شرح الديمقراطية على الطريقة السويسرية
يعتقد البعض أن ممارسة الديمقراطية والتعرف على نظام الدولة أمر عسير بل معقد للغاية، يصعب على الفرد العادي فهمه والتعامل معه.
وبدلا من الخوض في المراجع وكتابة الأبحاث المستفيضة في المصطلحات والمفردات، توصل خبير سويسري إلى طريقة تفاعلية جذابة تشرح هذه المادة الجافة بشكل مبسط وعملي شيق.
البداية كانت في تحذير المراقبين منذ فترة من انحسار اهتمام الشباب بالعمل السياسي في سويسرا والذي بدأ ينعكس بالفعل على الكوادر المستقبلية سواء في الأحزاب أو الحكومة.
ولهذا التراجع أسباب مختلفة، ولكن على رأسها تزايد الاهتمام بالعلوم الطبيعية والاقتصاد كأحد العوامل الهامة لفتح أبواب العمل التي تزداد انغلاقا يوما بعد بعد، فـتـُر على إثرها الإقبال على الفروع الدراسية النظرية لاسيما في مراحل التعليم الأساسي وقبل الجامعية، فكان من الطبيعي أن تكون موضوعات مثل الدولة والسياسة الداخلية في آخر قائمة المواد التي يهتم بها التلاميذ.
ويقول ياكوب فوخس مؤلف كتاب “الدولة” المدرسي الشهير حول النظام السياسي في سويسرا، بأن كتابه الذي كان يوما ما أحد أشهر الكتب المدرسية، أصبح الآن في أخر قائمة اهتمامات التلاميذ، مع دخول كتب ومواد أخرى حازت على اهتماماتهم، وأصبحت المادة، التي تشرح طريقة التعامل مع الدولة ومؤسساتها مهملة، على الرغم من أهميتها للمواطنين عامة، والشباب خاصة، لأنهم شبكة المستقبل.
وقد حاول فوخس مجموعة من الطرق ليجعل التعرف على نظام الدولة في سويسرا والحياة السياسية فيها مادة شيقة، فلم يجد إلا تقديمها من خلال صفحة تفاعلية على الإنترنت، لا تكتفي بعرض المادة مكتوبة، بل أيضا يوضحها بالرسوم والصور التي تنتقل بالزائر من موضوع إلى آخر بسهولة ووضوح.
للتلاميذ والجمهور
فعلى سبيل المثال يوضح الموقع كيف تظهر مادة جديدة في القانون السويسري، أو كيف يتم تعديل احدى فقراته، في رحلة تفاعلية تمر بجميع الخطوات، انطلاقا من الفكرة مرورا بآلية جمع الأصوات المؤيدة لها وحتى أسلوب الإعداد والصياغة والموافقات الضرورية وحتى الاستفتاء الشعبي عليها، بما في ذلك أيضا احتمالات رفضها من البرلمانيين، وكأن المتابع لتلك الرحلة يعايش تجربة عملية حقيقية في البرلمان.
الموقع التفاعلي لنظام الدولة في سويسرا، وسياستها الداخلية، بهذا الأسلوب العملي، أقنع البرلمانيين، فأصبح جزءا من موقع البرلمان السويسري الرسمي، فقد تحول بمرور الوقت إلى أداة تعليمية في قاعات الدراسة ملازمة للتعليق على هذا الموضوع بشكل عملي ويمارس عليه التلاميذ أيضا التمارين العملية، وشهد إقبالا أيضا من المواطنين العاديين.
ويقول دانيال شفايتسر من خدمة الإنترنت في البرلمان السويسري، بأن الاهتمام بالموقع يتزايد بمرور الوقت، حتى انه عندما تقرر رفعه من على صفحات البرلمان، تلقى العديد من رسائل الاحتجاج التي تطالب بإعادته مرة أخرى.
فتور وتراجع
الحاجة إلى مثل تلك الوسائل التعليمية التطبيقية العملية، أمر هام وضروري؛ لاسيما في ظل الجهل السياسي الذي يعاني منه أغلب الشباب السويسري الآن، إذ تشير الإحصائيات المقارنة مع بقية الدول الأوروبية، أن معرفة التلاميذ السويسريين بالسياسة اقل من المتوسط مقارنة مع بقية دول غرب أوروبا، ولديهم قدرة متوسطة في فهم النصوص والفقرات المتعلقة بالسياسة والتعامل معها.
وإذا كانت الإحصائيات السويسرية تشير إلى أن 25% فقط من بين الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و 24 عاما هم الذين يحرصون على التوجه إلى صناديق الاقتراع وأعرب أقل من نصفهم عن استعدادهم، للذهاب إلى الانتخابات والتصويت في الاستفتاءات، فهي مؤشرات مقلقة للغاية، تعكس مدى النظرة السلبية للجيل الجديد إلى العمل السياسي، الذي هو أحد دعائم الديمقراطية المباشرة المشهورة بها سويسرا.
ويعتقد المحللون السياسيون، أن تلك السلبية على الحياة السياسية في البلاد قد تؤثر على مستقبل العمل السياسي، الذي يعتمد على التفاعل المباشر مع المواطنين، لذا يؤيدون مثل تلك البرامج والأفكار الجديدة التي تشجع على تفهم الحياة السياسية وعدم التخوف من الدخول فيها، لاسيما وأن غالبية تعامل الشباب السلبي مع الحياة السياسية في البلاد، يتركز في شرق سويسرا الذي يشكل 63% من السكان.
في المقابل يؤكد دانيال موزر المحاضر في المعهد التربوي في برن والمتخصص في أساليب تدريس التاريخ، أن طريقة التعامل مع مادتي التاريخ والسياسة في المدارس، قد تبدلت تماما مع نهاية الحرب الباردة في بدايات التسعينيات من القرن الماضي، وأصبح الاهتمام بالطبيعة والبيئة هو محور الدروس.
من المفارقات، أن تشقى شعوب للحصول على الحد الأدني من الحقوق الديمقراطية في التعبير عن الرأي والمطالبة بحياة سياسية صحية وسليمة، في مقابل شعوب أخرى تجهل أهمية ما لديها من إمتيازات وحقوق، أو تتكاسل في الإستفادة منها، ولكن صدق من قال “الديموقراطية كنز لا يدرك قيمتها إلا من ضاعت منه”.
سويس انفو
لا يتوجه إلى صناديق الإقتراع إلا 25% من الشبان السويسريين الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و 24 عاما.
غالبية هذه النسبة تتمركز في شرق سويسرا، في مقابل اهتمام أبناء الغرب والجنوب بالحياة السياسية في البلاد، وإن كان بنسبة اقل من المعتاد.
تراجع الإهتمام بتعليم قيم الديمقراطية ونظام الدولة في المدارس السويسرية، لاسيما بعد نهاية الحرب الباردة.
بدلا من تفسير الديمقراطية ونظام الدولة من المعاجم والكتب، ابتكر خبير تربوي سويسري أسلوبا جديدا للتعريف بتلك المصطلحات من خلال موقع تفاعلي على شبكة الإنترنت.
الطريقة تحولت إلى مادة تعليمية هامة في قاعات الدراسة، ويلجأ إليها المواطنون العاديون لفهم واستيضاح ما يخفى عليهم.
تبنى البرلمان السويسري الموقع وضمه إلى صفحاته الرسمية على شبكة الإنترنت.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.