حان الوقت لإنشاء ـ الكانتون السابع والعشرين.. الرقمي!
انطلق عصر الديمقراطية الرقمية. إذ يكاد الجدل يقتصر حتى الآن على التصويت الإلكتروني. وإذا ما أصر الساسة على الاستمرار في عرقلة التحول الرقمي، فإن الفرص تزداد في أن يضع المجتمع المدني يده على هذا الملف. فهل يتوقع أن يقوم نشطاء الإنترنت بإنشاء كانتون رقمي قريباً؟
هذه المساهمة هي جزء من #DearDemocracy، المنصة التي تتيحها swissinfo.ch لتناول شؤون الديمقراطية المباشرة. هنا يعبّر كتاب عاملون وغير عاملين بالمؤسسة عن آرائهم. ولا تتطابق مواقفهم بالضرورة مع تلك التي تتبناها swissinfo.ch.
لنتخيل أنفسنا في عام 2019: حيث تقترع سويسرا حول مبادرة مسؤولية الشركات الكبرى. وحيث يسفر الاقتراع عن نتيجة هزيلة. وفي يوم الأحد المحدد للاقتراع سيتمكن السويسريون رجالاً ونساءً لأول مرة من استخدام التصويت الالكتروني: وللإدلاء الإلكتروني بصوتهم، فما عليهم سوى الضغط على زر “نعم” أو “لا” في الانترنت.
إلا أنه قبيل إغلاق صناديق الاقتراع، تقوم بعض البلديات بالإبلاغ عن وجود خلل ما. أولاً: تظل لجان الاقتراع تفتح أبوابها لمدة أطول، لإتاحة فرصة للإدلاء بالصوت. ثم نبدأ في رؤية مشاهد مضطربة في استوديو البث التليفزيوني. حيث تتهم الأحزاب بعضها البعض بالغش الانتخابي.
ظهور أسوء حالة
في منتصف الليل، وآنذاك فقط، تعلن الحكومة الفدرالية عن إلغاء التحذير. فلم يكن الأمر يتعد خطأ في نظام التشغيل أثناء عملية نقل البيانات. ولم يصل وقف التحذير سوى في وقت متأخر للصحف اليومية والتي تصدرتها يوم الإثنين بحروف سميكة عناوين حول “محاولات التلاعب الإلكتروني”.
وليس مثل هذا السيناريو هو الحالة الأسوأ. فماذا لو لم يلاحظ أحد وجود اختراق من قِبل قراصنة الإنترنت، أو لوحظ ذلك بعد فوات الأوان؟ ستكون النتيجة هي فقد الثقة، ليس فقط في التصويت الإلكتروني وإنما في الديمقراطية برمتها.
الكتاب
نُشر كتاب “جدول أعمال الديمقراطية الرقمية ـ الفرص، والمخاطر والسيناريوهاترابط خارجي“رابط خارجي في مطلع شهر يونيو في دار نشر “إن تست تست ليبرو” بزيورخ.
إنه يمثل دعوة لمزيد من الديمقراطية الرقمية، وبوصلة لتطبيقها سياسياً وكذلك إرشادات للتعامل مع فرص ومخاطر التحول الرقمي.
يتم تدشين الكتاب في الحادي عشر من يونيو بزيورخرابط خارجي (بحضور كلود لونشام وآنيا فايدن غوِلبا) وكذلك في الثاني عشر من يونيو في بازلرابط خارجي (بحضور لاورا تسيمرمان ورونيا يانسن).
فالخبراء يحذرون منذ زمن بعيد من مخاطر التصويت الإلكتروني. إلا أن المستشار الفدرالي السويسري فالتر تورنهِر يؤكد أنه “يجب توخي الأمن قبل السرعة”. وفي الأثناء، لا يزال البرلمان يعلق البت في تأجيل التصويت الإلكتروني، كما أنه تم الإعلان عن مبادرة شعبية حول هذا الحظر.
تسريبات إدوارد سنودون لبيانات وكالة الأمن القومي الأمريكية
لكن فرص عرقلة تقدم هذه العملية سانحة، حيث أن التحول الرقمي للديمقراطية لا يحظى بسمعة طيبة حالياً. فالرأي العام يعتبر التصويت الإلكتروني مصدراً خطيراً لاختلاط الحابل بالنابل. وقد بدأ هذا الوضع بتسريبات إدوارد سنودن لبيانات وكالة الأمن القومي الأمريكية، ثم ما لبث أن امتد إلى الطرق الملتوية التي سلكها دونالد ترامب نحو البيت الأبيض، وانتهاء بمنع بعض الصفوف الدراسية في سويسرا مؤخراً من استخدام تطبيق “واتس آب”.
لكن ما يظهر من عمل جبل الجليد الديمقراطي فوق سطح ما يراه الجماهير ليس سوى جزءاً يسيراً فقط. حيث يقع تحت هذا السطح العمل الإداري والبرلمان والمحاكم والأحزاب والمنظمات غير الحكومية والاتحادات الاقتصادية وسياسة الميليشيات والاقتصاد والبحث العلمي.
وفي خضم الجدل الدائر يتم تناسي أن الديمقراطية آلية معقدة. وقد تحولت ـ كما حدث لنا أنفسنا تماماً ـ إلى الرقمية منذ زمن بعيد. فلدى الأحزاب قواعد للبيانات، كما أن الهيئات الحكومية تتيح خدمات إلكترونية، وتطلق لجان الاقتراع حملات على الفايسبوك، وكذلك يستفيد السياسيون في البلديات من تويتر، كما أن الحركات الشعبية تقوم بجمع التوقيعات إلكترونياً.
لم يعد في الإمكان تصور الديمقراطية بدون الرقمية. وإلا أصبحت بطيئة وباهظة وغير دقيقة بالمرة ومعرضة كذلك للأخطاء.
لذلك فلا تتصرف انطلاقاً من خوف أو غضب. حيث لم يعد في الإمكان تصور الديمقراطية بدون الرقمية. وإلا أصبحت بطيئة وباهظة وغير دقيقة بالمرة ومعرضة كذلك للأخطاء.
ولا يمكن إلغاء هذا التطور، بل لابد من مواكبته. وهو يحتاج إلى خبرة ومعرفة، سواء كان ذلك من جانب المسئولين، أو من جانب وسائل الإعلام. بل في المقام الأول بين صفوف المواطنين أنفسهم. فلابد من وجود فرص لاختبار سبل جديدة وتجربتها.
وفرة مختبرات الديمقراطية
وجدير بالذكر أن سويسرا تتيح الظروف الأفضل لهذا الأمر: فالكانتونات والبلديات تعتبر مختبرات للديمقراطية من الدرجة الأولى. ولقد أثبت النظام السياسي من خلال وجود حق تقديم المبادرات واجراء الاستفتاءات، أنه يستطيع التفاعل مع التغيرات الاجتماعية بقدر من الابتكار.
وهناك مؤشرات مبدئية تدل على أن أجواء انطلاق الديمقراطية الرقمية آخذة في الازدياد. ففي أنحاء سويسرا كلها يمكن ملاحظة كيف يتم اختبار تقنيات وآليات جديدة: مثلاً في قطاعات الشباب بالأحزاب، وفي حركات مثل “عملية التحرر” (Operation Libero)، والحملات التي تتحرك “من أسفل المجتمع لأعلاه” مثل تلك التي تناهض مراقبة المؤمن عليهم، ومراكز الأبحاث مثل “مختبر الدولة” (staatslabor) والكثير غيرها، إذ توضح جميعها هذا الاتجاه، خاصة لدى الجيل الشاب شديد الارتباط بالتكنولوجيا.
أجواء اكتشاف منجم الذهب الرقمي
فلنعد لتلك النظرة المستشرفة للمستقبل والتي استهللنا بها هذا المقال: فبعد يوم الأحد ذاك، والذي شهد الاقتراع المحتوم، فإن الكنفدرالية تقوم بتجميد جميع المشاريع الخاصة بالديمقراطية الرقمية. لكن هذا التوقف التام يحشد جماعة صغيرة من نشطاء الانترنت وخبراء تكنولوجيا المعلومات ومستثمري سلاسل الكتل الحاسوبية. حيث ينضم هؤلاء لبعضهم البعض بهدف تأسيس كانتون رقمي جديد.
وهذا الكانتون السويسري السابع والعشرين يتيح لمواطنيه فرصاً جديدة للمشاركة في اتخاذ القرار وكذلك خدمات حكومية. كما يظهر الاقتصاد اهتماماً بهذا الكانتون، إذ أن إنشاء الشركات الصغيرة المبتدئة والشركات الأخرى يصبح ممكناً في غضون وقت قياسي.
الجنسية السويسرية الإلكترونية
وفي خلال أسابيع تنشأ منصة لهذه “الجمهورية الرقمية” الجديدة. ويقوم أكثر من 75 ألف شخص بتسجيل أنفسهم إلكترونياً ويشاركون في الاقتراع حول الدستور.
وعلى مستوى العالم يظهر انبهار شخصيات منفردة وشركات بهذه الإمكانية للحصول على جنسية سويسرية رقمية، وهي ما يعرف بالجنسية الإلكترونية. وهكذا يضحى هذا الكانتون الجديد سابحاً في بحيرة من الأموال، والتي يدفعها المواطنون القادرون عبر التمويل الجماعي في “خزينة الدولة”.
وبعيد تأسيس هذا الكانتون بأشهر قليلة يقوم أعضاء الغرفة العليا بالبرلمان بالتوقيع على مبادرة برلمانية، لمطالبة الحكومة الفدرالية بإجراء مباحثات مع الكانتون السابع والعشرين. حتى أن إجراء تعديل دستوري، بهدف تمهيد السبيل لذلك الكانتون الرقمي، لن يكون أمراً مستبعداً.
المؤلفون
درس داينل غراف (من مواليد عام 1973) التاريخ والاقتصاد القومي والاجتماع. ويقوم بصفته مستشاررابط خارجي بدعم منظمات المجتمع المدني والأحزاب والاتحادات أثناء حملاتها. وكان يعمل في السابق كمتحدث إعلامي لمنظمة العفو الدولية وكمدير تنفيذي في حزب الخضر بزيورخ. كما شارك في تأسيس المنصة الإلكترونية wecollectرابط خارجي، وفي مؤسسة التعليم المستدام Campaign Bootcampرابط خارجي، وكذلك في مراكز الأبحاث المعروفة باسم PublicBetaرابط خارجي.
درس ماكسيميليان شترن (من مواليد عام 1986) العلوم السياسية والاقتصاد القومي والقانون الأوربي. وهو أحد مؤسسي مركز أبحاث “foraus” (منتدى السياسة الخارجية)رابط خارجي، كما شارك في تأسيس مركز “staatslabors” (أو مختبرات الدولة)، وهو مركز أبحاث يختص بالابتكار في الإدارة. وبصفته زميل لكلية Mercator Kollegsرابط خارجي للشئون الدولية، فقد عمل في الولايات المتحدة وفي السودان وإيطاليا في مجال تقاطع التقنيات الجديدة وإمكانيات المشاركة الديمقراطية.
مدونة المؤلفين حول الكتاب:
تعبر الآراء المنشورة في هذا المقال عن كُتَابه فقط ولا تتطابق بالضرورة مع تلك التي تتبناها swissinfo.ch.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.