مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

ماذا يعني انتخاب الرئيس السويسري السابق آلان بيرسيه أمينًا عامًّا لمجلس أوروبا؟

آلان بيرسيه
في الفترة التي سبقت الانتخابات، حضر بيرسيه مؤتمر السلام الأوكراني في منتجع بورغشتوك في سويسرا، وذلك على غرار منافسه على منصب أمين عامّ مجلس أوروبا، البلجيكي ديدييه ريندرز. Keystone Pool / Michael Buholzer

اختارت المنظمة المعروفة باسم "ضمير أوروبا" في 25 يونيو وزير الداخلية السويسري السابق، آلان بيرسيه، أمينًا عامًا جديدًا، ليصبح أول سويسري يشغل هذا المنصب. فمن هو بيرسيه؟ وماالذي ينتظره في منصبه الذي يمتدّ لخمس سنوات؟

بيرسيه: سياسي ديناميكي ليس بالغريب عن الأضواء

مع اقتراب نهاية مسيرته الوزارية، التي استمرّت 12 عامًا، أصبح آلان بيرسيه أحد أشهر الوجوه في سويسرا. وبصفته الوزير المسؤول عن السياسة الصحية خلال جائحة فيروس كورونا، كان الاشتراكي الديمقراطي، البالغ من العمر 52 عامًا، أصيل الجزء الناطق بالفرنسية من البلاد، حاضرًا في كلّ مكان. وبفضل شخصيته الكاريزماتية في الأزمات، أصبح بيرسيه نجماً في سويسرا، فقد كانت لديه القدرة على التعبير بكلمات مؤثرة ومميّزة، ممّا دفع البعض إلى طباعتها على القمصان وإدراجها في الأغاني. غير أنّ ذلك جعله أيضا هدفًا مفضّلاً للمتظاهرين.ات ضد إجراءات مكافحة كوفيد ـ 19.

ويبقى أن نرى ما إذا كان إرث آلان بيرسيه سيرتكز على دوره أثناء الجائحة. فقد كان سجلّه العامّ كوزير للداخلية أكثر تباينًا، لا سيّما عندما يتعلّق الأمر بجهود إصلاح نظامي الصحة والمعاشات التقاعدية. كما اتسمت سنواته الأخيرة في منصبه ببعض الفضائح: ففي حين وجدت وسائل الإعلام في قضية الابتزاز واختراقه للأجواء الفرنسية بطائرته الخاصة دون تصريح مسبق مادة دسمة لعناوينها، أدت التسريبات المتكررة خلال الجائحة إلى فتح تحقيق برلماني. ورغم أن هذه التسريبات لم تكن لها آثار ملموسة على بيرسيه، إلا أنها ألحقت ضررًا بسمعته، وفقًا للإذاعة والتلفزة السويسرية الناطقة بالألمانية (SRF).

المزيد

الأمين العام: وظيفة ذات مساحة للمناورة

بعد مغادرته الحكومة في نهاية عام 2023، انتظر بيرسيه، المعروف بسرعة بديهته، نحو عشرة أيام قبل أن يعلن عن هدفه التالي: أن يصبح أمينًا عامًا لمجلس أوروبا. ولا ينبغي الخلط بين هذه الهيئة، التي تتخذ من ستراسبورغ مقراً لها، وبين الاتحاد الأوروبي، الذي لا تنتمي سويسرا إلى عضويته. حيث إنّ مجلس أوروبا منظمةٌ دولية، تضمّ 46 دولة، وقد تأسّست عام 1949، بغية تعزيز وحماية الديمقراطية وسيادة القانون وحقوق الإنسان. وقد أطلق عليها المستشار الألماني السابق كونراد أديناور ذات مرّة، اسم “ضمير أوروبا”.

أمّا بالنسبة للوظيفة نفسها، فإن دور الأمين العام لمجلس أوروبا يتّسم بالغموض: فهو “يتحمّل المسؤولية الشاملة عن الإدارة الاستراتيجية للمنظمة”، حسب موقع المنظمةرابط خارجي. ويعني ذلك كحدّ أدنى، الإدارة اليومية للأمانة العامة والتنسيق بين لجنة الوزراء.يراترابط خارجي والجمعية البرلمانيةرابط خارجي. ومع ذلك، يمكن أن يصبح الدور سياسياً أكثر، كما تقول أنكا آيلينكاي، أستاذة القانون العام في جامعة غرونوبل ألب، وعضوة المعهد الجامعي الفرنسي. حيث تشرح أنه “اعتمادًا على الشخصية، [أي ما إذا كانت شخصية الأمين العام] أكثر أو أقل قوة، سيتسنّى له قيادة جدول الأعمال”. ولا يتمتّع هذا المنصب بسلطة اتخاذ القرار، ولكن لديه “سلطة اقتراح” المبادرات.

وتضيف آيلينكاي أن الأمينة العامة المنتهية ولايتها، ماريا بيجينوفيتش بوريتش من كرواتيا، كانت تميل إلى اتّخاذ مواقف استبقاقية وحازمة. ومن الأمثلة على ذلك، ردّهارابط خارجي على حكم المحكمة البولندية الذي يقوّض الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان. ومع ذلك، فقد وضعت جائحة كوفيد-19 والحرب في أوكرانيا مجموعة عراقيل أمام بوريتش خلال فترة تولّيها المنصب.

وتشير آيلينكاي إلى شخصية أخرى تركت بصمتها على هذا المنصب، ألا وهي كاثرين لالوميير (1989-1994)، التي لم تكن أول امرأة تشغل ذلك المنصب فحسب، بل إنها تولّته في لحظة “فاصلة”، عندما بدأ المجلس في دمج دول أوروبا الشرقية بعد الحرب الباردة.

وعموماً، فإنه من بين 14 أميناً وأمينةً عاماً.ة منذ عام 1949، كانت الجنسيّتان الفرنسية والنمساوية حاضرتين أكثر من غيرهما (ثلاثة لكل منهما). بينما لم يكن لدى سويسرا، وهي دولة عضو منذ عام 1963، أي شخص في ذلك المنصب حتى الآن.

المزيد
صورة لأعضاء الحكومة السويسرية يجلسون حول طاولة كبيرة

المزيد

في سويسرا يُوجد أكبر عدد من “الرؤساء السابقين”.. إليك الأسباب!

تم نشر هذا المحتوى على في سويسرا، يمكن إحصاء 19 عضواً في “جمعية الرؤساء الأحياء السابقين”. لكن ما الذي يعنيه هذا الرقم القياسي؟

طالع المزيدفي سويسرا يُوجد أكبر عدد من “الرؤساء السابقين”.. إليك الأسباب!

مجلس أوروبا: تنتظرنا أوقات عصيبة

عندما تبدأ فترة ولايته التي تمتدّ لخمس سنوات في 18 سبتمبر المقبل، سيكون أمام بيرسيه الكثيرُ من العمل، حيث يمرّ مجلس أوروبا بمرحلة عصيبة.
فقد تضمّن الهجوم الروسي على أوكرانيا قيام إحدى الدول الأعضاء بغزو أراضي دولة عضوة أخرى، وهو وضع صعب بالنسبة لمنظمة قائمة على الحقوق. وفي الوقت نفسه، فإن المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان (ECHR)، التي أنشأها المجلس في عام 1959، تواجه أحيانًا تحديات في إنفاذ الأحكام، بما في ذلك في بلدان مثل سويسرا. حيث رفض البرلمان السويسري حكمًا صدر مؤخرًا بشأن سياسة المناخ في برن.

وترى آيلينكاي أن التوقعات متفاوتة بشأن مستقبل عمل المنظمة. أمّا النسبة للمحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، والتي ترى آيلينكاي أنها تحظى باهتمام كبير مقارنةً ببقية مكوّنات المجلس، فتقول إن معظم الأحكام تطبّق بالفعل، على الرغم من المقاومة التي جوبهت بها بعض الأحكام في السنوات الأخيرة. وعلى الصعيد الجيوسياسي، كان ردّ فعل المجلس على الحرب في أوكرانيا “سريعًا وحاسمًا”، فقد تمّ استبعاد روسيا كبلد عضو. وفي قمة نادرة في ريكيافيك العام الماضي، وافق الأعضاء على زيادة نادرة في الميزانية، وعلى سجلّ جديد للأضرار الحربية في أوكرانيا.

ومع ذلك، تقول آيلينكاي إن القمة انتهت دون اتخاذ “قرارات بالغة الأهمية” مثل تلك التي شهدتها بعض الاجتماعات السابقة. وتضيف أنه في نهاية المطاف، وفي مواجهة تآكل القيم الديمقراطية، فإن مجلس أوروبا في “لحظة محورية” في تاريخه.

علمَا مجلس أوروبا وسويسرا
علمَا سويسرا ومجلس أوروبا: برن عضو في المنظمة منذ عام 1963. Keystone

كان “بيرسيه” يتقدّم السباق الانتخابيّ

كانت وسائل الإعلام السويسرية واثقة من فرص بيرسيه في تولّي منصب الأمين العام، الذي تنتخبه الجمعية البرلمانية للمجلس، وهي مجموعة متنوّعة من 306 نائب ونائبة من الدول الأعضاء، البالغ عددها 46 دولة. وقد أشارت صحيفة “لوتون” إلى بيرسيه على أنه “المرشح الأوفر حظًا”، بينما تحدثت صحيفة “نويه تسورخر تسايتونغ” عن “فرصه الجيدة” و”شبكته الواسعة”، والتي قيل إنه استخدمها بحماس في الأشهر التي سبقت التصويت، حيث جاب القارّة الأوروبية حشدًا للدعم.

كما كان للسويسري بعض المزايا على منافسيه. إذ يمكن القول إنه كان يتمتع بمكانة أعلى من وزير الثقافة الإستوني السابق إندريك سار، وأنه أصغر سنًّا من ديدييه ريندرز، البالغ من العمر 65 عامًا، (والذي ترشح أيضًا للمنصب في عام 2019، قبل أن يصبح المفوّض الأوروبي للعدل في بلجيكا). كما شغل بيرسيه مرّتين منصب الرئيس الدوري في برن؛ وبموجب النظام الفدرالي السويسري، فإن ذلك لا يماثل بالضبط منصب “رئيس الدولة”رابط خارجي، ولكنه يعني خبرة تنفيذية على أعلى مستوى. وليس من المُستغرَب أن تكون فترات تولّيه منصب “رئيس الكنفدرالية السويسرية” على رأس سيرته الذاتية المقدّمة لستراسبورغرابط خارجي.

ومع ذلك، وحتى لو كان بيرسيه قد توجّه إلى التصويت وهو على رأس القائمة المختصرة المكوّنة من ثلاثة أسماء، فإن انتخابه لم يكن أمراً محسومًا. فقد كان من المحتمل أن ينقسم تصويت النواب والنائبات من تياري الوسط أو اليسار في ستراسبورغ بين المرشحين الاشتراكيين الديمقراطيين، بيرسيه وسار، مما يترك الباب مفتوحًا أمام الليبرالي رايندرز. أما القضية الثانية التي أثارتها صحيفة “نويه تسوريخير تسايتونغ أم زونتاغ” فتتعلق بالانتخابات في فرنسا والمملكة المتحدة، حيث كان من الممكن أن يؤدّي عدم سفر النواب والنائبات من تلك الدول إلى ستراسبورغ للتصويت إلى خسارة بيرسيه أصواتًا ثمينة (باعتبار أن الحضور ليس إلزاميًا).

في النهاية، لم يكن لتلك المخاوف أي تأثير يذكر، ففي الجولة الثانية من التصويت في ستراسبورغ، حصل بيرسيه على ما مجموعه 114 صوتًا من أصل 245 صوتًا صحيحًا. بينما حصل كلّ من سار وريندرز على 85 و46 صوتًا على التوالي.

تحرير: مارك ليفينغستون/س.ب

ترجمة: أمل المكي

مراجعة: مي المهدي

نُشر هذا المقال في الأصل في 24 يونيو، وتم تحديثه في 26 يونيو بعد نتائج تصويت مجلس أوروبا.

قراءة معمّقة

الأكثر مناقشة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية