مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

التضليل الإعلامي في سويسرا والولايات المتحدة خطر يتهدد “الديمقراطيتيْن الشقيقتيْن”

كامالا هاريس
صورة مزيّفة تم إنشاؤها بواسطة الذكاء الاصطناعي تصوّر كامالا هاريس على أنها ديكتاتورة شيوعية. X

قبيل الانتخابات الرئاسية، تواجه الولايات المتحدّة الأمريكية سيلا غير مسبوق من المحتوى الرقميّ الزائف، الذي تُنتجه أدوات الذكاء الاصطناعي. ويحذِّر الخبراء من أن سويسرا ليست بمنأى عن هذا الخطر، فالديمقراطية المباشرة فيها، أكثر عرضة لحملات التضليل التي تهدّد الناخبات والناخبين حول العالم.

صرّح تورادج إبراهيمي، الأستاذ في المعهد التقني الفدرالي العالي بلوزان (EPFL)، والخبير في تقنيات التزييف العميق (Deepfakes)، قائلاً: “سويسرا قد تتأثَّر بشدّة؛ فإن تلقّى الشعب معلومات خاطئة، اتّخذ قرارات خاطئة”. وأكد أن الديمقراطيات المباشرة، التي تمنح عامة الشعب دورًا رئيسيًّا في صنع السياسات، ستكون الأكثر تضررًا من المعلومات المضللة، والمحتويات المزيّفة التي تروِّج لها تقنيات الذكاء الاصطناعي. وينطبق هذا على سويسرا، كما ينطبق على غالبية الولايات الأمريكية، حيث يتخذ الشعب قرارات حاسمة، جنباً إلى جنب مع من ينتخب لتمثيله.

وقد أظهرت الحملة الانتخابية الرئاسية الأمريكية الجارية، مدى قدرة الذكاء الاصطناعي على تشويه النقاشات السياسية. فقد رأينا بالصوت والصورة، أنواع المحتويات جميعها هذا العام: صور تُظهر كمالا هاريس ديكتاتورة في مؤتمر شيوعيرابط خارجي، ورسائل صوتيةرابط خارجي منسوبة لجو بايدن، تحثُّ على عدم التصويت، وفيديوهات تُظهر إيلون ماسك ودونالد ترامب، يرقصان بملابس عصرية على أنغام موسيقى السبعيناترابط خارجي. وما تلك سوى أمثلة قليلة على محتوى التزييف العميق (مواد سمعية وبصرية مزيفة تُنتج بواسطة الذكاء الاصطناعي)، الذي ينتشر عبر الإنترنت على منصات التواصل الاجتماعي مثل منصة X (تويتر سابقًا).

محتويات خارجية

وينشر هذا المحتوى معلومات مضلّلة، ويتلاعب بالرأي العام بفعالية كبيرة وجهد بسيط. وقد حُظيت مواد من محتوى التزييف العميق واقعيا، بالملايين من المشاهدات، والإعجاب، وإعادة النشر، ما أثار القلق في الولايات المتحدة إلى درجة إصدار 20 ولاية على الأقل لوائح ضدها، كما أصدرت وزارة الأمن الداخلي تحذيرات من مخاطر الذكاء الاصطناعي، على الانتخابات الرئاسية. ووقّعت ولاية كاليفورنيا مؤخّرا، على أحد أشد القوانين صرامة في الولايات المتحدةرابط خارجي، لمكافحة مواد التزييف السياسي العميق.

ولا تزال سويسرا متأخرة عن سنّ تشريعات مماثلة. وبينما وضع الاتحاد الأوروبي لوائح لتنظيم التزييف العميقرابط خارجي في قانون الذكاء الاصطناعي الأوروبي، أعلنترابط خارجي الحكومة السويسرية العام الماضي عدم الحاجة إلى تشريع خاص لمكافحة المحتوى الذي يُنشأ أو يُتلاعب به بواسطة تقنيات الذكاء الاصطناعي.

لكن، رغم الجهود التشريعية، لم تتمكن الولايات المتحدة ولا أي من الديمقراطيات الكبرى في العالم، من تجنب انتشار الفيديوهات، والصور، والأخبار المزيفة، في عام شهد أكبر مشاركة سياسية في التاريخ، ويتوجّه فيه ما لا يقل عن أربعة مليارات شخص إلى صناديق الاقتراع.

ويرى إبراهيمي، أنّ ازدياد المعلومات الرقمية المضللة، المنتجة عبر الذكاء الاصطناعي، لم تصل إلى ذروتها بعد. وقد نشهد منها المزيد مستقبلًا. وسيصعب تمييزها من الواقع أكثر فأكثر مع تطور التكنولوجيا. وتتّفق معه عقول خبيرة أخرى استشارتها سويس إنفو (SWI swissinfo.ch).

