هل تثق في مواطني بلدك أكثر مما تثق بالسلطة؟
أكملت تجربة سويسرية، قامت بها مجموعة من المواطنين لإعداد كتيب توضيحي متعلق بالتصويت على المستوى الوطني في شهر فبراير القادم، مرحلتها الأولى.
إن حق التصويت الذي يمارسه السويسريون بمعدل قد يصل إلى أربع مرات في السنة، هو حق ديمقراطي أصيل في حد ذاته، لكنه هو يعني أيضاً مواكبة الشعب للكثير من الموضوعات الوطنية.
وعادةً ما يتطلب ذلك متابعة وسائل الإعلام بشأن الموضوع المطروح للتصويت والنقاش مع العائلة والأصدقاء والوقوف عند آراء الأحزاب السياسية والنشطاء والخوض في فهم المعلومات التي ترسلها السلطات قبل بدء التصويت.
في الأسبوع الماضي، وقبل التصويت الشعبي في 9 فبراير المقبل، تلقى 21000 ناخب في مدينة سيون وثائق جديدة بشأن التصويت، بواسطة البريد: كتيب توضيحاترابط خارجي، صاغته مجموعة مكونة من 20 فردا من السكان المحليين تم اختيارهم بالقرعة، لعرض آرائهم للمواطنين حول القضايا المطروحة.
المزيد
الديمقراطية المباشرة السويسرية على خطى أوريغون
ويعد هذا الكتيب، الذي حررته لجنة من المواطنين على مدار أسبوعين في نوفمبر الماضي، أول إنتاج لمشروع “ديموسكان” “Demoscan” وهو مشروع يهدف إلى تحفيز المشاركة في التصويت في بلد، عادة ما تكون فيه معدلات هذه المشاركة منخفضة، وحيث القضايا المطروحة معقدة في بعض الأحيان.
وعلى واجهة الكتيب، هناك عرض لإحدى القضايا المطروحة على التصويت (اقتراح زيادة في البناء للمساكن الاجتماعية) في ثماني نقاط رئيسية، أدرجت بحسب تقدير أهميتها؛ أما على الجهة الخلفية للكتيب، فهناك ثلاث حجج تبين أهم الأسباب الداعية للتصويت لصالح دعم القضية المطروحة وثلاث حجج أخرى تبرر معارضتها.
إن القراءة الأولى لهذا الكتيب، قد لا توضّح ما يميّز المعلومات الواردة فيه لجهة فهمها، عن تلك التي تقوم السلطات الفدراليةرابط خارجي بإرسالها، إلا عدم احتواء الكتيب على توصية بشأن كيفية التصويت، وذلك على عكس حزمة الأوراق التي ترسلها الحكومة والتي تتضمن هذه التوصية؛ (المواد الرسمية تشمل موقف البرلمان والحكومة في كل قضية).
ويقول نيناد ستويانوفيتش، المدير المشرف على مشروع “ديموسكان”، إن القيمة المضافة الرئيسية لهذا الكتيب تكمن في أنه يقدم “غربلة” و “ترتيب أولويات” للمعلومات المتعلقة بالقضايا المطروحة – مما يعطي في نهاية المطاف، وجهة نظر عامة على النقاط التي يراها 20 مواطناً “عادياً”، ذات أهمية كبيرة.
كما يعتقد أن هذه العملية بحد ذاتها، لا تقل أهمية عما يمكن أن تأتي به من نتائج. فمن خلال اختيار المشاركين بالقرعة لتمثيل المجتمع، شمل المشروع فئات اجتماعية لا تشارك عادة في النقاش السياسي، على حد قوله. وقد قضى المشاركون أربعة أيام من البحث والمداولات، كانت بمثابة “مدرسة ديمقراطية”، تعلموا من خلالها كيفية عمل المؤسسات، والتي كانت سابقاً بعيدة عن مداركهم.
ويقول إنه فوجئ بشكل إيجابي من طبيعة المناقشات ومن سهولة إدراك الناس للمفاهيم السياسية. ومن ناحية أخرى، وأثناء حديثهم إلى وسائل الإعلام الأسبوع الماضي، وصف العديد من المشاركين في المشروع هذه التجربة بتعابير على غرار – “مغامرة إنسانية رائعة”، كما أسماها أحدهم.
إغلاق الباب أمام الشعبوية
ولكن، هل يكفي ذلك لإحداث تأثير ديمقراطي ملموس؟ تجري استطلاعات الرأي حالياً في سيون لمعرفة ما إذا كان السكان المحليون قد وجدوا هذه التجربة مجدية، كما يعمل أعضاء الفريق البالغ عددهم 20 على تقديم ملاحظاتهم وتقييمهم. وسيتم نشر النتائج في الربيع المقبل.
لكن الجدير بالذكر، أن هذه المشروعات قد أثبتت جدواها في مكان آخر. فتجربة “ديموسكان” في الواقع، تعتمد بشكل مباشر على ممارسة مماثلة في ولاية أوريغون الأمريكية منذ عام 2010، حيث تم استخدام تقييم المواطنين للمبادرة، أو ما يرمز إليه اختصاراً بـ(CIR) في فترة الإعداد للتصويت.
فقد وجدت الدراسات أن المواطنين في ولاية أوريغون أصبحوا اليوم يبدون قابلية للثقة في بعضهم البعض، تفوق قابليتهم للثقة بالسلطات، عندما يتعلق الأمر بصياغة خطاب لتصويت مقبل. وعلى نحو مماثل، فقد تم استخدام تقييم المواطنين للمبادرة “CIR” ليكون بمثابة “مبادرة مؤهِّلة” – انطلاقاً من حقيقة أن الأشخاص “العاديين” قادرون على مناقشة قضية معقدة، مما يمنح جميع المواطنين ثقة أكبر في المشاركة والتصويت.
وتأتي تجربة “ديموسكان” أيضاً في وقت يتزايد فيه انفتاح العديد من الديمقراطيات الغربية على أشكال المشاركة المدنية التي تتجاوز مجرد القيام بالتصويت – “موجة جديدة من الديمقراطية التداولية المعاصرة، تستند إلى فرضية أن القرارات السياسية يجب أن تكون نتيجة لمناقشات معقولة في أوساط المواطنين “، كما كتب المركز الفكري “كارنيغي يوروب” رابط خارجي Carnegie Europeرابط خارجي في نوفمبر الماضي.
والأمثلة تشمل، مشاريع تقييم المواطنين للمبادرة (كما هو الحال في ولاية أوريغون، والعديد من الولايات الأمريكية الأخرى، وسيون)، ومجالس أو جمعيات المواطنين (في النمسا، وبولندا، وأماكن أخرى)، ولجان المواطنين (في كندا)، وتعيين المواطنين في مجلس حكومي رفيع مستوى (في فرنسا، اتخذ الرئيس ماكرون هذا الإجراء رداً على احتجاجات السترات الصفراء).
ويعد مشروع “ديموسكان” جزءاً من محاولات إيجاد إجابة على “أزمة تمثيل أراء المواطنين” و “تذمّرهم من عدم الأخذ في الاعتبار آرائهم في العملية السياسية”، كما يقول ستويانوفيتش – وهي أسباب رئيسية تدفع بالناس نحو الأحزاب الشعبية.
ويقول ستويانوفيتش إنه حريص هو وفريقه على رؤية هذه التجربة تعم على نطاق واسع في سويسرا في المستقبل. أما في الوقت الراهن، فلا يتيح التمويل الأكاديمي إلا لإجراء تجربة أخرى واحدة فقط. وقد أعربت العديد من البلديات عن اهتمامها بتبني هذه التجربة.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.