مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

عندما تتحوّل الديمقراطية المباشرة إلى مكبح يُـعرقل شراء شاحنة

مثلها مثل العديد من القرى الواقعة في الهضبة السويسرية الوسطى، تحولت قرية ‘فراوبرونَّن’ Fraubrunnen، من قرية نموذجية زراعية صغيرة، إلى تجمُّع حضري للركاب المتوجهين إلى أعمالهم في المدن المجاورة. André Locher

كثيرا ما يُشار إلى الديمقراطية المباشرة في سويسرا كنموذج يُحتذى به. ومع استحقاق الكنفدرالية لهذه الإشادة، إلّا أنَّ مُمارسة المواطنين لحقوقهم الديمقراطية قد تتسبّب أيضاً في تعقيد بعض القضايا البسيطة نسبياً وتحويلها إلى مسألة سياسية قد يطول أمدها، كما حدث مع قرار لشراء شاحنة متعدّدة الأغراض لخِدمة إحدى البلديات.

تتوسّط بلدية ‘فراوبرونَّن’ Fraubrunnen الطريق بين العاصمة برن وتِلال الجورا، في منطقة ريفية تكسوها الحقول الشاسعة ومناطق الغابات. أما غالبية سكان هذه البلدية، الذين يناهز عددهم نحو 4800 نسمة، فيتنقّـلون يومياً بين بلدتهم الصغيرة وأماكن عملهم في المراكز الحضرية القريبة الثلاث برن وبيل/بيين وسولوتورن.

ورغم الهدوء الذي يُـخيِّم على هذه البلدية ذات الطبيعة الخلابة، إلّا أنَّ العاميْن المُنصرميْن لم يخلوان من بعض الأحداث الهامة، والتي تمثلت باندماج ‘فراوبرونن’ مع سبع بلدات صغيرة أخرى، تمتد مساحتها عبْر نحو 32 كيلومترا مربّعا من الهضبة السويسرية.

وكنتيجة لهذا التوسّع، إرتأى المجلس البلدي الجديد شراء شاحنة متعدّدة الأغراض، تتولى نقل الأحمال الثقيلة والكبيرة الحجْم، بالإضافة إلى جَرْف الثلوج من على الطُرقات في فصل الشتاء وَوَضع هذه المهمّة في صدارة قائمة جدول أعماله. وكما أوضح رئيس المجلس البلدي أورس شير Urs Schär ، بلغت الميزانية المخصّصة لشراء المركبة 265,000 فرنك سويسري، أي ما يقارب 0.2% من الميزانية السنوية للبلدية.

وحيث لم تؤيّد المعارضة السياسية عملية الشراء هذه، قام أحد مُمثليها بممارسة حقّه الديمقراطي وطالب بعقد اجتماع للمجلس البلدي، بُغية التصويت على هذه الصّفقة. وكانت النتيجة أن مُنِحَ طلب شراء الشاحنة الضوْء الأخضر في شهر سبتمبر المُنقضي، وإن لم يكن إلّا بأغلبية ضئيلة جداً.

شكوى مجهولة

بَيْدَ أنَّ القضية لم تنتَهِ هنا. فبعد وقتٍ قصيرٍ من صدور قرار الموافقة، نشرت إحدى الصحف المحلية خبَراً حول تقدُّم طرف ثالث لم يعلن عن إسمه، بشكوى ضدّ السلطة البلدية في الكانتون، متّهماً إياهاً بعدم تزويد المواطنين بمعلومات كافية بشأن هذه الصفقة.

“لقد أثارت هذه الشكوى زوْبعة من الجدَل تفُوق تلك التي كانت ستحدثها زيادة الضرائب”، كما يقول أورس شير. وقد رفض المُزارع، الذي يعمل كسياسي بدوامٍ جُزئي لصالح مجتمعه المحلي منذ 18 عاماً، مزاعم انعِدام الشفافية، مؤكِّداً على وَضْع السلطات المحلية جميع البيانات المتعلِّقة بالصفقة، والتي تُـتيح لمواطني ‘فراونبرونَّن’ إتخاذ القرار الصائب على الطاولة.

وفي نهاية المطاف، رُفِضَ الإستئناف هذا الصيف، ممّا مهَّد السبيل لعملية اختيار الشاحنة الجديدة. ولكن، ونتيجة التأخير الحاصل، لا يتوقع موظّفو الخدمات البلدية المسؤولون عن أسطول متواضع لصِيانة الطُّرق المحلية، من ضِمنها الجرّارات وجزازات العشب، الإنتهاء من شِراء المركبة المطلوبة قبل حلول عام 2016.

وهكذا، تحوّلت عملية شراء شاحنة جديدة، كان يُتَوَقَّع الإنتهاء منها بسرعة، إلى قضية سياسية وروتينية مُزعِجة امتدّت لأعوام، نتيجة حقّ المشاركة في صنع القرار الممنوح للمواطنين، وما يتمتّعون به من سلطة تمكِّنهم من التدخّل في السياسة السويسرية.

الحكم الذاتي بفضل الفدرالية

تحظى سويسرا بنظام حُكم فدرالي يُتيح لها تقاسُم السلطات والحقوق والالْـتزامات على ثلاثة مستويات، مُتمثلة بالحكومة الفدرالية والكانتونات (المقاطعات) والبلديات.

وفي ظل هذ النظام، تتمتّع الكانتونات الـ 26 التي يتألّف منها الاتحاد، بقدْر كبير من الإستقلالية والصلاحيات في وجْه السلطات الفدرالية.

وعلى المستوى المحلي، تمثِّل البلديات، التي يزيد عددها عن 2350 بلدية، أصغَر وِحدة إدارية في هذا النظام، الذي يمنحها عدداً من الصلاحيات، مثل تحصيل الضرائب والتخطيط الإقليمي والمباني العامة والتعليم والرعاية الاجتماعية، فضلاً عن الخدمات الأمنية وحالات الطوارئ.

وكان الدستور السويسري الأول، الذي اعتمد في 12 سبتمبر 1848، قد أدخل مبدأ التبَـعية، بمعنى أن القرارات السياسية تـُتَّخذ دائما على أدنى مستوى مُمكن، سواء كان فدرالياً أو كانتونياً أو بلدياً. وهكذا تكون القضايا الأمنية على شاكِلة خدمات الشرطة

جانب إيجابي أيضاً

ما حدث في قرية ‘فراوبرونَّن’ ليس بالحالة المعزولة في سويسرا. ذلك أنَّ النظام السياسي في هذا البلد، يمنح مواطنيه حقّ المشاركة وإبداء الرأي، ليس في السياسة الوطنية فحسب، ولكن الإقليمية والمحلية أيضاً. لكن من الواضح أن ممارسة هذا الحق، تؤدّي أيضاً إلى تباطُـؤ عمليات صُنع القرار.

شير من جِهته، تقبَّل الجدل والمواجهات التي رافقت طلب شراء هذه المركبة المتعدّدة الأغراض، ولكنه أقرّ أيضا حاجة الأعضاء الآخرين في السلطة المحلية لبعض الوقت، للتعوّد على إدارة بلدية جديدة مؤلَّفة من ثمانِ قرى مختلفة، تتوفّر جميعها على ميزانية متواضِعة مماثلة.

ولكن رئيس المجلس البلدي كان مستاءً بشأن أمريْن: “من المؤسف أن الشكوى كانت من جهة مجهولة، كما لم يُبدِ المعارضون رغبتهم لإجراء محادثات معنا حول هذا الموضوع”. ورغم أن البلدية الجديدة بأطرافها المتنامية، لن تتوفّر على مركبتها الخاصة لإزالة الثلوج من الشوارع هذا الشتاء، يرى شير جانباً إيجابياً لِما حدث أيضاً: “هذا يُظهر إهتمام الناس بالأحداث الجارية في البلدية، ومتابعتهم الدّقيقة لإجراءات المجلس البلدي”.

إختبار الثقة

وفي أغلب الأحيان، يقوم المجلس البلدي بالتوثق من الإعداد الدّقيق لأي قضية مطروح،ة قبل الإجتماع لمناقشتها والبَتّ بشأنها. كما ينتهي الأمر في معظم الحالات بإحترام القرارات الصادرة. مع ذلك، تكون مراقبة السلطات السياسية والإدارة العامة وتدقيق أعمالها منطِقية أحياناً. وكما يعلِّق أدريان ريتز، من مركز الكفاءة للإدارة العامة في جامعة برنرابط خارجي: “يمثل مَنح المواطنين فُـرصة للطَّعن في إحدى القرارت، عاملاً جيداً لاستقرار النظام السياسي”.

وكما يضيف ريتز: “من النادِر أن تصدر شكاوى ضد قرارات سياسية على المستوى المحلي بشكل عام، بَيْد أنها لا تمثِّل مشكلة حقيقية في نفس الوقت”.

قراءة معمّقة

الأكثر مناقشة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية