ترامب وبايدن والكراهية: كيف يعيش الأفراد من أصل أمريكيّ في سويسرا حال الاستقطاب؟
هل الولايات المتحدة بلد مقسَّم؟ أم إنّ الاستقطاب في الولايات المتحدة شديد الاحتدام. تحدثنا مع شاب جمهوريّ، وسيدة ديمقراطية، وأخرى مستقلّة عن هذه الفجوة العاطفيّة.
روت الأمريكيّة سو ريكنباخر في أحد مقاهي مدينة زيورخ: “كتب شخص ما مؤخرًا على فيسبوك أن جو بايدن يشبه هتلر”. ولا يزال الرئيس الأمريكي جو بايدن حينها، مرشحًا رئاسيًا عن الحزب الديمقراطي.
ولا تؤيّد ريكنباخر بايدن، لكن كيف ينبغي أن تتعامل مع مثل هذه المقارنات؟ تقول: “يصعب اتخاذ موقف وسط، عندما يكتب شخص ما شيئًا كهذا”.
تتوتّر ريكنباخر عند الخوض في هذا الموضوع حتى في حياتها الخاصة، فتقول: “لم أعد قادرة على الحديث مع زوج شقيقتي حول
السياسة، لاعتقاده أن الانتخابات الأخيرة مزوّرة، وقد فقدت صديقة بسبب السياسة، عند انتخاب باراك أوباما”.
عندما يسبب الاستقطاب فجوة عاطفية
قد يتجاوز الاستقطاب الاختلاف في القضايا الموضوعية، ويحدث فجوة عاطفية بين المجموعات، فيُطلق عليه حينها “الاستقطاب العاطفي”، أو “الفجوة العاطفية”. فيصبح الجمهوري مثلا، أو الديمقراطي، سيئا في نظر الآخر.
وأجرى ألويز شتوتزر، وبنيامين سانسن الباحثان في علم الاقتصاد السياسي، دراسة حول الاستقطاب العاطفي في سويسرا، استنادًا إلى استبيان أدّى إلى عدم ازدياد هذا النوع من الاستقطاب في سويسرا، خلال السنوات العشرين الماضية، ما لم يتوقّعه شتوتزر لقوله: “لقد فاجأتني النتائج، إذ تخيلت أن يترك الأسلوب السياسي المتغير آثارا. وذلك لسعي الحملات السياسيّة أو إداراتها على الأقلّ، إلى تسليط الضوء على الخلافات”.
في الخامس من نوفمبر 2024، سيصوت الأمريكيون والأمريكيات لانتخاب رئيس جديد أو – ولأول مرة – رئيسة جديدة.
وقد أعلنت كامالا هاريس وكذلك دونالد ترامب أن هذه الانتخابات ستكون انتخابات مصيرية لمستقبل النظام السياسي والديمقراطية في البلاد.
لقد ساهمت كل من سويسرا والولايات المتحدة الأمريكية في تشكيل كل واحدة منهما الأخرى، عبر فترات تاريخية عديدة.
في هذا الوقت، قمنا بتحليل التاريخ المشترك للبلدين، ونظرنا في كيفية استمرار تأثير الماضي الأخوي في الحاضر.
ليز فوس تنظّم حملة انتخابية للديمقراطيين
تعتقد ليز فوس، التي تتبنّى الفكر الديمقراطيّ عن قناعة، وتشارك في حملاته الانتخابيّة، أنّ دعاية حزب الشعب السويسري أعطتها انطباعا بأنها غير مرحّب بها في سويسرا. لكنّها تشعر بالراحة في ألشويل، قرب بازل.
ويشعر من يحادث فوس، بحماس الحملات الانتخابية في كلامها. لذلك يقول الباحث بنيامين يانسن: “يمكن تحفيز الديمقراطيّة بمستوى معيّن من الاستقطاب العاطفي، فتميل الفئة المستقطبة عاطفيا إلى التصويت، والنشاط السياسي”.
الاستقطاب العاطفي في الولايات المتحدة
ويرى زميله ألويز شتوتزر، أنّ الاستقطاب العاطفي يصبح “خطيرًا”، عندما تميل الفئة المستقطبة عاطفيا، إلى إعادة انتخاب ساسة الحزب حتى في حال ارتكاب الأخطاء.
