الديمقراطية المباشرة تُكتسبُ بالممارسة
تبديد سوء الفهم المحيط بالنظام السياسي السويسري من طموحات "دليل الديمقراطية المباشرة في سويسرا وخارجها" الذي أصدره حديثا "معهد المبادرة والاستفتاء في أوروبا".
برونو كاوفمان، أحد مؤلفي الكتاب، يشرح في لقاء مع سويس انفو الطبيعة العصرية والميزة الشعبية لهذه الديمقراطية التي تُشرك المواطن في عملية اتخاذ القرار.
برونو كاوفمان الذي شارك في تأليف الكتاب هو أيضا رئيس معهد “المبادرة والاستفتاء في أوروبا” غير الحكومي الذي يوجد مقره في مدينة أمستردام الهولندية. وقد أنشأ هذا المعهد عام 2001 كمنظمة مستقلة غير نفعية، وبات يتمتع بسمعة مركز التفكير “think tank” حول الديمقراطية المباشرة في أوروبا.
السيد كاوفمان الذي يعيش في السويد منذ سنوات طويلة شرح في حديث مطول مع سويس انفو تصوره لنظام الديمقراطية المباشرة في سويسرا وأبرز الطموحات التي دفعت المعهد إلى صياغة الدليل الذي نشر يوم الثلاثاء 14 ديسمبر الجاري.
سويس انفو: سويسرا وديمقراطيتها المباشرة تصدرتا عناوين الصحف مؤخرا بسبب معرض سويسري مثير للجدل في باريس. الفنان توماس هيرشهورن انتقد في المعرض بعض جوانب نظام الديمقراطية المباشرة في سويسرا. ما هو رأيكم في ذلك؟
برونو كاوفمان: أثارت هذه القضية نقاشا مفيدا حول ما يريده المواطنون السويسريون وكيف يعبرون عن حاجياتهم، وكيف تعمل مؤسسات الديمقراطية المباشرة في هذا البلد.
سويس انفو: خلافا للفنان السويسري، يركز كتابكم على الجوانب الإيجابية للديمقراطية المباشرة.
برونو كاوفمان: نحن نهدف إلى تقديم وجهة نظر متوازنة. نريد أن نظهر أن الديمقراطية المباشرة حقيقة تعمل كل يوم ولا تؤدي إلى كارثة أو إلى فوضى. لكننا نعبر عن شكوكنا حول استعمال الديمقراطية المباشرة عندما يتعلق الأمر بمنح الجنسية. (في بعض المناطق السويسرية، يقرر الناخبون بالفعل مصير طلبات منح الجنسية). ويثير الكتاب أيضا قضايا حول فشل سويسرا في التوفيق بين نظام الديمقراطية المباشرة ومقاربة أكثر نشاطا وانفتاحا إزاء أوروبا.
سويس انفو: من جهة ثانية، ترفضون التصورات الشعبية في سويسرا القائلة إن الديمقراطية المباشرة بطيئة للغاية أو أن المواطنين ليسوا دائما مؤهلين لاتخاذ القرار.
برونو كاوفمان: هذه من ضمن محاورنا الرئيسية. الديمقراطية المباشرة ليست ممارسة يحسنها شعب أفضل من شعب آخر. إنها تتعلق بالهياكل المؤسساتية وكيفية استعمالها. أن المواطنين يكتسبون الخبرة عبر المشاركة في الديمقراطية المباشرة، والتعلم هنا يأتي من الممارسة. إنه لأمر أساسي إظهار أن بطء بعض الأمور في نظام الديمقراطية المباشرة ليس بالضرورة شيء سلبي. البطء يمكن أن يكون امتيازا، فهو يحول دون التسرع في اتجاه معين، ثم السير لاحقا في اتجاه معاكس تماما.
سويس انفو: ما هي أهم أبرز ميزات وفضائل النظام السويسري؟
برونو كاوفمان: لا يوجد أسلوب سويسري واحد. الديمقراطية المباشرة تختلف من منطقة لأخرى، وحتى من مجموعة لأخرى في سويسرا. لكن يمكن القول إن النظام السويسري صديق للمواطن بشكل مذهل. إنه شكل من الحكم الذي يتيح لأقليات كثيرة العيش معا وحل المشاكل بدون اللجوء إلى الحرب. ويبدو أن للديمقراطية المباشرة تأثير إيجابي على الرفاهية. الناس يعرفون بوضوح ما هم بحاجة إليه. المواطن الفرد هو أكثر من مجرد مستهلك. فهو يدرك أكثر حاجيات المجتمع الذي يعيش فيه. وأذكر على سبيل المثال، اعتماد التوقيت الجديد لقطارات هيئة السكك الحديدية الفدرالية. لقد ذهلت بالعدد الهائل للأشخاص الذين اعتبروا العملية شيئا يعنيهم مباشرة.