وفي ما يلي أهم ثلاثة أسباب تستوجب عدم الاستخفاف بمخاطر المعلومات المضللة المدفوعة بالذكاء الاصطناعي على الديمقراطية السويسرية:

1.محركات البحث وروبوتات المحادثة تقدّم معلومات متحيزة وغير صحيحة

حذّرت المنظمات غير الربحية والمجموعات البحثية، من المخاطر والقيود المتعلقة ببرامج الذكاء الاصطناعي وخوارزمياته، على الديمقراطية السويسرية. فقبيل الانتخابات الفدرالية السويسرية في أكتوبر 2023، حلّلترابط خارجي المنظمة السويسرية غير الربحية ألجوريثم واتش سي أيتش ((AlgorithmWatch CH إجابات روبوت الدردشة الذي تُتيحه شركة مايكروسوفت على محرك بحثها (Bing). فوجدت أن ثلث الردود المتعلقة بالانتخابات، احتوت أخطاء تنافي الواقع. بل وصل الأمر بالذكاء الاصطناعي إلى اختلاق فضائحرابط خارجي حول شخصيات سياسية معينة. وعلقت أنجيلا مولر، مديرة المنظمة، قائلة: “قد تكون روبوتات الدردشة مع الذكاء الاصطناعي المُدمجة في محركات البحث مضللة، لاعتماد الكثير من الناس على ما يجمعه منها”.

ولكن قد تكون محركات البحث هذه مضلّلة. فقد أظهر تقرير بحثيرابط خارجي صادر عن جامعتي برن وزيورخ، أن غوغل أكثر محركات البحث استخدامًا في سويسرا، وقد قدّم نتائج ومعلومات تختلف باختلاف لغة البحث. ففضّل محرّك البحث على غوغل في الاستفسارات باللغة الألمانية، وعرض معلومات من المصادر أو الأحزاب الأكثر انتقادًا للقانون، مقارنةً بالاستفسارات التي وقعت باللغة الإيطالية أو الفرنسية، إذ عرض نتائج من مصادر أقل انتقادًا.

المزيد
لعبة تعليمية

المزيد

دراسة دولية: الجمهور السويسري لا يميّز بسهولة بين الحقيقة والأخبار المضلّلة

تم نشر هذا المحتوى على يبدو أن الجمهور السويسري لا يجيد التمييز بين الأخبار الصحيحة والاخبار المضللة، وفقًا لدراسة أجرتها منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية.

طالع المزيددراسة دولية: الجمهور السويسري لا يميّز بسهولة بين الحقيقة والأخبار المضلّلة

وصرّح ميكولا ماخورتِخ، الباحث المشارك في إعداد التقرير: “يجب أن تبعث هذه النتائج على القلق، في ديمقراطية متعددة اللّغات، وتشهد استقطابًا فعليا مثل سويسرا”. وحذَّر من غياب الشفافية في طرق عمل خوارزميات البحث، وبرامج الذكاء الاصطناعي، ومن فشل الشركات التكنولوجية الكبرى الحقيقي رغم وعودها، في إنشاء نظم فعالة لمكافحة الأخبار الكاذبة والاستقطاب.

2. المعلومات المضلّلة الناتجة عن الذكاء الاصطناعي تقلل الثقة بالمشهد الإعلامي  

يعتبر ماخورتِخ أنّ أنظمة الذكاء الاصطناعي اليوم، تتيح إنشاء المعلومات المضللة ونشرها، بسرعة أكبر وجهد أقل. ويتزايد عدد المواقع الإخبارية التي تنجح في تقليد  وسائل الإعلام الموثوقة أو التقليديةرابط خارجي، بينما هي في الواقع مليئة بالمحتوى الذي ينتجه الذكاء الاصطناعي تلقائيًّا، الخالي من الدقّة غالبًا، والمختلف تماما أحيانا. وتعجّ صفحات منصات التواصل الاجتماعي الرئيسية بمثل هذه الأخبار المساهمة في نشر أكثر من 60% من المعلومات المضللة في سويسرا، حسب استطلاعرابط خارجي أجراه مركز أبحاث المجال العام والمجتمع (fög).

محتويات خارجية

وحتّى وإن قرأت هذه الأخبار المنتجة بواسطة الذكاء الاصطناعي نسبة صغيرةرابط خارجي من السكان، فقد يصعب التعرّف عليها، وتجنّب الكاذبة منها نظرا لإتقانها. فقد صنّف استطلاع حديث أجرته منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية الجمهور السويسري ضمن الشعوب الأقل قدرة على تمييز الأخبار الصحيحة من المضلّلة.

ويقول كارستن دوناي، أستاذ السلوك السياسي والإعلام الرقمي في جامعة زيورخ: “خطير حقّا أن يشبه المحتوى الذي تنتجه الأقلام الصحفية الحقيقية، ما ينتجه الذكاء الاصطناعي”. فقد يشعر الناس بالخداع، وتُسحب الثقة من النظام الإعلامي ككل.

وقد غيّرت هذه المنظومة فعلا، طريقة تلقّي الجمهور السويسري المعلومات. إذ نُشرت حديثا أرقام في تقرير رويترز للأخبار الرقمية، بيّنت أن المواقع الإخباريّة الإلكترونيّة، تمثّل المصدر الرئيسي للمعلومات في سويسرا. ورغم أنّ القنوات التقليدية الأكثر موثوقية مثل التلفزيونون، والصحف، والإذاعة لا زالت تحظى بالأهمية، فقد شهدت تراجعًا ملحوظًا منذ عام 2016.