كما يرى أنّ الاستقطاب العاطفيّ قد استفحل في الولايات المتّحدة، على خلاف سويسرا. فيقول: ” تصبح إهانةُ الآخر استراتيجيّةً جذّابة، في استراتيجيّة التواصل السياسي في الولايات المتحدة، في ظل نظام الحزبين، وعدم وجود طرف ثالث خارجي. فيتماهى المرء مع حزبه، ويتميّز عن أنصار الحزب الآخر بوضوح، في الحياة اليومية الخاصة. فنادراً ما يمثل اليوم، وجود صهر من دين مختلف مشكلة بالنسبة إلى الشخص المستقطَب مثلا، لكن يمثّل ميوله السياسي والحزبي المختلف، مشكلة كبيرة”.
لحسن الحظ ينتمي الجميع إلى التيار الديمقراطي
تتعامل فوس لحسن حظّها، مع الشقّ الأمريكيّ الديمقراطي غالبا. لكنها ترى أنّ إقناع الطرف الآخر الذي يفكّر بطريقة مختلفة، لا يمكن أن يكون إلا من خلال المحادثات الشخصية.
وتلاحظ فوس مدى صعوبة التواصل عبر الإنترنت، خلال تبادل الأفكار مع من يحمل فكرا سياسيا مختلفا من أفراد الأسرة. فتختار تجنّب المواجهة عن بعد تماما. فتقول: “أفضّل عدم خوض النقاشات، لغياب بعض أركان التواصل المساعدة على الفهم، مثل لغة الجسد”.
وتهتمّ ليز فوس بالحق في إجراء عمليّة الإجهاض، كإحدى القضايا التي تشغلها بشدّة. فتشير إلى استطلاعات الرأي التي تظهر دعم أغلب الشعب الأمريكيّ الإجهاض القانوني.
وترى أن اعتبار الإجهاض غير قانونيّ مجددًا في بعض الولايات الأمريكية، أمرا غير مقبول. فتقول: “لن أرضى أن تُسلب حقوق ابنة أخي. وصحيح أن ابنتي تعيش هنا، لكنها لا تحمل غير جواز السفر الأمريكي”.
سويسرا كأرض للتنوع السياسي
تعتبر فوس سويسرا بلد التنوع السياسي. فتقول “يعجبني المشهد السياسيّ هنا، حيث تتعدد الأحزاب وتختلف”.
المزيد
”الأمن هنا والحرية هناك“… انطباعات من مهرجان الشاحنات الأمريكي في سويسرا
وتتمنّى رغم ميولها السياسي وجود حزب ثالث، أي حزب مُعتدل في بلدها الأصل، لقولها: “يميل كلا الحزبين إما إلى اليسار، أو إلى اليمين، إلى درجة ينعدم معها القاسم المشترك بينهما مطلقا”. لذلك تأمل في وجود حزب وسطيّ، يمكنه أن يساهم في تحقيق توافق في ظلّ المناخ السياسي المُحتدم، وتخفيف حدة النقاشات.
ولا تعرف فوس أيّ شخص يتبنى فكر الحزب الجمهوري في سويسرا، ربما لأنّ هذه الفئة قليلة جدا. طارق دينيسون أحد هؤلاء.
طارق دينيسون محافظ كلاسيكي
يعرض الشاب الحجج المؤيّدة والمعارضة قبل استخلاص الاستنتاجات، بغضّ النظر عن الموضوع.
ويدعو طارق إلى حلول عقلانية وعملية، حتى في ما يتعلّق بمسألة الإجهاض المثيرة لجدل كبير. فيبدو من ناحية، متمسّكا بشدة بقيمة الحياة، ولكنّه من ناحية أخرى، منفتح أيضا على ما اعتبره: “الدواعي الكثيرة لرفض فئة ناخبة أخرى موقفا مناهضا للإجهاض”.
نقاش عقلاني حول الإجهاض
يقول دينيسون عن الإجهاض في الشهر الثامن: “يمكن اعتباره قتلا بلا نقاش، إلا في الحالات الصعبة التي تكون فيها حياة الأم مهددة، ومن واجب الحكومة أخلاقيا، حماية الأرواح من مثل هذه المعاناة”.
ويفضّل العودة إلى الحوار العقلانيّ في ما يتعلّق بـالحالات الأقل تطرفًا، معتقدا اتّفاق الجميع في النهاية، على أنّ العالم الأفضل هو الذي يقلّ فيه عدد حالات الإجهاض.
ويتوقّع دينيسون رغم دقة تقييمه، صفات أخرى من رئيس الولايات المتحدة. فينتقد باراك أوباما، بسبب قيادته تحت الظل، فيعيب عليه اهتمامه الكبير برأي الاتحاد الأوروبي. ومن ناحية أخرى، يشيد بترامب لأنّه يضع أمريكا في مقدمة اعتباراته، وحساباته دون اعتذار، فلا يهتمّ بما تريده الحكومات الأخرى منه.
ناخب ولكنه ليس من معجبي دونالد ترامب
لا يعتبر دينيسون نفسه معجبا بترامب، لكنه صوّت له للفترة الممتدّة بين عامي 2016، و2020. وينوي ذلك خلال سنة 2024 أيضا. ويعبّر عن أسفه في الوقت نفسه قائلا: “من المؤسف جدا أن يسوء الاستقطاب في الولايات المتحدة أكثر، خلال السنوات العشر الماضية، أي منذ ظهور دونالد ترامب على الساحة السياسية”.
المزيد
كيف ساعدت الولايات المتحدة في نشأة جنيف الدولية؟
الحياة والحرية والبحث عن السعادة
يعود دينيسون عدة مرات إلى التاريخ الأمريكي خلال المحادثة، ليرتكز موقفه السياسي بقوّة، على مقومات تفكير الآباء الدستوريين الأمريكيين: الحياة، والحرية، والبحث عن السعادة؛ حقوق الفرد وواجباته في الدفاع عن أسرته، وحريته، وممتلكاته. فيقول: “تتمتّع الولايات المتحدة عموما، بمؤسسات قوية، فلا يحتاج النظام الذي نجا من حرب أهلية، وحربين عالميتين، من بين العديد من التحديات الأخرى، إلى إصلاحات كبرى”.
اقتحام مبنى الكونغرس
يسيطر الكونجرس الأمريكي، ومجلس الشيوخ، والسلطة القضائية، على الرئيس. فيرى طارق إمكانيّة موازنة أفضل لأولويات الشعب الأمريكيّ، مقارنة بالبدائل.
ويصف المتورّطين في اقتحام مبنى الكابيتول في 6 يناير 2021، قائلا: “عصابة يُديرها العديد من أنصار ترامب، وعلى بلادنا أن ترتقي أكثر، فلا تسمح بانتفاضة مسلّحة بعد انتصار خصم سياسي”.
ولكن، رغم هذا الموقف تجاه ما حدث بعد الانتخابات الرئاسية الأمريكية الأخيرة، لا يمثّل دينيسون سوى جزء من أقلية، بين أنصار التيار الجمهوري. إذ يعتقد 60 % من هؤلاء تزوير انتخابات 2020. ومازال دونالد ترامب، حتى في الحملة الانتخابية لعام 2024، يكرر ادّعاء فوزه في الانتخابات قبل أربع سنوات.
محادثة عبر الفجوات؟
تقول سو ريكنباخر: “يمكن لأي نظام أن يفشل”، بينما تخشى ليز فوس من عدم اعتراف ترامب بهزيمته مرة أخرى، مما يهدّد بحدوث موقف مشابه لما حصل عام 2021. أمّا بالنسبة إلى طارق دينيسون، فيعتبر كلّ من اقتحم مبنى الكابيتول باسم دونالد ترامب، أفراد عصابة.
لكنّ ما يجعلك تتخيل سو ريكنباخر، وطارق دينيسون، وليز فوس في مناقشة جادة، ولكن محترمة، هو إدانة الثلاثة لما حدث بعد الانتخابات الأمريكية الأخيرة، والاعتراف بالحقيقة نفسها. وإن التقى الثلاثة عاطفيا، فقد يكون ذلك مفيدا للنقاش الديمقراطي.
تحرير: مارك ليفينغستون
ترجمة: ماجدة بوعزة
تدقيق لغوي: لمياء الواد
أجريت المحادثات الخاصة بهذا التقرير قبل أن تُعلن كامالا هاريس كمرشحة للديمقراطيين.
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.