مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

التوائم الرقمية والديمقراطية: هل يقف العالم على أعتاب ثورة في صناعة القرار السياسي؟

التوائم الرقمية
زائرة تستكشف تقنية التوائم الرقمية من خلال مشاهدة نسخة افتراضية من قلبها، خلال المؤتمر العالمي للجوال في برشلونة 2024. (Keystone-SDA)

تعتبر التوائم الرقمية من العوامل الأساسية في تحقيق مستقبل أكثر تقدماً وذكاءً، وفقاً لأهل الخبرة في هذا المجال. وفي إطار هذا التحول الرقمي، اقترح أستاذ سويسري بالتعاون مع زميله الأمريكي فكرة مبتكرة تتمثل في استعمال هذه التقنية لتغيير ملامح الديمقراطية، ليس في سويسرا فحسب، بل على مستوى العالم، مما يتيح فرصاً جديدة نحو نموذج سياسي أكثر تطوراً، يتماشى مع العصر الرقمي. 

في عصر يتسارع فيه التحول الرقمي، أصبحت التوائم الرقمية تُحدث ثورة في العديد من الصناعات، إذ تمثل نموذجاً افتراضياً متقدماً للواقع، قادراً على محاكاة الكيانات الحقيقية بدقة غير مسبوقة. وتوسّعت قدرات هذه التقنية مع التقدم الكبير في الذكاء الاصطناعي، مما جعلها أداة فعالة في مجالات الطب، والصناعة، والحوكمة، وحتى في إعادة تشكيل النظم الديمقراطية. 

ولطالما وُجدت النماذج الحاسوبية، لكن التطور الكبير في قدرات المعالجة الحاسوبية اليوم، هو الذي أتاح للذكاء الاصطناعي إعادة إنتاج الواقع بدقة تضاهي الأصل. ويتمثّل الجديد في هذا الأمر في أنّ هذه النماذج لم تعد تقتصر على محاكاة ماضي الشخص أو الكيان الذي تمثله، بل أصبحت قادرة على محاكاة كافة العوامل البيئية والضغوط التي قد تؤثر فيه، مما يمنحها قدرة غير مسبوقة على التنبؤ بالسيناريوهات المحتملة، وتحليل تأثير المتغيرات المختلفة. 

التوائم الرقمية تحقق تطوراً في الطب… فهل تمتد تأثيراتها إلى السياسة؟ 

لم تخض إحدى العدّاءات السباق وحدها في ماراثون نيويوركرابط خارجي العام الماضي، بل رافقها توأم رقمي لقلبها، النموذج الحاسوبي المتطوّر الذي يحاكي وظائف القلب وأداءه في الوقت الفعلي. فخضعت العدّاءة لفحص شامل لمسح بنية قلبها ووظائفه قبل انطلاق السباق، ثم غُذي نظام ذكاء اصطناعي متقدم بهذه البيانات. وخلال السباق، تمكن الفريق الطبي من مراقبة استجابة قلبها للإجهاد البدني لحظة بلحظة، مما وفّر رؤية غير مسبوقة حول تأثير الجهد المكثف على عضلة القلب. 

لكن لم تكن مجرّد المراقبة غاية هذا البحث الأسمى، بل التنبؤ بمستقبل القلب الطبي. ويسعى العلماء والعالمات إلى فهم كيفية استجابة القلب في مختلف الظروف؛ سواء كان ذلك تحت تأثير الإجهاد البدني، أو عند تلقي دواء أو علاج معين. فإذا نجحت التوائم الرقمية في تقديم إجابات دقيقة لهذه التساؤلات، فقد تكون على أعتاب إحداث ثورة في عالم الطبرابط خارجي، إذ ستتيح للأطباء والطبيبات محاكاة تأثير العلاجات مسبقاً، مما يمكّن من اتخاذ قرارات علاجية أكثر دقة وفعالية، تمنح المرضى والمريضات رعاية شخصية مصممة خصيصاً وفقاً للاحتياجات. 

