فجوة عميقة تفصل بين السّاسة والشعب بخصوص الهوية الإلكترونية
أن تقوم بتحميل نسخة من دعوى قضائية أو بتحديث بيانات عقد التأمين الخاصة بك، أو بالتصويت بخصوص مبادرة شعبية عبر آلية الاقتراع الإلكتروني ثم أن تتمكن من إنجاز كل ذلك من خلال الإنترنت وعبر تسجيل دخول مركزي.. هذا المفتاح السحري يُسمّى الهوية الإلكترونية. وفيما أضحت هذه المُمارسة حقيقة واقعة في الخارج لكنها لا تزال مُؤجّلة في سويسرا. اليوم، تريد الحكومة والبرلمان تدارك هذا التأخير من خلال سنّ قانون جديد لكن يبدو أن الشعب غير مستعد للقبول به في الصيغة التي اقترح بها.
حاليا، تستخدم جميع الدول الأوروبية – باستثناء سويسرا – ما يُعرف بالهوية الإلكترونية (يُشار إليها اختصارا بـ eID). بطبيعة الحال، تريد سويسرا سدّ هذه الفجوة من خلال اعتماد “قانون خدمات تحديد الهوية الإلكترونيةرابط خارجي” الجديد. وبالفعل وافقرابط خارجي مجلس الشيوخ (الغرفة العليا في البرلمان الفدرالي) على التشريع الجديد يوم الثلاثاء 4 يونيو 2019 بعد أن سبق لمجلس النواب (الغرفة السفلى) أن صادق عليه في دورة الربيع الماضي.
إجمالا، يتلخّص التوجّه الرئيسي لهذا القانون الجديد في منح ضوء أخضر للقطاع الخاص، ورفع بطاقة حمراء بوجه الدولة.
في خلفية المشهد فقط..
كان من المفترض أن تقتصر مهمة الدولة على تنظيم الهويات الإلكترونية، لكن اتضح أن الكنفدرالية لا تريد القيام حتى بهذه المهمة بنفسها. إذ ينص التشريع الجديد على قيام لجنة مستقلة من الخبراء بالإشراف على مُعالجة الهويات الإلكترونية من قبل الشركات الخاصة، وعلى ضمان أمن البيانات على وجه الخصوص. ما يعني أن موقف الطبقة السياسية واضح من المسألة.
من وجهة نظر الشعب، يبدو أن القانون الجديد لم يأت متساوقا مع تطلعاته، إذا ما أخذنا بعين الاعتبار نتائج سبر للآراء نُشرت قبل بضعة أيام. فوفقًا لاستطلاع الرأي هذا، أشار 87٪ من المُستجوبين إلى أنهم لا يثقون إلا بالدولة فيما يتعلق بإصدار هويات إلكترونية، في حين قال 2٪ فقط إنهم يتركون الأمر للشركات الخاصة.
هذا الاستطلاع أنجزه تحالف مُعارض للقانون الجديد بدأ بالفعل في جمع الخمسين ألف توقيع الضرورية لفرض إجراء استفتاء شعبي لإلغائه. ويضم هذا التحالف في صفوفه بشكل خاص عددا من الجمعيات المعنيّة بحماية المستهلكين، ومنظمة “المجتمع الرقمي” “Digitale Gesellschaftرابط خارجي” ، ومنصة “Wecollectرابط خارجي” الرقمية التي يُديرها دانيال غرافرابط خارجي، أحد أنشط الداعين إلى رقمنة الممارسة الديمقراطية في سويسرا، وهناك أيضا”Crowdlobbying Switzerlandرابط خارجي” ، وهي منصة أخرى لإطلاق الحملات الرقمية.
