تدقيق الحقائق المطروحة تحت قُبة البرلمان حول مبادرة القضاة الأجانب
في الحادي عشر من شهر يونيو 2018، شهد مجلس النواب السويسري (الغرفة السفلى للبرلمان) مناقشات حامية بشأن مبادرة شعبية تهدف إلى تقديم الدستور الفدرالي على القانون الدولي انتهت برفض أغلبية عريضة من النواب (127 مقابل 67) لها. في هذا السياق، قامت swissinfo.ch بالتحقق من مدى دقة بعض البيانات التي تم الإستماع إليها حتى الآن في مجلسي النواب والشيوخ من قبل الأطراف المؤيّدة والرافضة للمبادرة.
تقترح مبادرة “القانون السويسري بدلاً من القُضاة الأجانب”، التي تَحظى بِدَعم حزب الشعب السويسري اليميني المحافظرابط خارجي، مَنح الأولوية للدستور الفدرالي على القانون الدولي. وبالتالي، سوف تَمنع المبادرة سويسرا من الدخول في اتفاقيات دولية تتعارض مع دستور البلاد. وسوف يتعين على سويسرا في حال حدوث تعارض، [بين الدستور الفدرالي والقانون الدولي] تعديل هذه الإتفاقيات أو الإنسحاب منها. رغم ذلك، سوف تستمر المحاكم في تطبيق الإتفاقيات الدولية التي سبق وأن خضعت لاستفتاء في سويسرا.
نحن لا نخضع لإمرة القانون الدولي، ولدينا الخيار في أي وقت للخروج من معاهدة كنا طرفاً فيها […] باستطاعة سويسرا أن تلغي أي معاهدة في أي وقت. حتى أنه بإمكاننا الانسحاب من الإتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان غداً لو أردنا، وما علينا سوى الإلتزام بمهلة الإشعار بيرمين بيشوف، الحزب الديمقراطي المسيحي
السياق: يتمثل الهدف الرئيسي لمبادرة تقرير المصير في مَنح الأولوية للقانون الوطني على القانون الدولي. وتأتي هذه المبادرة كردٍ على قرارٍ صادر عن المحكمة الفدرالية (أعلى سلطة قضائية في سويسرا)، يقضي بوجوب تقديم القانون الدولي على القانون الوطني عموماً، على الرغم من عدم تَضَمُّن التشريعات السويسرية لنص محدد يُفيد بذلك.
صواب أم خطأ؟
كانت حجة النائب بيشوف بإمكانية الغاء أي معاهدة دولية في أي وقت مُقنعة إلى درجة قيام العديد من البرلمانيين الآخرين بتكرارها.
مع ذلك، فإن الصيغة المُطلقة التي استخدمها بيشوف في إدعائه غير دقيقة؛ فهناك بعض المعاهدات الدولية التي لا يُمكن إنهاؤها ببساطة.
وبرغم نُدرة هذه المعاهدات، إلا أنها موجودة بالفعلرابط خارجي. فبادِئ ذي بَدء، هناك اتفاقيات الأمم المتحدة حول الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، أو حول الحقوق المدنية والسياسيةرابط خارجي بشكل أدق. وتتشابه قائمة حقوق الإنسان الواردة في هذه المواثيق مع تلك المنصوص عليها في الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان.
وبالمثل، لا يمكن إنهاء المعاهدات الحدودية بين سويسرا والدول المجاورة، كما لا يمكن إلغاء القانون الدولي الإلزامي.
على الجانب الآخر، كان بيشوف مُحقاً بشأن إمكانية الخروج من الإتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان. وفي هذه الحالة، لا يتعيّن على سويسرا إلّا احترام فترة الإخطار المفروضة من قبل الإتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان والمُتمثلة بستة أشهر. كذلك تتضمن مُعظم المعاهدات الموقعة مع الدول الأخرى بنوداً خاصة بالإلغاء.