ويعتبر التقرير أنّ من أسباب تراجع استهلاك الإعلام التقليدي، شعور الناس بالإرهاق من كثرة الأخبار لذلك، بدأ الجمهور السويسري يفقد الاهتمام بها، شأن الكثير من جماهير العالم.

وتشهد سويسرا تحولاً أقل حدة من بعض الديمقراطيات الأخرى مثل الولايات المتحدة، حيث يكاد الجمهور يتخلى تمامًا عن وسائل الإعلام التقليدية.

ولكن لا يعني ذلك أنها أقل عرضة لمخاطر الذكاء الاصطناعي، كما يقول دوناي، معتقدا استمرار اكتساب محركات البحث وروبوتات الدردشة، أهميّة كمصادر للمعلومات. 

ويضيف الأستاذ في السلوك السياسي والإعلام الرقمي قائلا: “سيستخدمها الناس أكثر فأكثر، ولا نعرف حقًّا إلى أين سيقودنا ذلك”. ويعتبر أنّ وضع ضوابط تضمن التزام المصادر غير الصحفية بمعايير محددة، لا يزال ممكنا. 

3. تقنيات الذكاء الاصطناعي التوليدية تمتلك قدرة عالية على الإقناع

لا تزال صعوبة إثبات تأثير المعلومات المضللة القائمة على تقنيات الذكاء الاصطناعي الفعليّ في رأي الجمهور وسلوكه، قائمة إلى حدّ الآن.

ويقول فابريزيو جيلاردي، أستاذ التحليل السياسي في جامعة زيورخ: “هي ليست ظاهرة جماعية. إذ تنتشر المعلومات المضللة عادة في حدود”. ويرى أن المعلومات المضللة موجودة دائما، وأظهرت أكثر الدراسات موثوقية أن تأثيرها أقل مما يعتقد الناس. فلن يغيّر الذكاء الاصطناعي الوضع جذريّا”.

وقد أثبتت دراسات مستقلة أجريت بالتعاون مع شركة ميتا (Meta)  (الشركة الأم لفيسبوك)، خلال الانتخابات الرئاسية الأمريكية لعام 2020، أنّ المعلومات المضللة المنتشرة على وسائل التواصل الاجتماعي، لم تؤثّر كثيرا في المواقف والسلوكات، ولم تساهم في زيادة الاستقطاب.

ولكن قد يتغيّر الوضع مع ظهور منصات الذكاء الاصطناعي التفاعلية مثل تشات جي بي تي (ChatGPT). فقد أظهرت دراسة أجراها المعهد التقني الفدرالي العالي في لوزان، في الولايات المتحدة، شملت حوالي 900 شخص، مهارة تشات جي بي تي الكبيرة في التأثير على آرائنا.

ويقول فرانشيسكو سالفي، عضو فريق تأليف الدراسة: “القدرة الإقناعية لنماذج الذكاء الاصطناعي التوليدية عالية جدّا إلى درجة أنها قد تؤثر في نتائج الانتخابات”.

المزيد
يدان تتصافحان
وسائل التواصل الاجتماعي

المزيد

وسائل التواصل الاجتماعي ونشر التضليل : الوضع في سويسرا والولايات المتحدة

تم نشر هذا المحتوى على وسائل التواصل الاجتماعي عالمية، لكن هذا لا يعني بالضرورة أن لها نفس التأثير في كل مكان.

طالع المزيدوسائل التواصل الاجتماعي ونشر التضليل : الوضع في سويسرا والولايات المتحدة

وتوصّل سالفي وفريقه إلى أن قدرة الجيل الرابع من تشات جي بي تي على تغيير رأي شخص، تفوق قدرة البشر بنسبة 82%.

ويتفاقم الوضع إذا امتلك الذكاء الاصطناعي معلومات شخصية عن المستخدم. فيُصبح قادرا على توليد رسائل مخصصة ومقنعة أكثر. ولم يسبق لهذا الأمر مثيل، حتى مقارنةً بأبرز حالات التضليل الأخرى، كتلك التي استخدمت فيها شركة كامبريدج للتحليلات (Cambridge Analytica) بيانات الملايين الشخصيّة على منصة فيسبوك (Facebook) استخدامًا غير قانوني، لإحداث تأثيرات سياسية، في واقعة اكتشفت عام 2018. ويقول سالفي: ” نحن نواجه [قوة] تفوق كامبريدج للتحليلات بأضعاف مضاعفة. وأنا على يقين من وقوع ذلك فعلا”.

تحرير: بنيامين فون فيل وفيرونيكا دي فوري

ترجمة: ريم حسونة

مراجعة: عبد الحفيظ العبدلي

التدقيق اللغوي: لمياء الواد

المزيد

قراءة معمّقة

الأكثر مناقشة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية