تأييد لتعديل قوانين اللجوء ورفض للإقتراع المباشر على الحكومة
كما سبق أن تنبأت إستطلاعات الرأي، صوّت يوم الأحد 9 يوينو 2013، ما يناهز عن 78.5% من الناخبين السويسريين لصالح التعديلات الهادفة إلى تشديد قوانين اللجوء، في حين رفضت أغلبية كبيرة بلغت 76.3% مبادرة حزب الشعب اليميني الداعية لانتخاب الحكومة الفدرالية عبر الإقتراع الشعبي عوضا عن نواب البرلمان.
في نفس الإتجاه كذلك، صوّتت غالبية الكانونات البالغ عددها 26 كانتونا لصالح التعديلات المستعجلة في مجال اللجوء، في حين رفض غالبيتها المقترح الثاني المتعلّق بانتخاب الحكومة.
وتضمّنت قائمة التعديلات المدخلة على قانون اللجوء، والتى حازت اليوم على تفويض الناخبين بعض الإجراءات التي اثارت جدلا واسعا خلال الحملة التي سبقت التصويت، كالمقترح المتمثّل في إنشاء مراكز خاصة لعزل اللاجئين المنتهكين لقوانين البلاد والمهددين لسلامة المواطنين وأمنهم، أو الإجراء الذي يضع حدا لإمكانية التقدّم بطلب لجوء إلى سويسرا عبْـر سفاراتها في الخارج، أو قرار التوقّف عن منح حق اللجوء بشكل آلي إلى الفارّين من الخِـدمة العسكرية في بلدانهم أو المستنكفين ضميريا.
أمّا النقاط الأخرى، والتي لقيت حدّا أدنى من التوافق، فتتعلّق بحق الكنفدرالية في استخدام مرافقها الخاصة (المراكز العسكرية خاصة) المنتشرة في الكانتونات (26 كانتونا)، لإيواء طالبي اللجوء من دون طلب إذْن من الكانتونات او البلديات، أو كذلك السعي إلى تسريع إجراءات البتّ في الطلبات.
وفي الوقت الذي أيّدت فيه أحزاب اليمين هذه التعديلات المستعجلة، التي حُددت فترة العمل بها بثلاث سنوات، ورأت أن إقرارها ضروري لمحاربة إساءة استخدام هذا الحق، والحد من الجرائم التي يرتكبها طالبو اللجوء، رأت أحزاب اليسار في المقابل، أن هذه التعديلات تشكِّـل خرقا فاضحا للتقاليد الإنسانية التي عرفت بها سويسرا عبر تاريخها الطويل.
لم تنجح التعديلات المستعجلة لقوانين اللجوء، وانتخاب الحكومة مباشرة في اقتراع عام في تعبئة الناخبين السويسريين يوم الأحد 9 يونيو 2013، حيث لم تتجاوز نسبة المشاركة في التصويت 39% من إجمالي الذين يحق لهم التصويت.
في المدن والمناطق التي يُعاقب فيها القانون المتخلفين عن الإدلاء بأصواتهم بدفع غرامة مالية (مثل شافهاوزن)، لم تتجاوز نسبة التصويت عن 59%.
بعض نسب المشاركة في التصويت في عدد من الكانتونات:
فالي: 43.8%
فو: 39.4%
نوشاتيل: 37.5%
فريبورغ: 37.4%
جورا: 32.3%
أبنزل الداخلية: 31.1%
أوري: 30.8%
غلاريس: 28.1%
تعديلات “تفتقر إلى الإنسانية”
هذه التعديلات التي منحها الناخبون السويسريون اليوم الضوء الاخضر بأغلبية ساحقة، واعتمدها البرلمان الفدرالي على وجه السرعة ودخلت حيّـز التنفيذ يوم 29 سبتمبر 2012، دفعت تحالفا من أحزاب اليسار ونقابات مِهنية، ومنظمات إنسانية إلى اطلاق مبادرة هدفت إلى إيقاف العمل بتلك التعديلات، وهو ما انتهى في الأخير إلى تعزيزها بتفويض شعبي بدلا من التوقّف عن العمل بها.
يرى حزب الشعب (يمين متشدد) أن تصويت هذه الأغلبية الساحقة لصالح تشديد قوانين اللجوء يُعدّ مؤشر على مشاعر السكان تجاه سياسة اللجوء التي تتبعها الحكومة. وقال ألان فوابلات، نائب رئيس حزب الشعب، في أوّل ردّ فعل على نتائج استفتاء الأحد أن “مواقف السويسريين متطابقة مع توجهات الحزب، وأن السكان ليسوا أغبياء أو منخدعين: هم يدركون أن كثيرين يستخدمون قانون اللجوء بحق وبغير حق”.
اما التحالف الذي أطلق هذه المبادرة فقد رأى منذ البداية أن هذه التعديلات “تمسّ من جوهر حق اللجوء”. ويقول بالتسّار غلاتلي، المنتمي لحزب الخُـضر إنها “إجراءات غير إنسانية”. قبل أن يضيف “في بعض البلدان، مثل أرتيريا، التي ينحدر منها الكثير من طالبي اللجوء الفارين من الخدمة العسكرية الإجبارية، هؤلاء معرّضون إلى التعذيب وإلى أحكام طويلة بالسجن”.
وليس هذا فحسب، فهذه التعديلات التي تحظى الآن بموافقة البرلمان وتفويض الشعب، هي بالنسبة لهذا النائب عن حزب الخُضر “تعديلات تتصف بالاعتباطية، إذ بإنهائها لإمكانية التقدم بطلب لجوء عبر السفارات السويسرية في الخارج، تدفع المزيد من اللاجئين إلى القدوم إلى سويسرا لتقديم طلباتهم”.
أما المؤيدون لهذه التعديلات فيقولون إن الهدف هو التماهي مع القوانين والإجراءات المُتبعة في بقية البلدان الأوروبية. وبالنسبة للوكاس ريمان: “سويسرا هي البلد الأوروبي الوحيد الذي يمنح حق اللجوء إلى الفارين من الخدمة العسكرية في بلدان أخرى، وهي واحدة من البلدان القليلة التي تقبل سفاراتها استيلام طلبات اللجوء، ولابد أن ينتهي كل ذلك، حتى لا تكون سويسرا جذّابة أكثر من غيرها”.
وذهبت اللجنة الفدرالية لمكافحة العنصرية، هيئة استشارية حكومية، إلى أن التعديلات المطروحة، والمبررات المصوّغة لقبولها تؤدي في النهاية إلى تعزيز التمييز الفردي والجماعي ضد طالبي اللجوء. وحذّرت من أن تستخدم مبررات القضاء على انتهاكات نظام اللجوء في سويسرا، لشن حملة كراهية ضد الأجانب.
وردّا على هذه المخاوف تقول الحكومة أن حزمة التعديلات الجديدة متوافقة مع المعايير الدولية، وتعهّدت سيمونيتا سوماروغا، وزيرة العدل والشرطة، بأن تواصل سويسرا تقديم المأوى والحماية للمحتاجين.
رفض حاسم لمبادرة حزب الشعب
لقيت المبادرة الداعية إلى تعديل الدستور، بما يسمح بانتخاب الحكومة الفدرالية في اقتراع عام مباشر بدلا عن البرلمان، والتي تَـقَـدّم بها حزب الشعب، رفضا واضحا من الناخبين (76.3%).
هذه النتيجة كانت منتظرة، لأنه قد تبيّن، وخلال الحملة الإنتخابية، أن حزب الشعب (يمين شعبوي)، لم ينجح في تعبِئة سوى مؤيديه المقرّبين والذين يصوّتون لأطروحاته في العادة. كما وجد هذا الحزب المحافظ نفسه لوحده مقابل، “ليس فقط كل الأحزاب الممثلة في البرلمان، بل مقابل غالبية الشعب”، على حد عبارة كلود لونشان، مدير معهد Gfs ببرن، المتخصص في سبر الأراء.
ليست هذه أوّل مرّة يرفض فيها الشعب السويسري فكرة انتخاب الحكومة مباشرة من الشعب، ويعود هذا الرفض المتكرر بحسب باسكال سياريني، الخبير في العلوم السياسية بجامعة جنيف إلى أن “الشعب السويسري مقتنع وقابل بالنظام الحالي، ولا يرى مصلحة في تغييره”. ويرجع سياريني هذا الفشل الذريع للذين يؤيدون هذه المبادرة خلال حديث أدلى به إلى swissinfo.ch إلى أن “مقترحهم لا يقدّم أي شيء مفيد، وأنه يثير مشكلات أكثر مما يقدّم حلولا”.
ولكن ألا يرفض الشعب بهذه الطريقة توسيع دائرة سلطاته، والحيازة على مزيد من الحقوق؟ عن هذا السؤال يجيب الخبير في العلوم السياسية قائلا: “هناك تفسيرات عدّة لذلك: أوّلا، ربما لأن الشعب السويسري يتمتّع أصلا بالكثير من الحقوق التي لا تتوفّر لشعوب أخرى كثيرة في العالم. وثانيا، ربما أدرك الشعب أنه من الصعب انتخاب أعضاء حكومة يقطنون أماكن بعيدة عنه ولا يعرفهم جيدا. وثالثا، وأخيرا، ربما أدرك الناخبون، أن هذا التغيير الدستوري لن يغيّر شيئا في مجريات حياتهم”.
في المقابل، يعزو المؤيدون لانتخاب الحكومة في اقتراع عام مباشر هذا الفشل إلى أن “البرلمان يحظى بثقة الناخبين، ويرون أنه قادر على نيابتهم في ذلك، كما أن البرلمانيين عارضوا النص المقترح بقوة لأنه يحدّ من صلاحياتهم”، على حدّ قول كلود ألان فوابلات. ومع ذلك يعتقد أصحاب المبادرة أنه يكفيهم إطلاق الحوار حول هذا الموضوع، ويأسفون لكونهم فشلوا في “إدخال اصلاح ضروري على مؤسسات الدولة”، على حد قولهم.
يذكر أن هذه المبادرة جاءت في الاصل كنتيجة للنزاع الذي أحاط بعدم إعادة انتخاب كريستوف بلوخر لعضوية الحكومة الفدرالية في ديسمبر 2007، وقد سبق لحزب الشعب السويسري أن أعلن عن نيته إطلاق هذه المبادرة منذ نهاية عقد التسعينيات، بعد أن تأكّـد من أن حظوظ زعيمه الكاريزمي في الفوز بمنصب وزاري عبْـر تصويت نواب البرلمان، كانت ضعيفة جدا.
بالنسبة للمعسكر الداعم للأجانب واللاجئين فشل الإستفتاء الهادف إلى إيقاف العمل بإجراءات تشديد قوانين اللجوء يمثّل “خيبة أمل كبيرة”. ووصفت أديل تورين، الرئيسة المشاركة لحزب الخضر، النتيجة بكونها “حاسمة وصادمة للغاية”. وقالت “إننا في حزب الخضر لم نفكّر في تحقيق فوز، لكننا لم ننتظر ايضا نتيجة بهذا الشكل”.
ووفقا للسيدة تورين، في الاستفتاءات السابقة حول ملف اللجوء، كانت النتائج “أقلّ حسما”. ولكن رغم هذه الهزيمة، ترى النائبة البرلمانية عن حزب الخضر بكانتون فو، ان هذه المبادرة سمحت لجزء من المواطنين من المشاركة في نقاش ديمقراطي، ومن التعبير عن آرائهم في قضايا تهمّ مجتمعهم.
ودائما بالنسبة لهذه المسؤولة الحزبية والنائبة البرلمانية، الإجراءات التي أيّدتها الاغلبية لن تسمح بحلّ معضلات اللجوء، خاصة ما يتعلّق بطول الفترة التي يتطلبها الحسم في الطلبات المقدمة. كما انها تمثّل تشديدا اكبر لإجراءات اللجوء من دون أي مبرّر”.
ورغم هذه الخيبة، لا يرى المعارضون للإجراءات الجديدة في مجال اللجوء أنهم قد أخطأوا بإطلاق مبادرتهم، وتلخص تورين هذا الموقف فتقول: “لا تطلق المبادرات الشعبية فقط عندما نكون متأكدين من الفوز، فالأمر يتطلّب في بعض الأحيان المحاولة مرات عدّة لتمرير المقترح”.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.