تحوير قانوني يُـعزِّز ممارسة الحقوق الشعبية في سويسرا
من المحتمل جدا أن لا يتقرّر مصير المبادرات الشعبية التي تضفي نكهة خاصة على الديمقراطية السويسرية في المستقبل في صناديق الاقتراع لوحدها، بل أكثر فأكثر تحت قبّـة البرلمان. فابتداءً من غرّة فبراير 2010، يتوفّـر أصحاب المبادرات على إمكانية جديدة تسمح لهم بالإقدام على سـحب مشروط لنصوصهم.
هذا التطوّر الجديد يُـتيحُ للّـجنة التي أطلقت المبادرة، تجنّـب العودة بخفّـي حُـنيْن، في صورة ما إذا قرّرت – مثلما كان يجري به العمل إلى حد الآن – سحب النصّ الذي تقدّمت به، والقبول بالمشروع المُـضادّ المُـقترح من طرف البرلمان.
إلى حدِّ الآن، كانت عملية سحبِ المبادرة تتمّ بدون أية شروط، وهو ما كان يؤدّي عمليا في بعض الحالات، إلى أن لا يدخُـل المشروع المضاد المصادقُ عليه من طرف البرلمان حيّـز التطبيق، وبالتالي، فإن اللجنة التي تراجعت عن حقّـها في عرض المبادرة على التصويت الشعبي (بحُـكم موافقتها على النص البرلماني البديل)، تجد نفسها خارج اللعبة تماما ودون أن تتحصّـل على ما وُعِـدت به.
وبالنظر إلى الممارسة السويسرية في مجال الديمقراطية المباشرة، فإن كل قانون جديد أو تحوير لقانون سابق، يُـمكن أن يواجَـه بإطلاق استفتاء معارِض له، وإذا ما نجح، يتوجّـب حينئذ عرض القانون المعني على التصويت الشعبي، وبالتالي، فقد يتعرّض للرّفض.
على العكس من ذلك، تغيّـرت الأوضاع الآن. فإذا ما توصّـلت غرفتا البرلمان إلى بلورة مشروع يُوصف قانونيا بأنه “مُـضادّ غير مباشر” يحظى بموافقة اللجنة التي أطلقت المبادرة الشعبية، فبإمكان هذه الأخيرة أن تُـقرِّر سحب مبادرتها ولكن شريطة دخول النصّ المُـعتمد من طرف البرلمان حيّـز التطبيق. أما في صورة رفض الناخبين للنص المُـصادق عليه من طرف البرلمان الفدرالي، فيتِـمّ حينها عرض المبادرة على التصويت الشعبي في كافة الكانتونات السويسرية.
من النظرية إلى التطبيق
هذا الابتكار التشريعي، الذي بدأ العمل به منذ غرة فبراير 2010، طُـبِّـق على الفور عمليا، حيث قررت لجنة مبادرة الشعبية تحمل اسم « Acqua viva » (مياه حيّـة)، سحب النصّ الذي تقدّمت به، شريطة أن تدخُـل مراجعة القانون المتعلِّـق بحماية المياه، الذي صادق عليه البرلمان في شهر ديسمبر الماضي (باعتباره مشروعا مضادّا غير مباشر لنفس المبادرة) حيّـز التطبيق.
وكان فيليبّـو لومباردي، عضو مجلس الشيوخ عن كانتون تيتشينو، قد بلوَر فكرة سحب مشروط للمبادرات الشعبية خلال مرحلة إعداد مشروع مضاد غير مباشر، للمبادرة الداعية إلى إعادة إحياء مجاري المياه التي أطلقتها الفدرالية السويسرية للصيد النهري وتمّ التوقيع عليها من طرف أكثر من 160 ألف شخص يحِـق لهم القيام بذلك.
حلُّ مُـعضِـلة مُـزمنة
وفي واقع الأمر، كانت لجنة المبادرة مرتاحة للمشروع المُـضاد، الذي أعدّته لجنة البيئة وتخطيط الأراضي والطاقة، التابعة لمجلس الشيوخ، لكنها لم تكُـن ترغَـب في الوقت نفسه في أن تسحـب النصّ الذي تقدّمت به، خوفاً من استفتاء مُـحتمل من طرف الأوساط القريبة من شركات إنتاج الكهرباء، التي لم تكُـن لِـتجد صعوبة في جمْـع التوقيعات المطلوبة (وإقناع أغلبية الناخبين بوجهة نظرها لاحقا).
وبما أن هذا الصِـنف من الوضعيات المُتّـسمة بالحيرة والتردّد، تكرّر في العديد من المناسبات خلال السنوات الأخيرة، قرر لومباردي، الذي كان يترأس حينها لجنة البيئة وتخطيط الأراضي والطاقة، التقدّم في شهر ديسمبر 2008 بمبادرة برلمانية تدعو إلى إدخال تحوير على القانون الفدرالي الخاص بالحقوق السياسية.
توفير الوقت والمال
المقترح الذي تقدّم به لومباردي الذي ينتمي إلى الحزب الديمقراطي المسيحي في كانتون تيتشينو، قوبِـل بشكل إيجابي من طرف اللِّـجان البرلمانية المختصّـة، كما حظي بدعم الحكومة، حيث اعتبرت أن جميع الأطراف المعنية مستفيدة من النّـهج الذي خطّـه لومباردي.
فمن خلال الحصول على ضمانة قانونية بإمكانية عرض مقترحها على الشعب والكانتونات، في صورة فشل المشروع البرلماني المُـضاد، لم تعُـد لجنة المبادرة محتاجة للإبقاء على النصّ الذي تقترحه لمجرّد الإحتياط، وهو ما يعني توفيرا للجهود والأموال، التي تتطلّـبها الحملات المصاحِـبة لعمليات الإقتراع، وهي مبالغُ توفِّـرها أيضا الدولة والمواطنون بالتالي.
في الوقت نفسه، يُـجنّـب البرلمان ضياع الوقت والجُـهد، الذي خصّـصه لبلورة مشروعه المُـضاد والتوصل على المستوى التشريعي، (بما يتطلّـبه ذلك من مفاوضات ومداولات وبحثٍ عن حلول توفيقية بين مختلف الآراء والمواقف) إلى حلٍّ ملائم للإشكاليات الأساسية المطروحة من طرف المبادرة، بل ولتسوية مسائل إجرائية أخرى لم تكُـن واردة فيها أصلا.
من جهة أخرى، يوفِّـر الابتكار التشريعي الجديد للموقِّـعين على المبادرة، إمكانيات أكبر لإنجاز المطالب الأساسية المضمَّـنة في نصِّـها، عن طريق المشروع المُـضادّ غير المباشر المُـعدِّ من طرف البرلمان، خصوصا وأن صناديق الاقتراع أقامت الدليل على مدى قرن ونيف من الممارسة، على أن موافقة الناخبين على المبادرات الشعبية نادرة جدا.
تأقلُـم مع الواقِـع
النِّـقاش البرلماني، الذي دار قبل التصويت على القانون الجديد، شهِـد تأييدا واسعا للرُّؤية والمبرِّرات التي صاحبته. وعلى الرغم من اعتراض حزب الشعب السويسري (يمين متشدد) وبعض النواب الليبراليين الراديكاليين، إلا أن التصويت النهائي الذي جرى يوم 25 سبتمبر 2009، شهِـد موافقة مجلس النواب على تحوير القانون بـ 106 صوتا مقابل 88 واحتفاظ نائبين بصوتيهما. وبما أن المعارضين لم يُـطلِـقوا أي استفتاء ضدّه، قررت الحكومة البدء في تطبيقه ابتداءً من غرة فبراير 2010.
وفي تلك المناسبة، اعتبرت السيدة كورينا كازانوفا، مستشارة الكنفدرالية، أن المبادرة البرلمانية للسيد لومباردي تُـمثِّـل “النتيجة المنطِـقية” للوضعية التي سادت منذ عام 1987، حيث تضخّـم عدد المشاريع المضادّة غير المباشرة للمبادرات الشعبية، ما دفع البرلمان إلى بلورة مشروع مُـضادّ، مقابـل كل مبادرتين.
صونيا فيناتسي – swissinfo.ch
(ترجمه من الإيطالية وعالجه كمال الضيف)
منذ اعتماد الفصل الذي يسمحُ بإجراء مراجعة جزئية للدستور الفدرالي عن طريق مبادرة شعبية في عام 1891 إلى يوم الناس هذا، تمّ إطلاق 365 مبادرة في سويسرا.
من بين المبادرات الـ 276، التي حظِـيت بالقبول رسميا من الناحية القانونية، لم تُـعرض على التصويت الشعبي إلا 171 مبادرة. في المقابل، اعتُـبِـرت 4 منها مرفوضة ووُضِـعت 2 في الأرشيف وتمّ سحبُ 81 أخرى.
لم تحصُـل سوى 17 مبادرة على تأييد الشعب والكانتونات، الأولى كانت في عام 1893 وتعلّـقت بـ “حظر ذبح الحيوانات على الطريقة اليهودية” واتّـسمت بطابع معادٍ للسامية، أما الأخيرة، فكانت “ضد بناء مزيد من المآذن” وتمّـت المصادقة عليها في تصويت 29 نوفمبر 2009.
ارتفعت نسبة الموافقة على المبادرات الشعبية بشكل واضح في الأعوام الأخيرة. ففي حين لم تتم الموافقة من عام 1891 إلى عام 2003 إلا على 13 منها، تمّـت المصادقة على 4 مبادرات من عام 2004 إلى 2009.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.