لا توجد هناك أي دولة أخرى في العالم تفترض أسبقية القانون الدولي على دستورها الوطني […] هانز-أولي فوغت، حزب الشعب السويسري
السياق: يلجأ حزب الشعب إلى استخدام هذه المقارنة بين سويسرا والدول الأخرى، لدعم حجته القائلة بأن هذه المبادرة سوف تنفذ ما هو موجود بالفعل في دول أخرى ببساطة. لكن المعارضين يجادلون بأن مثل هذه المقارنات قصيرة النظر ومُضللة.
صواب أم خطأ؟
قامت وزارة العدل الفدرالية بإصدار تقرير حول كيفية قيام الدول الأخرى بتنظيم العلاقة بين القانون الدولي والقانون الوطني. وخَلُص التقرير إلى نتيجة أن أياً من الدول التي تمت دراستها لم تلتزم بمنح الأسبقية للقانون الدولي بشكل آلي. وهكذا فإن فوغت مُحق بهذا الصدد.
مع ذلك، يوجد هناك إستثناء واحد؛ حيث يحظى قانون الاتحاد الأوروبي بالأسبقية على القانون الوطني في الدول الأعضاء. وكما يجادل كورت فلوري من الحزب الليبرالي الراديكالي: “يتعين على جميع الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي الإمتثال لقانون الاتحاد الأوروبي، حتى وإن كانت قوانينهم الوطنية تحكم بخلاف ذلك”. ورغم أن هذا صحيح، لكن قانون الاتحاد الأوروبي يشكل حالة خاصة، لأن الاتحاد الأوروبي هو اتحاد بين مجموعة من الدول – أو حالة وسط بين دولة وكنفدرالية من الدول. وكلما كان الاتحاد أشبه بالدولة الحقيقية، كلما قلت سيادة الدول الفردية. وهذا يشبه النظام الفيدرالي في سويسرا إلى حد بعيد، حيث تكون للقانون الفدرالي الأسبقية على قانون الكانتونات.
بفضل الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان والضغط المفروض من قبلها، تم إدخال حقوق التصويت للنساء، وتعويضضحايا الأسبستوس، وإلغاء الإعتقال الإداري على سبيل المثال نادين ماسّاردت، الحزب الإشتراكي
السياق: وجه المعارضون للمبادرة الإنتباه مراراً وتكراراً إلى أهمية الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان بالنسبة لسويسرا، لأنهم يفترضون أن على البلاد التخلي عن الإتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان في حال تم تبني المبادرة.
منح النساء حق التصويت والترشح
كانت سويسرا واحدة من آخر الدول التي صادقت على الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان في أوروبا الغربية، بسبب عدم توافق بعض جوانب الدستور الفدرالي مع المعايير المتعلقة بحقوق الإنسان. وكانت حقيقة انفراد الرجال بالحق في التصويت والترشح هي إحدى هذه الجوانب، بسبب انتهاكها لمبدأ حظر التمييز.
وفي عام 1968، اعتزمت الحكومة الفدرالية التوقيع على الإتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان، لكنها طالبت بنص خاص يتعلق بحقوق التصويت للنساء. وحيث قوبل هذا الأمر باحتجاج الجمعيات النسائية، قامت الحكومة، وفي محاولة لاسترضائهن، بإطلاق مبادرة لمنح المرأة الحق في التصويت. وهكذا، وفي عام 1971، صوت الذكور السويسريون لصالح مَنح النساء هذا الحق في استفتاء شعبي تم تنظيمه على المستوى الفدرالي. وفي نهاية المطاف، تم التوقيع على الإتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان من طرف سويسرا في عام 1974.
ضحايا الاسبستوس
في سويسرا، تصبح مطالبات التعويض عن الإصابة الجسدية والوفاة باطلة بعد انقضاء عشرة أعوام. وحيث لا يمكن تشخيص الأضرار الصحية الناجمة عن التعرض لمادة الاسبستوس إلا بعد سنوات، أو حتى عقود في كثير من الأحيان، فإن الفترة القصيرة نسبيا لطلب التعويض، غالباً ما تنطوي على مشاكل بالنسبة للضحايا. وقد قام احد ضحايا التعرض لمادة الاسبستوس برفع قضيته إلى المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، والتي قضترابط خارجي في عام 2014 – في ضوء الأضرار البالغة التي لحقت بصحتة – بعدم تكافؤ فترة التقادم. وعقب العديد من المناقشات الشاقة، وافق البرلمان السويسري على تمديد فترة التقادم إلى 20 عاماً.
الإعتقال الإداري
حتى ثمانينات القرن الماضي، لم تَكتَفِ السلطات السويسرية بحبس المجرمين فحسبرابط خارجي، لكنها كانت تعمد إلى إحتجاز الرجال والنساء الذين كانت ترى أن نمطهم الحياتي غير أخلاقي وفقاً للأعراف السائدة في ذلك الوقت. وهكذا زُجَّ بالأمهات العازبات، والبغايا، ومُدمني الكحول والمخدرات، وغيرهم مِمَن تم تصنيفهم كسيئين أو كسولين في السجون. ومع الإفتقار إلى أي سبيل للإنتصاف مثل الطعن القانوني في ذلك الوقت، لم يكن بمقدور هذه الفئات الدفاع عن أنفسهم.
ولم تبدأ السلطات بالنظر في هذه الممارسات إلا بعد دخول الاتفاقية الأوروبية حيز التنفيذ. واليوم، لا يمكن احتجاز أي شخص بشكل تعسّفي، إلاّ وفق شروط واضحة، كأن تكون لديه ميول إنتحارية، أو إذا كان يُشكل خطراً على الآخرين. بالإضافة إلى ذلك، يتم إيداع المصابين في مصحات نفسية وليس في السجون كالسابق.
لقد أظهرت التطورات على مدى السنوات القليلة الماضية إطلاق عدد متزايد من المبادرات التي تتعارض مع القانون الدولي. ومن ثم تبرز هناك شكاوى قوية تستنكر تأثير القانون الأجنبي، الأمر الذي يوفر سبباً لإطلاق مبادرة شعبية دوري كامبيل، الحزب البرجوازي الديمقراطي (محافظ)
السياق: يتهم معارضو “مبادرة تقرير المصير” حزب الشعب السويسري اليميني بإطلاق مقترحات تنتهك القانون الدولي بشكل منتظم. وهم يجادلون بأن هذه المبادرات تقف وراء الإصطدام بين القانون الدولي والتشريعات الوطنية. كذلك يتهم بعض المعارضين الحزب بتعمد خلق مثل هذه المصادمات لتحقيق مكاسب سياسيةرابط خارجي.
صواب أم خطأ؟
يبدو أن الحكومة الفدرالية وبعض أعضاء البرلمان والمسؤولين يفترضون أن المبادرات الشعبية التي تنتهك القانون الدولي باتت تشكل مشكلة متنامية. وفي عام 2013، قامت الحكومة السويسرية بتقديم مقترحين لحل هذه المسألة للتشاور. كما قامت لجنة المؤسسات السياسية في مجلس الشيوخ (الغرفة العليا للبرلمان الفدرالي) – وبالنظر إلى الصعوبات الظاهرة في تطبيق المبادراترابط خارجي – بالتحقق من وجود حاجة لإدخال إصلاحات على النظام.
بعض هذه المبادرات الشعبية التي تُعتبَر خلافية – وأن لم يكن جميعها – أطلِقَت أو دُعِمَت من قبل حزب الشعب. وعلى سبيل المثال، قد تنتهك مبادرة الحَد من الهجرة الجماعية اتفاقية حُرية تَنَقُّل الأشخاص مع الاتحاد الأوروبي. وفي نفس السياق، قد لا يكون حظر بناء المآذن متوافقاً مع حرية المُعتقد أو الحَظر على التمييز. كما اعتبُرِ َالترحيل التلقائي لمُرتكبي بعض الجرائم على النحو المنصوص عليه في مبادرة الترحيل الآلي انتهاكاً للقانون الدولي.
مع ذلك، فإن هذه الظاهرة ليست بالجديدة على الإطلاق. وكما جاء في ورقة النقاشرابط خارجي التي أعَدَتها مجموعة التفكير المُستقلة “فوراوس” (foraus)، فقد تم إطلاق العديد من المبادرات التي تنتهك الحقوق الأساسية أو الإلتزامات الدولية لسويسرا منذ نهاية القرن التاسع عشر. وكأمثلة على ذلك، تشير المجموعة إلى إعادة العمل بعقوبة الإعدام في عام 1879، وحَظر الذبح وفق الطرق الدينية في عام 1892، واحتجاز الإشتراكيين في عام 1919، ومبادرات مناهضة لزيادة السكان الأجانب في أعوام السبعينيات. لكن “فوراوس” تشير أيضا إلى تزايد المبادرات المثيرةرابط خارجي للمشاكل التي حظيت بقبول الناخبين في الأعوام الأخيرة.
إن حقيقة التصادم المُتزايد للقانون السويسري مع الإلتزامات الدولية لا يعود إلى مُبادرات حزب الشعب السويسري فقط، ولكن إلى عوامل أخرى أيضاً. وكما يعتقد أوليفر ديغلمان، أستاذ القانون الدولي في جامعة زيورخ، فقد أدَّت الأهمية المتزايدة للقانون الدولي في عالمنا المُعولَم إلى تزايد احتمالات التعارَض مع القانون المحلي.
من المؤكد ان حزب الشعب السويسري لا ينفرد بإطلاق مبادرات تتعارض مع القانون الدولي. وكمثال على ذلك، هناك مبادرة ” “1:12- من أجل أجور عادلة” التي أطلقها شباب الحزب الإشتراكي في عام 2009، والتي كانت تهدف إلى أن لا يزيد أعلى راتب في أي مؤسسة عن إثني عشر مرة الراتب الأدنى فيها. وحينها، تَعَرَّض المقترح للإنتقاد بحجة تعارضه مع الحق في الملكية والحرية الإقتصادية.
علاوة على ذلك، يرى ديغلمان أن “فهم حقوق الإنسان أصبح أكثر إلحاحاً” بمرور الوقت، ولا سيما في ضوء الأحكام الصادرة عن محكمة ستراسبورغ، الأمر الذي يزيد من احتمالات حدوث صراع بين القانون المحلي والقانون الدولي. وكمثال على ذلك، يستشهد استاذ القانون الدولي بالحق في الحياة الخاصة والأسرية، وهو أمر مهم في الأحكام المتعلقة بالطرد من البلاد، والذي يعني بنظر المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان (مقرها ستراسبورغ) انتهاك المزيد من القوانين الوطنية لحقوق الإنسان.
ولكن كيف يمكن تحديد الإنتهاك بوضوح طالما لم تكن هناك أحكام قضائية؟ إن علم القانون ليس شبيها بالعلوم الدقيقة، التي يمكن من خلالها إثبات أو نفي هذه المعلومة أو تلك بشكل قطعي في كل الأوقات. فالعديد من الخبراء القانونيين كانوا سيعتبرون حَظر النقاب انتهاكا للحرية الدينية، في حين وجدت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان أنه مقبول.
ولهذا السبب، لا يسعنا نحن أيضاً أن نحدد بشكل قاطع ما إذا كان سيتم إطلاق المزيد من المبادرات التي تنتهك القانون الدولي أم لا.
المزيد
بيانات مُدققة من طرف SWI swissinfo.ch: كيف نقوم بعملنا؟
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.