سويس انفو: لقد عشتم في السويد لسنوات طويلة. هل لا تميلون إلى إضفاء طابع مثالي على أسلوب الديمقراطية السويسري؟
برونو كاوفمان: تتعلق المسألة بوجهة النظر التي تختارها. عندما يعيش المرء في سويسرا، يتعود على انتخابات كثيرة، وقد يميل إلى رؤية المشاكل المرتبطة بالديمقراطية المباشرة. لكن قد لا يرى أن تلك المشاكل أكبر بكثير في الديمقراطيات التي تتيح فرصا أقل للشعب للتعبير عن موقفه من القضايا السياسية.
سويس انفو: لكن تعلمون أن أقلية فقط من الشعب السويسري، زهاء اربعين في المائة، تصوت في الانتخابات…
برونو كاوفمان: هذا مبرر يُستخدم مرارا. لكن يمكن مقارنة هذه النسبة مع دول تنظم انتخابات كل ثلاث أو أربع سنوات فقط. السويسريون لديهم إمكانية التصويت في مناسبات عديدة على طول العام الواحد. عشرون في المائة من السويسريين ناخبون منتظمون، وعشرون في المائة آخرون لا يشاركون أبدا في عمليات الاقتراع. لكن النسبة المتبقية تضم مواطنين يدلون بأصواتهم عندما يهمهم موضوع التصويت. في المعدل، يشارك السويسريون أكثر من مواطني الدول الأخرى في عملية اتخاذ القرار السياسي.
سويس انفو: كتابكم يعرض سلسلة من الأبحاث المقدمة بشكل جيد، ومعطيات ومعلومات أساسية ومرجعية. إلى أي نوع من القراء تتوجهون بهذا الدليل؟
برونو كاوفمان: سيجد الباحثون للمرة الأولى لائحة باللغة الإنجليزية تتضمن الاستفتاءات التي نظمت في سويسرا، ونوفر أيضا أول نظرة شاملة لمؤسسة الديمقراطية المباشرة في 32 دولة أوروبية. لكن الكتاب هو مدخل أيضا لكل من يهتم بالديمقراطية المباشرة أو يعمل في هذا المجال، سواء تعلق الأمر بالمسؤولين الحكوميين أو المواطنين أو النشطاء السياسيين. هو ليس بمنشور من أجل أو ضد الديمقراطية المباشرة. نحن أردنا ببساطة عرض خلفية حول هذا النوع من الحكم، مع العلم أن أكثر من 250 مليون شخص في عشرة دول سيصوتون على الدستور الأوروبي الجديد في غضون العامين القادمين. إن لديمقراطية المباشرة ليست بفكرة غريبة أو بالية. بل هي تصور عمل عصري جدا.
سويس انفو: إلى أي حد يمكن أن يمثل هذا الكتاب عملية علاقات عامة لفائدة سويسرا؟
هو ليس كذلك. نحن أخذنا سويسرا كمثال لأنها هي البلد الذي يتمتع بأعرق تقليد للديمقراطية المباشرة. ونربط استنتاجاتنا بدول أخرى بهدف وضع النقاش في إطار أوسع.
سويس انفو
منذ إنشاء سويسرا المعاصرة عام 1848، دعي الناخبون إلى صناديق الاقتراع 531 مرة للتصويت على مقترحات فدرالية.
صادق الناخبون على 14 مبادرة شعبية فيما رفضوا 159.
وافقوا على 215 استفتاء بينما رفضوا 121.
صادقوا على 19 مشروع مضاد للحكومة أو البرلمان، فيما رفضوا 14.
ينتخب السويسريون أعضاء غرفتي البرلمان كل أربع سنوات، كما يشاركون أيضا في الانتخابات على مستوى الكانتونات والبلديات.
نُشر “دليل الديمقراطية المباشرة في سويسرا وخارجها” باللغة الإنجليزية من قبل معهد المبادرة والاستفتاء في أوروبا، الذي يوجد مقره بأمستردام بهولندا.
يأمل مؤلفو الدليل في إيجاد ممولين لترجمة الكتاب إلى لغات أخرى.
يتوفر الدليل في المعهد وأيضا في مؤسسة “الحضور السويسري” بسعر 76.70 فرنك سويسري.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.