ويأمل الكثير من السويسريين والسويسريات أن تكون التوائم الرقمية مفتاحاً لمستقبل طبي أكثر تطوراً ودقة، إذ يرى هؤلاء فيها فرصة لتحسين التشخيص، والعلاج، والارتقاء بمستوى الرعاية الصحية. وقد كشف استطلاع تمثيلي أجرته جامعة زيورخ رابط خارجي(ETH) عام 2023، تأييد 62% من المشاركين والمشاركات في استخدام هذه التقنية في المجال الطبي، مما يعكس تفاؤلاً متزايداً بإمكاناتها في إحداث تحول جذري في فهم الأمراض والتعامل معها، وصولاً إلى رعاية صحية مخصّصة لكل مريض ومريضة وفق الاحتياجات الفردية لكلٍّ منهما. 

المزيد

لكن لا يقتصر اهتمام العلماء والعالمات بتقنيات المحاكاة المدعومة بالذكاء الاصطناعي على إحداث ثورة في مجاليْ الطب والتقنية، بل يمتد ليشمل حماية الديمقراطيات وتعزيز قدرتها على الصمود. وفي هذا السياق، أُطلق مشروع “توين4ديم” (Twin4Dem)رابط خارجي، الذي تشرف عليه جامعة إيراسموس في روتردام، بهدف تحليل أسباب تراجع الديمقراطية وابتكار آليات لمواجهتها. ويستند المشروع إلى محاكاة الأنظمة السياسية باستخدام بيانات حقيقية، فيعيد إنشاء بيئات سياسية متكاملة تشمل عمل الحكومات، والبرلمانات، والمحاكم، والمجتمع المدني في دول مثل جمهورية التشيك، وفرنسا، والمجر، وهولندا. ومن خلال هذه المحاكاة، يسعى الباحثون والباحثات إلى فهم العوامل المساهمة في تراجع الديمقراطية، وكيفية حدوث هذا الانحدار، بهدف تطوير استراتيجيات تحمي الديمقراطيات من التآكل، وتعزز قدرتها على التكيف مع التحديات المستقبلية. 

وبمجرد التمكّن من تحديد الجهات والعوامل المسؤولة عن تراجع الديمقراطية، سيعمل هؤلاء على وضع استراتيجيات لإعادة تصميم المؤسسات، فتصبح أكثر مرونة وقوة في مواجهة التحديات. ويهدف هذا النهج إلى تعزيز استقرار الديمقراطية وضمان استدامتها، فتبقى قادرة على التكيف مع التغيرات السياسية والاجتماعية، وتحافظ على دورها الفاعل في حماية حقوق المواطنين والمواطنات وترسيخ مبادئ الحكم الرشيد. 

وبينما يهدف مشروع “توين4ديم” إلى تحليل الأنظمة الديمقراطية، وفهم آليات عملها باستخدام التوائم الرقمية، يسعى أستاذ اقتصاد سويسري إلى استكشاف إمكانات هذه التقنية في ابتكار نموذج ديمقراطي جديد كلياً، أطلق عليه اسم “الديمقراطية المدعومة”، حيث يمكن للتوائم الرقمية أن تلعب دوراً محورياً في دعم العمليات الديمقراطية، وتوجيه القرارات السياسية بطريقة أكثر دقة وفعالية. 

توائم المواطنين والمواطنات الرقمية: حماة الديمقراطية المحلية؟ 

هانز
هانز غيرسباخ، أستاذ الاقتصاد الكلي في المعهد التقني الفدرالي العالي بزيورخ Keystone / Michael Buholzer

يرى هانز غيرسباخ، أستاذ علم الاقتصاد الكلي في المعهد التقني الفدرالي العالي بزيورخ (ETH Zurich)، وزميله الأمريكي سيزار مارتينيلي، أن المستقبل قد يشهد تحولاً جذرياً في مفهوم المواطنة، فيقترحان فكرة ثورية تقوم على منح كل فرد توأماً رقمياً خاصاً به، أطلقا عليه اسم “المواطن الرقمي التوأم” (Digital Twin Citizen). 

ومع مرور الوقت، ستصبح توائم المواطنين والمواطنات الرقمية أكثر انسجاماً مع الآراء السياسيّة والقيم الأخلاقيّة لنظرائها الحقيقيين والحقيقيات، إذ ستتعلم من مواقف هؤلاء من القضايا المختلفة وتتكيّف معها. وبناءً على تحليل كم هائل من المعلومات الدقيقة، ستتمكن من اتخاذ قرارات أولية في الاستفتاءات بالنيابة، مما يتيح للمواطنين، نساء ورجالا، رؤية استباقية لكيفية تأثير خياراتهم على العملية الديمقراطية، ويمهّد الطريق نحو نموذج جديد لاتخاذ قرار سياسي، قائم على المعرفة والتحليل العميق. 

وستُجرى الاستفتاءات على مرحلتين من التصويت؛ ستشارك التوائم الرقمية في الجولة الأولى، مُدليةً بأصواتها نيابة عن المواطنين والمواطنات الحقيقيين والحقيقيات. وبعد ذلك، ستُنشر النتائج لتُناقش علنا، مما يفتح المجال أمام الحوار العام وتبادل وجهات النظر. ولكن لن تكون هذه النتائج ملزمة، بل ستُستخدم كمؤشر استرشادي يعكس توجهات الرأي العام. 

وبعد إثارة نتائج تصويت التوائم الرقمية نقاشاً عاماً حول المسألة المطروحة للتصويت، سيحصل هؤلاء على فرصة للتصويت الذاتي رقمياً. وفي هذه المرحلة، سيكون لكل فرد من الرجال والنساء، الحق في مراجعة القرار الأولي الذي اتخذه التوأم الرقمي بالنيابة وتعديله، مما يضمن أن يكون الخيار النهائي انعكاساً دقيقاً للقناعات الشخصية والقرار  الواعي. 

إنقاذ الديمقراطية المحلية 

يقول مارتينيلي في تصريح لموقع ” سويس إنفو” (SWI swissinfo.ch): “يسعى مشروعنا إلى حماية الديمقراطية على الصعيد المحلّي”. ويوضّح مواجهة المواطنين والمواطنات في الأنظمة التي تعتمد إلى حد بعيد على الاستفتاءات المتكررة، مثل سويسرا وكاليفورنيا، صعوبة في اتخاذ قرارات مستنيرة بشأن القضايا المحلية والإقليمية، نظراً لعدم توفر المعلومات الكافية عنها. ويعزو ذلك إلى تركيز وسائل الإعلام بشكل متزايد على القضايا الوطنية، مما يؤدي إلى تهميش القضايا المحلية، وترك هؤلاء أمام قرارات معقَّدة دون دعم معرفي كافٍ. لذلك، يسعى المشروع إلى تخفيف العبء الذهني عن الأفراد عبر تقديم آلية ذكية تساعد على اتخاذ قرارات أكثر وعياً ودقة، دون الحاجة إلى متابعة ذاتيّة لكل التفاصيل السياسية. 

ويشرح مارتينيلي أن الجولة الأولى من التصويت تُشبه “استطلاع رأي مستنير”، لكنها تتجاوز ذلك بدقة وعمق أكبر. فتحلّل التوائم الرقمية في هذه المرحلة، البيانات وتتخذ قرارات مبدئية، مما يمنح المواطنين والمواطنات فرصة لفهم كيفية معالجة الذكاء الاصطناعي للمعلومات والتوجهات التي استخلصها بناءً على الحقائق المتاحة. فتُكتسب، من خلال الاطلاع على هذه النتائج الأولية، رؤية أوضح حول الخيارات المطروحة وتأثيراتها المحتملة، مما يساعد على اتخاذ القرارات النهائية بوعي أكبر في الجولة الثانية من التصويت. 

واستعرض الاقتصاديان فكرتهما حول “الديمقراطية المدعومة” في نشرة المعهد الاقتصادي السويسري “كوف” (KOF)،رابط خارجي التابعة للمعهد التقني الفدرالي العالي بزيورخ، فقدّما نموذجاً محدثاً يهدف إلى تحسين جودة القرارات الديمقراطية، وتعزيز كفاءة العملية الانتخابية. وفي هذا النموذج، لن يكون هناك مجال لادعاء اتّخاذ القرارات بناءً على العاطفة، أو الافتقار إلى التفكير بعيد المدى، أو الاعتماد على معلومات غير كافية. كما يقوّض الحجج القائلة بافتقار المواطنين والمواطنات إلى الحافز لاتخاذ قرارات مستنيرة، إذ تعمل التوائم الرقمية على تحليل البيانات بدقة، مما يساعد الأفراد، من الرجال والنساء، على التفاعل مع المعلومات بشكل أعمق، واتخاذ قرارات أكثر وعياً وإدراكاً خلال الاستفتاءات والعمليات الديمقراطية. 

التداعيات العالمية لرقمنة الديمقراطية المباشرة 

يعتقد كل من مارتينيلي وغيرسباخ أنّ تقنية التوائم الرقمية لا تقتصر فقط على إحداث تحول في نموذج الديمقراطية المباشرة في كاليفورنيا أو سويسرا، بل تمتلك أيضاً القدرة على جعله أكثر جاذبية لبقية دول العالم. ويريان أن هذه الفكرة قد تمهد الطريق لتوسيع نطاق تبني هذا النموذج عالمياً، مما قد يؤدي إلى إعادة تشكيل أساليب المشاركة الديمقراطية على مستوى أوسع. 

المزيد
كامالا هاريس

المزيد

التضليل الإعلامي في سويسرا والولايات المتحدة خطر يتهدد “الديمقراطيتيْن الشقيقتيْن”

تم نشر هذا المحتوى على مثلما هو الوضع في الولايات المتحدة، تواجه الديمقراطية المباشرة في سويسرا سيلا غير مسبوق من المحتوى الرقمي الزائف المعزز بخداع تقنيات الذكاء الاصطناعي مما يشكل تهديدا للفئات الناخبة على المستوى العالمي.

طالع المزيدالتضليل الإعلامي في سويسرا والولايات المتحدة خطر يتهدد “الديمقراطيتيْن الشقيقتيْن”

ويوضح مارتينيلي أن توائم المواطنين والمواطنات الرقميّة ستستقي معلوماتها من المصادر نفسها، التي يعتمد عليها نظراؤها الحقيقيون ونظيراتها الحقيقيات عند اتخاذ القرارات، ما يجعلها انعكاساً مباشراً لطرق التفكير وأنماط الاطلاع. ومع ذلك، لا يوجد ضمان مطلق بعدم تأثّر الذكاء الاصطناعي بالمعلومات المضللة أو الدعاية السياسية. لكن يرى مارتينيلي أنّ تدريبه على رصد المحتوى المضلّل وتمييزه ممكن، مما قد يحدّ من تأثير المعلومات غير الدقيقة، ويساهم في جعل العملية الديمقراطية أكثر موثوقية وموضوعية. 

ويظهر سيزار إيدالغو حماساً كبيراً لفكرة التوائم الرقمية، فعبّر قائلاً: “أنا سعيد برؤية المزيد من الرجال والنساء يعملون على تطوير هذه الأفكار”، وذلك خلال حديثه مع موقع سويس إنفو عن مفهوم غيرسباخ ومارتينيلي. وقد أصبح إيدالغو، أستاذ في جامعة تولوز، معروفاً منذ بضع سنوات بعد محاضرة له في “تيد” (TED)، طرح فيها فكرة جريئة تتمثل في استبدال السياسيين والسياسيات بتوائم المواطنين والمواطنات الرقمية. ولن تبقى هذه الابتكارات، في اعتقاده، مجرد أفكار طموحة، بل ستصبح أكثر شيوعاً في المستقبل، مما قد يؤدي إلى دور متزايد للتوائم الرقمية في تطوير العملية الديمقراطية وتعزيز كفاءة صنع القرار. 

ويتابع إيدالغو قائلاً: “أعتقد أن يدفع نمو الذكاء الاصطناعي المتسارع المزيد من الأشخاص، من الرجال والنساء، إلى التفكير في كيفية استخدام المساعد الرقمي، لتعزيز المشاركة المدنية في العملية الديمقراطية واتخاذ القرارات السياسية. وينبغي علينا تشجيع حرية التفكير، وإفساح المجال للتجارب والابتكار في هذا الميدان”. 

مخاوف بشأن الأتمتة وأمن البيانات 

ويبدو أن فكرة إدارة الديمقراطية من خلال “توائم المواطنين والمواطنات الرقمية” أشبه برؤية مستقبلية جريئة، لكنها لا تخلو من التساؤلات والجدل. فقد يساور البعض القلق بشأن احتمال تمكن الحكومة من الوصول إلى النسخ الرقمية التي تعكس الآراء السياسية، مما يطرح مخاوف جدية حول الخصوصية وأمن البيانات، ومدى استقلالية القرارات في نظام ديمقراطي قائم على الذكاء الاصطناعي. 

كما قد تثير الديمقراطية المدعومة بالذكاء الاصطناعي مخاوف أخرى تتعلق بأتمتة عملية صنع القرار. فقد يتساءل البعض: لماذا ينبغي بذل الجهد لاتخاذ قرار مختلف إذا كان التوأم الرقمي قد قام بذلك بالفعل؟ قد يثير هذا المفهوم القلق أيضاً، لأن الوعي السياسي قد يصبح، بطريقة أو بأخرى، وظيفة موكلة إلى نظام يعمل تلقائياً، مما يعني أن المشاركة السياسية الفردية قد تُستبدل بعملية تشغيل آلية، تفقد فيها الديمقراطية عنصرها البشري الأساسي. 

لكن يردّ مارتينيلي على هذه المخاوف بنبرة مطمئنة، موضحاً أن التوائم الرقمية لن تعمل بشكل مستقل أو تلقائي بالكامل، بل ستُواءَمُ مع المؤسسات والقوانين الخاصة بكل بلد، لضمان تكاملها مع الأنظمة الديمقراطية القائمة. 

ويشير إلى إمكانيّة النظر إليها بالطريقة نفسها التي يُتعامل بها مع عملية فرز الأصوات في الانتخابات، فتقوم بوظيفة أساسية لصالح السلطات الانتخابية، لكنها تظل خاضعة للتنسيق والرقابة المستمرة من قبل الجهات المختصة، مما يضمن نزاهتها وشفافيتها، ويمنع أي تجاوزات قد تؤثر في سلامة العملية الديمقراطية. 

ويشدد مارتينيلي على نقطة جوهرية تتعلق بالدور البشري في اتخاذ القرار، موضحاً أنه رغم الاعتماد على التوائم الرقمية كأداة مساعدة، يظلّ “القرار النهائي” بيد المواطنين الحقيقيين والمواطنات الحقيقيات. فلا يسعى هذا النموذج إلى استبدال الإرادة البشرية، بل يهدف إلى تمكين الأفراد من تحليل البيانات بشكل أعمق واتخاذ قرارات أكثر وعياً، مع إمكانية مراعاة عوامل لم يأخذها التوأم الرقمي في الاعتبار، مثل السياق الاجتماعي أو حتى البعد الوجداني. هذا علما بأن القرارات السياسية لا تؤخذ بناءً على الحقائق وحدها، بل تتأثر أيضاً بالعوامل الإنسانية والانفعالية. 

المزيد
غراسات الدماغ

المزيد

التكنولوجيا العصبية الذكية: علاج للأمراض المزمنة أم تهديد للخصوصية العقلية؟ 

تم نشر هذا المحتوى على يمكن للتكنولوجيات العصبية التي تدمج الذكاء الاصطناعي أن تعالج الأمراض، ولكنها أيضًا تغيّر العقل وتقرأ الفكر. تُبذل في سويسرا جهود لتنظيمها.

طالع المزيدالتكنولوجيا العصبية الذكية: علاج للأمراض المزمنة أم تهديد للخصوصية العقلية؟ 

ورغم جرأة هذه الفكرة وطموحها، لم يقدم غيرسباخ ومارتينيلي أي بحث علمي يدعم هذا المقترح حتّى الآن، مما يشير إلى أنه لا يزال قيد النقاش والتطوير النظري، دون وجود تطبيق عملي أو تجارب حقيقية. 

ويؤكد غيرسباخ، الذي يشغل أيضاً منصب المدير المشارك للمعهد الاقتصادي السويسري (KOF)، أن إدماج “توائم المواطنين والمواطنات الرقمية” في الأنظمة الديمقراطية المباشرة، لا يزال يتطلب قدراً كبيراً من البحث والدراسة، قائلاً: “ومع ذلك، من الواضح أيضاً أن هناك حاجة إلى أبحاث مكثفة لتطوير توائم رقمية موثوقة للمواطنين والمواطنات، والاستعداد لإدماجها في الديمقراطيات المباشرة”. كما يشدد على ضرورة تطور الديمقراطيات لمواكبة المتغيرات والتحديات التي تواجهها”. 

وفي ملخص بحثه المنشور في المجلة العلمية “الاختيار الجماعي والرفاه”رابط خارجي (Social Choice and Welface)، يكتب غيرسباخ أن الرقمنة والذكاء الاصطناعي، إلى جانب التحديات التي تفرضها الأنظمة السلطوية، ستضع الديمقراطية أمام سلسلة من التحديات خلال “العقد الثالث من القرن الحادي والعشرين”، تحديات “ستجبرها على إعادة ابتكار نفسها”. ويستعرض في هذا البحث، أشكالاً مختلفة من الابتكار الديمقراطي، مؤكداً أن هذه التحولات لن تكون مجرد عقبات مؤقتة، بل ستفرض على الديمقراطية التكيف مع واقع جديد لضمان استمراريتها في مواجهة التطورات التقنية والسياسية المتسارعة. 

وإلى جانب فكرة “توائم المواطنين والمواطنات الرقمية”، يقترح غيرسباخ نموذجاً ديمقراطياً مبتكراً آخر يُعرف باسم “التصويت التقييمي”، الذي يقوم على المفهوم الأساسي نفسه، لكنه يختلف في آلية إثارة النقاش العام. فبدلاً من أن تصوّت التوائم الرقمية أولاً لإطلاق النقاش حول القضايا المطروحة، يعتمد هذا النموذج على اختيار مجموعة من الأشخاص اعتباطيا، ولكن بطريقة تمثيلية تعكس تنوع المجتمع. تُستطلع آراء هذه المجموعة لتقديم لمحة عن توجهات الرأي العام، مما يتيح إجراء نقاش موسّع حول القضية قبل التصويت النهائي، دون الحاجة إلى استخدام التوائم الرقمية لتعكس قيم المواطنين والمواطنات. 

ولا يُرجّح أن تحظى فكرة الديمقراطية المعتمدة على توائم المواطنين والمواطنات الرقمية بتأييد واسع بين السويسريين والسويسريات في الوقت الراهن. فقد أظهر استطلاع أجرته جامعة زيورخ حول استخدام هذه التقنية في المجال الطبي، معارضة 87% من المشاركين والمشاركات فرض امتلاك توأم رقميّ، مما قد يعقّد إدخالها في الأنظمة الديمقراطية أكثر في المستقبل القريب. 

المزيد

تحرير: مارك ليفينغستون

ترجمة: جيلان ندا

مراجعة: عبد الحفيظ العبدلي

التدقيق اللغوي: لمياء الواد

قراءة معمّقة

الأكثر مناقشة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية