المرشحين”. غير أن منتقدي السلطات يُشيرون إلى أن عدد المرشحات في اTنتخابات، على سبيل المثال، تراجع من سبعين مرشحة في عام 2011 إلى عشرين فقط في سنة 2015 لم تفُز منهن بعضوية مجلس الشورى سوى سيدة واحدة، ما يدل على ضعف المشاركة السياسية للمرأة العُمانية بالرغم من مستواها الثقافي الجيد.
معضلة الخلافة
هناك من يعزو الحذر الشديد للسلطات العُمانية من توسيع دائرة المشاركة إلى طبيعة السياق الإقليمي المُتسم بحروب أهلية وصراعات عرقية في كل من اليمن المجاورة وسوريا والعراق، بما يعني الحرص على النأي بالبلد عن امتداد لهيب الحرائق المشتعلة في المنطقة إليه.
وما يزيد الوضع العُماني دقة أن اليوم التالي لوفاة السلطان قابوس بن سعيد (75 عاما) مازال يلفُه الضباب، إذ لا يوجد وريث للعرش فليس للسلطان أبناء ولا أشقاء، وأبناء عمومته هم الأقرب إليه، فيما وضعُه الصحي ما انفك يتدهور ما اضطره للتخفيف من أنشطته منذ إدخاله للمستشفى في ألمانيا عام 2014 للعلاج من سرطان القولون.
وبموجب الدستور العماني الصادر في 1996 يُسمي السلطان خليفته، الذي يجب أن يكون ذكراً من الأسرة المالكة (البوسعيدي) في رسالة تُفتح في مجلس العائلة. وإذا ما تعذر على مجلس العائلة تسمية خليفة في غضون ثلاثة أيام من فراغ السلطة، يتعيّن على مجلس الدفاع أن يؤكد خيار السلطان بالتشاور مع رئيسيْ مجلس الدولة ومجلس الشورى (مجلس استشاري) إضافة إلى رئيس المحكمة العليا وأقدم اثنين من معاونيه.
من هذا المنظور، تبدو إجراءات غلق صحيفة “الزمن” ومحاكمة مُحرريها الثلاثة يوم 7 نوفمبر المقبل مُندرجة في سياق محاولة تضييق مجالات المشاركة السياسية وإبقاء الوضع تحت السيطرة الكاملة خشية اندلاع اضطرابات على خلفية مرض السلطان والإستعداد لاحتمال رحيله.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.