في السياق، تقول أدريان فيشتر، الصحفية في مجلة Republik (الجمهورية) والخبيرة في مجال الديمقراطية الرقمية: “أعتقد أن الفجوة بين الطبقة السياسية والمواطنين تعود إلى أن هؤلاء (أي المواطنين) يُريدون استخدام الهوية الإلكترونية بشكل أساسي لإنجاز المعاملات الرسمية وليس للتجارة الإلكترونية”.
في مقابل ذلك، يردّ السياسيون بأن الهوية الإلكترونية التي لا تقترن بتوفير خدمات تجارية ليست جذابة للمواطنين وأن حلا “جامعا” ضروري تبعا لذلك، “لكن من الواضح أن أغلبية الشعب لا يريد ذلك فهي تقدر أن الهوية الإلكترونية – نظرًا لطابعها الفريد والمركزي – محفوفة بمخاطر كبيرة للغاية في مجال حماية البيانات”، كما تقول أدريان فيشتر.
مسألة ثقة
من جهة أخرى، ترى المتخصّصة في المسائل الرقمية أن العديد من الفضائح الأخيرة التي ارتبطت بسرقة بيانات من طرف مجموعات تكنولوجية تمثل سببا محتملا للتوجّس والريبة السائديْن في صفوف الرأي العام تجاه القطاع الخاص، وتقول: “إضافة إلى ذلك، يجد الكثير من الأشخاص أنه من المُستغرب أن يتوجّب عليهم طلب الحصول على هوية إلكترونية رسمية من منصات تداول تجارية إلكترونية خاصة أو من مصارف”، وتضيف أدريان فيشتر أن “مكتب الجوازات أو دار البلدية تُلهم المزيد من الثقة لإنجاز مهمة من هذا القبيل”.
وفي مقال نشرته مؤخرارابط خارجي، أوضحت الخبيرة أن الغالبية العظمى من الدول الأوروبية اختارت – فيما يتعلق بالهوية الإلكترونية – اعتماد حل عمومي تماما أو يمزج بين القطاعين العام والخاص على أقل تقدير. أما سويسرا، فهي إحدى الدول القليلة، إلى جانب الدنمارك والمملكة المتحدة، التي اختارت استبعاد الدولة تماما عن المسألة.
دروس مستفادة
لكن ما هي مبررات رفض السلطات السويسرية إصدار بطاقة هوية إلكترونية تحمل ختم جودة الدولة؟ تجيب أدريان فيشتر قائلة: “أعتقد أن هذا يأتي بشكل أساسي من كارثة SuisseIDرابط خارجي، ويتعلق الأمر بعلامة تجارية قامت الكنفدرالية بإطلاقها ولكن تم إصدارها من قبل شركات خاصة، إلا أنها لم تُقبل بالمرة (من طرف الجمهور). أما الدرس المستفاد من هذا الفشل فهو أنه يجب على الكنفدرالية التنحي جانبا وألا تتحمل سوى مهامّ بسيطة”.
ما الذي يعنيه هذا في الوقت الحاضر؟ “إذا ما قمنا اليوم بتفعيل نموذج غير مقبول أيضا أو لا يُوحي بالثقة، فمن الأفضل أن نُراجع الفكرة بشكل مُسبق”، كما تنصح الخبيرة. مع ذلك، فمن الممكن تمامًا أن يلقى النموذج الموكول إلى الشركات الخاصة قبولًا “قسريًا” بسبب عدم توفر بدائل حكومية.
عموما، ترى أدريان فيشتر أن العامل الحاسم سيكون – في المقام الأول – القبول بالحل السويسري واعتماده من طرف الإتحاد الأوروبي وذلك في إطار التّوجيه المعروف بـ eIDASرابط خارجي الخاص بالهويات الإلكترونية، وبالتالي “سوف يُمكن للمرء أيضًا استخدام مُعرّفه الإلكتروني (eID) لتصفح مواقع مُورّدين (موفري خدمات) أو سلطات في الخارج والاستفادة من خدماتهم”، على حد قولها.
(نقله إلى العربية وعالجه: كمال الضيف)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.