جون زيغلر: التزام لم يتغير
جون زيغلر الأستاذ وعالم الاجتماع والسياسي السويسري الذي تميز بانتقاداته اللاذعة للواقع السويسري خلال العقود الماضية، يجد بعد تقاعده منصة تلائم تطلعاته بوصفه المقرر الخاص للأمم المتحدة حول الحق في الغذاء. حياة مليئة بالمتاعب ولكن من أجل مبادئ لم يتخل عنها.
من كان يتوقع أن يلتزم جون زيغلر الصمت ككل المتقاعدين، بتوديعه مدرج جامعة جنيف في نهاية شهر مايو من هذا العام، يكون قد أخطأ الظن. وخير دليل على ذلك خطابه الى المجموعة الدولية أمام مؤتمر منظمة الأغذية والزراعة المنعقد في روما، حيث أدان “المجازر الصامتة للمجاعة”.
فجون زيغلر الذي كثيرا ما ردد طوال حياته النضالية بأنه يرغب في أن يكون “صوت الضحايا”، عُُيّن في شهر سبتمبر عام 2000، كمقرر خاص حول “الحق في الغذاء”. وبذلك أصبح صوتا لأكثر من 800 مليون شخص من ضحايا المجاعة وسوء التغذية في العالم.
عندما طالب مؤتمر الغذاء في روما “بإقرار الاعتراف بالحق في الغذاء كهدف للمؤتمر” إنما رغب في وضع المجموعة الدولية أمام التزامات محددة تحاسب عليها في حال عدم تحقيقها. ولا شك أن كتابه الذي في طور النشر “كيف أشرح المجاعة لابني” سيكون بمثابة إدانة صارخة للفوارق السائدة في الحصول على الغذاء.
الأستاذ الجامعي
إذا كانت الحياة الجامعية لجون زيغلر مليئة بالمتاعب، فإن الطريقة التي ودع بها الطلبة في نهاية شهر مايو الماضي، تبقى حلم كل أستاذ يحال على التقاعد. فقد جاء المؤيدون والمعارضون لتصوراته الفلسفية والسياسية من طلبة وأساتذة وسياسيين ودبلوماسيين لحضور آخر دروسه الجامعية التي خصصتها لموضوع من احب المواضيع له تحت عنوان “دور المثقف في فهم العالم وفي تغييره”.
وقد استغل كعادته الحضور الإعلامي المكثف لكي يرسخ في أذهان الجميع ما عاشه طوال حياته العملية، وما حاول محاربته بكتبه ودروسه وتدخلاته عبر وسائل الإعلام، كالعولمة، وراس المال، وتخصيص وسائل الإنتاج، وتفكيك القطاع العمومي.
التحق جون زيغلر بسلك التعليم في عام 1963 بالمعهد الإفريقي في جامعة جنيف، بعد أن حصل على شهادة الدكتوراه في عام 1958 من كلية الاقتصاد والاجتماع بجامعة برن. وقد درَس في عدة جامعات فرنسية مثل غرونوبل والصوربون، قبل أن يستقر في جامعة جنيف حتى شهر مايو الماضي. كما ترأس أشغال مخبر المجتمعات النامية بجامعة جنيف.
الكاتب والمؤلف
ما من شك في أن اكثر النشاطات التي جعلت جون زيغلر يشتهر في الخارج هي الكتابة. لكن مؤلفاته هي التي جعلته يعاني من ويلات المحاكمات المتكررة بتهم القذف والتجريح والاتهامات غير المستندة على دلائل مقبولة من قبل القانون.
ويكفي القاء نظرة عابرة على عناوين مؤلفاته لفهم سبب هذا التشنج القضائي ضده. فقد نشر في عام 1976 “الأحياء والأموات”، وفي عام 1980 “غيروا وجهات بنادقكم” أو “سوسيولوجيا المعارضة”، وفي عام 1985 “فلتحيا السلطة” أو “لذة فرض سلطة الدولة”، وفي عام 1988 “انتصار المهزومين” أو “القمع والمقاومة الثقافية”.
وإذا كانت عناوين كتبه حتى هذه المرحلة ذات اتجاه سوسيولوجي عام فإنه تخصص في مهاجمة النظام السويسري ابتداء من عام 1990 بعد نشره لكتابه الشهير “سويسرا تغسل أحسن من غيرها”. ونشره في عام 1997 في غمرة النقاش حول أموال اليهود المودعة في البنوك السويسرية، كتابا بعنوان “سويسرا والذهب والأموات”. وآخر كتاب له في هذه السلسلة، صدر عام 1998 تحت عنوان “أمراء الإجرام”. وقد كلفته هذه الكتب، رفع عدة قضايا قضائية ضده بعضها لم يحسم بعد.
السياسي صاحب المبادئ
عند الحديث عن السياسيين السويسريين، سرعان ما يقارن ذلك بما يصفه البعض بالخصال والبعض الآخر بالمساوئ، أي البحث عن الحلول الوسطى، ومحاولة التوفيق بين المواقف وعدم التشنج والتطرف في الدفاع عن فكرة ما ضد الجميع.
ربما أن جون زيغلر هو الاستثناء الذي يؤكد القاعدة كما يقال في هذا البلد. فقد ناضل في صفوف الحزب الاشتراكي وتقلد منصب ممثل دويلة جنيف في البرلمان الفدرالي. ولما أصبح الحزب يضيق بتشدده، لم يتردد في تقديم نفسه ضمن قائمة الشباب الاشتراكيين في دويلة زيوريخ معقل المتطرف اليميني كريستوف بلوخر في عام 1999.
لكن الالتزام السياسي لجون زيغلر يتعدى حدود دويلة جنيف او سويسرا. فقد كان نضاله موجها ضد رأس المال وضد نهب خيرات الدول النامية، وضد الأنظمة الديكتاتورية التي حلت محل الاستعمار في العديد من الدول النامية.
وقد انتقده البعض لتقاربه مع رؤساء بعض الأنظمة مثل الرئيس العراقي صدام حسين الذي استطاع أن يتوسط لديه في عام 1991 للإفراج عن الرهائن السويسريين أثناء أزمة الخليج، أو علاقته بالزعيم الليبي معمر القذافي عبر منظمة “شمال-جنوب” التي لها مقر في جنيف وتُمولها ليبيا.
ومهما اختلفت الآراء حول جون زيغلر ما بين مناصر ومنتقد، فلا أحد بإمكانه أن يشكك في كون أن الرجل ظل وفيا لمبادئ ثورية اكتشفها صدفة في كواليس فندق الانتركنتنونتال في جنيف عام 1964 عندما شاء القدر أن يلاقيه بالزعيم الثوري شي غيفارا. ويبدو أن زيغلر لم ينس نصيحة الزعيم الثوري له “أن ساحة نضالك هنا، لأنك في قلب الوحش”.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.